المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سلّطت العديد من التقارير والتحليلات الضوء على علاقة إسرائيل بالدول حول العالم. وعلى الرغم من أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الكبرى قد نالت الاهتمام الأكبر في هذه التقارير باعتبارها دولاً منحازة لإسرائيل بشكلٍ شبه مُطلق، إلّا أن هناك من التفت إلى ضرورة أن تركّز إسرائيل أيضاً على علاقتها مع الدول المقابلة للمعسكر الغربي الذي تقوده الصين وروسيا في محاولة لفهم موقفها من الحرب الدائرة للبناء على ذلك في المستقبل بما يضمن مصالح إسرائيل. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما جاء في تقرير نشره "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" في جامعة تل أبيب بعنوان "الحرب الدائرة على قطاع غزة أضرّت بمكانة الصين في الشرق الأوسط"، أعدّته غاليا لافي، المختصة في العلاقات الإسرائيلية- الصينية. 

تجدر الإشارة إلى أن الأفكار والمصطلحات الواردة أدناه مصدرها الدراسة نفسها ولا تعبّر عن توجّهات المركز. 

يُشير التقرير إلى أن الصين أصدرت منذ بداية طوفان الأقصى صبيحة السابع من تشرين الأول الماضي موقفاً لا يختلف عن مواقفها المعتادة السابقة: الدعوة إلى الهدوء من جميع الأطراف؛ إدانة عامة للمساس بالمدنيين والعودة إلى المفاوضات على أساس حل الدولتين. بحسب التقرير، فإن الالتزام بالموقف السابق مردّه أن الصين ترى في المواجهة الحالية (طوفان الأقصى والحرب الدائرة على قطاع غزة) لا تختلف عن سابقاتها بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي تستخدم هذا الخطاب من أجل إظهار دعمها للفلسطينيين وبذلك تتقرّب أكثر من الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت، إدانة الولايات المتحدة، وتقديم نفسها بديلاً للهيمنة الأميركية التي تولّد الفتنة والصراعات، وهذا موقف لا يختلف في جوهره وظاهره عن مواقف الصين السابقة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

يُشير التقرير إلى أن الصين ارتكبت ثلاثة أخطاء؛ الخطأ الأول أنها لم تتوقع أن يكون الرد الأميركي حاسماً إلى هذا الحد، حيث أقدمت على الفور على إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة، "قطار جوي" من المساعدات العسكرية، والزيارات الفورية إلى المنطقة التي قام بها كبار المسؤولين في الولايات المتحدة وفي مقدّمتهم الرئيس جو بايدن نفسه، هذه الزيارات، تعكس من وجهة نظر التقرير رغبة الولايات المتحدة بإرسال رسالة إلى كل دول المنطقة بأن الولايات المتحدة موجودة في المنطقة وهي في ذروة قوتها وستقوم بحماية حلفائها والدفاع عنهم بشكل مباشر إذا تطلّب الأمر ذلك. الخطأ الثاني، بحسب التقرير، أن الصين لم تفهم جيداً حجم وانعكاسات ما قامت به حركة حماس في مستوطنات غلاف قطاع غزة ليس بالنسبة لإسرائيل فقط؛ وإنما أيضاً بالنسبة للعالم الإسلامي الذي سارع- بحسب التقرير- إلى التنصّل من حركة حماس وتجريم ما قامت به مستندةً بذلك إلى القيم الإسلامية. الخطأ الثالث بحسب التقرير يتمثّل في أن الصين فشلت في التمييز بين الشعب الفلسطيني وحركة حماس كـ "حركة إرهابية" كما فعلت بقية دول المنطقة التي دانت حركة حماس حتى قبل طوفان الأقصى، وخلال الأسابيع الأولى للمعركة، ورفضت المساس بـ "المدنيين" كما طالبتها بإعادة المخطوفين فوراً، كان أبرزها الموقف الإماراتي الذي وصف الهجوم صبيحة السابع من أكتوبر بـ "البربري والشنيع"، إلى جانب الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المخطوفين.

بهذه "الأخطاء" وجدت الصين نفسها في موقف غير مريح- بحسب التقرير- إذ أن عملية طوفان الأقصى أدّت إلى تحطيم "التصوّر" الذي روّجت له الصين في السنوات الأخيرة والقائل بأن الصين تعزّز من وجودها ومكانتها في الشرق الأوسط بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة منه، وهي قضية حظيت باهتمام بحثي كبير في الفترة الماضية، ولا سيّما الاستجابة التي أبدتها بعض دول الخليج لهذا التغيير واقترابها من الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية واسعة النطاق وكذلك التعاون العسكري، وقد تم تسجيل مستوى عال من التدخّل في المنطقة في شهر آذار الماضي مع توقيع الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية صينية، وهو ما جعل بكين تشعر بأنها من الممكن أن تقود "موجة من المصالحة" في المنطقة. إن تحطّم "التصوّر" الصيني بسبب التدخّل الأميركي العاجل والسريع رافقه أيضاً القضاء على أية شكوك حول مدى استعداد واشنطن للوقوف إلى جانب حلفائها في الأزمات الأمنية كما فعلت مع إسرائيل. من ناحية أخرى، يُشير التقرير إلى أن موقف دول الشرق الأوسط الواضح ضدّ حركة حماس، بدا وكأنه يدفع الصين أكثر باتجاه روسيا وإيران وسورية- وهي الدول التي تساعد الصين في خلق محور معارض للولايات المتحدة- وهي دول باتت "داعمة للإرهاب" في الوقت الحالي. إن تعزيز مكانة الولايات المتحدة باعتبارها مظلّة دفاعية أمنية في المنطقة إلى جانب وصف الصين بأنها جزء من المحور المعارض للولايات المتحدة وهو ما يعرقل رغبتها في إظهار نفسها "صانعة السلام"، دفع الصين إلى محاولة التقليل من الأضرار بحسب التقرير، وهو ما يُمكن ملاحظته من خلال التغيير الذي طرأ على الموقف الصيني في الرسائل والتصريحات الصادرة عن وزرارة الخارجية بعد أسبوعين من هجوم السابع من تشرين، والتي حاولت أن تُظهر فيها موقفاً يتماهى مع موقف الدول العربية، إلى جانب التأكيد على موقف بعض الدول العربية- "العديد من الدول العربية تشيد بموقف الصين العادل والدور الكبير الذي تلعبه كدولة مركزية ومسؤولة"- وبشكل متزامن التأكيد على رؤية الرئيس الصيني الداعية إلى ضرورة بناء مستقبل مشترك للإنسانية يساعد في الوصول إلى حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من قِبل المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، ووصولاً إلى الانضمام إلى اقتراح الأردن في الأمم المتحدة الذي تضمّن دعوة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وهذه كلها محاولات لتقليل الأضرار بالتماهي والاقتراب أكثر من موقف الدول العربية في الشرق الأوسط وإبعاد نفسها أكثر عن إيران بحسب التقرير.

بحسب التقرير، فإن مسعى الصين للتقليل من الأضرار التي خلّفتها صورتها بوصفها أكثر اقتراباً من المحور المعارض للولايات المتحدة وتحديداً إيران لم يتوقّف عند هذا الحد؛ بل قامت بإرسال تشاي جيون، مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط، في جولة إلى المنطقة كانت محطّته الأولى فيها قمّة القاهرة التي شارك فيها ممثلو دول عربية وجامعة الدول العربية وقلة من الدول الأوروبية، حيث أكّد فيها على موقف الصين الرافض لتهميش القضية الفلسطينية وأنه لا بدّ من التوصل إلى حل شامل وعادل على أساس حل الدولتين يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأكّد على أن الصين ستواصل العمل مع جميع الأطراف ذات الصلة  في المجتمع الدولي وبذل جهود متواصلة لإنهاء الحرب على قطاع غزة، وهذا ما أكّده أيضاً في زيارته لقطر ولقاء وزير خارجيتها، ومن ثم إلى السعودية والإمارات التي أجرى فيها عدّة لقاءات واتصالات قبل مغادرة المنطقة، وسط تأكيد الجهات التي التقاها المبعوث الخاص على أن دولها تعوّل على دور الصين المركزي ونفوذها من أجل التوصّل إلى حل للقضية الفلسطينية. إن استخدام الصيغة القريبة من الإعلان الصيني يُدلّل على أن الجانبين استخدما خطاباً للاستهلاك الخارجي فقط بحسب التقرير.

في نهايته، يُشير التقرير إلى أنه كلّما طال أمد الحرب، خاصة إذا امتدّت إلى ساحات أخرى، ستزيد حدّة الفرز بين إيران ووكلائها من جهة، وبين إسرائيل وأميركا من جهة أخرى، وسيستمر معه تقويض وإضعاف موقف الصين في منطقة الشرق الأوسط. وعلى عكس الصين، بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الفرز (التقسيم) إلى كتلتين في المنطقة يمنحها فرصة كبيرة لإجراء تحرّك واسع برعاية أميركية يأخذ بعين الاعتبار الدول العربية المعتدلة (دول التطبيع والتي قد تكون مهتمة بالتطبيع) في إطار بنية إقليمية جديدة تتضمّن أيضاً تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. 

المصطلحات المستخدمة:

لافي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات