المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
التدمير الحضري المنهجي للمناطق الحدودية بين إسرائيل وقطاع غزة. (عن موقع "بمكوم")

في مطلع تشرين الثاني 2023، بدأت إسرائيل العمل على إنشاء ما يسمى بـ "منطقة أمنية (آمنة)" داخلقطاع غزة. ومن المفترض أن يبلغ عرض هذه المنطقة/ الشريط نحو كيلومتر واحد، وسوف يمتد علىكامل حدود قطاع غزة مع إسرائيل (نحو 60 كيلومترا)، ويشمل مواقع عسكرية وطرقا معبدة وأجهزةمراقبة.

ولتحقيق هذا الهدف، تقوم إسرائيل الآن بتدمير ما هو موجود في الأراضي المخصصة لـ"المنطقةالأمنية": المباني السكنية والمنشآت العامة، بما في ذلك المدارس والعيادات والمساجد والحقول الزراعيةوالبساتين والدفيئات الزراعية. تستعرض هذه المقالة أهم المناطق العازلة في تاريخ إسرائيل، وتركز على مشروع إقامة منطقة عازلة في قطاع غزة في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تاريخ المناطق العازلة في إسرائيل

كان إنشاء إسرائيل المناطقَ العازلة عنصرا محوريا في استراتيجيتها العدوانية تجاه جيرانها، مما يعكسالسياق الجيوسياسي المعقد لها باعتبارها دولة تعتبر نفسها باستمرار أنها غير آمنة. وفي حين أن إسرائيل تقدم هذه المناطق العازلة كحلول أمنية، فإنها عادة ما كانت تثير نقاشات حول شرعيتها، وشرعية حدودها، وفعاليتها.

أهم المناطق العازلة في تاريخ إسرائيل هي:

  • اتفاقياتالهدنةبعد العام 1948: في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية العام 1948، لمتنشئ إسرائيل والدول المجاورة لها "مناطق عازلة" رسمية، بل اتفقت على مناطق منزوعة السلاح(DMZs) من خلال اتفاقيات الهدنة للعام والجدير بالذكر أن الاتفاق مع سورية أنشأ مناطقمنزوعة السلاح تهدف إلى منع التصعيد العسكري. غير أن هذه المناطق كانت مصدرا للتوتر، معنشوء خلافات حول استخدام الأراضي والحدود المسموحة لممارسة الأنشطة العسكرية. 
  • المنطقةالعازلةلشبه جزيرة سيناء: بعد حرب تشرين العام 1973، أنشأت معاهدة السلام بينإسرائيل ومصر العام 1979 منطقة عازلة في شبه جزيرة سيناء. وتهدف هذه المنطقة، التيتراقبها قوات حفظ السلام الدولية، إلى ترسيخ السلام بين البلدين. فقد تم تقسيم سيناء إلى مناطق A, B, C، بحيث أن كل منطقة تتيح للمصريين حرية عمل عسكري مختلفة فيها.
  • المنطقةالأمنيةفي جنوب لبنان: في أعقاب حرب لبنان العام 1982، أنشأت إسرائيل منطقةأمنية في جنوب لبنان لحماية حدودها الشمالية من هجمات منظمة التحرير الفلسطينية وحزب الله فيوقت لاحق. تم الحفاظ على هذه المنطقة حتى انسحاب إسرائيل منها بشكل أحادي الجانب في العام ويعكس إنشاء المنطقة الأمنية وتفكيكها في نهاية المطاف تعقيدات استخدام المناطق العازلةللاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. ففي النهاية، تحولت هذه المنطقة العازلة إلى "خاصرة ضعيفة" ووجهة لهجمات ضد الإسرائيليين.
  • المناطقالعازلةفي قطاع غزة: يمثل فرض مناطق عازلة على طول حدود قطاع غزة بذريعة منع تسلل المقاومة أحد أكثر الاستخدامات إثارة للجدل لمثل هذه الاستراتيجيات من قبل إسرائيل.ويمكن النظر إلى جدار العزل الإلكتروني المتطور الذي شيدته إسرائيل مع قطاع غزة (تم افتتاحه العام 2022) على أنه منطقة عازلة كونه يترك مساحات معزولة على طرفيه تمنع تسلل الفلسطينيين.  وقد فشل الجدار في حماية إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. 

ما هي المناطق العازلة من منظور إسرائيلي؟

تقوم علاقة إسرائيل بالفلسطينيين بالأساس على السيطرة على مساحات أوسع من الأراضي وإخضاعالفلسطينيين إلى المزيد من هياكل الهيمنة والتحكم والعنف. تحديدا في ما يخص الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، لا تتعلق استراتيجيات بناء المناطق العازلة بالتخفيف من التهديدات الأمنية وحسب، بقدر ما هيجزء من أهداف الهندسة المكانية والديمغرافية لقطاع غزة.

إن نية الحكومة الإسرائيلية المعلنة إنشاءَ منطقة عازلة موسعة حول قطاع غزة، ظاهريا لأغراض أمنية،تخفي أجندة أعمق وأكثر إثارة للقلق. وتهدف هذه الخطوة الاستراتيجية في الواقع إلى فرض طبقات جديدةمن الهيمنة، وتفكيك المساحات الحضرية الفلسطينية بشكل منهجي، وإعادة تشكيل النسيج الاجتماعيالمكاني للمجتمع الغزي بالقوة. إن المنطقة العازلة المقترحة، التي من المتوقع أن تكون أوسع بكثير مماكان متصورا في البداية، ليست مجرد حاجز مادي، بل هي أداة للتهجير ونزع الملكية، مما يؤدي إلى تآكلحقوق الفلسطينيين في الأرض.

وقد تم نشر صور لأقمار اصطناعية توضح كيف دمر الجيش أحياء سكنية ومباني عامة بأكملها في مناطقتبعد مئات الأمتار عن الحدود. وفي مناطق أخرى، دمرت مناطق زراعية واسعة. وترى منظمة بتسيلم أن عمليات الهدم التي تقوم بها إسرائيل لهذا الغرض محظورة وتشكل جريمة حرب: "يتم تنفيذها كإجراءوقائي يهدف إلى التعامل مع الخطر المستقبلي، والهدم لهذا السبب ممنوع منعا باتا". كما أن إنشاء منطقة"أمنية" داخل قطاع غزة سيغير الواقع الناشئ في المنطقة بشكل لا يمكن التعرف عليه وستكون له عواقبطويلة الأجل.

إن  الإعلان عن مثل هذا الشريط من شأنه أن يقلل من مساحة قطاع غزة من خلال تقليصه من نحو 360 كيلومتراً مربعاً إلى نحو 300 كيلومتر مربع. وهذا من شأنه أن يخنق القطاع الذي هو بالفعل واحداً منأكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم. ولن يتمكن عشرات الآلاف من السكان من العودة إلى منازلهم،وسيتم تدمير أحياء وحياة بأكملها بنيت هناك على مر السنين، بسبب مصادرة عشرات الكيلومترات من أصحابها، الأمر الذي يعني تهجيرا جديدا، وإزاحة جديدة للسكان، وافتعال مشاكل اجتماعية- اقتصادية لن تكون لها حلول توافقية بين المتضررين في كل الحالات. كما أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالمناطقالزراعية ستمس أيضا بقدرة سكان قطاع غزة على إنتاج الغذاء وبسبل عيش المزارعين وبالمستقبلالغذائي لسكان قطاع غزة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات