المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لطالما اعتبرت قضية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بمنزلة درة التاج في العلاقات العربية الإسرائيلية، وواحدة من الأهداف التي سعت إليها حكومات إسرائيل المختلفة، لا سيما في ظل الحكومات التي ترأسها رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، خاصة بعد صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتولّيه هذا المنصب الرفيع وتحوله إلى شخصية مركزية في السعودية ومشروعه الإصلاحي الداخلي والخارجي، وتركيز نتنياهو على الملف الإيراني ومساعيه الحثيثة في محاولة لتشكيل تحالف إقليمي في مواجهة جهود إيران في تطوير برنامجها النووي ومواجهة تغلغل نفوذها في الشرق الأوسط، وهو صوّر هذا التحالف على أنه يصلح قاعدة تشكل قاسما مشتركا في مواجهة ما يسميه (التهديد الإيراني).

تعزز هذا التطلع بعد توقيع إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع دول خليجية وعربية فيما عرف باتفاقيات أبراهام، التي انطلقت في العام 2020 في إعلان مشترك أميركي إسرائيلي إماراتي تبعته مملكة البحرين، وأعطت مؤشرات ايجابية في ما اعتبر ضوءاً أخضر سعودياً داعما لهذه الدول للمضي قدماً في هذه الاتفاقيات.

تبعت هذه الاتفاقيات تسريبات تحدثت عن لقاءات سرية جمعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونتنياهو في السعودية، واتصالات متبادلة بين المسؤولين، بالإضافة إلى لقاءات أجراها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهين مع مسؤولين سعوديين، وهو ما نتج عنها برعاية أميركية الإعلان عن السماح للطيران المدني الإسرائيلي بالتحليق والمرور في الأجواء السعودية.

 

تطبيع من أجل التطبيع

اعتبر بنيامين نتنياهو أن توقيع اتفاقيات تطبيع أو تدشين علاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان) ينسف كليا المقاربة القديمة التي سادت في السابق عند توقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية مثل مصر والأردن، والتي قامت على أساس الأرض مقابل السلام، وكانت مقرونة بتقديم (تنازلات) إسرائيلية عن أراض سيطرت عليها بقوة الاحتلال العسكري، وربط تطبيع العلاقات مع الدول العربية بحل القضية الفلسطينية، معتبرا أن تطبيع العلاقات يخدم المصالح المشتركة بين هذه الدول وإسرائيل، وأنه قادر على تحقيق المنفعة المشتركة سواء الاقتصادية أو في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية والأسلحة، ومواجهة الأخطار والتهديدات التي تمثلها تطلعات إيران الإقليمية على أمن ومصالح تلك الدول (وإسرائيل).

ساهم وجود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفريقه المحافظ في البيت الأبيض، والعلاقة الخاصة التي جمعت بينه وبين نتنياهو وحكومته، والتقاطع في الرؤية والموقف من الاتفاق النووي الذي عقدته إدارة الرئيس أوباما مع إيران، في جعل هذه الاتفاقيات ممكنة، وتمليك إسرائيل أدوات ضغط وتحفيز قدمتها إلى هذه الدول إما على شكل أسلحة متطورة أو اعتراف بمطالب سياسية مثل الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية.

وعلى الرغم من الإشارات الإيجابية التي أرسلتها السعودية والتي عبرت عن استعدادها للمضي قدما في مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإنها لم تتقدم في هذا المسار وبقيت تعلن أن هذا الأمر مرهون بإنجاز تقدم في مسار العملية السياسية وحل القضية الفلسطينية تمشيا مع مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية في العام 2002 والتي رهنت أي تقدم في العلاقة مع إسرائيل بحل عادل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية والحد الأدنى المطلوب فلسطينيا.

امتاز الموقف السعودي بالتروي والحذر وعدم الحسم، بسبب مكانة السعودية الدينية والسياسية، وعدم وضوح مستقبل نتنياهو السياسي بسبب الأزمة الداخلية التي قادت إلى تكرار عملية الانتخابات وعدم قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة، وسقوطه في النهاية لصالح "حكومة التغيير" التي شكلها خصمه يائير لبيد مع نفتالي بينيت وبيني غانتس، وأخيرا سقوط إدارة ترامب في العام 2020 وصعود إدارة أميركية ديمقراطية برئاسة جو بايدن تناصب بن سلمان العداء.

عودة نتنياهو وإحياء المشاريع حيال إيران والسعودية 

في خطابه الذي عرض فيه أمام الكنيست تشكيل حكومته الجديدة المكونة من ائتلاف أحزاب اليمين الديني واليمين القومي المتشدد، وبرنامج حكومته والخطوط العريضة التي ستسعى لتحقيقها، تعهد نتنياهو بمواصلة مساعيه لـ "منع إيران من امتلاك سلاح نووي" و"توسيع وتعميق دائرة التطبيع" مع دول عربية أخرى ومن ضمنها المملكة العربية السعودية.

وينظر نتنياهو إلى أن وجود علاقات طبيعية مع السعودية ينطوي على مكاسب استراتيجية لإسرائيل وله شخصيا، وللإرث الذي يريد أن يتركه خلفه.

إن أهمية السعودية تكمن في كونها ستفتح الباب أمام دول إسلامية أخرى لم تطبع علاقاتها حتى الآن مع إسرائيل، وذلك بحكم ثقلها السياسي والاقتصادي والديني، كما أنه سيخرج إلى النور التحالف الإقليمي في مواجهة إيران، بالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية الكبرى التي ستعود على إسرائيل من وراء مثل هكذا اتفاق، حيث أشار تقرير للبنك الدولي نشر في العام 2022 إلى أن السعودية التي تعد صاحبة أكبر اقتصاد نفطي في الشرق الأوسط تحتاج إلى التكنولوجيا الإسرائيلية التي تعتبر الدولة رقم واحد في هذا المجال وهو ما سيخرج صناعات التقنية الحديثة (الهايتك) الإسرائيلية من أزمتها التي خلفتها خطة إضعاف القضاء التي يقودها نتنياهو، وإن اتفاقا بين السعودية وإسرائيل سيساهم في زيادة الناتج القومي للبلدين بـ100 مليار دولار في السنة، وسيوفر مليون فرصة عمل جديدة.

اعتبر المدوّن الإسرائيلي أوفير أنجل في مقال نشره في مدونته في 1/6/2023 أن اتفاق تطبيع علاقات بين السعودية وإسرائيل سيخفف التوتر الأمني وبالتالي سيؤدي إلى تقليص الإنفاق العسكري في إسرائيل، كما أنه سينعش الصناعات العسكرية بسبب حاجة السعودية إلى منظومات السلاح الإسرائيلية المتطورة، وأكد أنه قادر على إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي.

من جانبه يمكن لولي العهد السعودي أن يحقق من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أهدافا تتعلق بأمن السعودية من حيث التسليح وعقد اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، وهو ما سيعزز مكانة السعودية ومكانة بن سلمان.

الولايات المتحدة أيضا يمكنها من خلال هكذا اتفاق أن تحقق مكاسب أمنية وسياسية من خلال ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وتأمين أمن حلفائها، وأن يسجل الرئيس بايدن إنجازا تاريخيا في سياساته الخارجية عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة في العام 2024.

 

الاتفاق الإيراني السعودي

اعتبر إعلان التوصل إلى اتفاق يعيد تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية في 10 آذار 2023 بمثابة ضربة قاتلة لجهود نتنياهو، وتعبيرا عن حجم التحولات في السياسة الدولية وتراجع دور ومكانة واهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، وهو ما سينعكس حتما على فرص تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية.

مجلة فوربس الإسرائيلية اعتبرت في عددها الصادر في 3 نيسان 2023 أن الاتفاق السعودي الإيراني "لا يرقى إلى كونه اتفاقا استراتيجيا، بل تطبيع علاقات وتقليل للاحتكاك" بين البلدين، الا أنه يعبر أيضاً عن "قلق سعودي جراء انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة" وهو يعد من "الأخبار السيئة لإسرائيل" لأنه سيعني ضمناً "تراجع فرص تشكيل تحالف إقليمي ضد إيران" تقوده الولايات المتحدة.

تتجاهل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الواقع الجديد المتشكل جراء هذا الاتفاق، اذ اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في تصريح نقله موقع "مكور ريشون" في 31 أيار 2023  أن "التطبيع بين السعودية وإسرائيل مسألة لا تخضع لسؤال إن كانت ستحصل، بل متى"، وهو ما كرره مهندس اتفاقيات أبراهام ورجل أسرار نتنياهو يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، الذي قال في اجتماع لمعهد أبحاث الأمن القومي في 28 أيار 2023 إنه وبناء على "معرفته الشخصية" بالأشخاص الفاعلين في المنطقة فإن "التطبيع مع السعودية ممكن" معتبراً أن هذه الخطوة هي "خطوة في الاتجاه الصحيح" لكنها تحتاج إلى "إدارة بشكل صحيح مع وجود ضمانات أميركية وتصريحات تتعلق بالقضية الفلسطينية".

لا تشكل القضية الفلسطينية عقبة وفق يوسي كوهين كونها "لا تتطلب خطوات محددة" ويمكن لتصريحات أو توجهات أن تفي بالغرض، خاصة وأن كوهين يدرك القيود التي تكبل نتنياهو في ائتلافه الحالي، وهي ادعاءات سبق أن أطلقها مبعوث أوباما السابق إلى إسرائيل، مارتين إنديك، حيث نقلت صحيفة "معاريف" تصريحاته التي قال فيها في 23 آذار 2023 إنه "لا علاقة للقضية الفلسطينية بالاتفاق السعودي الإسرائيلي" وأن مطالب الرياض تتركز في قضايا تخص أمنها.

 

فرص وقيود 

على الرغم من إدراك نتنياهو أهمية تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وتكرار تصريحاته التي تنم عن ثقته بإمكانية التوصل إلى مثل هكذا اتفاقية، والفرص الكامنة فيها للبلدين، فإن هناك الكثير من العقبات التي تحول دون ذلك، وليس آخرها الاتفاق الإيراني السعودي الذي اعتبر موقع "مكور ريشون" في 31 أيار 2023 أن الاتفاق "يشكل فرصة" لإسرائيل والسعودية، كونه سيحد من قدرة إيران على التدخل وتهديد أمن السعودية إذا ما وقعت الاتفاق.

طبيعة العقبات تكمن في نتنياهو أولا، ونظريته التي يعتقد فيها أن بالإمكان عقد اتفاقيات تطبيع مع دولة بحجم السعودية دون تقديم أي شيء تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما رفضه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في تصريح لموقع بلومبرغ في 19/1/2023 إذ اعتبر أن "إقامة دولة فلسطينية شرط مسبق لتطبيع العلاقات" مع إسرائيل. كما كشف المراسل العسكري لقناة 12 نير دفوري في 24/5/2023 أن شروط السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل تتضمن "فتح عملية سياسية مع الفلسطينيين" وهو ما يتطابق مع تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تقريره بتاريخ 14 آب 2022 والذي شدّد على تصريحات ولي العهد السعودي التي قال فيها إن "إسرائيل شريك محتمل إذا ما حلت القضية الفلسطينية".

تمسك المملكة العربية السعودية بربط القضية الفلسطينية بالتطبيع مع إسرائيل يفرغ نظرية نتنياهو من مضمونها.

وتمثل تشكيلة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي من أحزاب اليمين المتطرف والمستوطنين عبئا كبيرا على نتنياهو، يكبّله ويحد من هامش المناورة أمامه للمضي قدما في هذا المسار.

إذا ما أضفنا إلى هذه الكوابح الثقيلة، الأزمة الإسرائيلية الداخلية التي تفجرت عقب إعلان حكومة اليمين عن سلسلة إصلاحات قضائية تهدف إلى إضعاف منظومة القضاء الإسرائيلي، والمعارضة الأميركية لها، وحالة الاحتجاج الواسعة ضدها، واتخاذ إدارة بايدن موقفا سلبيا من حكومة نتنياهو تمثلت في عدم دعوته حتى الآن إلى البيت الأبيض، وبالتالي سحب ورقة التأثير على موقف الولايات المتحدة من السعودية ومحمد بن سلمان شخصيا، فإن نتنياهو يفقد آخر أوراقه، بعد الاتفاق الإيراني السعودي، في تحفيز السعودية على التضحية بمكانتها من أجل عقد اتفاق تطبيع مجاني مع إسرائيل.

لن تتوقف ماكينة نتنياهو الدعائية عن نشر أخبار حول إمكانية وقرب التوصل إلى اتفاق تطبيع علاقات سعودية إسرائيلية، وذلك لخدمة أغراضه الداخلية، لكن على أرض الواقع لن تكون بيده أي مقومات لعقد مثل هكذا اتفاق في ظل سياسته الداخلية وموقف الإدارة الأميركية من حكومته وتشكيلة ائتلافه المتطرف، وهو ما سيعني أن أحلامه الكبرى بإرث يخلد سيرته بكونه مؤسساً للعلاقات العربية الإسرائيلية، سوف تتلاشى على أرض الواقع الصلبة وغير المواتية التي خلقها بنفسه ربما من خلال اختيار شركائه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات