المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حذرت محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ حكومتها من إساءة التعامل مع المعطيات الايجابية للاقتصاد، وأولها الفائض الكبير في خزينة الضرائب، إذ عبرت فلوغ عن موقف البنك المركزي التقليدي الرافض لخفض الضرائب، واستغلال الفائض لسد جزء من الدين العام. وهو موقف يتصادم مباشرة مع موقف وزارة المالية والحكومة، التي تسعى إلى خفض ضريبة الدخل بشكل ملموس، خاصة للشرائح الوسطى، وإلى خفض اضافي لضريبة الشركات.

ويدور جدل في الحلبتين السياسية والاقتصادية منذ بضعة اشهر حول نية وزارة المالية ومعها رئيس الوزراء إجراء تخفيض ضريبي. وحسب ما نشر، فإن المستفيد الأول ستكون الشرائح الوسطى والشركات. وانتشرت في الأيام الأخيرة تقارير مفادها أنه في تقدير وزارة المالية، سيصل الفائض في خزينة الضرائب إلى مستوى غير مسبوق من حيث الكم والنسبة.

وتقول تقديرات الوزارة إن الفائض في خزينة الضرائب قد يصل إلى 20 مليار شيكل، حتى نهاية العام الجاري، وهو ما يعادل 7ر5 مليار دولار، وهذا يعني جباية أعلى بنسبة حوالي 7% مما كان مخططا لميزانية العام الجاري 2017. وكان الهدف جباية 286 مليار شيكل، وكما يبدو سيقفز اجمالي الجباية إلى 306 مليارات شيكل.

وكان الفائض حتى نهاية الشهر الماضي، تشرين الاول، قد بلغ في خزينة الضرائب 18 مليار شيكل، وهو ما يعادل 1ر5 مليار دولار، ونسبة عالية من هذا الفائض هي جباية من مصادر لمرّة واحدة، وبالذات من صفقات بيع شركات ضخمة، أكبرها شركة "موبيل أي" الإسرائيلية، التي اخترعت أجهزة تحذير للسيارات كي تقلل من احتمالات حوادث الطرق. وصفقة البيع هذه بلغت 11 مليار دولار، ومن المفترض أن تكون عائدات الضريبة منها أكثر من مليار دولار. كذلك فقد تم هذا العام بيع شركات تقنية عديدة بحجم أقل، ما يزيد من در أموال على خزينة الضرائب. وحسب التقارير، فإن استمرار نسبة التشغيل العالية جدا، التي تنعكس في نسبة بطالة 3ر4%، هي أيضا من شأنها أن ترفع من مداخيل الضرائب.
وترى وزارة المالية، ووزيرها موشيه كحلون، أن هذا الفائض يجب أن يُعاد إلى دافعيه، والقصد الشرائح الوسطى والعليا والشركات. بينما بنك إسرائيل المركزي، بموقفه التقليدي، والذي عبّرت عنه فلوغ في الأيام الأخيرة، يطالب الحكومة بخفض الدين العام، كي يكون بقدرة الحكومة مستقبلا تخصيص ميزانيات أكبر للجوانب الاجتماعية على مختلف تسمياتها.

وحسب تقديرات وزارة المالية، فإن التخفيض المخطط في ضريبة الدخل سيجعل من يتقاضون رواتب غير صافية، تتراوح ما بين 3 آلاف دولار وحتى 5600 ألف دولار، يستفيدون سنويا من زيادة مدخول صاف، يتراوح ما بين ألف وحتى 1400 دولار.

وتقول فلوغ في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن على الحكومة تقع مسؤولية تزويد الجمهور بخدمات اجتماعية بمستويات عالية، مثل التعليم والصحة والمواصلات والرفاه وغيرها. فبالمقارنة العالمية، فإن الصرف المدني لدينا هو منخفض جدا، وهذا ينعكس في التحصيل العلمي المنخفض لجهاز التعليم، وفي ارتفاع الصرف الفردي لكل واحد منا، على جهاز التعليم لنعلم الابناء، وضغط ضخم جدا في الصرف على جهاز الصحة، وينعكس أيضا في غياب بنى تحتية مناسبة في عدة مجالات. والتخفيض الضريبي الذي تعده وزارة المالية من شأنه أن يقلص قدرة الحكومة أكثر على الاستثمار في المجالات الاجتماعية السابق ذكرها، ما سيضر بمستوى معيشتنا.

وقالت فلوغ إنه إذا أخطأت وزارة المالية هذا العام في تقديراتها لحجم مداخيل الضريبة، وكانت أعلى من المتوقع، فإنه في سنوات خلت كان الخطأ بنتيجة عكسية. وعلى الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أن قسما كبيرا من هذا الفائض نابع من مداخيل لمرّة واحدة، وهي ليست ثابتة في مداخيل السنوات المقبلة، لذا من غير الممكن اجراء تخفيض ثابت، استنادا على مداخيل ليست ثابتة. وكان بنك إسرائيل قد حذر في تقرير سابق له من أن أي تخفيض ضريبي في العام المقبل 2018 سيتبعه رفع ضرائب في العام التالي 2019.

وتقول فلوغ إنها لا تعترض على مقولة وزارة المالية بأنه يجب اعادة الفائض الضريبي للجمهور، فالخلاف هو على الطريقة. وما يطرحه بنك إسرائيل هو زيادة الاستثمار والخدمات للجمهور، بشكل يساهم في رفع نسب النمو الاقتصادي، وبالتالي رفع المستوى المعيشي من خلال جودة الخدمات الاجتماعية.

وتتابع فلوغ قائلة إنه من أجل فهم موقف البنك المركزي، يجب أن نذكر عدة حقائق ومنها أولا، أنه أحيانا يؤدي تخفيض الضرائب إلى زيادة النشاط الاقتصادي، ولكن في اقتصاد في حالة نسبة تشغيل كاملة، كما هو قائم في إسرائيل حاليا، فإن التخفيض لا يؤدي إلى زيادة في النمو الاقتصادي. وثانيا، أنه في وضعية الخدمات الاجتماعية، في الوقت الراهن، على الحكومة أن تفكر مليا كيف تستخدم فائض الضريبة من أجل تقصير الدور للأطباء المختصين والخبراء، وكيف نحارب الفقر. ويجري الحديث عن خدمات واقعة تحت سيطرة الحكومة، وهي قادرة على رفع مستواها.

من ناحية أخرى أبدت محافظة بنك إسرائيل تحفظها واعتراضها على نية وزارة المالية والحكومة عرض الموازنة العامة للعام 2019، مع نهاية الدورة الشتوية الحالية، بمعنى في شهر آذار المقبل- 2018. وقالت إنه وقت مبكر لمعرفة التقديرات الاقتصادية في العام 2019، وهذا يلزم الحكومة بأن تخصص احتياطيا أكبر في الموازنة العامة لتكون قادرة على امتصاص أي اهتزازات اقتصادية قد تنشأ في ذلك العام.
وكانت أنباء تحدثت عن أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد اتفق مع وزير المالية موشيه كحلون على اقرار موازنة العام 2019، في الربع الأول من العام 2018 وليس في نهاية السنة المقبلة، كما هو متبع. ومعنى هذا تقديم موعد اقرار الموازنة في الكنيست بتسعة أشهر. وهو اجراء انتقده المحللون والخبراء الاقتصاديون. والاعتقاد السائد هو أن نتنياهو يريد تقليص حقل الألغام الذي قد يواجهه في العام المقبل، لدى اعداد الموازنة العامة، قبل أشهر من الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية في خريف العام 2019. وهذا حساب يصب أيضا في صالح كحلون، الذي لا يتشجع للتوجه إلى انتخابات مبكرة. أما الذريعة الاقتصادية التي يعرضها نتنياهو وكحلون فهي أن اقرار الموازنة بشكل مبكر من شأنه أن يقلص احتمالات الضغوط الحزبية.

وتتبع إسرائيل منذ العام 2009 نظام الميزانية المزدوجة، إلا أن القانون تم تعديله مؤخرا بشكل يجعل الحكومة تقر ميزانية لعام واحد، في حال من المفترض أن تجري فيها انتخابات برلمانية وفق الموعد القانوني، وذلك كي لا يتم فرض موازنة عامة على الحكومة الجديدة التي ستشكل بعد الانتخابات.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات