المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ألزمت محكمة إسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن يكشف عن مواعيد اتصالاته مع صديقه الثري الأميركي اليهودي شلدون إدلسون، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، المجنّدة لدعم نتنياهو منذ صدورها، وأيضا اتصالاته مع رئيس تحرير الصحيفة، عاموس ريغيف. وتجاوبت المحكمة مع التماس القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، والصحافي رفيف دروكر، الذي اشتهر في السنوات الأخيرة بتقاريره الجريئة والناقدة لبنيامين نتنياهو، في حين أن الأخير سعى لوضع الكثير من العراقيل امام القناة والصحافي دروكر.

وطالبت القناة العاشرة والصحافي دروكر بكشف أوقات اتصالات نتنياهو مع إدلسون ورئيس التحرير ريغيف، في إطار قانون "حرية المعلومات". وجاء في الالتماس: "في الكثير من مراكز الحوارات الشعبية يجري الحديث عن أن صحيفة "يسرائيل هيوم" تهدف لخدمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأن توثيق وكشف مواعيد الاتصالات بينهم، سيسمح للجمهور بأن يعرف مدى الرابط بينهم".

وفي المقابل ادعى نتنياهو أمام المحكمة، أن هذه من نوع الاتصالات الخاصة، وليست لها علاقة بعمله في منصبه الرسمي كرئيس للوزراء، وأن هذه المعلومات من شأنها أن تكشف عن العلاقات الخاصة لرئيس الوزراء مع اصدقائه. وقد رفضت المحكمة رد نتنياهو، وقبلت طلب الملتمسين. إلا أنها طلبت ابلاغ إدلسون وريغيف بالقرار، لمنحهما فرصة الاعتراض عليه.

وكان دروكر قد نشر في السابق تقريرا واسعا حول صحيفة "يسرائيل هيوم"، وكيفية ادارتها وتجندها لصالح بنيامين نتنياهو، منذ أن صدرت لأول مرّة في منتصف العام 2007. ويبرز دروكر بتقاريره الناقدة لنتنياهو ونهجه، بينما حاول نتنياهو في العامين الأخيرين عرقلة استمرار بث القناة بمالكيها الحاليين، إذ أنها تابعة لسلطة البث الثانية، التي تخصخص فيها قنوات اذاعية وتلفزيونية. كما سعى نتنياهو لمنع تقدم تسهيلات مالية للقناة، بعد صعوبات مرت بها. وفي الأيام الأخيرة، تحدثت أنباء عن أن نتنياهو يسعى إلى تعيين مستشار إعلامي سابق لزوجته سارة، ليكون مديرا عاما للقناة العاشرة للتلفزيون.

وقد صدرت "يسرائيل هيوم" لأول مرّة في منتصف العام 2007، وكان انتشارها يقتصر على منطقة تل أبيب والقدس، ومنذ اللحظة الأولى أظهرت تأييدها لمن كان رئيسا للمعارضة، بنيامين نتنياهو، وهي ما زالت تدافع عن سياسته ونهجه، وتضرب كل معارضيه، بمن فيهم أعضاء في حزب الليكود، ثم بدأت الصحيفة تتوسع، وهي توزع في غالبية أنحاء البلاد، في حين يتوغل صاحبها في السيطرة على الإعلام المركزي الإسرائيلي.

ومعروف عن صاحب "يسرائيل هيوم" شلدون إدلسون، أنه صاحب أكبر شبكة عالمية للمراهنات "القمار"، وينتشر بشكل قوي في لاس فيغاس وفي دول في الشرق الأقصى، وهو صاحب مواقف يمينية متشددة، وعنصرية للغاية ضد الشعب الفلسطيني.

ويدور جدل واسع في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية حول صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، ومدى تجندها لنتنياهو، ومحاربة كل من ينتقده، حتى من حزبه الليكود. ومنذ ثلاثة أعوام بدأت الصحيفة تحتل المرتبة الأولى في انتشار الصحف الإسرائيلية، متقدمة على كبرى الصحف المباعة، "يديعوت أحرونوت". إلا أن الصحف الإسرائيلية التي تباع ترفض في السنوات الأخيرة الاستطلاع النصف السنوي، نظرا لأنه لا يمكن المقارنة بين صحف تباع وصحف مجانية.

كما اشتكت أوساط اقتصادية من أن مجانية "يسرائيل هيوم" تخرق قانون المنافسة الاقتصادية. واستنادا لكل الدوافع السياسية والاقتصادية، ظهر في الولاية البرلمانية السابقة، الكنيست الـ 19، مشروع قانون يفرض قيودا على مجانية الصحف. ولمفاجأة نتنياهو، فإن مشروع القانون اخترق قبل عام ونصف العام الائتلاف الحكومي، وأقرته الهيئة العامة للكنيست بالقراءة المبدئية (التمهيدية).

وينص القانون على أنه من منطلق المساواة في المنافسة التجارية، فإنه يُحظر على صحيفة يومية توزع ستة أيام أسبوعيا، وبعدد صفحات يومي يتجاوز 30 صفحة، أن توزع مجانا، لأكثر من ستة أشهر، وهذه مواصفات تقتصر على صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي يتراوح عدد صفحاتها يوميا ما بين 68 إلى 80 صفحة، بينما الصحيفة الثانية "يسرائيل بوست" تصدر خمسة أيام، وعدد صفحاتها أقل، وتوزيعها الأساسي في شبكة القطارات.

وعندما قرر نتنياهو التوجه إلى انتخابات مبكرة، قبل أكثر من عام، وجرت في شهر آذار الماضي، كان هذا القانون من بين الأسباب التي عددها محللون لقرار نتنياهو حل حكومته والتوجه للانتخابات. وقيل في حينه إن نتنياهو معتمد كثيرا على علاقاته الشخصية بإدلسون، الذي بات في السنوات الأخيرة يتوغل في امتلاك أسهما كثيرة في وسائل الإعلام، في إسرائيل وايضا في الولايات المتحدة الأميركية.

فقد كشفت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية قبل بضعة أشهر، تصريحات اطلقها إدلسون، ومعه الثري الأميركي اليهودي حاييم صبّان، صاحب مركز "صبّان" في واشنطن، خلال ندوة لجمعية مهاجرين إسرائيليين إلى الولايات المتحدة، ويجاهران خلالها، بأنهما فكّرا في شراء صحف أميركية، يصفانها بـ "اليسارية" لإسكات انتقاداتها لإسرائيل،

ويقول صبّان في الندوة، "إنني وشلدون (إدلسون) علينا شراء صحيفة "واشنطن بوست"، وخسارة أنني لم اعلم من قبل أنها معروضة للبيع (وقد بيعت بمائة مليون دولار للأميركي جوزيف بوزس)، إن بوزس سرق الصحيفة عمليا، فما دفعه كان بمثابة قروش.. قروش"، فقاطعه إدلسون قائلا، "لربما يا صبّان يتعين علينا نحن الاثنين أن نشتري "نيويورك تايمز"، فيرد صبّان قائلا، "صدقني حاولت عدة مرات فعل ذلك، إلا أن الأمر لم ينجح، فتلك صحيفة تملكها عائلة".
وقال إدلسون، "إن المال يقدم الاجابات على كل شيء، علينا أن نعرض أعلى بكثير من قيمة الصحيفة (نيويورك تايمز)، وما إذا رفضت العائلة، فإن اصحاب الاسهم الآخرين، من خارج العائلة، سيرغبون في الحصول على المال، وبإمكانهم مقاضاة العائلة لإجبارها على البيع".

مشروع قانون لتحصين حرية التعبير

وقد واجه نتنياهو في السنوات الأخيرة الكثير من الانتقادات من الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية، نظرا لمحاولاته التضييق على وسائل إعلام كبيرة، بغرض تغيير توجهاتها، ومن ابرزها، كما ذكر هنا، القناة العاشرة. اضافة إلى سعيه لتعيين المقربين منه، وذوي التوجهات المطابقة لتوجهاته، في وظائف اعلامية مسؤولة، بما فيها وسائل إعلام خاصة.

وثارت ضجة قبل نحو خمسة أشهر، حينما أدخل عدد من نواب الائتلاف الحاكم بندا في قانون الإعلام الجديد، يحظر على مقدمي البرامج في الإذاعات وقنوات التلفزة الرسمية وشبه الرسمية، التعبير عن مواقفهم. وبعد اقرار البند أعلن نتنياهو نيته اسقاطه لاحقا، وهذا ما لم يتم حتى الآن.

وبادر في الايام الأخيرة 24 عضو كنيست لمشروع قانون "أساس"، يضمن حرية التعبير. ومن أبرز بنود مشروع القانون ضمان حرية التعبير في وسائل الإعلام. وتقود مبادرة النواب النائبة من كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة كاسنيا سفاتلوفا. وحسب موازين القوى البرلمانية القائمة، فإن هذا القانون لا أمل له في الولاية البرلمانية الحالية، خاصة وأن القانون هو "قانون أساس"، بمعنى قانون بصفة دستورية، يتفوق على قوانين أو بنود قوانين قائمة تعارضه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات