المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أواسط الأسبوع الماضي، عقدت لجنة رقابة الدولة في الكنيست الإسرائيلي جلسة بحثت فيها استعدادات جهاز التربية والتعليم لافتتاح السنة الدراسية الجديدة، في ضوء تقرير مراقب الدولة حول "استعدادات وزارة التربية لسوق العمل المتغير". وقد عقدت الجلسة وسط الأزمة، التي يصح اعتبارها أزمة سنويّة دائمة، والمتمثلة بتحذيرات مجدّدة لنقابة المعلمين من إضراب وتعطيل الدراسة في المدارس فوق الابتدائية بداية السنة الدراسية.

وإذا كان ممثلو نقابة المعلمين وممثلو وزارة المالية قد أشاروا قبل نحو شهر إلى عدم تفاؤلهما من التوصل إلى حل للأزمة في الجلسة، فهذه المرة أعلن رئيس النقابة ران إيرز أنه قد التقى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير التربية والتعليم يوآف كيش وأن ثمة تفاؤلاً بحل الأزمة. لكنه استدرك بأن المعلمين لن يتنازلوا عن مطالبهم؛ بمعنى أن التهديد بالإضراب ما زال على الطاولة.

بالتزامن، كانت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية قد أعلنت الإضراب في جهاز التعليم العربي، بسبب رفض وزير المالية تحويل الميزانيات المُسْتَحقَّة للسلطات المحلية العربية في إطار "هبات الموازنة"، من خلال وزارة الداخلية، والتي تبلغ 200 مليون شيكل، وهو ما كان سيعيق عمل السلطات المحلية بما يشمل خصوصاً افتتاح العام الدراسي.

وهكذا، فحتى الساعات الأخيرة عشيّة الأول من أيلول، موعد افتتاح العام الدراسي، كان الأمر كله ملفوفاً بعلامة السؤال. نقابة المعلمين أعلنت أن "سموتريتش يتخلى عن جهاز التعليم في إسرائيل. ونحن عازمون على عدم افتتاح العام الدراسي ونستعد لإضراب طويل". توجيه الاتهام إلى سموتريتش بالذات، يعود إلى اعتبار "وزير التربية والتعليم غير قادر على التدخل لأنه لا يملك صلاحية منح زيادات في الأجور أو التوقيع على اتفاقيات جماعية. وكلّ ما يمكنه فعله هو القول بأننا على حق"، أشارت النقابة، مضيفة: "أما الذي يقف في الوسط فهو وزير المالية وهو في الواقع غير مهتم". واعتبرت على لسان رئيسها: "جهاز التعليم مدمر ويتدهور. النقص في وظائف المعلمين يبلغ 20% والعديد من المعلمين يقومون بتدريس مواد لم يُصادق على تدريسها؛ ويكتظّ الطلاب في الصفوف الدراسية للتغلب على النقص بالمعلمين".

وزير التعليم يقرّ: نقص شديد في الطواقم التربوية

وزير التعليم كيش فعلاً يقرّ بالمصاعب المتراكمة. وأشار في اجتماع للجنة التربية والتعليم البرلمانية، أواسط آب، إلى النقص الشديد في الطواقم التربوية وقال: "لدينا نقص في معلمات الروضات. هناك الآن نقص بنحو 75 معلمة روضة لافتتاح السنة الدراسية القادمة في كل البلاد ويوجد نقص أيضا في المعلمين". القائم بأعمال مدير عام وزارة التربية والتعليم مئير شمعوني أضاف أنه منذ شهر حزيران وصل النقص إلى 6549 معلماً: 1266 معلماً في التعليم الخاص، 642 معلمة في الروضات، 4641 معلماً في التعليم العادي.

قبل أقل من 24 ساعة على موعد افتتاح العام الدراسي، تم التوصّل إلى اتفاق منع الإضراب في المدارس الثانوية، ونصّ على زيادة رواتب المعلمين بألفي شيكل، تدفع تدريجياً خلال عدة سنوات: 800 شيكل خلال راتب شهر أيلول الحالي، 600 شيكل في أيلول 2024،  600 شيكل يتم تقسيمها على 3 دفعات في أيلول من السنوات 2025 و2026 و2027.

كذلك، وبضلوع "جهاز الأمن العام (الشاباك)" تم تحويل الميزانيات للسلطات المحلية العربية، وأعلت لجنة الرؤساء "التعليق المُؤقَّت للإضراب المفتوح في السلطات المحلية العربية وتعليق عدم افتتاح السنة الدراسية الجديدة، كما كان مُقَرَّراً سابقاً، في بداية شهر أيلول، وكذلك تعليق باقي الإجراءات الاحتجاجية المُعْلنَة سابقاً، لمدة أُسبوعين، بحيث سيجري افتتاح السنة الدراسية الجديدة كالمعتاد، بعدما قامت السلطات المحلية العربية بالاستعداد والتجهيزات لذلك ضمن إمكاناتها المحدودة والمحدَّدَة... على أن تقوم طواقم اللجنة القطرية خلال هذه المدة الزمنية المُحَدَّدَة، بمتابعة ومُراقبة تنفيذ الحكومة لتعهُّداتها، بشكل خطي ورسمي وعملي، بما فيها تمرير القرارات اللَّازمة لذلك في إطار اللجنة المالية البرلمانية والتي ستعقد يوم الثلاثاء بتاريخ 2023/09/05".

على الرغم من التطوّر الإيجابي الذي أتاح عودة نحو مليونين ونصف مليون تلميذ بدءاً من رياض الأطفال ولغاية الصف الثاني عشر، إلى مدارسهم، فإن المشاكل المُزمنة العالقة ظلّت على حالها.

وقد تم تفصيلها وتحليل أسبابها مراراً في تقارير رسمية وأبحاث مختلفة، ولكن هذا لم يجعل أصحاب الصلاحية والسلطة يوفرون الحلول اللائقة.

إنجازات الطلاب في جهاز التعليم منخفضة مقارنة بالعالم

على الصعيد العام، يمكن التمعّن في القراءة التي قدّمها محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، مطلع العام، حول أهمية زيادة الاستثمار في جهاز التعليم لتحسين الموارد البشرية الشابة، والتي وصفها بأنها إحدى محركات النمو الرئيسة للاقتصاد. وقال في حديثه أمام مؤتمر حول الموارد البشرية وسوق العمل عقده قسم الأبحاث بالبنك المركزي، إن عملية تضييق الفجوات بين إسرائيل والاقتصادات المتقدمة الأخرى – من حيث المهارات، نجاعة العمل، عدم المساواة في الدخل، وانتشار الفقر – يجب أن تبدأ بالاستثمار في التعليم المبكر. فعلى الرغم من أن نسبة المتعلمين في إسرائيل هي من أعلى المعدلات في الدول المتقدمة، فإن إنجازات الطلاب في جهاز التعليم منخفضة مقارنة ببقية العالم، ومستوى المهارات الأساسية للعاملين في الاقتصاد أقل أيضا من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. إذ تبدأ فجوة المهارات في سن مبكرة، لذا يجب أن يبدأ علاج المشكلة في سن مبكرة لمنع استمرار الفجوة ونموها في سن متأخرة.

وتتقاطع مع هذا التحليل معطيات تناولتها لجنة التربية والتعليم في شباط الماضي، ومنها أن دولة إسرائيل تصرف عن كل طفل دون جيل 3 أعوام نحو 600 دولار سنويا، مقارنة بـ 10200 دولار في الدول الأعضاء في منظمة الـ OECD. هناك أكثر من نصف مليون طفل حتى جيل ثلاثة أعوام، نحو 60% منهم يدخلون الأطر النهارية ومن بينها الحضانات البيتية والنهارية أو رياض الأطفال. هناك نقص يصل إلى نحو 3000 حاضنة، واعترفت ممثلة وزارة التربية والتعليم في الجلسة بأن: "هناك إهمالاً بهذا الموضوع منذ 74 عاماً وبالتالي فإن إيجاد الحلول لهذه المشكلة من شأنه أن يستغرق وقتا".

كذلك، في خلاصاته هذا العام، أشار مراقب الدولة الإسرائيلية إلى أن قرارات الحكومة من السنوات الأخيرة وجهت الكثير من الموارد المالية لتعزيز المجتمع العربي وتقليص الفجوات الاجتماعية بينه وبين المجتمع اليهودي. ومع ذلك، من تحليل البيانات التي أجراها مكتب المراقب باستخدام أساليب وأدوات إحصائية متقدمة، يتبين أن جهاز التعليم الذي من المفترض أن يزود الشباب بالأدوات التي تساعدهم على الاندماج في سوق العمل عند البلوغ ومنح مساواة في الفرص للأطفال الذين يأتي معظمهم من خلفية اجتماعية واقتصادية منخفضة، لا يزودهم بالأدوات والمهارات اللازمة في سوق العمل والمؤسسات الأكاديمية. كما أن الهيئات الحكومية ذات الصلة - وزارة التربية والتعليم، وزارة المساواة الاجتماعية، مركز التعليم العالي، وزارة الرفاه، وزارة المالية، خدمة التوظيف وديوان رئيس الحكومة - المكلفة بتضييق الفجوات وسط الشباب العرب الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً لا تعمل على النحو الأمثل.

توجّه جهاز التعليم إشكاليّ في كلّ ما يتّصل بالهوية العربية

تكاد الفجوات التي يعاني منها جهاز التعليم العربي بسبب سياسة التمييز الرسمية لا تتغيّر، وأحياناً تتعمّق أكثر. يرتبط هذا بشتى أشكال النواقص: في تخصيص الموارد والبُنى الماديّة والتنظيميّة، نقص آلاف غرف التدريس ومؤسّسات التعليم المختلفة، التجهيزات في المدارس بما في ذلك تجهيزات تكنولوجيّة، مضامين رقميّة ومختبرات، عشرات آلاف الحصص التدريسيّة، قُصور في الخدمات المساندة بما في ذلك في المجال النفسيّ الاجتماعيّ والتعليم اللامنهجي. الفجوة المالية مقدّرة بنحو 2.5 مليار شيكل سنوياً علاوة على مشاكل في البُنى التحتيّة والحاجة إلى سدّ فجوات قائمة.

هذه المعطيات التي وردت في "رؤيا استراتيجيّة وخطّة لتنمية وتطوير التعليم العربي" وضعتها لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، تُضاف إليها مضامين التعليم ومعظمها "غير ذات معنى بالنسبة للتلاميذ والمجتمع العربيّ ولا تعدّ التلميذ للقرن الحالي. مناهج التعليم وخطط تعليميّة كثيرة أخرى غير مناسبة لأنها لا تنبع من احتياجات المجتمع العربيّ، لم تتمّ ملاءمتها للشروط التي تميّزها، لا تعدّ التلاميذ للعيش في واقع مركّب ولا تكسبهم مهارات الحياة في القرن الحادي والعشرين".

وتقول: "يعيش التعليم في إسرائيل وضعاً لا منطق فيه، بحيث لا يتعلّم العرب فيه عن أنفسهم بل فقط عن المجتمع اليهوديّ بموجب الرواية الصهيونيّة، بينما يتعلّم اليهود عن أنفسهم فقط ولا يتعلّمون عن العرب الفلسطينيين". كذلك، فإن جهاز التعليم يعمل انطلاقاً من توجّه إشكاليّ في كلّ ما يتّصل بالهوية وبالتربية للمواطنة في المجتمع العربيّ، يتمثّل بتجاهل هويّة التلاميذ والمعلّمين والمجتمع وبذل جهود لبلورتها وفق سياسات السيطرة. وحتى "وضع التلاميذ العرب فيما يتّصل بإجادة لغتهم الأمّ في منتهى السوء. يؤثّر هذا الوضع بشكل سلبيّ على قُدرة التفكير والتعلّم لدى التلاميذ في كلّ المواضيع".

 

تمييز فاضح في إتاحة المعلومات بالعربية في منصات وزارة التعليم

ارتباطاً بالنقطة الأخيرة أعلاه، تُشغّل وزارة التربية والتعليم 12 موقع إنترنت للطلاب في إسرائيل - منهم موقع واحد فقط مُتاح كاملاً بالعربية؛ وفي 3 مواقع فقط تتوفر مضامين ما بالعربية؛ وفي مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، انستغرام وتيك توك، تُشغّل الوزارة 23 صفحة وحساباً باللغة العبرية في مختلف الشبكات- مقابل 2 فقط بالعربية؛ أما مضامين وخدمات الوزارة في الشبكة، مثل بوابة الطلاب، المنطقة الشخصية، نتائج امتحانات البجروت، حقوق الطالب، فهي في غالبيتها غير متوفرة إطلاقا بالعربية، على الرغم من أن اللغة الأم لأكثر من ربع الطلاب في إسرائيل هي اللغة العربية وبها يتعلمون حتى الصف الثاني عشر.

هذه النتائج وردت في فحص خاص أجراه "اتحاد الإنترنت الإسرائيلي"، قبيل افتتاح السنة الدراسية الجديدة ووجد فوارق كبيرة وتمييزاً صارخاً ضد الطلاب، الأهالي والمعلمين من المجتمع العربي في إتاحة معلومات وخدمات وزارة التربية والتعليم بواسطة الشبكة.

أظهر الفحص الذي تم في إطار مساعي اتحاد الإنترنت المتواصلة لتقليص الفجوات الرقمية وتعزيز إتاحة خدمات الحكومة الديجيتالية لمجموعات الأقليات، أن وزارة التربية والتعليم تُشغّل مواقع خارجية مُستقلة لا تعمل في إطار منصة gov.il التابعة لنظام الديجيتال الوطني - وغالبيتها الساحقة غير متاحة بالعربية. على ضوء ضخامة وأهمية وزارة التربية والتعليم أيضا بالنسبة للمواطنين في المجتمع العربي، أجرى اتحاد الإنترنت فحصاً مُعمّقاً ووجد أن مضامين وخدمات الوزارة في الشبكة مثل بوابة الطلاب، المنطقة الشخصية، نتائج امتحانات البجروت، حقوق الطالب، غير مُتاحة بغالبيتها باللغة العربية. وهذا أمر خطير ويُشكل تمييزاً صارخاً ضد المواطنين العرب وينتهك حقهم في الحصول على تعليم متساوٍ ولائق من الدولة.

تبين من الفحص بأن الموقع الرئيس لوزارة التربية والتعليم لا يحتوي على زر تغيير اللغة (الذي ينقل المتصفح للموقع بلغات أخرى)، ولا يحتوي على أي مضامين بالعربية على الإطلاق. وكذلك الحال بالنسبة لـ 9 من 12 موقعاً وبوابة تُديرها وزارة التربية والتعليم، والتي توفر المعلومات والخدمات في مختلف المجالات، ومنها "بوابة الطلاب والخريجين" و "بوابة الأهالي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات