المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رجل يطالع الموقع الإلكتروني لمجموعة NSO في القدس ، مطلع الشهر الجاري.  (إ.ب.أ)
رجل يطالع الموقع الإلكتروني لمجموعة NSO في القدس ، مطلع الشهر الجاري. (إ.ب.أ)

كشفت بيانات جديدة حصل عليها موقع "شومريم" بشأن حوالي ثلاثة ملايين ملف سري للشرطة الإسرائيلية، عن استخدامها الواسع للتنصت على المكالمات الهاتفية للمواطنين. وتبيّن أنه في العام 2020 وحده، قدمت الشرطة 3692 طلباً لإجراء التنصت بدواعي التحقيقات، ولم يتم رفض سوى 26 من هذه الطلبات فقط. أي أنه تمت المصادقة على أكثر من 99% منها. وبالإضافة إلى التنصت على المكالمات الهاتفية، تمت إضافة المصادقة على أوامر تفتيش، والتي تشمل أيضاً اختراق أجهزة الكمبيوتر، والتي يمنحها من جانب واحد قاضٍ في محكمة الصلح، وهنا ارتفعت الأرقام إلى 65000 طلب سنوي - وتمت الموافقة على جميعها تقريباً.

تُضاف هذه المعلومات الى الكشف الأخير في صحيفة "كلكاليست" عن أن الشرطة استخدمت برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لـ NSO لمراقبة الهواتف المحمولة لمواطنين في إسرائيل. ادعاء الشرطة الدفاعي هو أن كل شيء يتم تحت إشراف المحكمة ووفقاً لأوامرها. ولكن، يقول "شومريم"، حتى لو وضعنا جانباً استخدام برمجيات المراقبة التجسسية، فإن البيانات التي حصل عليها الموقع تُظهر أن الشرطة الإسرائيلية تستخدم التنصت على المكالمات الهاتفية أكثر مما تستخدمه كل اجهزة الشرطة في الدول الغربية (التي تصرّ حكومات إسرائيل على مقارنتها بها فقط). فمما يتبين هو أن المحاكم توافق تقريباً بدون استثناء على طلبات الشرطة للمصادقة على عمليات التنصّت، بطريقة تثير الشكوك حول ما إذا كانت هناك أي رقابة حقيقية تجري على إجراءات تنطوي على احتمالات جدية بانتهاك خصوصيات مواطنين وحقهم في الخصوصية من قبل جهاز الشرطة.

يُشار إلى أنه تم سن القانون حول حق الفرد في الخصوصية العام 1981. وهو يحظر انتهاك الخصوصية ويحدد ما هو الضرر في الأمر. بل ينص القانون على إنزال عقوبة جنائية على الشخص الذي يخالف أحكام القانون، ويحظر القانون في حالات معينة استخدام الأدلة التي تم الحصول عليها من خلال انتهاك الخصوصية في المحكمة. وهناك جهة حكومية خاصة هي "سلطة حماية الخصوصية"، تعتبر المنظمة للحق الأساس في الخصوصية وحماية المعلومات الشخصية في إسرائيل. فهي مسؤولة عن حماية المعلومات الشخصية في قواعد البيانات الرقمية بموجب قانون حماية الخصوصية وتعزيز الحق في الخصوصية.

وفي ما يرتبط مباشرة باستخدام برامج تجسسية منتهكة للخصوصية مثل بيغاسوس، تقول السلطة المذكورة على موقعها إنه: من الخصائص الفريدة لمجال نشاط سلطة حماية الخصوصية هو التعامل مع التحدي الذي يخلقه تقدم العالم التكنولوجي بشكل عام وقطاع المعلومات الرقمي بشكل خاص، واللذين يتغيران ويتقدمان باستمرار وبخطوات كبيرة. فاليوم يتم نقل كميات هائلة من المعلومات على مستوى العالم كجزء من الاقتصاد الرقمي، وبالإضافة إلى قوانين حماية المعلومات الشخصية، فإن لعمل السلطة جوانب دولية كبيرة، وبالتالي فهي تقوم بنشاطات أيضاً في الساحة الدولية، بما في ذلك من حيث الامتثال للمعايير الدولية الرائدة في هذا المجال.

استناداً إلى أرضية واهية، تُنتهك حقوق دستورية أساسية

يطالب القانون الإسرائيلي الأجهزة ذات الصلة بنيل الموافقة علي طلبات التنصّت من قبل رئيس أو نائب رئيس محكمة مركزية (لوائية). لكن الأمر ليس كذلك مع أوامر إجراء التفتيش، والتي يمكن أن يوافق عليها أي قاضٍ في محكمة صلح. ما يجدر توضيحه هو أن عنوان "أمر التفتيش" يعتبر مضللاً، حيث يتضمن إجراء تفتيش مادي، ولكن أيضاً أوامر التطفل على مواد الكمبيوتر. من البيانات التي حصل عليها "شومريم"، لا يمكن التمييز بين نوعي البحث المطلوبين بأعداد أكبر بكثير من التنصت على المكالمات الهاتفية: كل عام، تطلب الشرطة حوالي 65000 من هذه الأوامر. في العام 2020، بلغ معدل الطلبات التي تمت الموافقة عليها 97.5%. في الأعوام 2017-2019 كان معدل الموافقة على أوامر التفتيش التي تشمل مبدئياً تطفّلاً على حواسيب ووسائط تكنولوجية أخرى، أعلى من ذلك.

حصل موقع "شومريم" على هذه المعطيات والبيانات مؤخراً من ناشط في مجال حرية المعلومات، اسمه غاي زومر، كجزء من طلب حرية المعلومات فيما يتعلق بجميع الملفات السرية في دولة إسرائيل. فهناك حوالي ثلاثة ملايين حالة لا يتم عرضها على عموم الناس ولا تظهر في قواعد البيانات القانونية لأسباب مختلفة. من بين أمور أخرى، تشمل هذه الحالات طلبات من الشرطة لأوامر التنصت على المكالمات الهاتفية وأوامر التفتيش وأوامر التطفل على مواد الكمبيوتر. يجب القول، يكتب الموقع، إن هذه الطلبات هي إجراءات استثنائية. إذا كان هناك طرفان في الإجراءات القانونية العادية ويطلب من القاضي اتخاذ قرار بينهما، فعادة ما يتم طلب أوامر التفتيش، وحتى أوامر للتنصت على المكالمات الهاتفية، في مرحلة الاستجواب السري، عندما لا يعرف المشتبه به حتى أن هناك استجواباً ضده. من أجل عدم الكشف عن وجود التحقيق، أثناء سماع طلب الشرطة، لم يتم سماع جانب المشتبه به. ومن يفترض أن يدافع عن حقوقه هو القاضي.

المحامي جيل شابيرا، مدير قسم تمثيل السجناء في سلطة الدفاع العام قال للموقع: "إنني أدرك أن هناك بالتأكيد حالات يستحيل فيها القيام بإجراء في حضور الطرفين، لأنه قد يعطل التحقيق. ولكن يجب أن يكون هناك فحص شامل ومتعمق ليس فقط للحاجة إلى التحقيق وإنما أيضاً لتداعياتها وانتهاكها المحتمل للحقوق الأساسية. على وجه التحديد في سياق أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، نحن لا نتحدث فقط عن إيذاء المشتبه به أو المحتجز نفسه فقط، ولكن أيضاً أطراف ثالثة أو رابعة ممن كانوا على اتصال به. في كثير من الأحيان تكون الحاجة إلى التنصت على مستوى سطحي للغاية، وذلك انطلاقاً من الشك الذي يُعرَّف رسمياً على أنه معلومات استخباراتية، وفي كثير من الأحيان لا تعرف أيضاً الطريقة التي تم بها الحصول على تلك المعلومات أو مدى موثوقيتها، ومع ذلك ففي كثير من الأحيان واستناداً إلى هذه الأرضية الواهية، يمنحون الشرطة سلطة انتهاك الحقوق الدستورية الأساسية للمواطنين بشكل مدمّر. أعتقد أن هذا هو المحصلة النهائية لما نراه هنا".

مثال من تاريخ التنصّت على سياسيين وأحزاب

لتقديم سياق تاريخي، فإن أحد الأمثلة على أساليب التنصّت قبل سن القوانين اللاحقة التي اضطرّت المؤسسة لتعديلها سواء لمواكبة التكنولوجيا أو النقد القضائي والإعلامي، هو التجسس على أحزاب وسياسيين من قبل أجهزة الأمن. وقد أوردت "يديعوت أحرونوت" في أوائل نيسان 2022 المنصرم عدداً من الحالات، وكتبت في إحداها:

بعد ظهر يوم 24 كانون الثاني 1953، غادر آخر العمال مكاتب (حزب) مبام في شارع يهودا هليفي في تل أبيب. وصلت عاملة النظافة، وكالعادة بدأت بتنظيف وترتيب المكاتب. وجدت هناك صندوقا بحجم علبة سجائر موضوعا تحت درج مكتب. الصندوق الغريب أثار شكوكها بسبب البطاريات وأسلاك الطاقة الخارجة منه، وسارعت إلى إبلاغ رؤسائها بذلك. حفنة من الأشخاص الذين تم لفت انتباههم كانوا متحمسين للغاية عند اكتشاف الصندوق. كان الاستنتاج الواضح هو أنه كان جهاز تنصت، ولكن لتجنب الشكوك، تم استدعاء أحد الفنيين والذي قرر أنه بالفعل جهاز تنصت صنع في أميركا، وقادر على التنصت على كل ما كان يحدث في الغرفة. قال الفني أيضاً إن البطاريات بدت ضعيفة، لذلك قرر أفراد مبام نصب كمين.

بعد أربعة أيام، لاحظوا رجلين يدخلان المبنى، ويصعدان إلى الطابق الثالث ويتجهان نحو غرفة زعيم الحزب، مئير يعاري. تفحص الاثنان محيطهما، وعندما لم يريا شيئاً مريباً، فتحا الباب بمفتاح خاص.. فقبض عليهما الذين نصبوا الكمين وأسروهما. تم استجوابهما طوال الليل، لكنهما رفضا معرفة من أرسلهما ولأي غرض. لم يكن أمام أعضاء مبام سوى تسليمهما إلى الشرطة.

تم عند نشر الخبر في وسائل الإعلام، توجيه أصابع الاتهام إلى أعضاء حزب مباي، وزعم أنهم نفذوا عمليات تنصت سياسي، ويشتبه في تورط موظفي دولة، بمن فيهم رئيس الحكومة دافيد بن غوريون، في مؤامرة. بعد سنوات من هدوء العاصفة، اعترف إيسار هرئيل، المسؤول عن الأجهزة الأمنية حينها، بأنه أعطى الأمر بزرع الجهاز في غرفة يعاري، وكان الهدف الحقيقي هو الدكتور موشيه سنيه، المشتبه بأن له علاقات مع الاتحاد السوفييتي.

لا تزال قضية يعاري علامة فارقة في تاريخ التنصت على المكالمات الهاتفية في إسرائيل. خضع هذا الأمر منذ ذلك الحين للعديد من التطورات والتعديلات - سواء من الناحية التكنولوجية، عندما حلت المعدات المتطورة والفعالة محل الوسائل التي كانت مرهقة في السابق في الشرطة، أو من وجهة نظر تنظيمية عندما يتم تنظيمها في إطار القانون، وتحديد ما هو محظور وما هو مسموح به.

في إسرائيل، الإصبع على الزناد هنا أيضاً أخفّ بكثير

تم وفقاً لعدد من المواقع الرسميّة الإسرائيلية سن قانون التنصت من أجل التعامل مع مسألة انتهاك الخصوصية عن طريق أجهزة التنصت. وسنّ الكنيست قانون التنصت على المكالمات الهاتفية في العام 1979 لينظم مسألة التنصت على المكالمات الهاتفية في إسرائيل. ينص القانون على أنه لأغراض أمنية، يجوز للوزير أن يأذن بالتنصت على المكالمات الهاتفية في شعبة المخابرات التابعة لجهاز الأمن العام (الشاباك)، وفي الحالات العاجلة، يجوز لرئيس شعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي أو رئيس جهاز الأمن العام أيضاً منح إذن مؤقت لإجراء التنصت على المكالمات الهاتفية. وفي حالات الطوارئ، قد يأذن مفوض الشرطة بنفسه بالتنصت لمدة 48 ساعة. كما نص القانون على أن التنصت على المكالمات الهاتفية هو جريمة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

للمقارنة، في الولايات المتحدة، تمت الموافقة على 7210 أوامر تنصت في المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات في العام 2019. بينما في إسرائيل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3% فقط من سكان الولايات المتحدة، تمت الموافقة على 3816 عملية تنصت في ذلك العام. في بريطانيا، التي يبلغ عدد سكانها 65 مليون نسمة، أصدرت السلطات 3007 تصاريح تنصّت في العام 2016 مقارنة بـ3303 في إسرائيل في ذلك العام.

الشرطة مطالبة بأن تقدم تقاريرها عن عمليات التنصّت مرة واحدة في السنة إلى لجنة الدستور في الكنيست. تشير هذه التقارير إلى أنه في العام 2020، قدمت الشرطة 3692 طلباً للتنصت - ورُفض 26 طلباً فقط. في العام 2017، رفض القضاة طلبين فقط من أصل 3483. هذا يعتبر عددا كبيرا من عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية مقارنة بالدول الأخرى التي يزيد عدد سكانها عدة مرات عن سكان إسرائيل. على سبيل المثال، في أستراليا، التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، منحت المحاكم في العام 2020، 3677 أمراً بالتنصت على المكالمات الهاتفية لجميع وكالات إنفاذ القانون. بينما في إسرائيل، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 9 ملايين نسمة، تلقت الشرطة وحدها 3666 تصريحاً من هذا القبيل في ذلك العام.

يجب على الشرطة في الولايات المتحدة أن تعرض أمام القاضي الأدلة المقبولة، والتي تشير مباشرة إلى تورط المشتبه به في الجريمة، وتلك التي تثبت أن هناك احتمالا بنسبة تفوق 50% لارتكاب جريمة، و أن التنصت يمكن أن يقود إلى دليل ضد المشتبه به، ولكن من الواضح أن الأرقام في الولايات المتحدة أقل بكثير. بمعنى آخر: في إسرائيل، الإصبع على الزناد أخفّ بكثير، سواء من حيث الرقابة القانونية أو من حيث كيفية تطبيق القضاة له، كما يقول مصدر قانوني للموقع ملخصاً الصورة باستعارة من عالم المسدسات والبنادق!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات