المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعريف:

فيما يلي القسم الأخير من نصّ تحقيق مطوّل نشره الموقع الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي المستقل "شومريم" حول رئيس حزب "الصهيونية الدينية" الوزير بتسلئيل سموتريتش. وهو يعرض مواقفه من النساء والعرب، وكذلك سياسته الاقتصادية، كونه وزير المالية في دولة إسرائيل. وكما نوّهنا، فإن سموتريتش هو سياسي يحسب خطواته بعناية. والتحليل الشامل لعقيدته الأيديولوجية يقدم رؤية كونية انقلابية واضحة تتضمن الكثير من الشريعة الدينية والقليل جداً من الحوار.

العنصرية: "الأمّيون العرب يأخذون أماكن اليهود في الجامعات"!

"أنتم موجودون هنا عن طريق الخطأ، لأن (دافيد) بن غوريون لم يكمل المهمة، ولم يطردكم في العام 1948" - يبدو أنه ليس هناك تفوّه عنصري أكثر شهرة من هذا الذي خرج من فم رئيس "الصهيونية الدينية" على منصة الكنيست في تشرين الأول 2021. في تلك المناسبة وصف أعضاء الكنيست العرب بـ "داعمي الإرهاب" و"الأعداء"، وأشار إلى أن ليس لديه أي "تواصل وحوار" معهم. وفي مناسبة أخرى قال للصحافيين إن "العرب هم مواطنون في إسرائيل، في الوقت الحاضر على الأقل، ولديهم ممثلون، أعضاء كنيست، في الوقت الحاضر على الأقل".

هنا أيضاً يبدو أن الأمر ليس مجرد زلّة لسان أو عبارات قيلت في ساعة غضب. فبعد ذلك بعام، في أيلول 2022، أوضح سموتريتش، في مؤتمر "معهد السياسات لمكافحة الإرهاب" في جامعة رايخمان (هرتسليا)، أن "التهديد الأكثر خطورة اليوم هو التهديد الموجه إلينا من العناصر القومجية بين عرب إسرائيل. وكخطوة أولى في الحسم المعنوي التوعوي، آن الأوان لإخراج الأحزاب العربية الحالية في الكنيست وممثليها عن القانون".

تظهر عنصرية سموتريتش أيضاً في الاشمئزاز العميق لديه من العرب في الحياة المدنية. ونذكر على وجه الخصوص في هذا السياق تفوهاته في نيسان 2016 والتي أعرب فيها عن دعمه لفصل الأمهات العربيات المنجبات حديثاً عن الأمهات اليهوديات المنجبات حديثاً في المستشفيات. وقال في تغريدة على "تويتر": "زوجتي في الحقيقة ليست عنصرية بالمرة، ولكن بعد الولادة تريد الراحة وليس الحفلات الحاشدة المتعارف عليها لدى عائلات الأمهات العربيات. من الطبيعي ألا ترغب زوجتي في النوم بجوار امرأة أنجبت للتوّ طفلاً، قد يرغب في قتل طفلها بعد عشرين عاماً. هذا الأمر هو الأكثر طبيعية في العالم".

أما عن الطلاب العرب، فقد قال سموتريتش خلال جلسة لإحدى لجان الكنيست في تشرين الأول 2016: "إنهم لا يجتازون امتحان الذكاء البسيكومتري للقبول في الجامعة بسبب التفضيل الإيجابي. الأمّيون العرب يأخذون أماكن اليهود. أروني عربياً واحداً اجتاز امتحان البسيكومتري في الدخول إلى الجامعة".

وإذا كانت الأمور على هذه الحال، فلا عجب أن سموتريتش يعارض أيضاً إقامة مراسم يوم الذكرى البديل، وهي إحدى الفرص القليلة لحوار مباشر من الرأفة والرحمة بين الطرفين عموماً وبين العائلات الثكلى خصوصاً. وقد كتب على صفحته في موقع فيسبوك في نيسان 2018: "ليس هناك حق لحفنة صغيرة من العائلات الثكلى في أن تمسّ بمشاعر الأغلبية المطلقة، من الذين يمقتون هذه الموازاة الحمقاء بين محاربينا المقدسين وبين أعدائنا الإرهابيين والحيوانات البشرية".

وفي العام 2016، وقف سموتريتش أمام إجماع معظم رؤساء جهاز الشاباك وراء الدعوة إلى وضع حدّ للاحتلال بعد إنهاء عملهم في الجهاز، وقد فسّره على النحو التالي: "في غياب أساس أخلاقي يقوم على إيمان قوي بصوابيّة الدرب، وعلى الاعتراف بمسؤولية الطرف الآخر عن وضعه، من السهل جداً أن تتطوّر معاناة أخلاقية يلجأ في إزائها كبار عناصر المؤسسة الأمنية إلى محاولة الهرب من الواقع وتطوير واقع افتراضي من السلام وإنهاء الصراع. إن صوابيّة الدرب تستند على الإيمان بالرب ووعده الإلهي. وربما أن هذا هو السبب في أن الضباط المتدينين، الذين يأتون من مكان إيماني، يتحدثون ويتصرفون بشكل مختلف، وربما هذا هو السبب في أن هناك من يخشى منهم ومن تأثيرهم على الجيش". عن هؤلاء الضباط المتدينين قال في مؤتمر للحركة من أجل جودة الحكم في تشرين الأول الماضي: "أنتم خائفون من أنه عندما أصبح وزيراً للدفاع، سيكون لديّ عدد كبير من الجنرالات المتدينين لتعيينهم، والذين سيعيدون إلى الجيش الإسرائيلي الروح اليهودية والكرامة القومية والسعي للنصر".

عن النساء... "تزوجي وأنجبي الكثير من الأطفال من أجل إسرائيل"!

إحدى القضايا المدنية التي يتخذ في إزائها سموتريتش مواقف واضحة وظلاميّة للغاية هي تلك التي تتناول الحقوق بالمساواة الجندرية، وحرية الاختيار على خلفية جندرية والعلاقات المثلية. وفي كل ما يتعلق بالنساء، تبرز على نحو خاص أقواله على خلفية خدمتهن العسكرية.

فقد قال سموتريتش بوضوح، في مقابلة مع مجلة "ليبرال" في حزيران 2018: "أنا ضد خدمة النساء في الجيش. هذا هو موقف الحاخامية وهو موقف يلزمني. من تريد التجنّد صحتين على قلبها. لو سألتني بنتي كنت سأقول لها: ’تزوجي وأنجبي الكثير من الأطفال من أجل إسرائيل’. ولكن إذا أصرّت، سأوصيها بالذهاب إلى الخدمة الوطنية وليس إلى الجيش".

وبعد تأهيل أول امرأة طيّارة في سلاح الجو، في نفس العام، قال سموتريتش في لقاء مع الإذاعة الرسمية "كان بيت": "هناك مهن ووظائف في الحياة تناسب الرجال، وهناك أخرى للنساء، هكذا خلق الرب العالم، هكذا أفضل للعالم، والويل الويل لو أن جميع النساء يصبحن رجالاً والعكس صحيح". وحين تطرّق إلى استخدام لغة متعددة الجندر في دورات سلاح الاستخبارات، توجّه بالفعل إلى لغة الهجوم: "لجنة التحقيق الرسمية التي ستتم إقامتها هنا بعد أن يتعرض جيش الدفاع الإسرائيلي المخصي لهزيمة قاسية في الحرب القادمة، لا سمح الله، يجب أن تبدأ بمسألة هيمنة الخطاب التقدمي المجنون على جيش الدفاع الإسرائيلي. حساب تويتر الخاص بميراف ميخائيلي (النائبة الحالية والوزيرة السابقة من حزب العمل – المحرر) يمكنه تقديم الكثير من الشهادات والأدلة".

وفي كل ما يخص العنف ضد المرأة ومشروع القانون الذي تم تقديمه في هذا الشأن، كتب في منشور في العام 2020: "سيصبح القانون أداة في أيدي قضاة اليسار التقدميين، ولشديد الأسف لا ينقُصنا كهؤلاء، من أجل إعادة تربية ’مجتمعات ظلامية عفا عليها الزمن’ ومن أجل ’مساعدتها على إنشاء أسر متنوّرة’. كل وضع يبدو بنظرهم غير متساوٍ أو غير متوافق بنسبة مئة في المئة مع مفهومهم للأسرة، وبمعزل عن المسائل القيميّة والثقافية والعقلية، سوف يبرر لهم التدخل الفظّ... ليس هناك عبث يرفض جهاز القضاء احتضانه، وأنا لست مستعداً لإيداع تصميم الأسرة الإسرائيلية في أيديهم".

ولكن في حين أن سموتريتش ليس مستعدا لإيداع تصميم الأسرة الإسرائيلية في أيدي جهاز القضاء، فإنه يعيش بسلام مع الحاخامية. وفي مؤتمر عقد في جامعة بار إيلان حول موضوع الدين والدولة، في آذار 2019، سُئل عن الصعوبات التي تواجهها النساء أمام المحاكم الشرعية اليهودية، وأوضح أنه لا يرى سبباً للتحرك في هذه القضية، وأوضح: "أنا لا أرى في اليهودية أي أمرٍ تمييزي، فهي أكثر مساواة بكثير وليس فيها تشييء أو تحقير مثلما هي الحال في العالم العلماني".

وعن حملة MeToo التي قادتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" مطلع العام 2017، كتب على صفحته بموقع فيسبوك: "طالما أن هذه الحملة تشمل أورنا بناي [ممثلة إسرائيلية]، التي تصف كل العلاقات التي كانت لها مع الرجال على أنها اغتصاب واحد طويل، فإنه يُسمح لي بأن أشك في أنها ليست حملة بريئة، بل إن الهدف منها أن تكون جزءاً من تنمية الكراهية بين الجنسين وخلق نزع للشرعية عن الرجال بمجرّد كونهم رجالاً، حتى يكون أقل عدد ممكن من النساء على اتصال بهؤلاء الرجال الخطرين، وبالتالي لا يتزوجن معهم ولا يكوّنن عائلات طبيعية". وقد اقترح في مناسبة أخرى، على صفحته بموقع "تويتر"، على سبيل المثال، أن "يوظّف أعضاء الكنيست الرجال مساعدين رجالاً، وأن توطّف عضوات الكنيست مساعدات نساء".

سموتريتش "فخور برهاب المثلية" على الرغم من إعلانه التراجع عن هذا التصريح بزعم أنه لم يفهم معنى الكلمة. رئيس "الصهيونية الدينية" هو أحد منظمي "موكب الشجاعة والتواضع" المعروف باسم "موكب البهائم" والذي أقيم العام 2006 برفقة بهائم وكلاب احتجاجا على إقامة موكب الفخر في القدس. وتشير تصريحاته في السنوات اللاحقة أيضاً إلى أنه ينظر إلى المجتمع المثلي كغير طبيعي، بل ويقارن أعضاءه بالمعاقين الذين يسعون إلى تشويه الجميع. وكتب في منشور له العام 2018: "النزعة ليست محرّمة، بل إن تحقيقها محرّم بشدة... فلنقارن بين نضال أصحاب الميول المعاكسة مع نضال الأشخاص ذوي الإعاقة. تخيلوا لو أن المعاقين طالبونا جميعاً بأن نقطع أرجلنا لأنفسنا، حتى لا يشعروا بعدم الارتياح تجاه اختلافهم. هذا بالضبط ما يريده الأشخاص المثليون. من الصعب عليهم أن يشعروا بأنهم استثنائيون، ولهذا يطالبون بتحطيم مفهوم "معيار" الأسرة والعلاقة الزوجية.... وتلك، أيها الأصدقاء، هي مشكلتنا الوطنية. هذه المجموعة تتحدى كل أشكال الحياة الطبيعية لكي تستطيع الشعور بأنها طبيعية مع انعدام طبيعيتها".

عن العلم: "نظرية داروين عفا عليها الزمن"!

لا يرى سموتريتش نفسه عنصريا، بل إنه في الواقع لا يرى نفسه متطرفاً. إنه يرى نفسه بالأساس مخلصاً للروح اليهودية الحقيقية، وهي التي يتبين أيضاً أن لديها ما تقوله حتى عندما يتعلق الأمر بالعلم، وتحديداً بالاقتصاد. فمع تعيينه وزيرا للمالية، في مطلع العام الجاري، أجرى سموتريتش سلسلة من المقابلات، لكن برزت بينها المقابلة التي أجراها مع الصحيفة الأسبوعية الحريدية "مشباحا" (عائلة)، والتي أوضح فيها أنه يرفع لواء النظام اقتصادي الذي يقوم على الآية التوراتية "لو أنكم في دساتيري تسيرون".

فقد قال: "لقد تم تجريب العديد من النظريات الاقتصادية، فلقد جربوا الرأسمالية، وجربوا الاشتراكية، لكن شيئاً واحداً لم يجربوه: الرؤية الاقتصادية التي تسمى ’وكان أن سمع’. إذا طبقنا التوراة، سوف نحظى بوفرة اقتصادية ونعمة كبيرة. هذه ستكون رؤيتي الاقتصادية".

ويبدو أن مثل هذه الآراء تميّز سموتريتش، ومنذ بدايات حياته السياسية، قبل وقت طويل من توليه مسؤولية الاقتصاد الإسرائيلي. ففي لقاء مع "القناة السابعة" في كانون الأول 2015، تطرّق إلى معطيات تقرير الفقر الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني، والتي تبيّن بموجبها أن كل ثالث طفل في إسرائيل فقير، وقال: "إن الأرقام مبالغ فيها. لديّ خمسة أولاد، وأنا لا أعتقد أن اثنين منهم فقراء".

وطالما أننا نتحدث عن الاقتصاد وفهم الإحصائيات، فماذا بشأن العلم برمّته؟ لقد قال سموتريتش للقناة السابعة نفسها العام 2017 إنه يفضل التوراة. "لقد حدثت سيرورات جميعها خلقها الرب"، قال. وأضاف: "وسيكون أكثر سخافة الاعتقاد بأن كل شيء خُلق من الانفجار الكبير. وسيكون أكثر سخافة الاعتقاد بأننا جئنا من القرود. إن نظرية داروين قد عفا عليها الزمن، كما أن نظرية النشوء والارتقاء لم تعد مقبولة في عالم العلم". بالمناسبة، وفي نفس المقابلة، أجاب عندما سئل عما إذا كان يعتقد أنه سيتم تشييد الهيكل الثالث: "ليس لدي أدنى شك. سيقوم في مكانه. فهل سيسقط من السماء، من أيدي السماء أم أننا نحن من سنبنيه؟ ليس لدينا إجابة بعد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات