المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فيما يلي ترجمة خاصة لتقرير مطوّل كتبه ندان فلدمان وظهر مؤخراً في الدوريّة الشهرية "ذي ماركر مغازين" التابعة لمجموعة "هآرتس"، وتناول من خلاله كيف يتم التعامل في إسرائيل مع المخاطر الناجمة عن أزمة المناخ في العالم وبماذا يتأثر هذا التعامل على شتى المستويات.
(المحرّر)

يسعى الدكتور جونثان أيكنباوم من منظمة "غرينبيس" لجعل الإسرائيليين يفهمون مدى ارتباط استهلاكهم بالحرائق الهائلة في منطقة الأمازون. وتقول حملات هذه المنظمة في إسرائيل إن الطلب الشديد على اللحوم الإسرائيلية قد نما بشكل مطرد، مما أدى إلى زيادة حادة في الاستهلاك في السنوات الأخيرة: في 2015 - 2017، زادت مبيعات لحوم البقر في إسرائيل بنسبة 40%، وفقا لوزارة الزراعة.

 

"نحن نشكل سوقا مهمة لدول أميركا الجنوبية – 3ر5% من صادرات الماشية في الأرجنتين، وحوالي 2% من البرازيل، وأكثر من 10% من باراغواي، والأرقام في ارتفاع"، يقول أيكنباوم. و"هذه هي نتيجة التسويق العنيف لمنتجات اللحوم من شبكات التسويق، جنبا إلى جنب مع الزيادة في مستوى المعيشة". ويقول إن الطلب المتزايد على لحم البقر ليس فريداً بالنسبة لإسرائيل ولكنه واضح أيضاً في بلدان أخرى، مما يدفع مربي الماشية في أميركا الجنوبية إلى إخلاء المزيد من المناطق لتربية الماشية. و"قطعان البقر ليست مسجونة، بل تعيش في مناطق مفتوحة كبيرة، لذا يحرق المزارعون الغابات لإعداد المنطقة لرعي البقر".

أيكنباوم يوضح أن هذه طريقة غير مكلفة بشكل خاص: "كل ما عليك فعله هو تحضير المساحة، وبذا توفّر في الغذاء ومشاكل الاكتظاظ مثل توفير المضادات الحيوية والمكملات الغذائية وإنشاء مرافق السجون مثل الماشية التي تتم تربيتها في الولايات المتحدة، على سبيل المثال". ووفقا له، فإن حوالي 7000 كيلومتر مربع من الغابات تختفي كل عام في الأمازون، و80% منها تستخدم لتربية الماشية و15% أخرى لزراعة فول الصويا.

في الشهر الماضي، غمرت الحرائق الضخمة في منطقة الأمازون العالم بأسره، ويبدو أنها أيقظت أيضاً أكثر الناس غير المبالين بالقضايا البيئية. ويمتد الأمازون، وهو أكبر غابة استوائية مطيرة في العالم، إلى تسع ولايات في أميركا الجنوبية وهو أحد أكبر النظم الإيكولوجية في العالم. عندما تندلع على نطاق واسع، فهذا أمر مزعج. عندما يحدث ذلك في عصر التنبؤات المتزايدة حول الكارثة الإيكولوجية، فإن الأمر مخيف، وعندما يتبين أنها حرائق متعمدة لغرض إخلاء مساحات لتربية البقر، وبدعم غير متحفظ من قبل الرئيس البرازيلي، فإن الأمر يثير الغضب بالفعل – ابتداء من مواطنين بسطاء إلى زعماء بلدان مثل فرنسا وإيرلندا.

هناك صلة بين تغير المناخ وبعض الأشياء التي تؤثر على الإسرائيليين

يعيش الجمهور الإسرائيلي، على وجه الخصوص، في حالة إنكار حول أهمية ومعنى أزمة المناخ، ولا يعزو إلى القضية، بالنظر إلى آثارها المحتملة، أهمية لائقة. يربط أيكنباوم هذا بعدة أسباب: "أولها أن لدى الجمهور الإسرائيلي الكثير من المتاعب - من التهديدات الأمنية إلى المعيشة الباهظة الثمن. والسبب الآخر هو أن إسرائيل تشبه جزيرة في الجانب البيئي. فنحن محاطون ببلدان معادية، بعيدة كل البعد عن الدول الرئيسة التي تروج لهذه القضية، ونبدو كأننا دولة صغيرة مهملة. ولكن العبث هو أن هناك صلة بين تغير المناخ وبعض الأشياء التي تؤثر على الإسرائيليين، مثل الاختناقات المرورية وتلوث الهواء من السيارات والمصانع الملوثة".

ينقسم منكرو كارثة المناخ، سواء في إسرائيل أو في الخارج، تقريباً إلى ثلاث مجموعات: أولها وأكبرها المنكرون السلبيون، الذين هم عامة الناس غير المبالين إلى حد كبير بالخطاب البيئي، حتى عندما يتعرضون لتحذيرات نهاية العالم من خبراء المناخ والعلماء وعلماء البيئة؛ وهناك مجموعة ثانية، صغيرة إلى حد ما، هي المنكرون النشطاء، بمن فيهم بعض العلماء السياسيين والناشطين، الذين يجادلون بقوة بأن تنبؤات تحذيرات المناخ خاطئة، وأن النشاط البشري ليس مسؤولاً عن الاحتباس الحراري، وأنه حتى لو كانت هذه التنبؤات صحيحة، فلن تتمكن البشرية ببساطة من إيقاف عملية الاحترار وتغير المناخ. وفي المجموعة الثالثة توجد المصالح - الأشخاص والشركات التي لديها مصلحة في تقديم صورة وردية اللون. وتقود هذه المجموعة شركات كبرى ملوثة والمسيطرون عليها.

تؤثر هذه المجموعات الثلاث على الخطاب البيئي في إسرائيل، والذي، برغم تطوره في السنوات الأخيرة، لا يزال يعاني من قلة الاهتمام العام، وقلة في الخبراء، وتفضيل حكومي منخفض ومحدودية معالجة في وسائل الإعلام - بالمقارنة مع الخطاب الأمني أو الاقتصادي والديني في إسرائيل، وكذلك مقارنة مع الخطاب البيئي في الدول المتقدمة الأخرى. وأحد أقوى الأدلة على ذلك هو الافتقار شبه الكامل للتمثيل في الكنيست للمنتخبين الذين لديهم أجندة بيئية. في الكنيست السابق، كانت هناك عضوة واحدة فقط في الكنيست - ياعيل كوهين فاران، التي لم تخض انتخابات الكنيست في الجولة الأولى في نيسان، وقد احتلت المرتبة الثامنة في قائمة المعسكر الديمقراطي في الجولة الثانية. وقد جرى الحديث معها قبل الانتخابات الأخيرة.

تقول كوهين فاران: "بالنسبة لمنكري كارثة المناخ في إسرائيل، ألاحظ بشكل رئيسي تصريحات من اليمين الاقتصادي المحافظ والمتطرف... عليهم أن ينكروا الاحترار العالمي لأنه بخلاف ذلك سيتعارض مع نظرتهم الاقتصادية - الاقتصاد الرأسمالي اللبرترياني الذي يشجع على الانعدام التام للتدخل الحكومي. يتطلب التنظيم البيئي تدخل الحكومة ولا يتماشى هذا مع النظرة الاقتصادية، لذلك من الأسهل بكثير القول إنه لا توجد مشكلة على الإطلاق وإنكارها. إنه إنكار نشط. ولكنني لم أسمع بعد سياسياً كبيراً من اليمين يدعي أنه لا يوجد احترار عالمي، بمن في ذلك وزير الطاقة يوفال شتاينيتس أو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فهم لا ينكرون - لكنهم سلبيون".

أيدي كبرى الشركات ممتدة في وسائل الإعلام!

تصف كوهين فاران كيف أصبح الكنيست، في ظل غياب أعضاء كنيست "خضُر" وفي ظل الخطاب البيئي غير المتطور، ساحة يقوم فيها أصحاب المصلحة بممارسة قوتهم الهائلة لاختراق قلب الهيئة التشريعية والتأثير في السياسة بما يخدم مصالحهم، ومن دون إنكار الاحترار العالمي. "تنعكس أنشطة جماعات الضغط نيابة عن شركات الوقود في قضايا مثل مسافة بعد محطات الوقود عن المنازل، وأنظمة جودة الهواء وتطبيقها على المصانع ومحطات الوقود. إنهم يريدون معايير تسمح بذلك بأعلى ما يمكن".

نشاط الضغط يشمل بما لا يقل أهمية شركات الغاز والوقود مثل نوبل إنرجي، صاحبة احتكار الغاز الإسرائيلي، لتأمين مصالحها الاقتصادية على حساب الانتقال المحتمل لإنتاج الطاقة النظيفة "بسعر رائع" كما تقول. "تريد نوبل إنرجي ومالكها إسحاق تشوفا بناء أكبر عدد ممكن من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، وهي أقل تلويثاً من النفط والفحم، ولكنها أيضاً ملوثة - فهذه هي غازات الدفيئة. يجب على إسرائيل أن تمر فطاما من غازات الدفيئة، أسوة بالعالم كله، والبديل هو طاقة الشمس النظيفة والخضراء والتي تعدّ الأرخص في العالم. الأسعار انخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بفضل الاستثمارات الكبيرة، وخاصة في أوروبا والصين. وإسرائيل بلد مثالي للطاقة الشمسية - فالشمس وفيرة، وليس فقط في الصيف، بل لعدة أشهر متتالية أخرى. ولكن طالما لم يتم الترويج لاستخدام الطاقة الشمسية، يتم تكريس إدمان الغاز هنا، والسبب في ذلك هو شركات الغاز بشكل رئيسي، والقوى التي تحتكرها. إنهم يشددون ليكون هذا هو المفهوم السائد ويتمتعون بالإيرادات.

"بسبب قوة شركات الغاز، تعمل الحكومة على الترويج لمحطات الوقود في كل فرصة مؤاتية - هناك حوالي 12 مخططاً في عملية التخطيط في جميع أنحاء الدولة. إذا أردنا الانتقال إلى الطاقة الشمسية، يمكننا القيام بذلك، لكن الأمر يتطلب إعداداً حكومياً مختلفاً، لكنها (الحكومة) ليست هناك. فالأعذار التي تجلبها الحكومة هي على غرار "نحن بلد صغير، وهذه استثمارات ضخمة لا يمكننا تحملها"، أو "لا تشرق الشمس في الليل". وتضيف: "حاليا يبيعون للجمهور أن هذا غاز طبيعي ويُعرض بوصفه نقيّا. صحيح أنه غاز طبيعي، ولكن يبدو الأمر كأننا في الطبيعة، وهو جزء من عملية احتيال عامة. تقديم الغاز كطاقة نظيفة، هو مجرد خداع عام".

تشير كوهين فاران إلى جانب آخر من التخدير العام - من خلال وسائل الإعلام. فـ"شبكة بزان تنتمي إلى عيدان عوفر، الذي كان يسيطر على الشبكة منذ عام؛ وإسحاق تشوفا يحوز أسهما من شركة الإعلام كيشت. تريد بزان أن يواصلوا تقطير النفط هنا، في حين يريد تشوفا إنتاج أكبر قدر ممكن من الغاز هنا. المجموعتان لديهما أيد ممتدة في وسائل الإعلام، لذلك لا توجد تغطية تقريباً للمسألة على القناتين التجاريتين الكبريين (القناتان 12 و13). تأثيرهما كبير جداً - سواء على صانعي القرار الحكوميين أو على التخدير العام. حتى عندما تطفو القضية، من السهل إسكاتها بحجج مثل: نحن بلد صغير وجزء صغير من التلوث العالمي".

وتختم: "إسرائيل مسؤولة عن حوالي 3ر0% من انبعاثات الغازات العالمية. قد يبدو هذا قليلاً، لكننا لا نشكل سوى 1ر0% من سكان العالم، مما يعني أننا نصدر ثلاثة أضعاف حصتنا من سكان العالم، والاتجاه سلبي - دولة إسرائيل قد تعهدت بالالتزام البيئي، لكن هذا الالتزام ضعيف مقارنة بسائر دول العالم الغربية، وحتى هذا الالتزام لا يُنفذ. لا تفعل الحكومة سوى القليل مما يُفترض أن تفعله، وهو ما يرجع أيضاً إلى انعدام الإرادة السياسية، لأن قضية البيئة ليست عاملاً مؤثرا على الإطلاق في تصويت الأشخاص في الانتخابات، وأيضاً لأن لا أحد يريد مواجهة أباطرة المال. في الواقع، يحدث العكس، فهم يخدمونهم".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات