المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
في الكنيست: تبني تعريف "IHRA" لـ "معاداة السامية".  (فلاش 90)
في الكنيست: تبني تعريف "IHRA" لـ "معاداة السامية". (فلاش 90)

ضمن ما يُسمّى بالحرب على "معاداة السامية" تبنّى الكنيست الإسرائيلي قبل أيام تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة- IHRA" لـ "معاداة السامية". وقدّم مشروع القانون بهذا الشأن عضو الكنيست تسفي هاوزر (من حزب "أمل جديد" بقيادة جدعون ساعر)، واجتاز القانون التصويت بموافقة 33 عضو كنيست (من الائتلاف الحاكم سابقاً والمعارضة)، مقابل 5 أعضاء كنيست صوتوا ضد القانون بمن فيهم أعضاء الكنيست عن القائمة المشتركة. في هذه المساهمة نقف على أبرز ما تضمّنه "التعريف الجديد" وتداعياته على قضية "معاداة السامية".

تمكّنت دولة إسرائيل منذ إقامتها على أنقاض الحق الفلسطيني في أعقاب عمليات التطهير العرقي التي شهدتها البلاد، من استغلال "معاداة السامية" لصالحها، وللتغطية على جرائمها التي ارتكبتها، ولم تزل، بحقّ الفلسطينيين الأصلانيين في أرضهم فلسطين، وفي حشد الدعم الدولي والتعاطف العالمي معها من خلال الترويح المستمرّ لشعار بأن كل الانتقادات التي يتم توجيهها لإسرائيل تندرج في إطار "معاداة السامية" التي عانى اليهود منها على مدار سنوات في أوروبا وصولاً إلى الهولوكوست. كما نجحت في استخدامه لإذابة الفوارق بين اليهودي والإسرائيلي، وبين ما تمارسه إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين والمنطقة العربية و"معاداة اليهود" التي تمتدّ جذورها لسنوات طويلة من الملاحقة والعنصرية في أوروبا، وقد ساعد في ذلك انحياز الغرب لإسرائيل وشعوره الدائم بتأنيب الضمير تجاه اليهود، الأمر الذي منح إسرائيل هامشاً كبيراً للتدخّل في هذا التعريف وتوظيفه ضمن مشروعها الاستعماري، وهو ما يتضّح من المحاولات المتكرّرة لإذابة الفرق بين معاداة الصهيونية وانتقاد سياسات إسرائيل على مدار السنوات الماضية.

إن مصطلح "معاداة السامية- Anti-Semitism" يُشير إلى معاداة اليهود كمجموعة عرقية ودينية وإثنية. والمعنى الحرفي أو اللغوي هو "ضد السامية" أو "اللاسامية"، وقد تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قِبَل الباحث الألماني فيلهم مار لتوصيف موجة العداء ضد اليهود في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر. وتبنّت الدول حول العالم، إلى جانب المؤسسات، تعريفات محدّدة لـ "معاداة السامية" خلال العقود الماضية، وبعضها تبنّى تعريف "الاتحاد الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" المذكور والذي اعتمده في العام 2016 على النحو التالي:

"اللاسامية هي تصوُّر معين لليهود قد يتمثل في كراهيتهم، علما بأن المظاهر اللفظية والمادية للاسامية يتم توجيهها إلى أفراد من اليهود أو غير اليهود و/أو ممتلكاتهم، وأيضا إلى المؤسسات المجتمعية والمنشآت الدينية اليهودية".

هذا التعريف، وإن لم يكُن "غير مُلزم قانونياً" للدول والمؤسسات، إلّا أن بلدانا عديدة حول العالم تبنّته بشكلٍ رسمي، علماً أن هذا التعريف يتضمّن خلطاً كبيراً بين معاداة اليهود ومعاداة إسرائيل ويعمل على إذابة الفوارق بين الأمرين.

في يوم 21 حزيران الحالي، تبنّى الكنيست بالقراءات الثلاث تعريف "الاتحاد" الذي يشمل بالإضافة إلى التعريف السابق العناصر التالية:
1- الدعوة، المساندة أو تبرير قتل اليهود باسم الأيديولوجيا الراديكالية أو النظرة المتطرفة للدين.
2- اللجوء إلى مزاعم كاذبة تقوم على نزع الصفة الإنسانية والشيطنة والنمطية، ترتبط باليهود لمجرد يهوديتهم أو نفوذهم كجماعة، ومن بينها أسطورة تآمر اليهودية العالمية للسيطرة على وسائل الإعلام والاقتصاد والحكومات أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية.
3- إلقاء المسؤولية على الشعب اليهودي بكامله في ظلم وقع، سواء أكان حقيقيا أم مُتخيَّلا، حتى لو كان صادرا عن فرد يهودي أو مجموعة يهودية معينة، وحتى في حال كان الفاعلون من غير اليهود.
4- إنكار حقيقة وقوع الإبادة الجماعية للشعب اليهودي أو إنكار شموليتها وآلياتها (غرف الغاز مثلا) أو تعمد ارتكابها على يدي ألمانيا النازية وأنصارها والمتواطئين معها خلال الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست).
5- اتهام اليهود كشعب أو إسرائيل كدولة باختراع الهولوكوست أو بالمبالغة في أبعاده.
6- اتهام المواطنين اليهود بأنهم أكثر ولاء لإسرائيل أو لأولويات مزعومة ليهود العالم، منهم ولاءً للبلدان التي يعيشون فيها.
7- إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير عبر الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل مجرد اجتهاد عنصري، وما شابه.
8- تطبيق معايير مزدوجة من خلال مطالبة إسرائيل بتصرفات غير متوقعة من أي دولة ديمقراطية أخرى.
9- استخدام الرموز والصور المرتبطة باللاسامية (مثل زعم قتل اليهود للمسيح أو اتهامهم بقتل الأطفال لاستخدام دمائهم في إعداد فطير عيد الفصح).
10- مساواة السياسة الإسرائيلية المعاصرة بالسياسات النازية.
11- إلقاء مسؤولية جماعية على اليهود عن إجراءات تقوم بها إسرائيل.

يتضّح من خلال العناصر أعلاه أن إسرائيل تمكّنت مع الوقت من استدخال انتقاد إسرائيل ضمن العناصر أو الأمثلة التي تُصنّف على أنها "معاداة للسامية" ولم يعُد الأمر مقتصراً على اليهود فقط كما كان عليه في السابق. إن الجديد في هذا التعريف هو تأكيده على "حق اليهود في تقرير المصير"، وهو ما تعتبر دولة إسرائيل، والصهيونية عموماً، أنه يتجسّد في إقامة دولة إسرائيل و"عودة اليهود" إلى "أرض الميعاد". وقد وصف رئيس الكنيست ميكي ليفي هذا التعريف بـ "التاريخي"، وبأن تبنّي هذا التعريف يُعدّ خطوة كبيرة في نضال الكنيست بصفته الهيئة التشريعية للدولة اليهودية في مناهضة السامية بكل أشكالها القبيحة". وأضاف أن هذه الخطوة من شأنها أن تدفع العديد من البرلمانات حول العالم لتبنّي هذا التعريف المحدّد، الذي يؤكّد على "حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره". وهو التعريف الذي تبنّته أكثر من 35 دولة حول العالم منذ اعتماده رسمياً من قِبَل التحالف.

إن "حقّ تقرير المصير" بالنسبة للشعب اليهودي، كما تراه إسرائيل، هو ما نصّ عليه "قانون القومية" العنصري (2018)، الذي يتجسّد كما ذكرنا في إسرائيل باعتبارها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وهو ما سيجعل من أي انتقاد لإسرائيل أو لـ "حقّ الشعب اليهودي في دولته القومية" مثالاً على معاداة السامية، على اعتبار أن ذلك يعني "حرمان اليهود ودولتهم القومية من الحصول على مكانة متساوية بين الأمم"، كما علّق أحد مؤيدي التعريف الجديد.

وإجمالاً، سيُساعد تبنّي مثل هذا التعريف إسرائيل في الضغط على الدول والبلدان المختلفة لتبنّيه، في إطار حملتها لتوسيع رقعة تعريف "معاداة السامية" ليشمل المقاومة الفلسطينية، أو أي انتقادات لسياسات إسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين في التجمّعات الفلسطينية المنتشرة في أراضي فلسطين التاريخية.

 

 

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, الصهيونية, اللاسامية, ميكي ليفي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات