المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عرض بحث جديد أجراه معهد الأبحاث والمعلومات في الكنيست فجوات واضحة في نسب توزيع الطلاب الذين يدرسون في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل، من حيث المجموعة الاجتماعية والاقتصادية التي ينتمون إليها. وهو ما يظهر في نوع الشهادة ونوع المؤسسة الأكاديمية. وتتطرق هذه المعلومات إلى صورة الوضع في العام 2022، وهي تشكل تحديثاً لمعلومات – لم تختلف تقريباً – طرحها المعهد في أبحاث سابقة له.

وتجدر الإشارة إلى هذه الفجوات موجودة ومتواصلة بين مجموعات السكان بموجب مقدرتهم الاقتصادية وتدريجهم الاجتماعي، على الرغم من أن إسرائيل تعتبر في المراكز المتقدمة الأولى على مستوى العالم، بعد كندا ولوكسمبورغ، في نسبة المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 – 64 عاماً الحاصلين على تعليم فوق ثانوي وأكاديمي (نسبتهم تصل إلى 50%)، كما ورد في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الـOECD أواخر 2021.

يقول معدو البحث من معهد أبحاث الكنيست إن البيانات المحدّثة تُظهر أن السكان الذين ينتمون إلى المجموعة 1-2 يعانون من نقص حاد في التمثيل في جميع المؤسسات التعليمية العليا وجميع أنواع الشهادات، من البكالوريوس حتى الدكتوراه مروراً بالماجستير. أما السكان الذين ينتمون إلى المجموعات 3-4 فإنهم ممثلون تمثيلا ناقصا إلى حد كبير في الجامعات (كل أنواع الشهادات). ومن ناحية أخرى هذه المجموعة ممثلة بفائض أكبر في دراسات شهادة الماجستير في الكليات الأكاديمية "غير المدرجة في الميزانية"، أي الكليات الخاصة، وفي كليات التربية الأكاديمية.

في المقابل، فإن السكان في المجموعات الأقوى (7-10) ممثلون تمثيلا زائدا على نحو جدي في معظم المؤسسات (وخاصة الجامعات) وفي جميع مراحل درجات وشهادات التعليم.

وهكذا فإن فرص الشاب الذي يأتي من العناقيد 9-10 للدخول إلى نظام التعليم العالي حتى سن الثلاثين عاماً أعلى بـ 4.2 مرة من فرصة الشاب الذي يأتي من المجموعات، 1-2، وأعلى بـ2.1 مرة من الشاب الذي ينتمي لخلفية اجتماعية-اقتصادية متوسطة.

فجوات "متوارثة" من المراحل السابقة

يشير البحث بشكل خاص إلى أن البلدات الواقعة في مجموعات المكانة الاجتماعية والاقتصادية الدنيا تشمل مجموعات سكانية "يعتبرها مجلس التعليم العالي من المجموعات المستهدفة" والتي "يجب العمل لزيادة إمكانية وصولها إلى نظام التعليم العالي من أجل دمجها في التوظيف والمجتمع في إسرائيل". وهو يذكر البلدات التي يقطنها العرب واليهود الحريديم تحديداً.

فبحسب معطيات تقرير أحجام الفقر وعدم المساواة في المدخولات الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني للعام 2021 يمكن الإشارة إلى زيادة في عدد الفقراء بنحو نصف بالمائة في العام 2021 مقارنة بالعام 2020. في العام 2021 كان هناك ما يقرب من 2 مليون فقير في إسرائيل، حوالي 850 ألف منهم من الأطفال، ونحو 200 ألف مسن. وتم تسجيل نسب عالية من الفقر في المجتمع العربي (حوالي 46.3%) وفي المجتمع الحريدي (حوالي 42%).

لاحظ البحث أيضاً أنه كثيراً ما يتم في السنوات الأخيرة فحص مسألة الفجوات في التعليم العالي بين المجموعات المختلفة في السكان، كإشارة بالتلميح إلى أنها ما زالت على حالها تقريباً. ويورد على سبيل المثال وثيقة منشورة في تشرين الأول 2021 للمعهد نفسه، وقد احتوت على بيانات عن الطلاب الجدد وفقاً للوضع الاجتماعي والاقتصادي. وأكدت بوضوح أن فرصة الشباب من خلفية اجتماعية واقتصادية عالية لبدء التعليم للقب الأكاديمي الأول، البكالوريوس، حتى سن الثلاثين أكبر بكثير من فرصة الشباب من خلفية ضعيفة اقتصادياً.

وفقاً لتحليل معطيات هذه الأبحاث، عند فحص هذه البيانات، يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار حقيقة وجود فجوات تعليمية كبيرة بين المجموعات السكانية من خلفية اجتماعية واقتصادية مختلفة، حتى قبل أن يصلوا إلى مرحلة التعليم العالي، وهو ما يؤثر على قدرتهم على الاندماج في جهاز التعليم العالي. أي يمكن القول إن هذه الفجوات في التعليم العالي "متوارثة" من الفجوات القائمة في مراحل التعليم التي سبقته.

على سبيل المثال، معدل استحقاق الحصول على شهادة الثانوية (بجروت، بتسميتها الشائعة في إسرائيل) في المجتمع الحريدي منخفض جداً. ومعدل استحقاق الحصول على شهادة الثانوية بين الطلاب من خلفية اجتماعية واقتصادية ضعيفة، في المجتمع اليهودي غير الحريدي وفي المجتمع العربي (وخاصة العرب البدو)، منخفض أيضاً بالنسبة إلى المعدل بين أولئك الذين يأتون من خلفية اجتماعية واقتصادية قوية.

المجموعة الاجتماعية- الاقتصادية تؤثر أيضاً على ما يتعلمونه

إن البحث الحالي والسابق يعيدان التأكيد على أن الفجوات على الخلفية الاجتماعية الاقتصادية "متوارثة" عملياً أيضاً، ليس قياساً بما يعيشه الطالب الفردي من وضع اقتصادي، بل يمتد ليتأثر بما عاشه أهله هذه الخلفية نفسها. فمثلا: وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، هناك علاقة واضحة بين تعليم الوالدين وتعليم أبنائهم. وفقاً لمؤشر تم تطويره من قبل المكتب، في العام 2019، كانت فرص الحصول على تعليم عالٍ بين الأطفال في سن 30 عاماً مع حصول أحد والديهم على الأقل على درجة أكاديمية، أعلى بمرتين ونصف المرة من فرص أولئك الذين يفتقر أهلهم إلى مثل هذا التعليم. واتضح أن المجموعة الاجتماعية والاقتصادية لا تؤثر فقط على عدد المتعلمين، ولكن أيضاً على ما يتعلمونه. وكلما انخفض، زادت نسبة الطلاب الذين يدرسون التعليم والتدريب للتدريس، أو المهن الطبية المساعدة. من ناحية أخرى، كلما ارتفعت الكتلة الاجتماعية والاقتصادية، زادت نسبة الطلاب الذين يدرسون الهندسة والعمارة والرياضيات وعلوم الكمبيوتر والطب والفن.

نشر مجلس التعليم العالي معطيات مفصلة عن السنة الدراسية 2020/2021، إذ وصل قرابة 58000 طالب وطالبة يشكلّون نحو 30% من الدارسين للبكالوريوس (لقب أول) من بلدات تتواجد في العناقيد الاجتماعية – الاقتصادية المتدنية (عنقود 1 – 4). يبرز تواجد ونسبة الطلاب أبناء هذه البلدات بشكل خاص في الكليات الأكاديمية المدعومة من قبل لجنة التخطيط والموازنة، حيث بلغت نسبتهم 35% من طلبة البكالوريوس (لقب أول)، وذلك مشابه لنسبة المجتمعات التي تعيش في هذه العناقيد والتي بلغت 36%.

وضمن ما وصفه مجلس التعليم العالي "إتاحة التعليم العاليّ للمجتمع العربيّ" هناك نحو 58000 طالب وطالبة من المجتمع العربيّ في التعليم العالي، يشكّلون نحو 17% من مجمل الطلاب في إسرائيل، مقارنة بنسبتهم البالغة 21% من المجتمع. إنها زيادة بنسبة 122% منذ مطلع العقد المنصرم.

وضمن "برنامج التميّز في صفوف أبناء الجالية الأثيوبية" تحدّث المجلس عن زيادة بنسبة 45% في عدد الطلاب من أبناء الجالية الاثيوبية للبكالوريوس (اللقب الأول) في السنوات الستّ الماضية – من 2608 في السنة الدراسية 2014/15 إلى 3782 في 2020/21. نسبتهم من مجموع الطلاب بلغت نحو 1.5%، مقارنة بنسبتهم في المجتمع عامة – 1.7%. وكذلك "زيادة بعدد الطلاب الحريديم" والأرقام هي: نحو 15350 طالباً حريدياً – زيادة قرابة 2000 طالبة وطالب يشكلون ما نسبته 15% بعدد الطلاب مقارنة مع السنة الدراسية 2020/2021، 4.6% من مجمل الطلاب في إسرائيل، مقارنة بـ13% وهي نسبتهم في المجتمع.

"وضع التعليم العالي في إسرائيل في القرن الـ 21 مثير للقلق"

هذه الفجوات تثير أسئلة في داخل مؤسسات الحكم أيضاً. ففي ورقة صادرة عن السكرتارية التربوية في وزارة التربية والتعليم، تم إيرادها في كتاب لمنهاج تعليم موضوع "المدنيات"، طُرح السؤال: هنالك فجوات كبيرة بين تحصيل الطلاب من مجموعات سكانية مختلفة داخل الدولة، هذه النتائج تثير القلق، كيف ستنجح دولة مع فجوات كبيرة كهذه في التحصيل التعليمي، بتقليص الفجوات في الدخل في المستقبل؟ وتضيف أن وضع التعليم العالي في إسرائيل في القرن الـ 21 مثير للقلق. المعطيات المختلفة تظهر انخفاضا كبيرا في مكانة إسرائيل ومكانتها بالنسبة إلى الدول المتطورة الأخرى، وبالذات في كل ما يتعلق بالاستثمار في الطلاب، وفي اجتذابهم إلى المواضيع العلمية. الإنفاق على الطالب الجامعي انخفض في السنوات الـ 15 الأخيرة بنسبة 60% (نسبة إلى الناتج المحلي الخام)، كما انخفضت نسبة زيادة عدد الطلاب في المواضيع العلمية (نسبة إلى عدد السكان)، إذ تحتل إسرائيل المرتبة الأخيرة بين دول الـOECD.

كذلك، عبّر محافظ "بنك إسرائيل" أمير يارون في مؤتمر حول الموارد البشرية وسوق العمل عقده قسم الأبحاث بالبنك (كانون الأول 2022) عن قلق مشابه، مؤكداً على أهمية الاستثمار في نظام التعليم لتحسين الموارد البشرية الشابة، والتي وصفها بأنها أحد محركات النمو الرئيسية للاقتصاد. وبعد الإشارة إلى أن البنك يعمل جاهدا لتقديم توصيات محدثة للحكومة القادمة حول كيفية تعزيز الموارد البشرية، أوصى بأن عملية تضييق الفجوات بين إسرائيل والاقتصادات المتقدمة الأخرى – من حيث المهارات، نجاعة العمل، عدم المساواة في الدخل، وانتشار الفقر – يجب أن تبدأ بالاستثمار في التعليم المبكر. فعلى الرغم من أن نسبة المتعلمين في إسرائيل هي من أعلى المعدلات في الدول المتقدمة، فإن إنجازات الطلاب في نظام التعليم منخفضة مقارنة ببقية العالم، ومستوى المهارات الأساسية للعاملين في الاقتصاد أقل أيضا من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما قال.

من أجل إقامة جامعة ومؤسسات تعليم بحثية في مدن وقرى عربية

في وثيقة للجنة متابعة قضايا التعليم العربي، كتبها رئيسها د. شرف حسان، لاحظ أن انضمام إسرائيل إلى منظومة دول الـ OECD قبل حوالي عقد من الزمن خلق واقعاً جديداً حيث أصبح جلب بعض التطوير الاقتصادي إلى مجتمعنا جزءاً من "المصلحة القومية" للدولة. وجزء من هذا التطور متعلق بدعم التعليم وتقليص الفجوات في التحصيل. وهذا خلق فرصاً وإمكانيات جديدة للضغط على الحكومة وللمرافعة المهنية في قضايا مختلفة. وبطبيعة الحال، زاد هذا الدعم للتعليم العربي.

ورأت الوثيقة أن تطوير التعليم يتطلب تغييراً جذرياً في تأهيل المعلمين وطرق التعيين وأن أساس التغيير يبدأ من وجود معلمين مثقفين وكفاءة عالية يشعرون بالانتماء والالتزام لمجتمعهم ويحملون رسالة سامية، وكذلك أشرنا إلى الحاجة في بناء خطة لتشجيع التقاعد المبكر لقسم من المعلمين والمديرين والعاملين وإدخال معلمين جدد مؤهلين جيداً.

أما في موضوع التعليم العالي، فشددت الوثيقة على الحاجة إلى توسيع دعم الطلاب ومساعدتهم وإعطاء حلول للطلبة الدارسين خارج البلاد ووضع خطة لزيادة عدد المحاضرين العرب، وزيادة عدد الطلاب العرب حسب نسبة الطلاب في شريحة الجيل في جميع الألقاب. وكذلك وضع خطة لإقامة جامعة ومؤسسات تعليم بحثية بمستوى عالٍ في مدن وقرى عربية. وأضافت: إن تغييراً جذرياً في التعليم والانتقال من توجه "تعليم للعرب" وسياسة السيطرة والضبط، إلى تعليم عربي متطور له مكانته، لن يحدث من دون تغيير جذري في سياسة الحكومة ككل تجاه العرب. وكل شخص مهني يعي تماماً أن تجاهل مناهج التعليم لاحتياجاتنا وهويتنا وانتمائنا هو إشكالي، وأنه من غير المنطق أن يتعلم العرب عن الرواية الصهيونية وعن تاريخ الشعب اليهودي ولا يتعلموا عن أنفسهم! وكيف يؤدي هذا إلى حالة الاغتراب والعجز. هذه قضايا تتطلب تغييراً عميقاً في التوجه مثل أهمية اللغة العربية لنا وضرورة وضع برامج تتلاءم مع الاحتياجات والصعوبات الخاصة بتعليم العربية، وبشكل خاص في المراحل الابتدائية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات