المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كشف تحقيق صحافي أجرته صحيفة "ذي ماركر" أن الكثير من أسعار المنتوجات مرتفعة في إسرائيل بشكل غير مبرر، وهي منتجات ليست غذائية، من التي ترفع أسعارها شروط الحلال اليهودي والاحتكارات. وما يعزز الاستنتاج بأن لا تبرير لهذا الارتفاع، دعوى قضائية تمثيلية (عمومية) تم رفعها ضد شركة "نسبرسو" لكبسولات القهوة. وتصل فجوة الأسعار في المنتوجات ما بين 85% إلى 140%.

وتقول الصحيفة في تحقيقها، الصادر قبل عدة أيام، إنه لا يوجد خلاف حول أن إسرائيل هي دولة ذات كلفة معيشة عالية. واستمرار القيود والاحتكارات يساهم في هذا بشكل كبير. فمثلا في السنوات الأخيرة، بعد "ثورة السماء المفتوحة"، والقصد فسح المجال أمام المنافسة وكسر الاحتكارات في الخطوط الجوية، انخفضت أسعار الرحلات الجوية بشكل كبير جدا. وهذا ساهم في أن أدرك العديدون في إسرائيل في العقد الأخير، أنه من الأفضل لهم شراء مستحضرات التجميل والأثاث وكبسولات القهوة والملابس والأحذية وغيرها من المنتجات في الخارج، أو من خلال مواقع المشتريات العالمية في شبكة الإنترنت.

والمستهلكون الذين يشترون في إسرائيل، لأسباب تتعلق بالراحة أو الضرورة، غالبا ما يشعرون بالاستغلال. فالشركات من جانبها بالكاد تهتم بإنكار وجود فجوات في الأسعار مقارنة بالخارج، لكنها تدعي أن هناك أسباباً موضوعية: إسرائيل دولة جزيرة، وكلفة النقل باهظة، والضرائب، والإيجار، والأجور مرتفعة.

ولكن الدعوى القضائية العمومية، التي رفعت ضد شركة نسبرسو في الأيام الأخيرة، تضمنت رأياً اقتصادياً يقول إن نسبرسو استغلت مكانتها في السوق لتفرض سعرا باهظا لكبسولات القهوة في إسرائيل. وتضمن الرأي مقارنة مع 23 دولة أوروبية، بما في ذلك دول مشابهة لإسرائيل من حيث حجم السكان.

وتقول الصحيفة إنه على افتراض أنه سيتم قبول الدعوى، فإنه هذا سيكشف عن ظاهرة أوسع، بمعنى أنه ليس فقط أن الأسعار التي تتقاضاها نسبرسو في إسرائيل مفرطة، بل أن العديد من المنتجات الأخرى المنتجة في أوروبا، والتي لا تفرض عليها جمارك، مثل الأثاث ومستحضرات التجميل، أسعارها مرتفعة دون مبرر.

وإحدى الذرائع التي تُسمع أكثر من مرة، لتبرير ارتفاع الأسعار، هي أنه نظرا لكون المنتجات تصل إلى إسرائيل عن طريق النقل البحري، على عكس النقل البري الممكن في جميع أنحاء أوروبا، فإن تكاليف النقل إلى إسرائيل مرتفعة بشكل خاص.

ومع ذلك، وفقا للرأي الاقتصادي في تلك الدعوى، فإن النقل البحري هو في الواقع أقل كلفة من النقل البري لنفس المسافة. وفي حالة نسبرسو، تبين أن كلفة النقل إلى إسرائيل من سويسرا (حيث يتم تصنيع الكبسولات) أقل بنسبة 19% من كلفة الشحن من سويسرا إلى الدول الأوروبية الأخرى التي تم فحص الأسعار فيها. كما أن حجم ضريبة الشركات لا أساس له وفقا للدعوى، نظرا لكون ضريبة الشركات في إسرائيل مشابهة لتلك الموجودة في أوروبا. واعتبارا من عام 2018، بلغت ضريبة الشركات في إسرائيل 23% من الأرباح، بينما بلغت ضريبة الشركات في أوروبا (في البلدان التي تم فحصها) 7ر21% من الأرباح في المتوسط. بمعنى آخر، الضريبة في إسرائيل أعلى من المتوسط بواقع حوالي 6% فقط.

بالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما تدعي الشركات العاملة في إسرائيل أن الزيادة في أجور العمال في السنوات الأخيرة، استلزمتها رفع الأسعار؛ لكن الفحص أظهر أنه على الرغم من ارتفاع متوسط الأجور في إسرائيل في العامين ونصف العام الماضيين، فهذا لا يبرر فجوات الأسعار. إذ يبلغ متوسط الأجر في إسرائيل 35067 دولارا سنويا، في حين يبلغ متوسط الأجر السنوي في الدول الأوروبية الـ 23 التي تم فحصها 41632 دولارا. بمعنى آخر، الأجور في إسرائيل أقل من المتوسط الأوروبي بنسبة 7ر15%. وفيما يتعلق بتكاليف إيجار المباني، تُبين الدعوى أن الإيجار لكل متر مربع في إسرائيل يقل بنسبة 15% تقريبا عن متوسط السعر في جميع الدول الأوروبية. كما أن تكاليف التوزيع واللوجستيات داخل إسرائيل بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي أقل أيضا، حيث أنه كلما زادت الكثافة السكانية (عدد الأشخاص لكل كيلومتر مربع)، قلت مسافات النقل، بالتالي فإن كلفة الشحن أقل.

أسعار "إيكيا" ضعفا الأسعار في السويد

وفي إطار التحقيق، اختارت "ذي ماركر" بضائع شركة "إيكيا" السويدية العالمية، 70% من منتجاتها مصنّعة في أوروبا. وفحصت الصحيفة عشرة منتجات تباع في فروع "إيكيا إسرائيل"، وقارنت أسعارها بفروع "إيكيا" في تركيا واليونان، وهي أسواق قريبة ومماثلة لإسرائيل؛ وفي السويد، بلد المنشأ. ووصلت فجوات الأسعار إلى 96%، في المنتجات الكبيرة والصغيرة.

على سبيل المثال، ثمن طاولة مكتب ذات دُرجين في إسرائيل، 95 شيكلا أكثر من السويد وتركيا، و46 شيكلا أكثر من سعر الطاولة نفسها في اليونان (63% و23% على التوالي)؛ بالنسبة لوحدة رفوف، فإن السعر في إسرائيل 96% أكثر من السويد و58% أكثر من تركيا. وتبلغ كلفة الأريكة ذات المقعدين في "إيكيا" تركيا 1178 شيكلا، واليونان 1388 شيكلا. أما في إسرائيل فإن السعر يصل إلى 1895 شيكلا.

ويبين تحقيق "ذي ماركر" ارتفاع الأسعار بشكل كبير في مجال مساحيق التجميل (المكياج). ففي هذا المجال، تم فحص أسعار منتجات شركة المكياج الإيطالية "كيكو ميلانو"، لأنها تنتج في إيطاليا وألمانيا، بمعنى أنها معفية من الجمارك، بموجب الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي. ويتم نقل المنتجات إلى إسرائيل عن طريق البحر.

فقد تم افتتاح أول متجر لشركة "كيكو ميلانو" في إسرائيل قبل أقل من عام، بواسطة شركة "كاسترو هوديز"، ولها ثلاثة متاجر في إسرائيل وموقع مبيعات على الإنترنت، ومن المتوقع أن يتم فتح ثلاثة متاجر أخرى مع حلول نهاية العام. ومثل "إيكيا"، التي تتميز بأسعار جذابة مقارنة بالمنافسين الإسرائيليين، تدعي "كيكو ميلانو" أيضا أنها تقدم منتجات المكياج العصرية بأسعار منخفضة. إلا أن التحقيق الذي شمل مقارنة أسعار 10 منتجات في إسرائيل، مقارنة باليونان وإيطاليا وبريطانيا، أظهر أن الأسعار في إسرائيل قد تكون جذابة مقارنة بالمنافسين المحليين، ولكن هي أعلى بكثير من الأسعار في تلك الدول.

وتبين أن الأسعار في إسرائيل كانت أعلى بنسبة 85% إلى 127%. على سبيل المثال كان أحمر الشفاه الذي يكلف 24 شيكلا في إسرائيل، وهو سعر يعتبر أقل من العديد من الشركات الشهيرة الأخرى، ولكن السعر في إسرائيل أعلى بنسبة 118% من السعر في اليونان وإيطاليا، حيث تم بيع أحمر الشفاه مقابل 11 شيكلا فقط. وفي بريطانيا يباع بسعر 3ر12 شيكل.

وعند فحص المنتجات في فئة أسعار أعلى، توقع التحقيق أن يجد فجوة أسعار أقل مقارنة بالدول التي شملها الاستطلاع، على افتراض أنه من الصعب فرض أسعار أعلى مع ارتفاع المنتوج. ومع ذلك، وجد التحقيق أنه تم الحفاظ على فروق الأسعار، إذ تباع فرشاة بودرة الوجه "كيكو ميلانو" في إسرائيل مقابل 82 شيكلا، أي أعلى بنسبة 127% من سعرها في إيطاليا واليونان، حيث تباع بسعر 36 شيكلا فقط. وفي بريطانيا، تم بيع الفرشاة بسعر 40 شيكلاً، وبالتالي فإن السعر في إسرائيل أعلى بنسبة 104%.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات