المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الصوت العربي في الانتخابات الإسرائيلية، قوة الغياب!  (وكالات)

يعتبر تباين نسبة التصويت بين الشرائح المختلفة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ظاهرة مستمرة، لكنها تتعمق كلما تقدمت السنوات، وهي ليست متعلقة فقط بالفجوة الكبيرة بين العرب واليهود، وإنما أيضا بين اليهود أنفسهم، خاصة بين المتدينين والعلمانيين. هذا تباين ليس بسيطا، ويؤدي إلى توزيعة مقاعد برلمانية، لا تلائم نسبة كل شريحة من المواطنين، على ضوء الفجوات الفكرية والمجتمعية العميقة بين الشرائح المختلفة،وله وزن مهم، حينما يكون عدد المقاعد 120.

في سياق آخر، فإن الناخبين يتجهون للانتخابات القريبة، وقد زاد عليهم عبء كلفة المعيشة، التي لا تتوقف عن الارتفاع. 

نسبة التصويت بين العرب

تتركز الأنظار في كل استطلاعات الرأي على نسبة التصويت بين العرب، إذ أن نسبة التصويت المتوقعة في تقارير معاهد الاستطلاعات، تتراوح بين 39% و 43%، بينما نسبة التصويت بين اليهود ستتراوح بين 71% و 72% ممن هم مسجلون في سجل الناخبين، الذي يشمل حوالى 9% من المقيمين في الخارج أو مهاجرين من البلاد، بمعنى أن نسبة التصويت بين اليهود من المتواجدين في البلاد يوم الانتخابات ستكون حوالى 78%. لكن لا أحد يستطيع التكهّن بنسبة التصويت بين العرب، فكل الاحتمالات واردة. وفي الانتخابات السابقة، في آذار 2021، كانت نسبة التصويت المتوقعة لدى استطلاعات الرأي، تتراوح بين 58% و 64%، لكن المفاجأة الضخمة حصلت يوم الانتخابات، إذ بلغت نسبة التصويت 44%. وقد تداخلت عوامل كثيرة في هذا الانخفاض، الذي تُرجم بأكثر من 5 مقاعد برلمانية، مقارنة بما كان في آذار 2020، ومن بينها أزمة الكورونا، لكن المساهمة الأكبر كانت الابتعاد سياسياً، على ضوء تكرار الانتخابات، وانشقاق القائمة المشتركة في حينه.

أمر لافت للنظر هو أنه في ثلاثة استطلاعات رأي اطلعنا عليها، تبين أن نسبة الذين أعلنوا أنهم سيدلون بأصواتهم في يوم الانتخابات، تراوحت بين 54% و 58%، إلا أن كل واحد من معاهد الاستطلاعات، قرر تخفيض النسبة بناء على تحليلاته، لتتراوح بين 39% و 43%.

ومرّة أخرى، نؤكد على أن كل الاحتمالات واردة، فكما كانت نسبة التصويت في الانتخابات السابقة مفاجئة وقلبت موازين، فإن عامل المفاجأة قد يكون أيضا في الانتخابات القريبة.

ويُقدّر عدد ذوي حق الاقتراع العرب في الانتخابات القادمة، بحوالى مليون و70 ألف ناخب، من أصل حوالى 6.74 مليون ناخب، مسجلين في سجل الناخبين. وكما ذكر من قبل هنا، فإن حوالى 9% من ذوي حق الاقتراع، هم من المقيمين في الخارج أو مهاجرون. وحسب التقديرات، فإن حوالى 9% من اليهود المسجلين في سجل الناخبين مقيمون خارج البلاد أو مهاجرون، مقابل نسبة حوالى 5% من العرب. وهذا يعني أن نسبة المصوتين العرب تلامس نسبة 16% من إجمالي ذوي حق الاقتراع، وهو يعادل أكثر بقليل من 19 مقعدا برلمانيا. لكن من المتواجدين في البلاد يوم الانتخابات، فإن نسبة العرب ذوي حق الاقتراع، ترتفع إلى 16.5% من إجمالي ذوي حق الاقتراع المتواجدين في البلاد، وهذا يجعل وزن العرب برلمانيا يقارب 20 مقعدا، في ما لو كانت نسبة التصويت متساوية.

إلا أن التباين في نسبة التصويت بين العرب واليهود، لنفترض 44% مقابل 71.5% بحسب الانتخابات السابقة، يخفّض نسبة العرب من إجمالي الناخبين فعليا، إلى 10.5%، وهو ما يعادل 12.6 مقعد. وهذا يعني تراجع وزن العرب بحوالى 7 مقاعد، ما يرفع وزن الأحزاب الصهيونية، وبشكل خاص الكبيرة منها، وأولها حزب الليكود، عند توزيع المقاعد البرلمانية.

ونشير هنا إلى نسبة شبه ثابتة من أصوات العرب، بنحو 18%، هي للأحزاب الصهيونية، لكن أكثر من نصف أصوات هذه الأحزاب تأتي من البلدات العربية الدرزية، التي تختلف فيها أنماط التصويت، إذ أن أكثر من 94% يصوتون للأحزاب الصهيونية على مختلف توجهاتها مقابل نسبة تصويت 92% للقوائم العربية، في باقي البلدات العربية. 

تباين نسبة التصويت بين اليهود

تباين نسب التصويت نجده أيضا بين اليهود أنفسهم، إذ أن نسبة التصويت بين المتدينين، خاصة المتزمتين الحريديم، وبعدهم أتباع التيار الديني الصهيوني، أعلى بكثير مما هي قائمة لدى العلمانيين اليهود، وهذا ما تكشفه نسب التصويت في مدن وبلدات ومستوطنات، سكانها بشكل شبه كامل من شريحة محددة، مثل مستوطنات وأحياء الحريديم، وتلك التي للتيار الديني الصهيوني.

وبحسب التقديرات، فإن نسبة الحريديم من بين إجمالي السكان باتت تلامس 14%، لكن من بين ذوي حق الاقتراع فإنهم أقل من 11%، بسبب ارتفاع نسبة من هم دون سن 18 عاما، بفعل نسبة التكاثر والولادات العالية جدا. وكذا بالنسبة لأتباع التيار الديني الصهيوني، الذين تقدر نسبتهم من إجمالي السكان في حدود 15%، ومن بين ذوي حق الاقتراع 13%.

إلا أنه في حين أن نسبة التصويت الإجمالية لدى اليهود في الانتخابات السابقة، كانت في حدود 71.5%، فإن نسبة التصويت لدى الحريديم تراوحت بما بين 90% إلى 92%، ولدى التيار الديني الصهيوني أقل من هذه النسب بقليل، وقد تكون 88% من المسجلين في سجل الناخبين، وقد تم الأخذ بالحسبان أيضاً أولئك الذين صوتوا خارج أماكن سكنهم، وهي ظاهرة سجلت ذروة في الانتخابات الأخيرة، بفعل تعديل أنظمة الانتخابات في حينه. 

بينما لو اتجهنا إلى المعقل الأكبر لليهود العلمانيين، تل أبيب والمدن المحيطة بها، سنجد أن نسبة التصويت العامة فيها أقل بكثير، علما أن في كل واحدة من هذه المدن يوجد أيضا جمهور متدين من التيارين. وفي ما يلي بعض نسب التصويت في هذه المدن، في الانتخابات الأخيرة: تل أبيب 60%، هرتسليا 65%، بات يام 48.6%، رمات غان 65%، وأيضا في مدينة حيفا 55%، ولكن في حيفا أكثر من 10% هم عرب.

نشير أيضا إلى أن النسب الحقيقية في هذه المدن قد تزيد ببضع نسب مئوية، بعد إضافة من صوتوا خارج مدنهم، بموجب ما يتيح لهم القانون، ورغم هذه الإضافة، فإن الفجوة تبقى قائمة وكبيرة، وهذا يزيد من وزن قوائم التيارين الدينيين بما بين 8 و 9 مقاعد، ثلثها للحريديم، والباقي للتيار الديني الصهيوني، وهذا يعزز أكثر قوة اليمين الاستيطاني المتشدد.

بناء على ما تقدم، وبعد احتساب أجريناه لوزن كل شريحة من شرائح ذوي حق التصويت، بحسب نسبة التصويت في كل شريحة، بمعنى وزن كل شريحة من إجمالي المصوتين فعليا، وليس بحسب سجل الناخبين، فإن انخفاض نسبة التصويت الحاد بين العرب من ناحية، وارتفاعها الحاد بين المتدينين من كلا التيارين من ناحية أخرى، والفجوة الكبيرة الحاصلة في نسبة التصويت بين المتدينين اليهود والعلمانيين اليهود، يضيف لليمين الاستيطاني ما بين 12 إلى 13 مقعدا، وهذا لا يشمل مقعدا لليمين الاستيطاني (بشكل خاص أحزاب الليكود و"إسرائيل بيتنا" وشاس) من العرب في الانتخابات السابقة. أما هامش الخطأ، إذا ما حصل في هذه التقديرات، فإنه لا يتجاوز المقعد الواحد.

استمرار ارتفاع كلفة المعيشة

يتجه المواطنون في إسرائيل إلى صناديق الاقتراع في الأول من تشرين الثاني المقبل، في ظل استمرار ارتفاع كلفة المعيشة، إذ أنه لا يكفي التضخم المالي المرتفع الذي لم يعرفه الاقتصاد الإسرائيلي منذ أكثر 14 عاما، بل يواصل بنك إسرائيل المركزي رفع الفائدة البنكية الأساسية، التي تزيد أقساط تسديد الديون، وبشكل خاص القروض السكنية. فرغم ادعاء البنك أن الهدف من رفع الفائدة هو لجم التضخم المالي من خلال تقليص المال بيد الجمهور لتخفيف الطلب وتراجع الأسعار، فإنه في نهاية الشهر سيرى ربّ العائلة أن شيئا لم يتغير عليه، فبدلا من أن يشتري الاحتياجات الاستهلاكية، زاد صرفه على تسديد القروض الضرورية له، ما يعني أن كلفة المعيشة المرتفعة بقيت في أحسن أحوالها عند حالها، إذا لم ترتفع أكثر. 

فقد أعلن بنك إسرائيل المركزي في الأسبوع الماضي، وللمرة الخامسة خلال 5 أشهر، عن رفع الفائدة البنكية بنسبة إضافية 0.75%، لتصبح الفائدة الأساسية (البرايم) 4.25%، بزعم ارتفاع التضخم المالي بنسبة تقارب 4.5%، في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، رغم أن التضخم تراجع في شهر آب بنسبة 0.3%. ومنذ 11 نيسان الماضي، رفع البنك المركزي الفائدة بنسبة إجمالية 2.65%، ولا يبدو أن رفع الفائدة سيتوقف حتى نهاية العام الجاري، إذ أنه من المتوقع ان يتخذ البنك قرارا مشابها في النصف الثاني من تشرين الثاني المقبل.

وكانت تقديرات بنك إسرائيل، في مطلع العام الجاري، هي أن الفائدة الأساسية سترتفع بنسبة 0.9% حتى نهاية العام، لتصبح بالإجمال 2.5%، بدلا من 1.6%، حتى يوم 11 نيسان الماضي، إلا أن البنك عدّل لاحقا تقديراته، وأقدم على تسريع رفع الفائدة بأضعاف ما هو مخطط، كما ذكر هنا.

ونسبة الفائدة- 4.25% هي الأعلى منذ مطلع العام 2012، ويتوقع البنك المركزي أن يستمر ارتفاع الفائدة لتصل إلى مستوى 5%، كفائدة أساسية في منتصف العام المقبل.

وحسب توقعات البنك المركزي، فإن التضخم المالي سيكون مع نهاية هذا العام بنسبة 4.6%، وهو يتجاوز سقف التضخم المحدد في السياسة الاقتصادية الإسرائيلية 3%، إلا أن البنك يتوقع أن يتم لجم التضخم في العام المقبل 2023، ليكون بنسبة 2.7%.

كما يتوقع البنك المركزي أن يسجل النمو الاقتصادي الإسرائيلي هذا العام، ارتفاعا حادا بنسبة 6%، وفي العام المقبل 3%، إلا أن هذا النمو لا يصل إلى الشرائح الفقيرة والضعيفة، بل هو نمو أرباح البنوك والاحتكارات الكبرى. 

فبالنسبة للبنوك، وحسب تقرير سابق، فإن كل 1% فائدة بنكية زيادة تضمن للبنوك زيادة مدخولا سنويا بقيمة 5 مليارات شيكل (1.4 مليار دولار)، ما يعني أن زيادة المداخيل الحاصلة للبنوك جراء رفع الفائدة منذ منتصف نيسان وحتى الآن سترتفع بقيمة 13 مليار شيكل (3.85 مليار دولار) بمعدل سنوي، وهذا ما سينعكس على أرباح البنوك لتسجل ذروة جديدة في هذا العام.

ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن الجدول الزمني تم تقديمه لأن بنك إسرائيل توصل إلى استنتاج بأن التضخم يجب التغلب عليه بمطرقة ثقيلة الوزن لأن الاقتصاد ينمو بشكل جيد، ونسبة البطالة منخفضة، والفائدة في الولايات المتحدة ترتفع بوتيرة سريعة، ما يساهم في تراجع قيمة الشيكل أمام الدولار، لذلك لا حاجة إلى السير بخطى قصيرة. والتنبؤ الحديث هو أن الفائدة بعد سنة ستكون 3.5%، والمعنى هو أنه من الآن سنرى عمليات رفع متواترة أقل ومعتدلة أكثر.

وحسب بيرتس، فللفائدة تأثيرات مهمة على أسعار البيوت من كل الجهات. فالفائدة هي التي جعلت الناس يشترون الشقق منذ أن انخفضت الفائدة على الرهن العقاري إلى الحضيض، في عملية بدأت في العام 2008، وهي التي ساهمت في رفع أسعار الشقق؛ الآن ربما يساهم رفع أسعار الشقق في كبح الطلب، لكن التأثير الفوري الذي يشعر به كل شخص حصل على قرض سكني في السنوات الاخيرة، هو قفزة في دفع القسط الشهري، حيث أن 40% من قروض السكن مربوطة بالفائدة التي يحددها بنك إسرائيل.

ونشير هنا، واستنادا لتقارير سابقة، إلى أن خفض الفائدة البنكية، شجّع مستثمرين على شراء بيوت للاستثمار، ولم يساهم رفع الضريبة على من يملك أكثر من بيتين في لجم الشراء الاستثماري، إذ أن الطلب بقي مرتفعا، وضحية هذا كانت الأزواج الشابة، والعائلات التي تسعى لشراء بيت يؤويها وليس للاستثمار.       

ورغم ادعاء البنك المركزي بأن رفع الفائدة يسعى إلى لجم التضخم المالي، وبالتالي لجم ارتفاع كلفة المعيشة، إلا أن الواقع الميداني، وأيضا كما يراه المحللون الاقتصاديون، هو أن الفائدة ستقلص حجم المال في أيدي الناس، إذ أن الفارق سيصرف على دفع الفوائد البنكية، وبالذات فوائد القروض الإسكانية، وسيمنعها من صرفها على المصاريف العامة، في حين أن الفوائد ستزيد من أرباح البنوك، التي سجلت في العام الماضي ذروة أرباح غير مسبوقة.

ويستنتج بيرتس أن رفع الفائدة "ربما سيساهم في كبح التضخم بسبب الحاجة إلى تقليص الاستهلاك، من أجل الوفاء بدفعات قرض السكن. ولكن التضخم يضر في الأساس بالطبقات الضعيفة، لأن الفائدة المرتفعة تعمل على تقلص قدرتها على الشراء. إضافة إلى أن الفائدة تضر حاليا بقدر كبير بمشتري الشقق السكنية.فضلاً عن ذلك، فإن ارتفاع القسط الشهري يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أجرة الشقة. وهذا يقلق بنك إسرائيل لأن أجرة الشقة يتم شملها في مؤشر الأسعار للمستهلك، خلافا لأسعار الشقق". 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات