المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غيدا ريناوي زعبي (يمين) ، تحضر جلسة الكنيست في 3 تشرين الثاني 2021.  (أ.ف.ب)
غيدا ريناوي زعبي (يمين) ، تحضر جلسة الكنيست في 3 تشرين الثاني 2021. (أ.ف.ب)

ينهي الكنيست الإسرائيلي، هذا الأسبوع، الأسبوع الرابع من دورته الصيفية، التي تستمر حتى نهاية تموز المقبل. وحتى مطلع هذا الأسبوع، لا تلوح في الأفق أزمة جديدة، تجعل الائتلاف الحاكم يرتكز على أقلية برلمانية. ففي الأيام الأخيرة، لم تصمد زوبعة، أوحت باحتمال حل الكنيست، أنشأتها النائبة عن ميرتس غيداء ريناوي- زعبي، 24 ساعة، كما أن الائتلاف نجح في تمرير قانون يُغدق الامتيازات المالية على الجنود بعد إنهاء خدمتهم، بسبب تراجع الليكود وفريقه عن قرارهم بالمعارضة. ومن جهة أخرى، فإن الاقتصاد الإسرائيلي بات يغوص أكثر بتبعات التضخم المالي المتفاقم، ما قد يزيد لاحقا ضغوطا على الحكومة.

بالمجمل، بالإمكان تلخيص المشهد الحاصل بأن أحدا لا يعرف مصير هذه الحكومة، التي قد تحافظ على وضعيتها المأزومة القائمة، دون أن تسقط، ودون أن تكون أغلبية لحل الكنيست، التي تحتاج الى 61 نائبا على الأقل.

ولا أحد يستطيع التكهن بمستقبل هذه الحكومة، لأن الأمر متعلق بقرار نائب واحد من القاعدة الائتلافية القائمة، التي ترتكز على 60 نائبا، مقابل 59 نائبا خارج الائتلاف، بينما النائبة عيديت سليمان من كتلة "يمينا" التي أعلنت ترك الائتلاف في مطلع نيسان الماضي، ما تزال حذرة جدا في خطواتها، ولا تنضم للمعارضة في التصويت في الهيئة العامة للكنيست.

وكما ذكر سابقا، فإن سيلمان تتخوف من منح كتلتها ذريعة قانونية يسمح باعتبارها نائبة منشقة، أو منفصلة، ما يحرمها خوض الانتخابات المقبلة، ضمن قائمة أي من الأحزاب الممثلة حاليا في الكنيست، ولا بتحالف معها، كما حصل مع زميلها المتمرد على حزبه منذ تشكيل الحكومة عميحاي شيكلي.

وفي الوضع القائم لا يمتلك الائتلاف الحاكم إمكانية استرجاع الأغلبية الهشة من 61 نائبا، إلا إذا تراجعت سيلمان عن قرارها، وانخرطت مجددا بالائتلاف والتزمت به، لأن "يمينا" قررت قبل أسبوعين استبعاد نائب كان قد دخل الكنيست بفعل ما يسمى "القانون النرويجي"، بعد أن شعر حزب الكتلة الذي يتزعمه رئيس الحكومة نفتالي بينيت، أن النائب يومطوف خلفون على وشك الانشقاق والانتقال للمعارضة.

وعند كل قضية خلافية تنشأ في الحكومة والائتلاف، تسارع وسائل الإعلام الإسرائيلية في عناوين صاخبة، معلنة انفجارا قريبا في الحكومة، إلا أن أطراف الحكومة ليسوا معنيين بسقوطها، حتى الآن، ولهذا فإن كل أزمة معلنة تطفو على السطح سرعان ما يتم طيها.

هذا حصل مع النائبة عن ميرتس السابق ذكرها، غيداء ريناوي- زعبي، التي أعلنت يوم الخميس 19 أيار عن انسحابها من الائتلاف، بسبب اعتداء الاحتلال على المسجد الأقصى واغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، إلا أنه لم تمر 24 ساعة، أي في صبيحة اليوم التالي، حتى أظهرت تراجعا عن موقفها، لتتراجع كليا بعد يومين، مقابل اتفاقية على تحويل بعض الميزانيات للمجتمع العربي، في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن غضب النائبة يعود لشعورها بأن المنصب الذي وعدت به، وهو قنصل عام في مدينة شنغهاي، قد أفلت منها.

كذلك قالت تقارير إن نوابا ووزراء في كتل اليمين الاستيطاني في الائتلاف، هددوا بحل الحكومة في حال أصدر وزير الدفاع بيني غانتس قرارا بإخلاء البؤرة الاستيطانية التي أقيمت في العام الأخير على أنقاض مستوطنة حوميش شمال الضفة، التي تم اخلاؤها في صيف العام 2005، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تفاهما تم التوصل له، ويقضي بأن يصدر غانتس قرارا بالإخلاء، ولكن دون تحديد موعد للتنفيذ، كي يتفادى قرار محكمة عليا مفترض، يلزم بإخلاء البؤرة.

وقد نجحت الحكومة، في الأسبوع الماضي، بتمرير واحد من القوانين التي تزيد أسهم أحزابها في الشارع، وهو يمنح جنود الجيش في الوحدات القتالية، بعد أن يتحرروا من الخدمة الإلزامية، 75% من قسط التعليم الجامعي في سنوات تعليم اللقب الأول، إذ إن كتل اليمين المعارضة أعلنت رفضها للقانون الذي كان ينص على نسبة 60%، وبعد ضغط جماهيري على الليكود، زعم الأخير أنه يطالب بنسبة 100%، إلا أنه قبيل التصويت تم التوصل إلى حل وسط، بمنح الجنود 75%.

ولا يظهر حاليا أي قانون خلافي، من شأنه أن يهدد الحكومة ويقود لحل الكنيست، لهذا تبقى فقط مناورات إعلامية، كتلك التي ظهرت في نهاية الأسبوع الماضي، حينما ظهرت أنباء تدعي أن بيني غانتس يتفاوض مع الليكود لتشكيل حكومة بديلة، وهو ما نفاه غانتس بداية، ثم بلّغ نواب كتلته بأن الليكود حاول تقديم عرض ورفضه.

تضخم مالي وارتفاع الفائدة

قرر بنك إسرائيل المركزي، في الأسبوع الماضي، رفع الفائدة البنكية الأساسية، للمرّة الثانية خلال 40 يوما، على ضوء الارتفاع الحاد، نسبيا، في التضخم المالي، إلا أن النسبة التي أقرها، ورغم أنها كانت ضمن التوقعات العديدة، فاجأت، ما جعل الأوساط الاقتصادية تتوقع رفعا أكبر للفائدة في الأشهر الـ 12 المقبلة، وبأكثر مما كان مخططا.

فقد قرر البنك رفع الفائدة البنكية الأساسية إلى مستوى 0.75%، بعد 40 يوما من رفعها بنسبة 0.25%، وبعد أن كانت حتى يوم العاشر من نيسان الماضي، بنسبة 0.1%. وقال البنك في قراره إن رفع الفائدة جاء ليلجم نسبة التضخم المالي، التي بلغت في الأشهر الـ 12 الماضية نسبة 4%، وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري نسبة 2.3%، إلا أن رفع الفائدة بهذه النسبة 0.4%، سيساهم تلقائيا في رفع أسعار السلع، بسبب ادعاء المنتجين والمسوقين أن كلفة الإنتاج سترتفع.

ويتوقع خبراء اقتصاد أن تصل الفائدة البنكية حتى نهاية العام الجاري إلى أكثر من 1%، ولربما 1.5%، وبعد 12 شهرا من الآن، قد تصل إلى 2%، بدلا من 1.5% بحسب تقديرات بنك إسرائيل المركزي السابقة.

ومنذ شهر نيسان 2020، وحتى نيسان العام الجاري، فإن الفائدة البنكية الأساسية كانت تُعد صفرية، بنسبة 0.1%، وكانت هذه الفائدة قد شهدها الاقتصاد الإسرائيلي من مطلع العام 2015 حتى خريف العام 2018، على مدى 45 شهراً، لترتفع الفائدة منذ ذلك الحين إلى 0.25%، وحتى شهر نيسان 2020.

وقالت تقديرات اقتصادية إن رفع الفائدة البنكية حتى الآن، سيزيد مداخيل البنوك التجارية بنحو 3.25 مليار شيكل (970 مليون دولار)، وعملياً هذه زيادة إضافية، ستكون غالبيتها الساحقة جداً في حساب الأرباح، التي سجلت في الربع الأول من العام الجاري، في أكبر خمسة بنوك، ذروة جديدة.

وحسب تقديرات نشرت في "يديعوت أحرونوت"، فإن كل 1% من الفائدة تزيد مداخيل البنوك بـ 5 مليارات شيكل. وفي حساب أن الفائدة البنكية التي رفعها بنك إسرائيل في دفعتين في الشهرين الماضي والجاري أيار، بنحو 0.65%، وباتت اليوم 0.75%، فإن هذا يعني زيادة مداخيل البنوك بثلاثة مليارات و250 مليون شيكل.

وقالت تقارير البنوك الإسرائيلية الخمسة الأكبر، في الأسبوع الماضي، إن أرباحها مجتمعة بلغت في الربع الأول من العام الجاري، أي حتى نهاية آذار الماضي، 5.72 مليار شيكل، ما يوحي بأن هذه البنوك التي سجلت في العام الماضي أرباحا بلغت 18.3 مليار، ستسجل هذا العام ذروة أكبر.

وكان التضخم المالي في شهر نيسان الماضي، قد سجل ارتفاعا حادا نسبيا، إضافيا، بنسبة 0.8%، بموجب ما أعلنه مكتب الإحصاء الحكومي، وبذلك يكون التضخم المالي قد ارتفع في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بنسبة 2.3%، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة سجل ارتفاعا إجماليا بنسبة 4%.

ويدل استمرار وتيرة التضخم، إذا لم يحصل أي تراجع جدي فيها حتى نهاية العام، أن التضخم الإجمالي في العام الجاري، سيتجاوز السقف الأعلى للتضخم بنسبة 3%، وفق السياسة الاقتصادية التي وضعها بنك إسرائيل المركزي منذ سنوات.

ويقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن محافظ بنك إسرائيل أمير يارون سيواصل اتجاه رفع الفائدة، وتعميق سياسته لضبط حركة الأموال النقدية في السوق. إذ إن جميع البيانات تدعم هذه السياسة، فالتضخم المالي مستمر في الارتفاع، وهذا ما ظهر بعد الإعلان عن التضخم في شهر نيسان الماضي، وهو أعلى معدل تضخم في السنوات الـ 11 الماضية، على الرغم من أن هذا يمثل أقل من نصف معدل التضخم في معظم الدول الغربية: الولايات المتحدة 8.3%، ومتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD 8.8%، وبريطانيا 9%.

ويقول بايلوت: "يجب ألا ننسى أن مستوى الأسعار في إسرائيل مرتفع أصلا"، ويقصد أن مستوى أسعار السلع الغذائية الأساسية أعلى بما بين 25% إلى 30% من معدل الأسعار في الأسواق الأوروبية، ويضيف، "لذا فإن القفزة بنسبة 4% تعتبر كبيرة جدا. لكن ليس أقل أهمية أن التضخم الجديد تبين أنه باق في السوق، وهذا آخر ما يريده بنك إسرائيل ووزارة المالية". ووفقاً لهذا المحلل فإنه على الرغم من بلوغ الفائدة الأساسية نسبة 0.75%، فإنها ليست عالية بشكل خاص، أمام نسبة تضخم إجمالي متوقعة لهذا العام، بما بين 3.4% إلى 3.7%.

المستقبل الاقتصادي

وعلى صعيد مستقبل الإدارة الاقتصادية، في ظل حكومة مهددّة بالتفكك في كل لحظة، يقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، سامي بيرتس، إن "حكومة التغيير دخلت أخطر مراحلها: لم تعد قادرة على التغيير، ومن المشكوك فيه أن تتمكن من السيطرة على الحكم. إذ تركت استقالة النائبة عيديت سيلمان (يمينا) الائتلاف مع 60 مقعدا، وجعلت بين عشية وضحاها كل عضو كنيست في الائتلاف يمكنه الإطاحة بالحكومة على الفور. وهذا يُعرّض بعض أعضاء الائتلاف لإحدى حالتين: إما أن يتم الضغط عليهم للاستقالة أيضا (معظمهم من أعضاء كتلة "يمينا")، أو الضغط على الحكومة لتحقيق مكاسب يسعون لها. على سبيل المثال، من خلال الوعد بوظيفة أو ضمان التمثيل في الانتخابات المقبلة".

ويتابع: "خطوة سيلمان جعلت التحالف في وضع شبه مستحيل، فبدلا من إدارة شؤون الدولة، يُطلب من قادة التحالف أولا وقبل كل شيء إدارة أحزابهم ومراقبة العلاقات مع الأعضاء والحفاظ عليها. لأن كل عضو كنيست لديه القدرة على نسف كل خطوة حكومية، وهذا يزيد من شهية النواب لتحقيق الإنجازات والمزايا الشخصية، قبل المهمة العامة والعظيمة لقيادة الدولة وإبقاء الانتخابات المقبلة بعيدة قدر الإمكان".

من ناحية أخرى، حسب بيرتس، فإنه "لا نيّة أو مصلحة لدى جميع قادة الأحزاب في الائتلاف في الذهاب إلى صناديق الاقتراع الآن، لأن استطلاعات الرأي لا تتنبأ لأي منهم مستقبلا انتخابيا ورديا بشكل خاص. من ناحية أخرى، فإن بطانية الائتلاف القصيرة المكونة من 60 مقعدا في أحسن الأحوال، لا تسمح أيضا بالترويج لأي شيء مهم تم تحقيقه، وعلى أساسه ممكن التوجه للجمهور للحصول على الأصوات. وهذا يقلص مهمة تغيير الحكومة إلى دورين: الحفاظ على الحكم، وترك بنيامين نتنياهو خارج السيطرة قدر الإمكان. على الرغم من أن نتنياهو معني بالانتخابات، على أمل أن ينجح هذه المرة في الحصول على الأغلبية التي ستعيده إلى السلطة، فإنه في هذه المرحلة، ووفقا لأفضل استطلاعات الرأي، ليست لديه القدرة على تشكيل حكومة بدون اليمين الآخر؛ الأحزاب التي بقيادة أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر ونفتالي بينيت. وفي كلتا الحالتين فإن الاقتصاد سيستمر في مواجهة عدم استقرار الحكم، فعلى الرغم من أن الاقتصاد ينشط بشكل جيد في ظل الأزمة السياسية المستمرة في السنوات الأخيرة (بما في ذلك أزمة كورونا)، فإن هذا لا يضمن استمرار الحال مستقبلا؛ خاصة وأن صناعة التكنولوجيا الفائقة التي اعتمد عليها الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، قد تجد نفسها في أزمة بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الشركات في البورصة".

ويرى بيرتس كذلك أن "هذا هو الوقت المناسب تماماً للحكومة لتعزيز الإصلاحات والاستثمارات لتوليد النمو وتحقيق الإمكانات في التعليم والبنية التحتية وإنتاجية العمالة، ولكن في غياب حكومة مستقرة، من المستحيل قيادة عمليات معقدة وعميقة".

ويضيف: "إن علامات الاستفهام حول مستقبل هذه الحكومة فورية ومتعددة لدرجة أنه لا داعي للقلق بشأن ما سيحدث لميزانية الدولة. لقد تعلمنا بالفعل أن إسرائيل تعرف كيفية الإدارة بدون ميزانية الدولة، وما زالت تتخذ قرارات مثيرة بشأن الميزانية، كما حدث في أزمة كورونا".

وختم بيرتس: "لكن في ظل حالة عدم اليقين التي نشأت الآن وفي مواجهة الاحتمال المعقول بأن الحكومة ستسقط قريبا، فإن كبار المسؤولين الحكوميين سيعودون عملياً إلى نهج التراخي في القرارات الاقتصادية، ونقص المبادرة وعدم الرغبة في العمل. هذه طريقة غريبة لإدارة دولة، لكنها ليست الشيء الغريب الوحيد في السنوات الثلاث الماضية، حيث شغل منصب رئيس الحكومة من يواجه لوائح اتهام، وتم إجراء أربع جولات انتخابية، وفي النهاية تم تعيين رئيس وحكومة يقود كتلة برلمانية لها سبعة نواب فقط، أصبحوا ستة وحتى خمسة لاحقاً".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات