المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

محاضر في قسم تاريخ إسرائيل في جامعة حيفا: التخوفات في حزب الليكود من احتمال انشقاق نتنياهو يدل على وجود تغيرات في المواقف داخل اليمين الإسرائيلي

كتب بلال ضاهر:

أعلن رئيس حزب العمل والمعارضة الإسرائيلية، إسحاق هرتسوغ، عن تأييده مطلب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن اعترافا فلسطينيا بيهودية إسرائيل هو شرط للتوصل إلى اتفاق دائم بين الجانبين. ونقلت صحيفة "معاريف"، يوم الجمعة الماضي عن هرتسوغ قوله "أعتقد أن المطلب بأن يشمل الاتفاق الدائم اعترافا فلسطينيا بإسرائيل أنها الدولة القومية للشعب اليهودي هو مطلب صحيح وأنا أؤيده".

واعتبر هرتسوغ أن هذا المطلب "ينبع من وجود علاقة مباشرة بين قرار التقسيم التاريخي (من العام 1947) الذي أقر بقيام دولتين قوميتين، إحداهما هي الدولة القومية للشعب اليهودي، ولذلك فإنه من الصواب العودة إلى ذلك. وأنا أختلف في هذا الأمر مع زهافا غالئون" رئيسة حزب ميرتس اليساري. ولفتت الصحيفة إلى أنه ليست غالئون وحدها التي تعارض هذا المطلب، الذي كان نتنياهو أول من طرحه كشرط لاتفاق سلام، وإنما أعلن الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، ورئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية، يائير لبيد، أنهما يعارضان هذا المطلب كشرط لاتفاق سلام. وبدت أقوال هرتسوغ مطابقة لخطاب نتنياهو في هذا الصدد، وقال إنه "يوجد في مبادرة جنيف أيضا تطرق إلى أن الفلسطينيين يعترفون بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، وفي المقابل تعترف إسرائيل بفلسطين على أنها البيت القومي للفلسطينيين".

وقالت صحيفة "هآرتس" إن نتنياهو أبلغ كيري بأن إسرائيل لن توافق على وثيقة "اتفاق الإطار" للمحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية، ويتوقع أن يطرحه كيري في الفترة القريبة، إذا لم يتضمن اعترافا بيهودية إسرائيل ورفضا "جارفا" لحق العودة. ونقلت الصحيفة عن نتنياهو قوله لأعضاء كنيست من حزب الليكود الذي يتزعمه إنه لا توجد أية نية لديه للانشقاق عن حزبه من أجل تأسيس حزب جديد يقود من خلاله إسرائيل نحو اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وقال نتنياهو لأعضاء الكنيست "لا أنوي التنازل عن القبيلة"، وفسرت الصحيفة كلمة "القبيلة" بأنها تشير إلى ناخبي اليمين الذين أوصلوا نتنياهو ثلاث مرات إلى رئاسة الحكومة.

وأفادت "معاريف" و"هآرتس" بأن نتنياهو تعهد أمام أعضاء الكنيست من الليكود وقيادة حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف برئاسة وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، بأنه لن يطرح وثيقة "اتفاق الإطار" الأميركية على طاولة الحكومة الإسرائيلية، وشدد على أن إسرائيل ستقدم العديد من التحفظات عليها.

وفي غضون ذلك، جرت "احتكاكات" في المواقف بين نتنياهو وبينيت، وبين وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، وبينيت، على خلفية المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وأعلن ليبرمان خلال خطاب أمام مؤتمر نادي الصناعة والتجارة في تل أبيب، الجمعة، وفيما يتعلق باحتمالات تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أنه "لقد كتبت في العام 2004 أنه بين وحدة الأراضي ووحدة الشعب فإني أفضل وحدة الشعب، وأنا لم أتغير أبدا". لكن ليبرمان اعتبر أن "فكرة تبادل الأراضي والسكان هي جزء من تسوية مستقبلية برأيي، وجميع أولئك الذين يتماثلون مع حماس وحزب الله ومع الفلسطينيين يجب ألا يكونوا هنا" في إشارة إلى نقل مناطق عربية داخل الخط الأخضر إلى السيادة الفلسطينية في المستقبل.

وهاجم ليبرمان بينيت، بسبب تهجماته على وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وقال إن "جون كيري يقود العملية (التفاوضية) بصورة صحيحة ونحن ننشئ الآن مبادئ بالاتفاق مع الأميركيين من أجل أن نجري على أساسها مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين".

وحول هذه المواضيع أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة مع المحاضر في قسم "تاريخ إسرائيل" في جامعة حيفا والناشط في صفوف حزب العمل، البروفسور داني غوطفاين.

(*) "المشهد الإسرائيلي": أعلن رئيس حزب العمل، إسحاق هرتسوغ، أنه يؤيد مطلب نتنياهو بأن يعترف الفلسطينيون بالدولة اليهودية. ماذا يقف وراء هذا التصريح؟

غوطفاين: "المطلب ليس الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وإنما بأنها الدولة القومية اليهودية، تماما مثلما ستكون الدولة الفلسطينية بعد قيامها الدولة القومية للفلسطينيين. وثمة أهمية هنا للصيغة المطروحة. فعندما تتحدث عن دولة يهودية فإن المقصود يكون شيئا معينا، بينما عندما تتحدث عن دولة قومية فإن المقصود هو أمر آخر. وتعريف دولة إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي يعني أنه توجد بداخلها أقلية عربية – فلسطينية ولديها كافة الحقوق المطلوبة. ولذلك ينبغي الحديث عن دولة قومية يهودية وليس دولة يهودية، إذ أنه في هذه الحالة يفهم أن الدولة يجب أن تدار بموجب قوانين الشريعة اليهودية وما إلى ذلك. وإذا أدركوا أن الاتفاق الذي يسعون إليه، أو على الأقل أنا أعتقد أنه ينبغي السعي إليه، يجب أن يشمل فكرة نهاية المطالب وترتيب العلاقات بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية، فإن اعترافا كهذا يعني الاعتراف بالدولة القومية الفلسطينية أيضا. وأعتقد أن هذا مطلب فلسطيني أيضا، من ناحية علم الدولة وقوميتها وثقافتها وتراثها وغير ذلك. وفرنسا، مثلا، هي دولة قومية وهناك دول كثيرة غيرها، وأعتقد أن النقاش حول الدولة القومية هدفه إحباط العملية السلمية أكثر من كونه نقاشا جوهريا".

(*) إذا كان الهدف هو إحباط العملية السلمية، لماذا أعلن هرتسوغ الذي يعتبر نفسه ضمن معسكر السلام الإسرائيلي، موقفا كهذا؟

غوطفاين: "الأمر معاكس، فأنا أعتقد أن هذا مطلب ليس إشكاليا. وفهمي للأمور أن معارضة الفلسطينيين هو جزء من الحراك التفاوضي...".

(*) أنت تعلم أنه يتم ربط مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة القومية اليهودية بقضية حق العودة وإسرائيل تطالبهم بالتنازل عن هذا الحق.

غوطفاين: "نعم. والسؤال هو ما هي المقاييس بشأن حق العودة. ويبدو لي أن التوصل إلى اتفاق دائم يقضي بالاتفاق على إنهاء المطالب المتبادلة من كلا الجانبين. ولا يمكن التوصل إلى اتفاق بحيث يتم في التالي الادعاء أنه اتفقنا حول الناحية الإقليمية، ولم نتفق على حق العودة وقضايا أخرى. وبرأيي أنه من خلال الاتفاق بين الجانبين، سيتعين على إسرائيل أن تدفع الثمن بالتنازل عن الضفة، بينما الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون هو الاعتراف بالدولة القومية اليهودية. وفي هذا الإطار، فإنه إذا أصر الفلسطينيون على حق العودة فإنه لن يكون هناك اتفاق. ولا أرى أحدا في إسرائيل، ولا حتى داخل اليسار الإسرائيلي، يمكن أن يوافق على اتفاق لا ينهي قضية حق العودة. ولذلك أعتقد أنه ربما سيتم التوجه إلى اتفاقيات مرحلية. لكن اتفاقا كهذا سيكون مرحليا من الناحية الإقليمية أيضا. وهناك أصوات تتعالى في إسرائيل تقول إنه إذا لم يكن بالإمكان التوصل إلى اتفاق فدعونا نذهب إلى خطوات أحادية الجانب. ودعونا نرسم حدودنا. وأنا شخصيا لا أؤيد الخطوات الأحادية الجانب".

(*) هل توجد إمكانية كهذه من جانب إسرائيل؟

غوطفاين: "هذا شبيه بخطة الانفصال عن قطاع غزة".

(*) هل تعتقد أن نتنياهو قادر على تنفيذ خطوة كهذه؟

غوطفاين: "لا أعرف إذا كان نتنياهو سينفذ أمرا كهذا، لكنه ليس الخيار السياسي الوحيد. إذ تجري انتخابات بين حين وآخر. ولكني دعني أقول إن البدائل المطروحة حاليا هي إما اتفاق أو استمرار الوضع القائم أو خطوة أحادية الجانب. وفي حال استمر الجانب الفلسطيني في رفضه التنازل عن حق العودة ورفض الاعتراف بالدولة القومية اليهودية، فهذا يعني أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق. وفي وضع كهذا فإني لا أتوقع الخير لكلا الجانبين".

(*) فيما يتعلق بتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في الفترة الأخيرة، إذ أصبح فجأة يؤيد اتفاقا مع الفلسطينيين، وصرح بأن "سلامة الشعب أهم من سلامة البلاد". كيف ترى هذه التصريحات وخاصة أنها صادرة عن مستوطن؟

غوطفاين: "ليبرمان هو شخصية معقدة. ورغم أنه يسكن في مستوطنة، فإنه يطرح، منذ فترة، موقفا ليس شبيها بموقف حركة الاستيطان ’غوش إيمونيم’. وهو يرى أن دولة إسرائيل يجب أن تتوصل إلى اتفاق ما، ومفهومه لاتفاق كهذا مختلف عن مفهوم اليسار الإسرائيلي، لكنه لا يؤمن بقدسية البلاد وما إلى ذلك. ويرى ليبرمان أنه يجب تنظيم الوضع عند الحدود وأنه بالإمكان التنازل عن مناطق".

(*) ليبرمان يتحدث عن "تبادل أراض وسكان" أيضا.

غوطفاين: "ما يقوله ليبرمان هو تحريك الحدود لتصبح غرب مدينة أم الفحم، وبإمكانك أن ترى من خلال موقفه هذا أنه لا مكان لديه لقدسية البلاد. ولذلك، أعتقد أن من الخطأ النظر إلى ليبرمان كمستوطن. وهو يعبر عن قسم من اليمين الإسرائيلي غير الاستيطاني، ويوجد مثل هؤلاء. ولذلك هو لا يتحدث عن قدسية البلاد وحقوق الأجداد، وإنما ينظر إلى المصالح والترتيبات الأمنية. باختصار، ليبرمان ليس نموذجا كلاسيكيا للمستوطن".

(*) ما مدى انتشار دعوة ليبرمان إلى "تبادل أراض وسكان" في المؤسسة السياسية الإسرائيلية؟

غوطفاين: "لا أعتقد أنها منتشرة. وهذا الموقف لا يلقى تأييدا واسعا في الرأي العام الإسرائيلي، كما أنه موجود في هامش النقاش العام في إسرائيل. ويبدو لي أنه واضح للجميع أننا نتحدث عن إجماع على حدود إسرائيل إلى جانب تبادل أراض من أجل ضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل. ولذلك فإن اقتراح ليبرمان ليس جزءا من النقاش العام الإسرائيلي".

(*) تميز الأسبوع الماضي باحتكاكات بين نتنياهو وبينيت من جهة وبين ليبرمان وبينيت من الجهة الأخرى. على ماذا يدل هذا الاحتكاك؟

غوطفاين: "هذا يدل على أنه تحدث تغيرات داخل ما يسمى باليمين الإسرائيلي ويجدر الالتفات إلى هذه التغيرات. وواضح تماما أن بينيت يمثل موقف جمهور المستوطنين واليمين الإسرائيلي الاستيطاني القديم. والاحتكاكات الأخيرة بين نتنياهو وبينيت تأتي على خلفية المفاوضات مع الفلسطينيين، وإذا أمكنني الحكم على ردود فعل نتنياهو وليبرمان فإنه يوجد هنا، على ما يبدو، تحركات داخل اليمين الإسرائيلي، وفي هذا السياق يتعرض نتنياهو إلى انتقادات من الجناح اليميني المتطرف داخل حزب الليكود. ولذلك أعتقد أنه في إطار المفاوضات هناك تغير في المواقف، وهذا الأمر يثير قلقا في الليكود".

(*) صحيفة "هآرتس" نقلت يوم الجمعة الماضي عن نتنياهو قوله لأعضاء كنيست من حزب الليكود إنه لن يترك "القبيلة".

غوطفاين: "تصريحه هذا نابع من وجود تخوفات داخل الليكود من احتمال أن يخرج نتنياهو عن سياسة الليكود واليمين. ودعنا لا ننسى أن قياديين من اليمين، مثل أريئيل شارون وتسيبي ليفني وإيهود أولمرت، الذي كانوا في عمق الليكود وكانوا يمثلون مواقفه اليمينية، أصبحوا يؤيدون تسوية بهذا الشكل أو ذاك. ولا يوجد دليل واضح على أن نتنياهو سيحذو حذوهم، لكن الأمر المؤكد هو أن هناك تخوفات داخل الليكود واليمين عموما من احتمال كهذا، رغم أن يصعب معرفة مواقف نتنياهو الحقيقية".

(*) كيف سترد إسرائيل على وثيقة "اتفاق الإطار" التي يعتزم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، تقديمها لإسرائيل والفلسطينيين؟

غوطفاين: "رغم أني لا أعرف بشكل مؤكد ما الذي ستتضمنه هذه الوثيقة، لكن يخيل لي أنه من الواضح أنه سيكون بإمكان الإسرائيليين والفلسطينيين تقديم تحفظات عليها. ولذا فإني أعتقد أن إسرائيل ستوافق على مواصلة المفاوضات. وإذا تحدثنا عن وجود تخوفات داخل الليكود، فإن هذا يعني أن نتنياهو لن يتبنى مواقف بينيت، وإنما هو يعتزم مد الحبل لهذه المفاوضات، ولكن ستكون هناك مفاوضات صعبة وسيتم الاستمرار في التعبير عن مواقف متشددة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات