المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في إطار يوم البيئة الأخير في الكنيست، أواسط الشهر الماضي، تباهت الوزيرة عيديت سيلمان بأن "وزارة حماية البيئة توحّد الأمة بأكملها: الهواء والماء والموارد الطبيعية - كل ذلك يربطنا جميعاً معاً". بعد هذه الضريبة الكلاميّة سارعت إلى لُبّ الموضوع فقالت: "إن خطتنا للإدارة البيئية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تربطنا أيضاً"، قاصدة المشروع الأهمّ الذي تتولاّه في الضفة الغربية المحتلة "منذ اللحظة التي توليت فيها منصبي" كما قالت حرفياً، مضيفة أنها انكشفت على "مشكلة خطيرة للغاية تتمثل في عدم وجود إدارة في مجال البيئة في يهودا والسامرة. وإن تلوث الهواء من حرق النفايات في يهودا والسامرة والمخاطر البيئية الخطيرة نتيجة العواقب غير القانونية للنفايات في المنطقة، تضر بنا جميعاً - بغض النظر عن الدين أو الجنسية. سنواصل العمل مع جميع الهيئات الحكومية ذات الصلة لتحسين نوعية الحياة لجميع سكان المنطقة ولحماية البيئة والصحة العامة".

كالمتوقع، وافقت الحكومة على اقتراح هذه الوزيرة "لتعزيز معالجة المخاطر البيئية وتعزيز إنفاذ البيئة في منطقة يهودا والسامرة، بما في ذلك ميزانية لنقل ومعالجة النفايات من 33 موقعاً في يهودا والسامرة، وكذلك للنقل من قرى المنطقة إلى محطة انتقالية"، كما جاء في بيان للوزارة.

لكن مقابل هذا، وبالتزامن، تتواصل المشاريع الاستيطانية المدمّرة للبيئة. وهو ما يثير علامات السؤال على النوايا. مثلا، كشفت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية أن اللجنة العليا الإسرائيلية للتخطيط تقدمت في حزيران الماضي بطلب لإنشاء المنطقة الصناعية الاستيطانية "بوابة السامرة" على أراضي قرى سنيريا ورافات والزاوية الفلسطينية، شمال الضفة الغربية، بحيث ستكون أكبر منطقة صناعية بمساحة تبلغ مليوني متر مربع، وبجانب المناطق الصناعية والتجارية ستبنى مبان تعليمية ومكتبية ومجمعات رياضية وترفيهية وسياحية. هذا مع أن المنطقة مشبعة بالمناطق الصناعية، أي أن المخطط سيلحق أضراراً جسيمة بالطبيعة. ويوجد في الضفة الغربية نحو 25 منطقة صناعية إسرائيلية تضم أكثر من 300 منشأة، تتفاوت من الصناعات الخفيفة حتى البلاستيك والمبيدات وصولاً إلى الصناعات العسكرية، وهناك ما يقارب 29 منشأة لإنتاج مواد كيماوية يتركز معظمها في منطقة "نيتساني شالوم" شمال الضفة الغربية ومجمع "بركان" الصناعي بالقرب من رام لله.

تعميق وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على جميع أنحاء الضفة الغربية

المشروع "البيئي" المذكور أثار انتقادات ومخاوف من النوايا الخفيّة الواقفة خلفه. فقد كتبت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" الصادرة عن "مركز العمل التنموي" الناشط في التنمية المجتمعية والتطوير المؤسسي، أن "الذريعة الإسرائيلية المعلنة هي أن ’النفايات التي تُحرق في الضفة الغربية تعد مصدراً خطيراً لتلوث الهواء، ما يؤثر على مئات الآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين’، بمعنى أن الحكومة الإسرائيلية تسوّق نفسها بمظهر الحريص على المنظومة البيئية والصحية للمستوطنين الغزاة والفلسطينيين في الضفة على حد سواء". وتنوّه إلى أن الوزارتين اللتين تتوليان المشروع "يترأسهما وزيران عنصريان متطرفان، وزيرة البيئة عيديت سيلمان، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، اللذان يعدّان الضفة الغربية جزءاً من ’أرض إسرائيل’".

وتضيف المجلة أن "القرار الحكومي الجديد سيسمح بتوسيع التشريعات البيئية في إسرائيل لتشمل الضفة الغربية، هذا الوضع يخدم اتجاه الحكومة الفاشية نحو تعميق وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على جميع أنحاء الضفة الغربية، دون أي اعتبار للتقسيمات الجغرافية الإسرائيلية الاستعمارية- A, B, C- المُوّقعة من قبل رموز فلسطينية رسمية. والمشاريع الإسرائيلية الضخمة في الضفة الغربية حصلت في السنوات الأخيرة، على الموافقات والتصاريح من الجهات الإسرائيلية المعنية، وتحديداً وزارات البيئة والبنى التحتية والمالية والدفاع، إضافة إلى "الإدارة المدنية".

الأمر نفسه توقفت عنده صحيفة "هآرتس"، وشدّدت على أن "المسؤولية عن معالجة النفايات وراء الخط الأخضر مرتبطة بقدر كبير بانعدام الحوكمة في مجال البيئة داخل إسرائيل نفسها، وإضعاف إسرائيل المتواصل للسلطة الفلسطينية وتقويض قدرتها على أن تكون مسؤولة على جزء من المنطقة جعلها تفقد قدرة فعلية بالإشراف على إخلاء النفايات".

OECD: اعتماد الممارسات التنظيمية البيئية المفيدة في إسرائيل بطيء

إن وضع وزراء هذه الحكومة جهودهم في "مشروع بيئي" في الضفة الغربية تحديداً، هو أمر متوقع، ولكنه يظل عاجزاً عن إخفاء مدى التردّي والتدهور في العديد من الملفات ذات الصلة. فقد كتبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية (OECD)، في تقريرها الأخير الذي تناول سياسات البيئة في إسرائيل، أنها "ليست على المسار الصحيح" لتحقيق أهدافها المناخية.

وقالت المنظمة: "رفعت إسرائيل طموحاتها المناخية في السنوات الأخيرة. لقد حددت هدفاً لخفض غازات الاحتباس الحراري بنسبة 85% للعام 2050، بالإضافة إلى أهداف قطاعية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري من توليد الكهرباء والنفايات الصلبة والنقل والصناعة. كما أعلنت عن الطموح العام للتخلص من الكربون بحلول نفس العام. ومع ذلك، فإن إسرائيل ليست على المسار الصحيح للوصول إلى هذه الأهداف بالإجراءات الحالية وستحتاج إلى إدخال أهداف إضافية في جميع القطاعات. سيكون اعتماد مشروع قانون المناخ الذي وافقت عليه الحكومة مع أهدافه الملزمة خطوة مهمة في هذا الاتجاه".

وأكدت المنظمة أن "مصادر الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة في إسرائيل هي ثاني أصغر حصة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتحتاج إسرائيل إلى تعزيز وإزالة الحواجز الإدارية لمنشآت الطاقة الشمسية وتسريع دمج المصادر المتجددة في شبكة الكهرباء. ولغرض معالجة اعتمادها الكبير على السيارات، يجب على إسرائيل تطوير استراتيجية متماسكة مشتركة بين مؤسساتها لانتقال منخفض الكربون في قطاع المواصلات وإعطاء الأولوية للاستثمار في المواصلات العامة".

على الرغم من النجاحات في إدارة المياه ما زال تلوث المياه يمثل مشكلة

وفقاً للتقرير الدولي، فإن إسرائيل هي واحدة من أكثر الدول التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم، حيث تستهلك الزراعة أكثر من نصف استهلاك المياه. لمعالجة ندرة المياه، استثمرت الدولة بشكل كبير في إعادة استخدام المياه العادمة وتحلية مياه البحر على نطاق واسع. إسرائيل هي أكبر مستخدم لمياه الصرف الصحي المعاد تدويرها للزراعة، من بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. تحلية المياه تؤمن إمدادات البلاد من مياه الشرب. كما أحرزت إسرائيل تقدماً ملحوظاً في تحسين تخصيص المياه بين القطاعات والطبيعة من خلال تطوير وتنفيذ خطط الأنهار وتقديم حوافز للمزارعين لتقليل استخراج المياه في مواقع المنبع. ومع ذلك، ما زالت المياه السطحية والجوفية ملوثة. تحتاج إسرائيل إلى الاستمرار في تقليل استهلاك المياه العذبة في الزراعة من خلال التخطيط الأفضل لتخصيص المياه، وتحديث البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي بالكامل.

تقول المنظمة إن الإطار التنظيمي البيئي في إسرائيل مجزأ وعفا عليه الزمن جزئياً. لا يغطي التقييم البيئي حتى الآن جميع المشاريع والسياسات والخطط والبرامج ذات التأثير البيئي الكبير المحتمل. ويخضع نظام التصاريح البيئية للعديد من القوانين المتباينة والمتعلقة بقضايا محددة. وسيكون اعتماد مشروع قانون الترخيص البيئي الذي وافقت عليه الحكومة في العام 2022 خطوة مهمة نحو التكامل الموضوعي لشروط التصاريح البيئية عبر الوسائط البيئية على أساس أفضل التقنيات المتاحة.

وزادت قدرة الدولة على رصد الامتثال البيئي وإنفاذ القانون على مدى العقد الماضي لكنها لا تزال غير كافية. تتم عمليات التفتيش في الغالب من خلال الحوادث أو الشكاوى. بيانات الامتثال غير مكتملة وغير متسقة. ينبغي لإسرائيل أن تعزز الاستهداف القائم على المخاطر لرصد الامتثال وأن تشارك في تعزيز الامتثال بشكل أكثر نشاطا مع التركيز بشكل خاص على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. كما يحتاج أيضاً إلى تحسين التقارير المتعلقة بالامتثال وإدارة البيانات.

لا يوجد لدى إسرائيل حتى الآن إطار تشريعي واضح لإدارة النفايات

تطمح إسرائيل إلى "صفر نفايات" بحلول العام 2050. ومع ذلك، ساهم النمو الاقتصادي والسكاني المستدام في إسرائيل على مدى العقد الماضي وغياب سياسات إدارة النفايات القوية في زيادة مستويات النفايات الصلبة البلدية، في حين أن دفن النفايات (80%) ظل على حاله. هذا في حين تهدف استراتيجية الاقتصاد المستدام للنفايات (2021-2030) إلى تقليل نصيب إجمالي النفايات الصلبة البلدية المدفونة إلى 20% وزيادة إعادة تدوير النفايات الصلبة البلدية إلى 54%، مع تقليل انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات بنسبة 47% مقارنة بمستويات العام 2015. ومع ذلك، لا يوجد لدى إسرائيل حتى الآن إطار تشريعي واضح لإدارة النفايات.

صحيح أن إسرائيل اتخذت عدداً من الخطوات الرئيسة لدفع أجندة الاقتصاد التدويري والخالي من النفايات. وتشمل هذه فرض ضريبة على بعض العناصر ذات الاستخدام الفردي، وتوسيع نظام استرداد العبوات البلاستيكية والزجاجية، واعتماد قانون التغليف، وإنشاء صندوق النظافة لسد فجوة البنية التحتية لمعالجة النفايات. مع ذلك، يستمر حرق النفايات في الهواء الطلق بشكل غير قانوني في مناطق معينة من البلاد.

ناشطون: الانقلاب القضائي يهدد بمفاقمة السياسات المدمّرة للبيئة

يربط ناشطون كثُر بين الانقلاب القضائي الذي تقوده الحكومة وبين خطر تفاقم المخاطر البيئية. فمدير عام منظمة "إنسان وطبيعة وقانون" عميت براخا يقول في مقابلة لصحيفة "كلكاليست" إن هذه الخطوات "ستؤدي إلى فوضى رهيبة، ستكون في إطارها السلطة التنفيذية غير مقيدة وقادرة على العمل دون ضوابط وتوازنات وكوابح. يمكن أن يؤدي هذا إلى دفع السياسيين، الذين من المفترض أن يعملوا من أجل الصالح العام، إلى تفضيل المصالح الضيقة مثل الاهتمام بأصحاب السلطة، وليس الاهتمام بالبيئة وصحتنا. سيكون من الأسهل على الوزراء إعطاء الأولوية للمصالح التجارية دون مراجعة قضائية، حتى لو كان القرار قد يكلف خسائر في الأرواح. وهذا يعني أنه سيكون من الممكن إنشاء صناعة ملوثة بالقرب من المنازل السكنية، وما لم يكن المواطنون في هذا الحي قريبين من صانعي القرار - فلن يكون هناك من يحميهم".

وهو يعطي أمثلة على خطوات خطيرة لم يكن منعها سيتسنى من دون تدخل قضائي، فيقول: "السماح بشواطئ سباحة الدخول إليها ليس مجانياً، عدم حظر بناء أحياء سكنية على الأراضي الملوثة، عدم إعداد خطة للحد من تلوث الهواء المميت في إسرائيل - هذه كلها قرارات نقضتها المحكمة بعد التماساتنا، من أجل المصلحة العامة، لأنها كانت غير معقولة". ويضيف أن "شطب علّةنأن "شطبأن "شطبلبببب المعقولية سيجعل الوزراء قادرين على طرد المهنيين دون سيطرة، وتعيين مساعدين دون معرفة وخبرة. ومسؤولو وزارة حماية البيئة يتعاملون مع الأرواح البشرية، وقد يكون المعنى في مثل هذه الحالة مدمراً".

ويعتبر مدير هذه المنظمة أن الحكومة الحالية هي"الأسوأ على الإطلاق في مجال حماية البيئة في إسرائيل. فقد صرحت الحكومة أنها ستصدر قانونا مناخيا طموحا في غضون ستة أشهر. لم يحدث هذا حتى الآن، وهي تعمل بحزم على إعطاء الأولوية للمصالح التي لا تتوافق مع المصلحة البيئية. الحكومة تعيدنا أجيالاً إلى الوراء. تلغي القرارات السابقة اللازمة للحد من غازات الدفيئة والعناية بالبيئة والهواء النظيف. على سبيل المثال، إلغاء الضريبة على الأدوات التي يمكن التخلص منها؛ إضعاف قانون إنفاذ قانون الهواء النظيف، بحيث يمكن لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم أن تصدر انبعاثات تتجاوز حدود تصريح الانبعاثات وتلوث أكثر؛ المزيد من التصاريح للتنقيب عن الغاز؛ عدم العمل على إغلاق مدافن النفايات التي ينبعث منها غاز الميثان وتساهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وأكثر من ذلك. هذه حكومة تخرق القانون. في الميزانية الحالية، كان من الضروري تخصيص أموال لتعزيز الطاقة المتجددة. قررت الحكومة انتهاك القانون واضطررنا إلى اللجوء إلى المحكمة العليا. إنها ساحة من الفوضى المناخية والبيئية. لا توجد وجهة نظر منهجية فيما يتعلق بالمخاطر البيئية ولا المخاطر الاقتصادية والصحية والأمنية لعدم التعامل مع أزمة المناخ. من أجل الوصول إلى أهداف المناخ، يجب أن تحدث معجزة أو استمرار الكذب على الجمهور وإخباره أنه يوجد تقدّم"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات