المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مظاهر تلوث في خليج حيفا. (فلاش 90)

أعدّ مراقب الدولة الإسرائيلية مؤخراً "تقرير رقابة متابعة موسعاً حول موضوع الإجراءات التي تتخذها حكومة إسرائيل واستعداداتها لأزمة المناخ" العالمية، وذلك بعد نحو عامين من نشر تقرير خاص لمكتب المراقب حول هذا الموضوع في تشرين الأول 2021. ويقول معدو التقرير، إنه تم وضعه عشيّة مؤتمر المناخ الدولي COP28، الذي عقد في نهاية العام 2023. لكن لم يُطرِح هذا التقرير على طاولة الكنيست ولم يقدَّم إلى الجمهور حتّى الآن بسبب الحرب ضد قطاع غزة.

للتذكير: جزم تقرير المراقب من العام 2021 بأن معظم الوزارات والمديريات الحكومية لم تحضّر أية خطة على الإطلاق للتعامل مع أزمة المناخ. وحدّد 84% منها كمن قصّرت في هذا. بل إن 90% من تلك الهيئات لم تكلّف نفسها عناء الاتصال بوزارة المالية لتلقي ميزانيات مقرّة لهذا الغرض. وحتى "الخطة الوطنية للصحة والبيئة"، التي أقرتها الحكومة في شهر آذار 2016، لم تقدّم حتى الآن إلى وزيري الصحة وحماية البيئة لنيل التعقيب والموافقة عليها ولم يتم تقديمها لغرض الإقرار النهائي إلى الحكومة.

تقرير المتابعة الحالي يشير في مقدّمته بداية إلى وجود إجماع علمي دولي على أن انبعاثات غازات الدفيئة بالمستوى الحالي أدّت، وسوف تؤدي في السنوات القريبة، إلى ارتفاع في تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي وإلى تغييرات مناخية كبيرة. ويضيف أن جزءاً من تغييرات المناخ باتت ملموسة وتنعكس في اندلاع حرائق هائلة، موجات حر شديدة، أمطار غزيرة وعواصف، فيضانات، جفاف وغيرها من العوامل التي تتسبّب بخسائر في الأرواح والممتلكات. ويشدد على أنه وفقاً لتقييم العلماء، فإن التأثيرات الأخطر لتغييرات المناخ ما زالت أمامنا، ونتيجةً لذلك تتكون أمامنا أزمة عابرة للحدود والمجتمعات، والتي من المتوقّع أن تشمل أيضاً تدهوراً اقتصادياً، صحياً وبيئياً على مستوى العالم؛ ولمنع حدوث ذلك، يجب اتخاذ إجراءات دولية شاملة للانتقال إلى الاقتصاد الخالي من الكربون. وتم الإعلان عن حالة طوارئ مناخية في بعض الدول، وتم اتخاذ إجراءات على المستوى القومي والمحلي، من منطلق الإدراك بأن أزمة المناخ هي عامل مركزي على خارطة المخاطر، وبأن الحديث لا يدور عن مجرد موضوع بيئي له تأثيرات محدودة، بل عن أزمة يشكّل الاستعداد لها عنصراً مركزياً في الاستراتيجية الوطنية لتعزيز الحصانة العامة والاستعداد المنهجي للأزمات متعددة المخاطر. وبصفتها جزءاً من هذا العالم، يجب على دولة إسرائيل أن تلعب دوراً فعالاً في مواجهة هذه الأزمة على المستوى العالمي.

غالبية أوجه القصور لم تصحَّح بتاتاً أو لم تصحَّح بالكامل

يكتب المراقب: إنّ دراسة ومتابعة تقدّم إجراءات الحكومة في موضوع أزمة المناخ منذ نشر التقرير السابق في هذا الشأن، دفعت بي إلى اتخاذ قرار في مطلع العام 2023 بإجراء رقابة متابعة شاملة للتحقق مما إذا كانت الحكومة تعمل من أجل إصلاح أوجه القصور التي وردت في التقرير السابق، بما يتماشى مع الخطورة الكبيرة التي تواجه دولة إسرائيل والتزاماتها الدولية.

ويكشف تقرير المتابعة الموسّع هذا مجدداً عن صورة وضع مقلقة: على الرغم من أن بعض الجهات قامت بإصلاح أوجه القصور، فإن غالبيتها لم تصحَّح بتاتاً، أو لم تصحَّح بالكامل. التعامُل الحكومي مع أزمة المناخ يعاني لغاية الآن من بعض نقاط الضعف الأساسية، ومن ضمنها: عدم وجود جهة حكومية تقود هذا المجال؛ تأخير في التسوية القانونية التي تشكّل أساساً ملزِماً لإحداث تغيير حقيقي؛ عدم وجود إدارة مخاطر حكومية شاملة؛ اهتمام حكومي رديء أو غير فعال؛ إدارة السياسة من خلال قرارات الحكومة والتصريحات، بدون القيام بسيرورات واتخاذ إجراءات تسمح بالتقدّم الفعلي - وذلك يتناقض كلياً مع المخاطر الكامنة في حدوث تغييرات المناخ، والتي قد تهدد وجودنا. بهذا يمكن وصف أداء الحكومة في هذا الموضوع على أنه "إهمال وظيفي".

ويجزم التقرير بما يلي: إن عدم اتخاذ إجراءات إصلاح فعلية لسلوك دولة إسرائيل في موضوع أزمة المناخ بقيادة الحكومة ومن يترأسها، يعرّض الدولة إلى خطر مستقبلي يتعلق بالجيل الحالي والأجيال القادمة. ومع عدم وجود إجراءات حكومية تحويلية، مدمجة ومغيّرة للواقع، والتي تشمل تفعيل مجموعة من أدوات الضبط والملاءَمة التي لها وزن نوعي كبير يضمن تحقيق اقتصاد خالٍ من الكربون حتى العام 2050، فإن دولة إسرائيل ستبرز من حيث استثنائيتها على الصعيد الدولي، لا سيمّا بالمقارنة مع الدول المتطورة، وقد يشار إليها على أنها "اتكاليّة" ولا تساهم بما يكفي في الجهود الدولية.

تغير المناخ المتوقع أن تواجهه إسرائيل أكبر من المعدل العالمي

يؤكد المراقب على أن اتخاذ إجراءات واسعة النطاق في هذا المجال ضروري جداً على ضوء مصلحة الدولة الواضحة - الحفاظ على حصانة دولة إسرائيل الاجتماعية، الاقتصادية والأمنية. وبصفتها دولة تقع في بؤرة ساخنة (hotspot)، فإن تغير المناخ الذي من المتوقع أن تواجهه إسرائيل نتيجة الاحتباس الحراري سيكون أكبر من المعدل العالمي، وقد تكون له تأثيرات كبيرة على حصانتها الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية:

1.     على الصعيد الاقتصادي- المالي، من المتوقع أن تكون هناك تأثيرات على مستويين: (أ) الأضرار الفعلية لتغييرات المناخ قد تضرّ بالمحاصيل الزراعية وتؤدي إلى نقص في الغذاء، الماء، البضائع والطاقة - ممّا سيؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي، ويضر بالاقتصاد والسكان المستحقين للتقدم. هذا بالإضافة إلى الضرر المتوقع بالبنى التحتية التي تعاني عبئاً كبيراً أساساً في إسرائيل - الشوارع، منشآت تحلية المياه، منشآت الطاقة وشبكة الكهرباء، نظام المياه والصرف الصحي - حيث إن الحوادث المناخية الخطيرة الآخذة بالازدياد قد تؤدي إلى انهيارها؛ (ب) الانتقال العالمي إلى الاقتصاد الخالي من انبعاثات الكربون يشكّل "مخاطر انتقال". الاستعداد غير الكافي للجهاز الاقتصادي الإسرائيلي لمثل هذه المخاطر، وعدم إكمال إجراءات الانتقال الوطني للاقتصاد الخالي من الانبعاثات حتى العام 2050، قد يضر بقدرة بالاقتصاد الإسرائيلي على المنافسة.

على سبيل المثال، صودِق على ضريبة الكربون في الاتحاد الأوروبي، لكن ليس في إسرائيل. هذا يعني أنه بإمكان الدول في أوروبا فرض ضريبة كربون تدريجية على البضائع كثيرة الاستهلاك للطاقة، التي صُدِّرت إليها من إسرائيل، على الانبعاثات الصادرة في عملية إنتاجها، ممّا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه البضائع وقد يضر بقدرة شركات الإنتاج الإسرائيلية على المنافسة. إضافةً لذلك، فإن العوائد من هذه الضرائب لن تحوَّل إلى خزينة الدولة، بل لتلك الدول التي ستجبيها. التعامل مع تقليل الانبعاثات إلى حدّ الصفر على أنه معيار دولي متفق عليه، قد ينقل الاستثمارات الدولية في القطاعين الخاص والحكومي من إسرائيل إلى الدول التي تمارس نشاطاً اقتصادياً مستداماً.

2.     قد تكون لكل هذه الجوانب تأثيرات على الحصانة الاجتماعية في إسرائيل. أضرار تغييرات المناخ ومخاطر الانتقال قد تضر أكثر بالفئات المستحقة للتقدّم، وقد تُبقي جزءاً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي في الخلف، ممّا قد يُحدِث اضطرابات أو نزاعات اجتماعية.

3.     على الصعيد الأمني، فإن تغييرات المناخ الإقليمية التي ستحمل معها موجات حر وجفاف شديدة، ستؤدي إلى اضطرابات وعدم استقرار جيوسياسي. وهذا الأمر قد يؤدي إلى حدوث نزاعات إقليمية على الموارد الطبيعية الضرورية الناقصة (بالأخص الماء والغذاء)، وإلى تفاقم الصراعات الإقليمية والحروب، وإلى موجات لجوء من الدول المجاورة التي ساءت فيها الظروف المعيشية بسبب تغييرات المناخ والحروب.

حتى في هذه الفترة، على الحكومة عدم إهمال التعامل مع أزمة المناخ

يشير المراقب إلى أنه قبل تلخيص تقرير الرقابة، تمّ اتخاذ خطوتين حكوميتين مركزيتين في مجال المناخ: الأولى - صياغة مقترح قانون حكومي في موضوع المناخ. في حال تمّت المصادقة على هذا المقترح بصيغته التي صادقت عليها اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية، يمكنه أن يوفر حلاً محدوداً وجزئياً لضرورة النهوض بالإجراءات التي يتوجب على الحكومة والدولة اتخاذها من أجل تغيير الصورة المقلقة التي يكشف عنها هذا التقرير. الخطوة الثانية - استعداد ممثّلي الدولة لمؤتمر المناخ الدولي. نتائج هذا التقرير تبرِز الفجوات في نهج دولة إسرائيل بالمقارنة مع الأهداف التي تم وضعها على المستوى الدولي، وبالتالي يمكن اعتبار توصيات هذا التقرير بمثابة خطة عمل تهدف إلى تقليص هذه الفجوات في المستقبل.

ويشدّد على أنه يجب على الحكومة وجميع الجهات الخاضعة للرقابة أن تعمل على إصلاح العيوب وتطبيق التوصيات الواردة في هذا التقرير. ويضيف في إشارة إلى الحرب المتواصلة وآثارها المتراكمة أنه "لا مفر أمامنا، وحتى في الفترة التي نعيشها الآن حيث يتوجب على المؤسسات السلطوية التعامل مع حالة طوارئ مُركبة، يتوجب على الحكومة عدم إهمال رعاية وتمويل كل الخطوات المطلوبة للتعامل مع أزمة المناخ، وضمان مواصلة العمل الدؤوب والناجع لتطوير البرامج الضرورية لتحقيق الأهداف التي صادقت عليها الحكومة للسنوات القريبة. فإن أزمة المناخ هي أزمة مُزمنة، متواصلة وطويلة الأمد لا تتأثر بأحداث خارجية وداخلية، وتحمل في طياتها، كما هو مُفصل في تقرير الرقابة هذا، مخاطر مستقبلية فادحة لدولة إسرائيل في الكثير من المجالات، ولهذا فإنها تستوجب اهتماماً حكومياً متواصلاً وطويل الأمد".

التعامل مع التهديدات بعيدة الأمد يُلزِم باتخاذ خطوات جذرية

يخلص التقرير في موجزه إلى أن أزمة المناخ تشكل تهديداً اجتماعياً، اقتصادياً، مالياً، صحياً وأمنياً على دولة إسرائيل. ولذلك، لا يمكن اعتبارها قضية بيئية فحسب، بل أيضاً أزمة جهازية شاملة تهدد منظومات حياة عديدة لها علاقة بكافة الإجراءات الحكومية. التعامل مع هذه التهديدات بعيدة الأمد، يُلزِم باتخاذ خطوات جذرية في الوقت الحاضر، وذلك على ضوء الظروف الضبابية وبناءً على التزام الحكومة الكبير الذي ينعكس في اهتمام الحكومة على نطاق واسع في الموضوع، ومشاركة معظم الوزارات والجهات ذات الصلة الواردة في قرارات الحكومة، ومن ضمنها وزارة المالية، وزارة حماية البيئة، وزارة الطاقة، وزارة الموصلات والأمان على الطرق، وزارة الاقتصاد، وزارة الزراعة وتطوير القرية، وزارة الدفاع والجيش، مديرية التخطيط في وزارة الداخلية وغيرها، إلى جانب الجهات العامة والمهنية داخل الحكومة وخارجها. وإن دمج القوى ومشاركة الحكومة المستمرة في هذا الموضوع هو أمر ضروري للغاية لتحقيق تقدّم ثابت ومتواصل بوتيرة كافية، ممّا يضمن أن تحقق دولة إسرائيل الأهداف التي وضعتها لنفسها وأن تفي بتعهّداتها الدولية، وأنها ستقوم بذلك بطريقة تتماشى مع كونها دولة متطورة وعضوة في منظمة الـ OECD.

ويضيف: كما يجب إلقاء الضوء أيضاً على الفرص والأفضليات الكبيرة التي لم تحظ دولة إسرائيل باستغلالها، والتي قد تؤدي إلى تعزيز مكانتها الدولية والإقليمية وتوطيد علاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة، ومنحها مكانة قيادية سياسياً واقتصادياً كدولة متقدمة وعصرية تتوفّر لديها مجموعة كبيرة من الأدوات للتعامل مع الأزمة وتأثيراتها. إن الحكومة تواجه تحدياً كبيراً تكمن فيه تساؤلات عديدة من حيث إدارة المخاطر على المستوى الوطني، ويتطلّب رسم مسار لتحقيق اقتصاد خالٍ من الكربون، النموّ الأخضر والانتقال إلى الطاقة الخضراء من جهة، والاستعداد على النحو الأمثل للمخاطر الناجمة عن تغييرات المناخ على الإنسان، البنى التحتية والطبيعة من جهة أخرى.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, الكنيست, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات