المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بيّنت نتائج استطلاع للرأي العام أجري مؤخراً في إسرائيل أن غالبية ساحقة من الجمهور الإسرائيلي عامة (80 بالمئة) ومن الجمهور اليهودي خاصة (82 بالمئة) تؤمن بأن استمرار الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يعود بالضرر، أو بالضرر الجسيم، على دولة إسرائيل. ومع ذلك، فإن أغلبية كبيرة من الجمهور اليهودي تؤمن أنّ استمرار الوضع القائم هو "الإمكانية الأرجح في المستقبل المنظور"، بينما يرى نحو الثلث من المشاركين العرب في الاستطلاع أنّ "حل الدولتين هو الإمكانية الأكثر ترجيحاً من بين الإمكانيات الأخرى"، وهي النسبة ذاتها منهم التي تعتقد بأنّ الوضع سيبقى على حاله ولن يتغير في المستقبل المنظور.

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن أغلبية ضئيلة من الجمهور الإسرائيلي عامة تؤيد إجراء مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك أغلبية نسبية من بين الجمهور اليهودي (47 بالمئة يؤيدون مقابل 42 بالمئة يعارضون)، غير أنّ أغلبية كبيرة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (74 بالمئة) تبدي تشككاً حيال إمكانية أن تؤدي هذه المفاوضات إلى اتفاق سلام بين الجانبين خلال السنوات القريبة.

أما بالنسبة للحلول المحتملة للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الواقع القائم اليوم، فإنّ أياً من هذه الحلول لا يحظى بتأييد أغلبية كبيرة من بين المشاركين اليهود في الاستطلاع، بينما يحظى "حل الدولتين" (إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل) بتأييد أغلبية كبيرة من المشاركين العرب (69 بالمئة) وتأييد 38 بالمئة من المشاركين اليهود؛ وهو تأييد يفوق التأييد لأي واحد من الحلول الأخرى. ثم يليه في المرتبة الثانية، من حيث حجم التأييد، "حل الضمّ" ـ ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وإخضاعها للسيادة الإسرائيلية بصورة رسمية وإقامة دولة واحدة تحت السيادة الإسرائيلية مع منح الفلسطينيين حقوقاً مقلَّصة (30 بالمئة من المشاركين اليهود و12 بالمئة من المشاركين العرب). ويُلاحَظ أن نسبة كبيرة (69 بالمئة) من المشاركين العرب في الاستطلاع تؤيد "حل الدولتين"، رغم أن نسبة غير قليلة منهم (43 بالمئة) مقابل أقلية ضئيلة من المشاركين اليهود (11 بالمئة) تؤيد أيضاً إقامة دولة ثنائية القومية مع ضمان المساواة في الحقوق لجميع سكانها. وأما الحل الرابع المُقتَرَح، وهو إبقاء الوضع القائم على حاله، فيحظى بتأييد 28 بالمئة من المشاركين اليهود في الاستطلاع و15 بالمئة من المشاركين العرب.

هذه من أبرز النتائج التي خلص إليها استطلاع "مؤشر السلام" لشهر أيلول 2023، الذي أجرته شركة iPanel لاستطلاعات الرأي في الفترة بين 29 آب و5 أيلول الأخيرين وشمل عينة من 612 شخصاً يمثلون عينة تمثيلية للمواطنين البالغين في إسرائيل. واستطلاع "مؤشر السلام" هذا هو مشروع كان قد بادر إليه البروفسور إفرايم ياعر على خلفية اتفاقية أوسلو الأولى التي تم التوقيع عليها في أيلول 1993 وكان الهدف المركزي منه استحداث مؤشر إحصائي يتيح فحص مواقف الجمهور الإسرائيلي تجاه اتفاقية أوسلو خاصة وتجاه الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني عامة بصورة مستمرة ومنهجية، إضافة إلى قضايا أخرى تحتل صدارة جدول الأعمال العام في إسرائيل وتشغل بال المجتمع الإسرائيلي. وقد تبلور الإطار العام لهذا الاستطلاع بصورة نهائية في شهر حزيران 1994 وأصبح يُعدّ بواسطة استطلاعات شهرية للرأي العام تستند إلى عينة تمثيلية للجمهور الإسرائيلي عموماً تشمل 600 مشارك من اليهود والعرب البالغين (في سن 18 عاماً وما فوق). ويفسر القائمون على "مؤشر السلام" الحاجة إلى الاستناد إلى استطلاعات شهرية للرأي بالقول إن هذه الحاجة تنبع من التغيرات المتواترة التي تطرأ على مواقف الجمهور الإسرائيلي بشأن عملية السلام والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وخاصة خلال العقدين الأخيرين منذ استحداث هذا المؤشر.

الجريمة في المجتمع العربي ـ إجراءات ووسائل جديدة

حيال الاستفحال الخطير جداً في الجريمة المنظمة المتفشية في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، أظهرت نتائج الاستطلاع أن أغلبية ساحقة، كبيرة جداً، من بين المشاركين العرب، وكذلك اليهود، تؤيد اتخاذ المزيد من الإجراءات واستخدام المزيد من الوسائل المختلفة لمحاصرة هذه الآفة ومعالجتها. ويتفق المشاركون العرب واليهود في الاستطلاع على هذه الضرورة، حتى وإن كان الحديث يجري عن وسائل وإجراءات تتعلق بتشديد القبضة الحكومية، بما في ذلك إقحام جهاز الأمن العام (الشاباك) في هذا المجال، إضافة إلى إجراءات اجتماعية مثل زيادة الميزانيات الحكومية المرصودة للبرامج الشبابية، التعليمية والترفيهية.

مع ذلك، تبين النتائج وجود فوارق بين المجموعات بشأن الأسباب وراء تفشي آفة الجريمة المنظمة واستفحالها. فمن جهة، يتفق المشاركون العرب واليهود في الاستطلاع على أن الجريمة المنظمة نابعة من مشكلات بنيوية أساسها السياسات الحكومية تجاه المواطنين العرب في الدولة، وخاصة الغياب التام والكلي تقريباً للشرطة وعملها في مكافحة الإجرام في المجتمع العربي. وتتفق أغلبية كبيرة بين المجموعتين، العربية واليهودية، على أن أحد منابع الجريمة المنظمة في المجتمع العربي هو شح الميزانيات الحكومية المقدمة للبلدات العربية للمجالات التعليمية والترفيهية والتطويرية.

من جهة أخرى، تبين النتائج اختلافاً واضحاً وكبيراً بين المشاركين العرب واليهود في الاستطلاع بشأن دور العوامل الاجتماعية. فغالبية المشاركين اليهود تعتقد بأن الجريمة المنظمة في المجتمع العربي "تعكس، أيضاً، منظومة وقيماً ثقافية واجتماعية تقوم على العنف، تشرعنه وتشجعه في المجتمع العربي"، بينما يوافق على ذلك أقل من نصف المشاركين العرب في الاستطلاع. وتعتقد أغلبية المشاركين العرب بأن حجم الجريمة مرتبط أيضاً بالمنظومة والقيم الثقافية السائدة في المجتمع اليهودي، وخاصة تجاهل العنف الممارَس ضد المواطنين العرب، وخاصة من جانب الشرطة الإسرائيلية وأذرع سلطوية أخرى، ناهيك عن أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي ـ اليهودي. ولا يوافق على هذا الرأي سوى أقل من نصف المشاركين اليهود في الاستطلاع.

في السؤال حول مدى تأييد اتخاذ الإجراءات التالية في مكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، جاءت الإجابات على النحو التالي: * 96 بالمئة من اليهود و81 بالمئة من العرب يؤيدون تعميق وتوسيع جهود الشرطة في تطيق القانون ضد منظمات الإجرام والسلاح غير القانوني؛ * 94 بالمئة من اليهود و83 بالمئة من العرب يؤيدون تسريع إجراءات التحقيق والمُحاكمة بحق المشتبه بهم في التورط في أعمال الإجرام المنظم؛ * 82 بالمئة من اليهود و71 بالمئة من العرب يؤيدون إقحام جهاز "الشاباك" في مكافحة الإجرام المنظم في المجتمع العربي، من خلال الجهود في جمع المعلومات الاستخباراتية والتحقيق مع زعماء منظمات الإجرام والاتجار بالأسلحة غير القانونية؛ * 73 بالمئة من اليهود و80 بالمئة من العرب يؤيدون وضع خطط ورصد ميزانيات لدمج الأجيال الشابة من المجتمع العربي في سوق التعليم والعمل. 

أما في السؤال حول أسباب تفشي الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، فقد جاءت الإجابات على النحو التالي: * 88 بالمئة من اليهود و83 بالمئة من العرب قالوا إن السبب هو غياب التواجد البوليسي وتطبيق القوانين في مكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي؛ * 68 بالمئة من اليهود و84 بالمئة من العرب قالوا إن السبب هو تدني مستوى البنى التحتية والمؤسسات العامة في البلدات العربية وشح الميزانيات الحكومية المرصودة لها في مجالات التعليم، العمل والرفاه الاجتماعي، إضافة إلى الأزمة الخانقة في مجال السكن؛ * 87 بالمئة من اليهود و49 بالمئة من العرب قالوا إن السبب يكمن في القيم الثقافية والاجتماعية في المجتمع العربي، والتي تجيز استخدام العنف، تشرعنه وتشجعه؛ * 49 بالمئة من اليهود و69 من العرب قالوا إن السبب هو القيم والمنظومة الثقافية السائدة في المجتمع اليهودي والتي تتجاهل مشاكل المجتمع العربي والعنف الذي يُمارَس ضد المواطنين العرب، سواء من الشرطة الإسرائيلية أو من قطاعات مختلفة بين الجمهور اليهودي.

 

الانقلاب القضائي ـ الاحتجاج يجب أن يشمل مواضيع أخرى

القضية المركزية الثالثة التي شملها استطلاع "مؤشر السلام" لشهر أيلول الأخير هي مسألة الانقلاب القضائي، أو الانقلاب على السلطة، الذي تدفع نحوه الحكومة الإسرائيلية الحالية وائتلافها البرلماني المعتمد على "اليمين الخالص" تحت عنوان "برنامج الإصلاح القضائي". فعلى غرار ما تبين في نتائج استطلاعات عديدة أخرى حول هذه المسألة، كذلك أظهرت نتائج هذا الاستطلاع "عدم شعبية"، بأقل تعبير، الإجراءات والتغييرات التي تقود الحكومة الحالية إلى إجرائها في الجهاز القضائي الإسرائيلي.

فقد بينت النتائج أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع (51 بالمئة) تعارض هذه التغييرات، بينما يؤيدها نحو ثُلث الجمهور (37 بالمئة) فيما قال 12 بالمئة إنهم لم يحددوا موقفاً حيالها. وكما هو متوقع، فقد عكست خلافات الرأي هذه واقع الشرخ السياسي والاجتماعي الأساسي في دولة إسرائيل، إذ يحظى برنامج "الإصلاحات" بتأييد أغلبية المصوتين لأحزاب الائتلاف الحكومي الحالي والذين يعرّفون أنفسهم بأنهم يمينيون في مواقفهم الأمنية، بينما تعارضه أغلبية كبيرة من مصوتي أحزاب المعارضة البرلمانية الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم "يساريون" أو "وسطيون" في القضايا الأمنية.

بين معارضي برنامج التغييرات الحكومي، هنالك اتفاق على أن الحملات الاحتجاجية ضد هذه التغييرات يجب أن تشمل، أيضاً، العديد من المواضيع الاجتماعية والسياسية وليس لجم ووقف مشروع التغييرات في الجهاز القضائي فقط. وإلى جانب الاتفاق على ضرورة حماية الجهاز القضائي، تظهر نتائج الاستطلاع فوارق واضحة في سلم الأولويات لدى المشاركين العرب والمشاركين اليهود في الاستطلاع، وخصوصاً في المواضيع التي تخص الجيش والأمن والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

 فمن جهة أولى، يتفق معارضو التغييرات من كلتا المجموعتين، العربية واليهودية، على أن حملة الاحتجاج ينبغي أن تشمل أيضاً الأداء الحكومي في مكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي. ومن جهة ثانية، يريد المشاركون اليهود تركيز حملة الاحتجاج أيضاً في المساواة في تأدية الخدمة العسكرية في الجيش أو تأدية الخدمة المدنية، بينما يرى المشاركون العرب أن لا علاقة لحملة الاحتجاج بهذه المسألة. وفيما يرغب المشاركون العرب في الاستطلاع في أن تشمل حملة الاحتجاج مسألة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والسيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، ترى أغلبية كبيرة من المشاركين اليهود أن هذه المسألة خارج نطاق اهتمام الحملة الاحتجاجية الحالية على خطط الحكومة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات