المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أشار استطلاع الرأي العام الأخير الذي نشر نتائجه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، نهاية الأسبوع الأخير، إلى تفاقم واضح في السلبية التي تميز نظرة الجمهور الإسرائيلي تجاه موضوعيّ الأمن والديمقراطية بشكل خاص، وذلك في ضوء استمرار الحرب العدوانية التدميرية على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة أشهر متواصلة وكإحدى النتائج المركزية التي أفرزتها، فعلياً حتى الآن، هذه الحرب وحقيقة استمرارها من دون أن تبدو في الأفق، من المنظور الإسرائيلي تحديداً، أية بوادر تدل على قرب انتهائها وانسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل والنهائي من هناك، من جهة، أو أي مؤشرات جدية على إمكانية تحقيق أهدافها المعلنة، من جهة أخرى.

فقد تبين من نتائج "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر كانون الثاني الأخير أن أغلبية واضحة من الجمهور الإسرائيلي (56.6%) أبدت تشاؤماً بشأن وضع دولة إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور، مقابل 38.8% فقط من المشاركين في الاستطلاع أبدوا تفاؤلاً. كذلك بالنسبة لوضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل القريب، أيضاً، عبّرت الأغلبية (52.5%) عن شعور متشائم، مقابل 41.2% من المشاركين عبروا عن شعور بالتفاؤل. 

"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي" (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية") للرأي العام والسياسات في إسرائيل مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر للشهر الأخير عينة من المستطلَعين قوامها 772 شخصاً من الذكور والإناث (619 منهم من اليهود و153 من العرب، في سن 18 عاماً وما فوق) تم استطلاع آرائهم في الأيام ما بين 28 حتى 30 كانون الثاني الماضي. وقد تناول هذا الاستطلاع، الأخير، مجموعة من القضايا والأسئلة المتداولة في الإعلام والمطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي، وأبرزها: مدى شعور الإسرائيليين بالأمن، ومدى قلقهم على الوضع الأمني المستقبلي، ومدى رضاهم عن المستوى الأمني الذي تضمنه لهم الدولة اليوم ومدى قدرة الدولة على ضمان أمن مواطنيها ـ وهي أسئلة مستحدَثة لم يكن من الممكن تصور طرحها بهذه الدرجة من الجدية والقلق قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي موازاة التساؤلات القلقة في المجال الأمني، هنالك التساؤلات القلقة أيضاً في مجال مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل، وهي التي يمكن القول، ربما، إنها تشكل "استمراراً طبيعياً ومكملاً" للتساؤلات في المجال الأمني، من حيث ديناميكية التأثير والتأثر المتبادلين التي نشأت بينهما عقب أحداث السابع من أكتوبر ثم تعززت بصورة عميقة جراء الحرب على قطاع غزة وحيال استمرارها، من جهة، ومن جراء التصعيد الحاصل على الحدود الشمالية بين إسرائيل و"حزب الله" ومآلات هذا التصعيد، من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تطرق هذا الاستطلاع أيضاً إلى الهدف المركزي الذي يجب أن تركز الحرب على تحقيقه، إلى جانب الدعوى التي قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

 الأمن والديمقراطية ـ منسوب مرتفع من التخوف والقلق

تبيّن إجابات المشاركين في استطلاع الرأي العام على السؤال حول الشعور بشأن مستقبل الوضع الأمني في إسرائيل في المستقبل المنظور، أن أغلبية 56.6% من الجمهور الإسرائيلي تشعر بأنها "متشائمة" ـ 33.4% متشائمة جداً و22.2% متشائمة كثيراً. في توزيعة المتشائمين حسب الانتماء القومي تبين أن 52.2% من اليهود هم متشائمون (34.8% متشائمون جداً و17.4% متشائمون كثيراً) مقابل أغلبية ساحقة من العرب ـ 72.1% منهم متشائمون (26.5% متشائمون جداً و45.6% متشائمون كثيراً). أما المتفائلون بشأن مستقبل الوضع الأمني في إسرائيل في المستقبل المنظور فيشكلون 38.8% من مجمل المشاركين في الاستطلاع ـ 42.5% من اليهود متفائلون (7.8% متفائلون جداً و34.7% متفائلون كثيراً) مقابل 20.6% فقط من العرب متفائلون (4.2% متفائلون جداً و16.4% متفائلون كثيراً).

في الإجابات على سؤال "إلى أي مدى، في رأيك، تنجح دولة إسرائيل اليوم في رعاية وضمان أمن مواطنيها؟"، تبين أن 54.7% من مجمل المشاركين في الاستطلاع يعتبرون أن نجاح دولة إسرائيل في هذه المهمة اليوم هو "بدرجة قليلة جداً" و(41.6%) "معدوم تماماً". وهذه نتيجة مثيرة جداً من حيث كونها غير مسبوقة في فترة ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ومما يزيدها إثارة وجدية هو أن 54% من اليهود المشاركين في الاستطلاع يعبرون عن الرأي نفسه ـ 43.4% "بدرجة قليلة جداً" 10.6% "معدوم تماماً". أما بين المشاركين العرب، فالنتائج هنا تبدو قريبة منها بين المشاركين اليهود، إذ يعبر 58% من المشاركين العرب في الاستطلاع عن عدم الرضى، المصحوب بالقلق طبعاً، من أداء الدولة وقدرتها على ضمان أمن مواطنيها ـ 32.7% يعتبرون أن نجاح الدولة هنا هو "بدرجة قليلة جداً" و25.3% يعتبرونه "معدوماً تماماً".

المشاركون الذين رأوا أن الدولة تحقق "نجاحاً في ضمان أمن مواطنيها" في الفترة الراهنة، شكلوا 39.2% من مجمل المشاركين في الاستطلاع ـ 6.1% قالوا إنه "نجاح بدرجة عالية جداً" و33.1% قالوا إنه "نجاح بدرجة كبيرة". بين هؤلاء كان 42.2% من اليهود ـ 6.5% "نجاح بدرجة عالية جداً" و35.7% "نجاح بدرجة كبيرة"، مقابل 24.5% فقط من المشاركين العرب في الاستطلاع ـ 4% "نجاح بدرجة عالية جداً" و20.5% "نجاح بدرجة كبيرة".

من المهم الإشارة هنا إلى أن نسبة المواطنين اليهود التي تعبر عن الرضى من أداء الدولة وقدرتها على ضمان أمن مواطنيها (42.2%)، ورغم أنها نسبة متدنية بالمقارنة مع نتائج استطلاعات سابقة، فإنها تعادل نحو ضعفيّ نسبة المواطنين العرب الراضين عن أداء الدولة وقدرتها على ضمان أمن مواطنيها (24.5%).

وفي التوزيعة حسب المعسكرات الحزبية ـ السياسية يتبين أن هنالك فوارق كبيرة، وخصوصاً بين النتائج التي أظهرتها استطلاعات العام 2022 والاستطلاعات الحالية: ففي العام 2022، في عهد "حكومة التغيير" بقيادة نفتالي بينيت ويائير لبيد، قالت أغلبية مصوتي "اليسار" و"الوسط" إن الحكومة تحقق النجاح الواضح في مهمة حماية أمن المواطنين، بينما لا يقول ذلك اليوم سوى الثلث من هؤلاء. في المقابل، تبدو الصورة في اليمين معاكسة تماماً ـ 30% فقط من مصوتي اليمين كانوا يعتقدون في ظل حكومة بينيت ـ لبيد أن الحكومة قادرة على توفير الأمن لمواطنيها، بينما ترتفع نسبة هؤلاء اليوم إلى نحو 50%، بالرغم من أحداث 7 تشرين الأول والحرب التي تلتها وما زالت مستمرة، ناهيك عن التوتر المتصاعد يومياً على الحدود الشمالية مع لبنان.

الهدف المركزي المرجو تحقيقه من الحرب!

جاء السؤال الذي تضمنه الاستطلاع حول الهدف المركزي المراد/ المرجو تحقيقه من الحرب التدميرية الإبادية ضد قطاع غزة بالصيغة التالية: "طُرح مؤخراً الادعاء بأن ثمة تناقضاً بين الهدفين المُعلنين للحرب ـ القضاء على حركة حماس وإعادة المخطوفين الإسرائيليين. فما هو، برأيك، الهدف الذي يجب أن يكون اليوم بمثابة الهدف المركزي الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه من الحرب؟".

على هذا السؤال جاءت الإجابات على النحو التالي: 50.6% من مجمل المشاركين في الاستطلاع قالوا إن "إعادة المخطوفين الإسرائيليين" يجب أن يكون الهدف المركزي. وهذا ما قاله أيضاً 46.8% من المشاركين اليهود في الاستطلاع و68.7% من المشاركين العرب فيه. في المقابل، قال 36.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن الهدف المركزي الذي يرجى تحقيقه من الحرب هو القضاء على حركة حماس؛ وهو ما قاله 42.3% من المشاركين اليهود في الاستطلاع، مقابل 7.7% فقط من المشاركين العرب في الاستطلاع، فيما ردّ نحو 24% من المشاركين العرب بـ "لا أعرف" (مقابل 13% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و11% من المشاركين اليهود). 

في التوزيعة الحزبية ـ السياسية، تبين أن الأغلبية الساحقة من مصوتي الأحزاب العربية وحزب العمل وحزب "يوجد مستقبل" وحزب "المعسكر الرسمي" (أي ما يسمى "جناح اليسار ـ الوسط" في الكنيست الإسرائيلي) تعتقد أن الهدف المركزي للحرب يجب أن يكون "إعادة المخطوفين"، مقابل أغلبية ساحقة من مؤيدي أحزاب اليمين تعتقد أن الهدف المركزي يجب أن يكون القضاء على حماس.

تضمن الاستطلاع هذا الشهر سؤالاً يقول: "في إطار اتفاق لإنهاء الحرب يشمل الهدوء الأمني طويل الأمد، ضمانات أميركية واتفاق سلام مع دولة عربية، مثل السعودية، توافق إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية. فهل توافق/ين؟". وجاءت الإجابات على هذا السؤال على النحو التالي: 35.8% من مجمل المشاركين في الاستطلاع ـ "مؤيدون" (15.6% مؤيدون جداً و20.2% مؤيدون). أما المؤيدون بين المشاركين اليهود فكانوا 28.9% (8.4% مؤيدون جداً و20.5% مؤيدون)، مقابل 68.1% من المشاركين العرب في الاستطلاع (50.2% مؤيدون جداً و18.9% مؤيدون).  

السؤال الأخير في هذا الاستطلاع لهذا الشهر كان حول قرارات محكمة العدل الدولية (يوم 26/1/2024) بشأن الدعوى التي قدمتها إليها جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. في الإجابات على هذا السؤال، اعتبر 44.7% من مجمل المشاركين في الاستطلاع أن قرارات المحكمة الدولية كانت "متشددة" (29.5%) و"متشددة جداً" (15.2%). وهو ما قاله 40.1% من المشاركين اليهود في الاستطلاع (16.8% ـ متشددة جداً و33.3% متشددة) و18.7% من المشاركين العرب (7.4% ـ متشددة جداً و11.3% ـ متشددة). هذا، بينما قال 40.2% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن القرارات كانت "متساهلة" (32.5%) و"متساهلة جداً" (7.7%) وهو ما قاله 39.1% من المشاركين اليهود (22.3% ـ متساهلة و5.5% ـ متساهلة جداً) و46.1% من المشاركين العرب في الاستطلاع (27.3% ـ متساهلة و18.8% متساهلة جداً). 

المصطلحات المستخدمة:

نفتالي بينيت, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات