المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بيّن تحليل أجرته صحيفة "كالكاليست" لتقرير دولي لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، أن الفجوة في معدلات الرواتب بين الأغنياء والفقراء في إسرائيل، هي الأكبر من بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة. وأساس هذه الفجوات يكمن أساسا في تدني مستوى راتب الحد الأدنى في سوق العمل الإسرائيلية، الذي سجل في السنوات الأخيرة ارتفاعات عديدة، ولكنها أبقته من حيث قوته الشرائية عند مستواه قبل 18 عاما.

 

ويقول تحليل "كالكاليست" إن الفجوات بين رواتب الفقراء ورواتب الأغنياء في إسرائيل تتسع بشكل حاد، مقارنة مع الفجوات في العالم، وحسب التقرير السنوي الذي نشرته منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، فإن تآكل أجور العمال الفقراء في إسرائيل، في العقد الأخير، هو من الأكبر في الدول الغربية. وفي المقابل فإن رواتب الأثرياء ارتفعت في ذات الفترة بنسبة هي من الأعلى من بين الدول الأعضاء في منظمة OECD. والنتيجة كانت مذهلة، حسب وصف الصحيفة، ففي العام 2015 كانت رواتب من هم ضمن الشريحة المدرجة في أعلى درجتين، العاشرة والتاسعة، في سلم التدريج الاقتصادي الاجتماعي في إسرائيل، أعلى بسبعة اضعاف بالمعدل، من رواتب من هم في الدرجة الأولى الدنيا.

والنتيجة الحاصلة، بين الشريحتين المتقاطبتين، من حيث الثراء والفقراء، مفاجئة، لأن حجم اللامساواة في الرواتب بين مجمل العاملين قد انخفض في تلك الفترة، بمعنى السنوات العشر الأخيرة. وقد قارن خبراء الاقتصاد في OECD، بين رواتب العاملين الفقراء، منذ العام 2000 وحتى العام 2007، أي ما قبل تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية، وبين معدلات الرواتب من العام 2007 وحتى العام 2016، وتبين أن معدلات الرواتب مقارنة مع الأسعار في السوق قد تراجعت قيمتها بنسبة 4% في كل واحدة من الفترتين، وهذه وتيرة تآكل الأجور من الأكبر بين الدول المتطورة، إذ كان تآكل أجور أكبر بقليل في دول استونيا وهنغاريا واليونان وايرلندا. وكان معدل تآكل الأجور في كل دول المنظمة 1%، ما يعني أن النسبة في إسرائيل 4 أضعاف النسبة العامة.

في المقابل يظهر في تقرير OECD ارتفاع في معدل رواتب الأغنياء في إسرائيل، في كلتا الفترتين اللتين عالجهما التقرير. فقد ارتفعت الرواتب بنسبة تتجاوز 1%، في حين أن رواتب الأغنياء في دول OECD شهدت تراجعا بنسبة 5ر1% بالمعدل. أما في ما يتعلق بمعدل الرواتب الفعلي العام فقد سجل في إسرائيل ارتفاع بنسبة 4ر1%، بينما تراجع في دول OECD بالمعدل بنسبة 9ر1%. ومعدل الرواتب الفعلي يجري احتسابه بطريقة عدد المتقاضين لكل واحدة من درجات الرواتب، ليكون المعدل أكثر واقعيا من معدل الرواتب الرسمي، الذي يقسم اجمالي الرواتب على عدد العاملين في ذات الفترة. ولذا نرى عادة أن معدل الرواتب الفعلي يصل تقريبا الى نسبة 68% من معدل الرواتب الرسمي.

والتفسير لهذه الفوارق في حركة الرواتب بين إسرائيل والدول الأعضاء في OECD، هو أن الفترة ما بين 2007 وحتى 2016، شهدت واحدة من أكبر الأزمات المالية التي شهدها التاريخ المعاصر، وانعكست بشكل مباشر على معدلات الرواتب في الدول المتطورة، في حين أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتأثر كثيرا بهذه الأزمة، التي طالته لعدة أشهر، وسرعان ما عاد الاقتصاد الى وتيرة نمو سنوية بفجوة كبيرة عن وتيرة النمو في الدول المتطورة الكبرى.

وبالإمكان القول إن الفجوة الضخمة في معدلات الرواتب في إسرائيل ناجمة أساسا عن ضعف الحد الأدنى من الاجر الذي بقي لسنوات طويلة مجمدا، وكل العلاوات التي شهدناها في السنوات الأخيرة، لم تغيرا شيئا ملموسا من قيمته الشرائية. وقد شهد الحد الأدنى من الرواتب جمودا ابتداء من العام 2002 وحتى العام 2011، باستثناء ارتفاعات هامشية، حتى بدأ في مسار ارتفاع تدريجي، وحتى مطلع العام الماضي 2017، حينما بلغ مستوى 5 آلاف شيكل، ثم 5300 شيكل في آخر شهر من العام الماضي.

وكانت آخر هذه العلاوات في مطلع الشهر الأخير من العام 2017، إذ ارتفع إلى مستوى 5300 شيكل، زيادة بنسبة 6% عما كان من قبل، وهو ما يعادل 1460 دولارا (بموجب سعر صرف 63ر3 شيكل للدولار). إلا أنه بعد فحص عدة سنوات للوراء، يتبين أنه على الرغم من رفع الحد الأدنى من الرواتب بنسبة 48% خلال 12 عاما، إلا أنه ما زال عند مستواه مقارنة بمعدل الرواتب العام. فقد كان الحد الأدنى من الرواتب في العام 2005، يعادل ما نسبته 8ر50% من المعدل العام للرواتب. وفي شهر كانون الاول من العام الماضي بلغت النسبة 6ر51% من معدل الرواتب.

وقبل نحو شهر حصل ارتفاع طفيف في ساعة العمل في أجر الحد الأدنى، بعد أن قررت وزارة العمل خفض ساعات العمل الشهرية المطلوبة من العامل حتى يصل الى راتب الحد الأدنى بأربع ساعات، من 186 ساعة شهريا، إلى 182 ساعة. ويبقى هذا عدد الساعات الأكبر في سوق العمل، إذ أن هناك قطاعات عمل يصل اجمالي الساعات المطلوبة الشهرية ما بين 156 ساعة الى 176 ساعة على الأكثر.

وفي هذه النقطة العينية، وجد تقرير OECD أن الأجر الأدنى القانوني لساعة العمل في إسرائيل، هو نصف معدل أجر الساعة الأدنى في منظمة OECD، 7ر8 دولار في إسرائيل مقابل 17 دولارا للساعة بالمعدل في دول OECD. وهذا يفسر أيضا نسب الفقر المرتفعة في إسرائيل، والتي هي الأعلى من بين دول OECD.

وتقول OECD إن نسبة الفقراء من بين العاملين في الشريحة العمرية 18 إلى 64 عاما، من اجمالي الفقراء، هي 3ر14%، مقابل نسبة 10% بالمعدل في الدول المتطورة، ما يعني أن نسبة الفقراء العاملين في إسرائيل أعلى بنسبة 43% من المعدل القائم في منظمة OECD. والدول التي فيها الأوضاع أسوأ في هذه النقطة العينية، وبفوارق طفيفة، هي الولايات المتحدة الأميركية واليونان واليابان واسبانيا.

وتقول صحيفة "كالكاليست" إن هذه المعطيات لربما قد تكون تغيرت منذ العام 2016 وحتى الآن، على ضوء ارتفاع معدلات الأجور، وبضمنها أجر الحد الأدنى، ولكن كما ذكر هنا، فإن كل العلاوات لراتب الحد الأدنى أبقته عند مستوياته السابقة من حيث قوته الشرائية.

وثمة جانب آخر يتطرق له التقرير في الفجوات في الرواتب، هو الفارق المستمر بين أجور الرجال والنساء؛ إذ أن الرجال بوظائف كاملة يتقاضون رواتب اعلى بنسبة 21% من رواتب النساء بوظائف كاملة.

وكان تقرير لمركز أدفا للأبحاث الاجتماعية، صدر في مطلع الشهر المنتهي تموز، قد دل على استمرار الفجوات في الرواتب. وقد تعامل التقرير مع معدلات الرواتب الفعلية، وليست الرسمية، التي كانت في العام الماضي. وكالعادة، فإن اليهود الأشكناز هم أصحاب الرواتب الأعلى في البلاد، وبلغ معدل الرواتب بين أبناء الجيل الثاني من الأشكناز 10400 شيكل، وهذا اعلى بمعدل 300 شيكل عن معدل رواتب الأشكناز أبناء الجيل الأول.

وحل في المرتبة الثالثة أبناء الجيل الثاني من اليهود الشرقيين، الذين بلغ معدل رواتبهم 9231 شيكلا. وحل في المرتبة الرابعة الجيل الثالث من الذي ولدوا في إسرائيل، وكان معدل الرواتب بينهم 8929 شيكلا. ومعدل رواتب المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في العقود الثلاثة الأخيرة، كان 8232 شيكلا. وبلغ معدل رواتب العرب وفق تقرير أدفا 6700 شيكل، يليهم المهاجرون من أثيوبيا في العقود الثلاثة الأخيرة، إذ بلغ معدل الرواتب لديهم 5185 شيكلا.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات