المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

التمييز الاقتصادي ضد المواطنين العرب يجر إسرائيل نحو الأسفل

*وزير المالية يائير لبيد يميز ضد الجمهور العربي في خطته لإعفاء مشتري البيوت من ضريبة المشتريات ويعرض هذا على أنه تفضيل لمن "يخدم أكثر" *التفضيل هو ذريعة ليس فقط للبيد وإنما أيضا لمؤسسات الدولة والغالبية اليهودية في إسرائيل لتبرير التمييز الاقتصادي الممأسس ضد المواطنين العرب*

بقلم: ميراف أرلوزوروف

(ترجمة خاصة- عن صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية)

"نحن لسنا على استعداد للاعتذار على كوننا صهاينة"، هذا ما قاله وزير المالية يائير لبيد هذا الأسبوع، في سعيه لتفسير جزء من خطته، بشأن الإعفاء الكامل من ضريبة المشتريات عن البيت الأول الذي يشتريه من خدم في الجيش أو الخدمة المدنية. وتابع لبيد يقول متحمسا: "إننا نقول بالشكل الأوضح، من يساهم أكثر يحصل على أكثر. إن الخدمة العسكرية أو المدنية هي قيمة. الشاب الذي يضحي بثلاث سنوات من حياته، الشاب الذي في حالات كثيرة يخاطر بحياته، هو مواطن أفضل بكثير ومستحق أكثر، ويستحق أيضا تفضيلا بارزا وواضحا".

ما من شك في أن رسالة لبيد واضحة وبارزة، إلا أن هذا لا يجعلها صادقة، فعمليا مقولة لبيد بأن "من يقدم أكثر يحصل على أكثر"، هي أكذوبة، ليست للبيد شخصيا، وإنما كذبة وطنية، فالغالبية اليهودية تحب أن تروي لنفسها هذه الكذبة، من أجل أن يكون في مقدورها تبرير التمييز المستمر ضد الأقلية العربية في إسرائيل.

وفي واقع الأمر، لا توجد أي حاجة لمنح الغالبية اليهودية التي تخدم في الجيش، وتقدم ثلاث سنوات من حياتها للدولة، "تفضيلا واضحا وبارزا"، لأن هذا التفضيل قائم على أرض الواقع. ففي كل خطوة واجراء يحصل اليهود أكثر من العرب، ولهذا فهم يحظون منذ الآن على تفضيل واضح وبارز، والخطوة الأخيرة التي أقدم عليها لبيد، تضيف تفضيلا خفيفا واحدا فقط، على التفضيل الضخم القائم للغالبية اليهودية، وهناك شك في ما إذا ستغير هذه الخطوة صورة التمييز الحاد المتجذر، والمتبع في دولة إسرائيل ضد العرب.

لن نبني أي بلدة عربية جديدة

هل تريدون نماذج؟ تفضلوا.

من الممكن ومن المجدي أن نبدأ بسنوات الأربعين والخمسين والستين، التي فيها صادرت دولة إسرائيل من البلدات العربية قسما كبيرا من أراضيها. وعملية "تهويد الجليل"- حتى أن الدولة لا تخفي نواياها- قد عملت على نقل مكثف للأراضي من العرب إلى اليهود، وقسم كبير من هذه المصادرة تم في أوج حرب الاستقلال، وقسم كبير آخر، كان على شكل قرارات قضائية ومنظمة، على مدى سنوات طوال بعد تلك الحرب.

إن لجنة تحقيق رسمية واحدة، "لجنة أور"، تطرقت إلى سلب الأراضي من العرب، وكتبت اللجنة في تقريرها "إن عمليات مصادرة الأراضي كانت بشكل واضح لمصلحة الغالبية اليهودية، فعلى الأراضي المصادرة أقيمت مئات البلدات اليهودية، بما في ذلك مدن كبيرة، على شاكلة نتسيرت عيليت وكرميئيل".

فعلى سبيل المثال تعرض اللجنة مدينة سخنين، التي في سنوات الانتداب البريطاني كانت تمتد منطقة نفوذها على 70 ألف دونم، بقي منها للمدينة 9700 دونم، منها 4500 دونم فقط هي منطقة نفوذ بلدية، وبسبب هذا، فإن المواطن في سخنين عليه أن يكتفي بمساحة 191 مترا مربعا للفرد، مقابل 524 مترا مربعا للفرد في مدينة كرميئيل (قريبة من سخنين شمالا).

بعد يوم الأرض في منتصف سنوات السبعين (1976)، توقفت إسرائيل عن سياسة مصادرة أراضي العرب في إسرائيل، ولكن عمليا استمرت عملية "تهويد الجليل" بوتيرة كبيرة، والدلائل معروضة أمامكم: على الرغم من أن الجمهور العربي يزداد بوتيرة تكاثر شبيهة بتلك التي لدى الجمهور اليهودي، فمنذ اقامة الدولة وحتى أيامنا هذه، أقيمت أكثر من 700 بلدة جديدة لليهود، ولكن لم تقم أي بلدة عربية جديدة، باستثناء البلدات الثابتة للبدو في النقب، الذين تم اخلاؤهم من أراضيهم، فهل قرأتم بشكل صحيح: ولا أي بلدة عربية جديدة منذ اقامة الدولة.

ونذكر أن عشرات القرى العربية تم تدميرها في السنوات الأولى لقيام الدولة، وسكانها الذين بقوا مواطنين في إسرائيل، فقدوا أراضيهم وبيوتهم، وحقهم في العودة للسكن في قرى آبائهم، وتذكر "لجنة أور" 60 قرية كهذه تم اقتلاعها، وإقرث وكفر برعم هما فقط قريتان من هذه القرى، وهما الأكثر شهرة.

وأيضا القرى التي لم يتم تدميرها، تهتم الدولة بتقزيمها، وأداة التطوير البلدي هي لجان التنظيم والبناء، وفي إسرائيل توجد 123 لجنة كهذه، 4 منها فقط تابعة لبلدات عربية، وهي الناصرة ورهط والطيرة والطيبة، بينما 82 بلدة عربية، تندمج شؤونها في إطار 21 لجنة تنظيم وبناء إقليمية، وفي خمس منها فقط رئيسها عربي، وهذا يبدو أحد الأسباب التي تؤدي إلى أن الاكتظاظ والكثافة السكانية في البلدات العربية أكثر من اللذين في البلدات اليهودية، وبالأساس أن البلدات العربية تختنق اقتصاديا، بسبب عدم تخصيص أراض لها لبناء مناطق صناعية.

وقد أشار بحث جديد لجمعيتي "سيكوي" و"إنجاز" إلى أن السلطات المحلية العربية (المجالس البلدية والقروية)، تسيطر على 8ر3% فقط من المساحات الصناعية والعمل، على الرغم من أن نسبتها من بين السكان 18%، وبحث آخر أجراه قسم الابحاث في الكنيست في العام 2009، فحص كيف يتم توزيع ضريبة المسطحات، التي تدفعها الحكومة للسلطات المحلية، مقابل مقرات بنى تحتية مثل الكهرباء، وقواعد الجيش، والمكاتب الحكومة والرسمية والوزارات، وتبين منه أنه من أصل 1ر1 مليار شيكل (314 مليون دولار) فإن حصة السلطات المحلية العربية 2ر2 مليون شيكل (628 ألف دولار) سنويا. ما يعني أنه في الوقت الذي تتحكم فيه الحكومة بالكامل بقرارها لمن تدفع، فإنها تخصص 2ر0% فقط من ضريبة المسطحات للبلدات العربية.

وبهذا عمليا، لا توجد للبلديات العربية أي مداخيل من ضريبة المسطحات التي تدفعها الحكومة، وحصة البلدات من ضريبة المسطحات الصناعية، تقل بنسبة 70% عن نسبتهم من بين السكان، والنتيجة التي لا يمكن منعها، هو أن للبلديات العربية مداخيل قليلة جدا، الأمر الذي يحكم عليها بأن تكون في وضع اقتصادي متدهور بشكل دائم، وعجز مالي، وبطبيعة الحال خدمات بمستوى منخفض لسكان هذه البلدات.

مستوى معيشة أقل بنسبة 60%

يحصل المواطن العربي على خدمات من البلديات مستواها أقل بنسبة 60% من تلك التي يتلقاها المواطن اليهودي من بلديته، وبتعبير مباشر فإن مستوى المعيشة الذي تعرضه البلديات العربية أقل بنسبة 60% من الذي تعرضه البلديات اليهودية، وبذا فإن المواطنين العرب يحصلون على ميزانيات رفاه تقل بنسبة 50% عن تلك التي يتلقاها اليهود، على الرغم من أن العرب هم الجمهور الأكثر فقرا في إسرائيل، ولهذا هم بحاجة إلى ميزانيات رفاه أكبر بكثير من غيرهم.

وتبين من فحص أجرته جمعية "سيكوي" أن العرب يحصلون من ميزانيات معالجة الإدمان على المخدرات على 4% فقط، ومن ميزانيات معالجة أطفال في ضائقة على 8%، ومن ميزانيات خدمة المسنين على 5% فقط.

ميزانيات التعليم تقل بنسبة 35%

إن ميزانيات التعليم التي تحصل عليها البلديات العربية من وزارة التعليم هي في أفضل أحوالها مشابهة لتلك التي تحصل عليها البلديات اليهودية، وفي حالاتها الأسوأ فهي أقل بنسبة 20% من تلك التي تحصل عليها البلدات اليهودية، وبما أن البلديات العربية هي فقيرة، وهي الأفقر في إسرائيل، وليس لديها وسائل لتضيف إلى ميزانياتها لجهاز التعليم، فإنه في نهاية المطاف تكون ميزانيات التعليم في البلديات العربية أقل بنسبة 35% من تلك التي للطالب اليهودي.

وهذا بطبيعة الحال مناقض كليا للاحتياجات، فجهاز التعليم العربي هو جهاز فاشل، ونسبة التسرب من جهاز التعليم تصل إلى 32%، مقابل 8% بين الطلاب اليهود، والتحصيل في الامتحانات الدولية، أقل بنسبة 20% من ذلك الذي للطلاب اليهود.

ونضيف هنا أنه بخلاف تام عن الكذبة السائدة، فإن عدم جباية ضريبة المسطحات في البلدات العربية ليست سببا جوهريا للتخلف الضخم جدا في هذه البلدات. فبحسب أبحاث أجريت، تبين أن تحسين جباية ضريبة المسطحات عن المنازل في البلدات العربية، كان سيحسن ميزانياتها بنسبة 20%، إلا أنه لو حصلت البلدات العربية على حصة مساوية من ضريبة المسطحات الاقتصادية، لازدادت مداخيلها بنسبة 130%، فالتمييز في سياسة الأرض ضد البلدات العربية، جعل تلك البلدات من دون مساحات أراض مثمرة، وهذا هو الوزن الأكبر في كون البلدات العربية ذات مداخيل ضريبية قليلة، وليس جباية ضريبة مسطحات المنازل.

من الواضح أن التفضيل الواضح والبارز لليهود لا ينحصر في الحكم المحلي، ففي جهاز الحكومة 8% فقط هم موظفون عرب، وغالبيتهم الساحقة تعمل في وظائف متدنية.

ويعاني العرب من شبكة مواصلة متردية باستمرار، فمدينة ام الفحم، مع 48 ألف نسمة فيها، تحصل على 140 سفرة يوميا فقط بين المدن، مقابل 277 سفرة تحصل عليها بلدة برديس حنه التي فيها 33 ألف نسمة.

الفجوة في التعليم تقلص عمر الانسان

وكان مركز "مساواة" في التماس له للمحكمة العليا أثبت أنه فقط 3% من ميزانيات الثقافة، التي توزعها وزارة الثقافة، تصل إلى مراكز ثقافية عربية، وقد أشارت "لجنة أور" إلى التماس آخر للمحكمة العليا في سنوات التسعين، على خلفية أن وزارة الأديان تخصص لمقابر المسلمين 2% فقط مما تخصصه لمقابر اليهود، فهل حصل منذ ذلك الوقت تغير في المعطيات؟. من الصعب معرفة هذا لأن ما هو موثوق أن الحكومة عملت على توزيع معالجة هذين الصنفين من المقابر إلى وزارتين منفصلتين.

إن مسألة المقابر تقونا إلى نقطة النهاية والأخيرة، وهو مدى حياة الانسان العربي في إسرائيل، الذي هو أقل بالمعدل بشكل ملحوظ من مدى حياة الانسان اليهودي، فالرجال العرب يعيشون أقل بثلاث سنوات من معدل الرجال اليهود، والنساء العربيات يعشن أربع سنوات أقل من معدل أعمار النساء اليهوديات، ومن أراد أن يريح نفسه من الأسباب بادعاء أن الفقراء في العالم يعانون من معدل أعمار أقل بكثير من غيرهم، فمن المجدي أن نعرف أن اليهود المتزمتين (الحريديم) في إسرائيل معدل أعمارهم أكثر من غيرهم (في إشارة إلى أن الحريديم يندرجون ضمن شرائح الفقر- الترجمة).

إن الفقر ليس سببا في معدل الأعمار القصير لدى العرب، وإنما كما يبدو بسبب قلة الخدمات الصحية المقدمة لهم، وبالأساس التحصيل العلمي المنخفض أكثر لأم العائلة، فهذا يؤدي إلى نمط حياة صحي بدرجة أقل للعائلة كلها، وبحسب أبحاث عالمية، فإن الأم هي صاحبة التأثير الأكبر على نمط الحياة، وفقط من أجل أن نغير معدل الأعمار لدى العرب، علينا أن نرفع من المستوى العلمي لدى النساء العربيات، الأمر الذي لن يكون، كما يبدو، في دولة تهتم بأن تبقى ميزانيات تعليم العرب أقل بشكل دائم من ميزانيات تعليم اليهود.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات