المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مع بداية هجوم "طوفان الأقصى" صبيحة 7 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، وجدت إسرائيل نفسها أمام تهديدات عديدة، كان من أبرزها تهديد الأسلحة الصاروخية والطائرات بدون طيار التي تم استخدامها في الهجوم، وكذلك خلال عمليات "المناورة البرية" في قطاع غزة، ناهيك عن التهديدات الناشئة عن الهجمات التي نفذها حزب الله على الجبهة الشمالية والحوثيون من اليمن. هذا الأمر يُنظر إليه في إسرائيل كخطر حقيقي حتى وإن لم تتعرّض إسرائيل لغاية اللحظة لهجمات صاروخية (بما في ذلك الطائرات بدون طيار) واسعة تفوق قدرات دفاعاتها الجوية على التصدّي. وفي هذا السياق، أصدر "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب دراسة بعنوان "التهديد الجوي الذي ترعاه إيران ليس مشكلة إسرائيلية فقط" من إعداد متان ينكو أبيكسيس وليران عنتابي، يُسلّط الضوء على هذا التهديد وأبرز ما يُمكن فعله إسرائيلياً. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما ورد في هذا التقرير، مع أهمية الإشارة إلى أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه مصدرها التقرير ولا تُعبّر عن كاتب المساهمة أو مركز مدار.

يُشير التقرير في البداية إلى أن هجوم صبيحة السابع من أكتوبر الماضي والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة- "حرب السيوف الحديدية"- وضعت إسرائيل أمام أسئلة عديدة حول طبيعة التهديدات المستجدّة نتيجة استخدام أسلحة جديدة ضد إسرائيل بما فيها تلك المستخدمة جوياً؛ الصواريخ الباليستية؛ صواريخ كروز؛ الصواريخ؛ قذائف الهاون؛ الصواريخ المضادّة للدبابات؛ الطائرات بدون طيار الهجومية أو التي تستخدم لجمع المعلومات الاستخبارية، و"المسيرات" التي تستخدم لأغراض الاستخبارات وإلقاء الأسلحة وكذلك النوع الهجومي منها. هذه الأسلحة هي إيرانية الصنع، أو أنها تعتمد على تكنولوجيا إيرانية، أو تم تجميعها وتركيبها بفضل "التدريب الإيراني"، وهو الأمر الذي يُنذر- بحسب التقرير- بضرورة أن تتعامل إسرائيل بجدّية مُطلقة مع هذه التهديدات، كون أن هذا التهديد ظهر بالفعل خلال الحرب الدائرة حالياً في القطاع، والتي قد تكون مفتوحة على انضمام جبهات جديدة للقتال كالجبهة الشمالية مع حزب الله، الذي استخدم بالفعل هذه الأسلحة في المواجهة على الحدود (طائرات بدون طيار، ومسيّرات ومضادات للدبابات) بالإضافة إلى سورية التي أُطلقت من أراضيها "مسيرة انتحارية" وصلت إلى إيلات، ناهيك عن توجيه الحوثيين صواريخهم باتجاه إسرائيل وكلّ هؤلاء بالفعل هم حلفاء إيران في المنطقة.

إن الهجمات المذكورة التي يتصدّى إليها الجيش بـ "نجاح كبير" بحسب التقرير أشارت من ناحية أخرى إلى عدم جهوزية الجيش للتعامل مع التهديدات الجوية قصيرة المدى بسبب طبيعة الطبقات الدفاعية المخصصة للدفاع ضد التهديدات بعيدة المدى والتي تتصدّى بنجاح للتهديدات، وقد كان أبرزها مضادات الدبابات التي تم إطلاقها من قطاع غزة وجنوب لبنان باتجاه الآليات والدبابات الإسرائيلية التي تم تحصينها بمنظومة "معطف الريح" الدفاعية. إن هذه الحرب هي المواجهة الأولى التي تعمل فيها أنظمة الدفاع الجوي المختلفة "القبة الحديدية"؛ "مقلاع داود"؛ "يهلوم"؛ بالإضافة إلى منظومتي "السهم 2" و"السهم 3" التي نجحت بشكلٍ كبير في "إحباط" التهديدات الجوية لأول مرة في اختبار عملياتي فعلي، لكن على الرغم هذا "النجاح"؛ فإن إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل من قِبَل الحوثيين يجب أن يُثير بالفعل قلق إسرائيل وكذلك دول أخرى في الإقليم، وقد تصدّت الإمارات في السابق لمثل هذه الصواريخ، كما لوحظ تعاون- يؤكّد التقرير على ضرورة تعزيزه- بين إسرائيل وبعض الدول في التصدّي لمثل هذه التهديدات (المدمرة الأميركية USS كارني التي كانت متمركزة في البحر الأحمر واعترضت جزءاً كبيراً من التهديدات)، بالإضافة إلى السفن الحربية الإسرائيلية المزودة بمنظومة "باراك" للدفاعات الجوية، وأخيراً الاعتراض الذي نفذته السعودية التي تشترك في الرادار مع إسرائيل من خلال الولايات المتحدة، وهو ما أبرز فعالية "تحالف الدفاع الجوي" (MEAD) الذي انضمت إليه إسرائيل في حزيران الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن إطلاق الصواريخ الباليستية من قِبَل منظمات (أقل من دول) يُشير- بحسب التقرير- إلى تغيير في توزيع التقنيات المتقدمة والأسلحة الفتّاكة وبعيدة المدى التي لم تعد بذلك حِكراً على الدول فقط. إن المسؤولية المباشرة لهذه الإشكالية تقع على عاتق إيران التي عملت على مدار السنوات الماضية على تزويد حزب الله (على وجه التحديد) والمليشيات الشيعية في العراق وسورية وحماس بطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف، إلى جانب نقل المعرفة والخبرات بكيفية تصنيعها وتطويرها إلى هذه المنظمات بحسب التقرير.

إيران كدولة مصدّرة للتقنيات المتقدّمة

يُشير التقرير إلى أن صناعة المسيرات والطائرات بدون طيار شهدت ازدهاراً كبيراً في السنوات الأخيرة في إيران التي تفاخرت بقدراتها على إنتاج هذا السلاح الذي بدأت في تصنيعه منتصف ثمانينيات القرن الماضي إبان الحرب الإيرانية العراقية، حيث تم إنتاج "أبابيل 1" و"مهاجر 1" كأسلحة للمراقبة والاستطلاع، وتطورت هذه الصناعة وتقدمت باستمرار، إلى أن توسّعت في إنتاجها بشكلٍ كبير منذ العام 2014، عندما بدأ الإنتاج التسلسلي لنموذج "شاهد 129" وهي الطائرة بدون طيار الأكثر شيوعاً في البحرية الإيرانية. يؤكّد التقرير أن تنوع الطائرات بدون طيار الإيرانية يعتمد بشكلٍ أساس على قدرات "الهندسة العكسية" للطائرات بدون طيار الإسرائيلية والأميركية؛ فمثلاً طراز "شاهد 129" هو بمثابة نسخة لـ "هيرمس 450" التابعة لشركة "إلبيت" الإسرائيلية؛ طراز "شاهد 171" بمثابة نسخة عن "RQ-170" الأميركية التي سقطت في الأراضي الإيرانية في العام 2011. إن هذا الأمر يُدلل على نجاح إيران في توسيع هذا الإنتاج من حيث الحجم والإمكانيات، حيث استطاعت التغلّب على العقوبات المفروضة عليها بالتحايل عليها، كما أن توفر "التقنيات الجاهزة" في عالم المحتويات التجارية والمدنية بما في ذلك أجهزة الملاحة ووسائل التشفير والمحركات وغيرها، إلى جانب الاستثمار المحلي الضخم في المجال الهندسي، الأمر الذي سمح لها بتقليص الفجوات التكنولوجية، وإنتاج وتصدير كميات كبيرة من الطائرات بدون طيار وبأسعار مغرية جداً لمجموعة من الدول واللاعبين الذين يعملون ضد إسرائيل، وكذلك ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط.

يُشير التقرير إلى أن عملية توزيع الأسلحة الإيرانية شهدت تحولاً كبيراً في أعقاب الحرب في أوكرانيا، حيث تحولت إيران إلى مصدر عالمي مهيمن في مجال تصدير الطائرات بدون طيار وأكبر مورّد للجيش الروسي في هذا المجال، فقد زودت الجيش الروسي بثلاثة نماذج من هذه الطائرات: "شاهد 131"، "شاهد 136"، والطائرة بدون طيار الهجومية "مهاجر 6" التي يتم استخدامها لجمع المعلومات الاستخبارية وحمل الذخائر، وتمتاز هذه النماذج بسعرها الرخيص مقارنة بنظيراتها حول العالم، وقد استطاعت بالفعل أن تساعد روسيا على سد الثغرات العملياتية لصالحها خلال الحرب، ونتيجة للخبرة التي اكتسبتها الطائرات الإيرانية في الحرب في أوكرانيا أبدت دول عدّة اهتماماً بشرائها، وقد نقلت تقارير عدّة أن إيران تواجه صعوبة في تلبية الطلب المتزايد على شرائها خلال العام المنصرم، ناهيك عن بعض التقارير التي تشير إلى مساعدة روسيا لإيران في إقامة مصانع خاصة في روسيا نفسها من أجل إنتاج 6000 أداة من هذا السلاح، يُضاف إلى ذلك أنه في شهر تشرين الأول المنصرم انتهت القيود التي فرضها مجلس الأمن على قدرة إيران على التجارة بالصواريخ المتقدمة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، الأمر الذي سيسهّل على إيران تصدير هذا السلاح ليس فقط لروسيا، وإنما أيضاً لدول أخرى ربما كانت تخشى حتى الآن من التورط في التعامل مع إيران في هذا المجال بسبب القيود الدولية ومنها فنزويلا والسودان وأثيوبيا التي قامت بالشراء من إيران بالفعل وتحديداً نموذج "أبابيل".

إن هذا التطور بحسب التقرير يُشكّل تحدياً بالنسبة لإسرائيل التي تعمل على منع انتشار الأسلحة الإيرانية والحد من وصولها إلى الجهات والمنظمات الفاعلة على حدودها في السنوات الأخيرة، إذ عملت إسرائيل من خلال الغارات الجوية، أو ما يُعرف بـ "الحملة بين الحرب"، على الحيلولة دون ذلك. لكن الطائرات والأسلحة الإيرانية التي سيتم تصنيعها في روسيا ستتطلب إعداداً مختلفاً وإجراءات جديدة بالنسبة للنظام الأمني في إسرائيل بما في ذلك تغيير المفاهيم والرؤى الإسرائيلية. وهذا الأمر ربّما لن يكون كافياً، فحتى لو تمكّنت إسرائيل من منع وصول وسائل قتالية معينة إلى أيدي "أعداء إسرائيل" فذلك لا يُعدّ استجابة مرضية نظرا لتنوع الوسائل والعوامل التي تواجهها إسرائيل بالفعل، خاصة في ما يتعلّق بتهديد الجبهة الشمالية (حزب الله على وجه الخصوص). فلغاية الآن، لم تتعرّض إسرائيل لهجوم صاروخي واسع من الجبهات المختلفة يفوق قدراتها الدفاعية، لكن لا يُمكن ضمان بقاء الوضع على ما هو عليه في حالة اتساع المواجهة لتشمل الجبهة الشمالية لإسرائيل ودخول حزب الله بشكلٍ كامل. لذلك، يؤكّد التقرير أن إسرائيل مُلزمة بالتعامل بجدية مع هذه التهديدات الأمنية المستجدّة التي ستضاف إليها قدرات جديدة وعلى نطاق متعدد الجوانب في المستقبل، بما في ذلك ضرورة إحداث تغيير في الرؤى والتصورات حول التهديدات الجوية، والتعاون مع الدول الأخرى التي تشارك إسرائيل التهديدات نفسها في الإقليم كالسعودية (التي تعرّضت لهجمات مشابهة ضربت أرامكو في السنوات الماضية)، ودول خارج الإقليم كالولايات المتحدة التي حشدت قوتها العسكرية لمساعدة إسرائيل في الحرب الحالية على القطاع، والتي تعاني أيضاً من هجمات تشنّها المنظمات التابعة لإيران في العراق وسورية خلال السنوات الماضية وتصاعدت خلال الحرب الحالية.

ختاماً، يؤكد التقرير على أن أكثر من 9500 صاروخ أُطلق باتجاه إسرائيل من قطاع غزة منذ بداية هجوم السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى عشرات الطائرات المسيرة والطائرات بدون طيار، منها 3000 صاروخ في الساعات الأولى للهجوم، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية حوالي 2000 منها (فشلت بعض عمليات الإطلاق أو كانت موجهة نحو ما تحدده أنظمة الدفاع على أنها مناطق مفتوحة). وهذا النجاح النسبي في التصدّي، يُقابله فشل في اكتشاف التهديد كما حدث في حالة الطائرة بدون طيار التي وصلت إلى إيلات من سورية وتسبّبت بأضرار في المباني المدنية. لذلك، سيكون من الضروري التركيز على هذه التهديدات (وتحديداً قصيرة المدى والطائرات بدون طيار بمختلف أنواعها)؛ إذ إن الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار من قطاع غزة ولبنان، والهجمات من اليمن وسورية والعراق تشير إلى أن إيران تذهب باتجاه تقليل "خطر الصراع المباشر" مع إسرائيل من خلال الانخراط في "صراع لا مركزي" من خلال فواعل غير دولانية (منظمات أقل من دول)، وهذا الأمر يفرض على إسرائيل- وفق التقرير- أن توسّع من دائرة التعاون الإقليمي والدولي وكذلك التحالفات لمواجهة هذه التحديات وفي مقدمتها التعاون مع الولايات المتحدة التي تزود إسرائيل بالأسلحة الاعتراضية ومن ضمنها صواريخ "القبة الحديدية"، وكذلك كل من السعودية والإمارات خاصة في مجالات الاستخبارات وتكنولوجيا الاعتراض، وهي دول تتقاسم جزءاً من المصالح القليلة مع إسرائيل على الأقل في ما يتعلّق بالتهديد الإيراني.

المصطلحات المستخدمة:

باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات