المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غرفة صفية فارغة في مدرسة بتل أبيب. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 23
  • هشام نفاع

شهد قطاع التعليم في إسرائيل مطلع هذا الأسبوع إضراباً واسعاً، إذ لم تفتح 217 مدرسة ومئات رياض الأطفال أبوابها احتجاجاً على قرار الحكومة الاقتطاع الشامل من أجور المعلمين. العديد من الطلاب بقوا في منازلهم بعد إعلان آلاف المعلمات والمعلمين أنهم مرضى ولم يأتوا إلى المؤسسات التعليمية، وذلك بعد رفض الحكومة ممثلةً بوزارة المالية تعويض العاملين في مجال التعليم عن الاقتطاع من رواتبهم، مثلما تم تعويض سائر العاملين في القطاع العام.

وفقاً لموقع "دفار"، الجريدة الإلكترونية التابعة للهستدروت، تُنفَّذ الإضرابات احتجاجاً على عدم التوصل إلى تسوية لتعويض المعلمين عن تقليص أجورهم، وهو تقليص يشكّل جزءاً من خفض شامل في أجور موظفي القطاع العام نتيجة الحرب على غزة. ومن المتوقع أن يبلغ مقدار خفض أجور المعلمين ما بين 300 إلى 500 شيكل لكل معلم. وسيُطبّق هذا التقليص بموجب قانون أُقرّ في الكنيست، يقضي بخفض أجور جميع موظفي القطاع العام بنسبة نحو 3%. وتحتج نقابة المعلمين على أنه في حين توصّلت وزارة المالية إلى تفاهمات مع كل من الهستدروت ونقابة الأطباء بشأن آليات تعويض عن خفض الأجور (مثل تأجيل زيادات الأجور المخططة، بحيث لا تُقلّص الأجور فعلياً)، فلم يُتّفق على ترتيب مماثل مع المعلمين ورياض الأطفال المنضوين تحت نقابة المعلمين.

وكانت الإجراءات الاحتجاجية قد أُعلِنت في الأصل لمطلع الأسبوع الماضي، لكن محكمة العمل أمرت نقابة المعلمين ووزارة المالية بإجراء مفاوضات إضافية للتوصل إلى حل توافقي. وخلال الأسبوع الماضي، عُقدت جلستا تفاوض، اتهمت نقابة المعلمين خلالها وزارة المالية بالمماطلة، بل إن ممثلي الوزارة لم يحضروا الجلسة الثالثة التي تم تحديدها.

المحكمة: إضراب مشروع، ويجب السماح به بشكل محدود

تعود جذور الإضراب الحالي إلى تموز الفائت، حين قامت الحكومة باقتطاع حاد بقيمة 525 مليون شيكل من الميزانية المخصصة لتنفيذ اتفاق الرواتب مع معلمي المدارس الثانوية، وذلك لغرض مواصلة تمويل تكاليف إخلاء سكان الشمال والجنوب بفعل الحرب. والأسلوب الذي اتبعته الحكومة هو خفض الميزانية، الذي يسمح لها بالامتناع عن تنفيذ اتفاقية زيادة الرواتب بالكامل. مع أن معلمي المدارس الثانوية كانوا يعملون منذ أكثر من عامين ونصف العام بدون اتفاق على الراتب.

وكانت نقابة المعلمين أعلنت الإضراب في مؤسسات التعليم – الروضات، المدارس الابتدائية والإعداديات - على خلفية تقليص أجور المعلمين وخطوات وزارة المالية في المفاوضات معهم. في المقابل، طلبت الحكومة من المحكمة اللوائية في تل أبيب إصدار أمر يوضح للنقابة أنها لا تستطيع اتخاذ خطوات تنظيمية حتى موعد الجلسة القادمة يوم الأربعاء، لضمان استمرار الدراسة كالمعتاد. لكن المحكمة رفضت طلب الدولة، وستعقد جلسة إضافية يوم الأربعاء.

وكتبت قاضية المحكمة: "اقتنعتُ بوجوب السماح لنقابة المعلمين باتخاذ خطوة تنظيمية بوقف الدراسة حتى الساعة العاشرة، ومن الساعة العاشرة فصاعداً ستجري الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية كالمعتاد"، علماً بأن الإضراب الأصلي كان مخططاً له حتى الساعة 11:00.

جاء قرار المحكمة باتجاهين، الأول قبول مطلب الإضراب لأنه ليس متعلقاً فقط بتقليص الأجور، بل يمس أيضاً بادعاء المعلمين أنهم لم يحصلوا على أيام عطلة في حين حصل عليها عاملون آخرون، وأقرت بأنه "إضراب مشروع، ويجب السماح به بشكل محدود". وبموازاة هذا تبنت المحكمة موقف الدولة القائل إن "مسارات التفاوض لم تُستنفد"، وعليه قررت أنه لا مجال لخطوات نقابية إضافية حالياً، ويجب منح فرصة أخرى لاستنفاد مسارات الحوار بين الطرفين.

وفي حين ادعى ممثل الدولة في الجلسة أن "الإضراب غير مشروع، هناك حوار جارٍ، والموضوع منظور فيه قضائياً. وقد أعطت نقابة المعلمين إشعاراً بالإضراب في اللحظة الأخيرة، وحالياً الموضوع بيد أعلى المستويات، لذا فالإضراب غير مشروع"، فقد قال ممثل نقابة المعلمين: "نحن لسنا ضد التقليصات، نحن نطالب ببديل يعادل التعويض كما في باقي القطاعات. إن للعاملين في مجال التعليم حق الإضراب".

وشددت يافا بن دافيد، السكرتيرة العامة لنقابة المعلمين: "لم يكن هناك حوار، ولم تحصل مفاوضات. طلبنا عقد لقاء منذ مساء السبت، حتى نصل إلى اتفاق. اجتمعنا الأسبوع الماضي، وتم تفجير الجلسة. قدموا لنا اقتراحات أخجل من ذكرها. لقد أعلنا عن الإضراب في وقت مبكر، ولا نسيطر على ما يحدث على الأرض. هناك استهتار، وغرور، ولا يوجد حسن نية أو نزاهة. سلوك وزارة المالية ليس جديداً، والوضع في الميدان يغلي. إلى متى ستُهان طواقم التعليم؟ المعلمون ليسوا أصحاب رؤوس أموال. مع كامل الاحترام لرئيس الحكومة لماذا انتظروا للحظة الأخيرة؟ أمس احترقت الأحراش والآن سيحرقون منظومة التربية والتعليم".

رئيس الحكومة أجبر وزارة التعليم على تغيير موقفها الداعم للمعلمين

لقد تبيّن وجود خلافات داخل الحكومة نفسها، إذ أيدت وزارة التعليم المعلمين خلافاً لموقف وزارة المالية. فوزير التعليم يوآف كيش أيّد الإضراب ورفض الاعتراض عليه أمام المحكمة، مثلما طالب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. كيش  كتب في رسالة إلى سموتريتش: "نضال المعلمين والمربيات مبرر تماماً! موظفو وزارة المالية فقدوا البوصلة. لا يُعقل أن يُعامل المعلمون والمربيات، الذين يؤدون عملاً مقدساً، بشكل مجحف مقارنة بباقي العاملين في سوق العمل في إسرائيل. سأفعل كل ما بوسعي لمساعدتهم في هذا النضال". إلى جانب بيان كيش، وقبل تقديم الحكومة طلبها للمحكمة، وقفت وزارة التعليم إلى جانب المعلمين، بل وهاجمت وزارة المالية: "دون مفاوضات حقيقية من طرف مفوض الأجور – لن يتم التوصل إلى حل. الوزارة تدعم موقف المعلمين، لن تطلب أوامر منع، وتدعو وزارة المالية للعودة إلى الطاولة والتصرف بمسؤولية. من المؤسف أن يستمر التجاهل للمشكلة المطروحة أمامنا – هذه مشكلة وطنية تؤثر على الطلاب، المعلمين والأهالي على حد سواء".

ولكن بعد أن أمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كيش بالانضمام إلى الطلب من المحكمة، تراجع الأخير، وتمكنت الدولة من تقديمه. وجاء في بيان جديد لوزارة التعليم أن الوزارة "تدعم موقف المعلمين وتؤمن بالحاجة الملحة لحل عادل. مع ذلك، فإن الإضراب في عشية خطوة حساسة – بالذات حين تتوحد الدولة كلها في حوار لحل الأمور – قد يضر بالجهود ويفوّت الفرصة للتوصل إلى تفاهم".

وفي التطورات الأخيرة، أعلنت وزارة التعليم أنه "بناء على طلب رئيس الحكومة، يُعقد اجتماع ماراثوني بمشاركة ممثلي وزارة المالية، نقابة المعلمين ووزارة التعليم – بهدف التقدم نحو حل فوري للفجوات التي ظهرت بين المالية والنقابة بشأن شروط عمل المعلمين، وضمان استقرار منظومة التعليم. ولتمكين إجراء الاجتماع بجدية كاملة، ومنع الإضرار بالطلاب والأهالي حتى انتهاء العملية – ستتوجه الحكومة إلى المحكمة بطلب تعليق مؤقت للإضراب المخطط له غداً".

وقالت صحيفة "كلكاليست" الاقتصادية إن الحل الذي يبدو في الأفق هو تقليص نسبة الاقتطاع من أجور المعلمين من 3.3% إلى ما بين 1.5% و1%، وبالتوازي، ستعوض وزارة التعليم المعلمين بعدد من أيام الإجازة لتحقيق توازن و"خلق تماثل" مع باقي موظفي القطاع العام الذين تم تعويضهم بثمانية أيام إجازة. وسيتم تقليص حجم الاقتطاع المباشر من الرواتب من خلال تحويل الجزء المتبقي إلى بدائل مثل الأقدمية، تأجيل الدرجة، والإضافات والمركّبات الأخرى. ونوّهت الصحيفة إلى أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى تفاهمات نهائية ولا يزالان يتجادلان حول بنود مختلفة محل خلاف.

موقف يميني متشدد اقتصادياً لوزير المالية اليميني المتطرّف سياسياً

بالتزامن مع المفاوضات المكثفة، واصل وزير المالية سموتريتش مهاجمة المعلمين ونقابتهم، موجهاً سهامه في مقطع فيديو إلى الأمينة العامة لنقابة المعلمين، يافا بن دافيد، إذ توجه فيه إلى المعلمين قائلاً: "يافا بن دافيد لا تقول لكم الحقيقة. الاقتطاع طُبّق على الجميع بالتساوي، لكن يافا بن دافيد قررت أن يشعر به المعلمون في الراتب الصافي، خلافاً للقطاعات الأخرى. قرار تحميل الاقتطاع على صافي رواتبكم كان من يافا بن دافيد فقط. نحن أردنا غير ذلك، وما زلنا نريد غير ذلك"، كما زعم.

مفوض الأجور في وزارة المالية، أعلن أن المعلمين الذين يشاركون في الإضراب لن يتقاضوا أجراً عن ساعات الإضراب. وأوضح أن تعريف نقابة المعلمين لساعات الإضراب بأنها "اجتماع توعوي" لا يغير شيئاً من هذا القرار. كما أوضح في رسالته أن المربيات اللاتي شاركن في الإضراب الجزئي يوم الجمعة وادّعين المرض، لن يُسجَّل لهنّ يوم مرض، بل "يوم عطلة".

موقف هذا الموظف مشتق من سياسة تمس بالحقوق النقابية الأساسية، يسعى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لفرضها. وفي سياق مطالب المعلمين، يعمل هذا الوزير منذ العام الماضي على الخصم من رواتب المعلمين الذين يشاركون في إضرابات تعلنها النقابة. والأخيرة اعتبرت تلك الخطوة جزءاً من مخطط لخصخصة نظام التعليم وتحويل المعلمين إلى موظفين متعاقدين بعقود فردية، وبالتالي ضرب الحق الأساس في تنظمهم النقابي الجماعي، ما يضعهم منفردين أمام كل محاولة حكومية قادمة للنيل من حقوق عمّالية إضافية لهم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات