المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الفقر في إسرائيل يتراجع بسبب تعديلات في عملية احتسابه

*معدل الفقر الرسمي في 2012 كان 5ر23% بدلا من 8ر24% في 2011 *المخصصات الاجتماعية "رفعت" 36% من الفقراء إلى ما فوق خط الفقر *المخصصات "أنقذت" 45% من الفقراء اليهود وفقط 5ر8% من الفقراء العرب *الفقر بين العرب يتراوح ما بين أربعة إلى ستة أضعاف الفقر بين اليهود*

كتب برهوم جرايسي:

دلّ تقرير الفقر الرسمي في إسرائيل الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني) على أن الفقر في إسرائيل في العام الماضي- 2012- سجل تراجعا محدودا، من 8ر24% في العام 2011، إلى 5ر23% في التقرير الأخير، وهو ناجم بالأساس عن تعديل في احتساب الفقر.

كما أظهر التقرير أن الفقر بين العرب في إسرائيل ما زال عميقا، وبنسبة تصل إلى أربعة أضعاف الفقر بين اليهود، وحتى في حساب ما يصل الفارق إلى ستة أضعاف، وهذا نتاج سياسة التمييز التي يعاني منها العرب منذ ستة عقود ونيّف.

وقال التقرير السنوي إن الفقر شهد في العام الماضي تراجعا محدودا من 8ر24% في العام 2011 إلى 5ر23% في العام 2012، وقال مسؤولون في مؤسسة الضمان إن التراجع المحدود في احتساب الفقر في العام الماضي ساهمت فيه تعديلات في احتساب خط الفقر، ما يعني أن التراجع على الأرض طفيف وغير ملموس.

وقال خبراء مؤسسة الضمان الحكومية إن تقرير الفقر عن العام الماضي 2012، لا يعكس واقع الحال الذي ساء في العام المنتهي 2013، بسبب الضربات الاقتصادية التي تلقتها الشرائح الفقيرة أساسا، وأيضا الشرائح الوسطى، إذ أقدمت حكومة بنيامين نتنياهو على سلسلة اجراءات تقشفية، مثل تقليص بعض المخصصات الاجتماعية بنسبة 40%، وخاصة مخصصات الأولاد التي تتلقاها أي عائلة عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، ورفع ضريبة المشتريات التي وصلت إلى مستوى 18% ابتداء من منتصف العام المنتهي.

وبحسب تقديرات الخبراء، فإن الاجراءات التقشفية أرسلت ما لا يقل عن 7100 عائلة جديدة و50 ألف طفل إلى ما دون خط الفقر، ما يعني أن تقرير الفقر عن العام 2013 سيكون أشد سوءا من تقرير 2012.

وتعد إسرائيل الأكثر فقرا بين الدول المتطورة الأعضاء في منظمة OECD، وهذا ما يزعج إسرائيل في التقارير الدورية التي تصدر تباعا عن تلك المنظمة، ولكن في حال تم فصل اليهود عن العرب، فإن مستوى الفقر بين اليهود أقل من معدل الفقر في الدول المتطورة وهو 5ر12%، بينما نسب الفقر بين العرب تعادل مستويات الفقر في الدول النامية.

وبموجب المعطيات الرئيسة، فإن الفقر على مستوى الأفراد كان 5ر23%، وعلى مستوى العائلات 4ر19%، وعلى مستوى الأولاد، أي من هم دون سن 18 عاما، 34%.

خط الفقر

وقد بلغ خط الفقر في العام 2012 على النحو التالي: شخص يعيش بمفرده يحتاج شهريا كحد أدنى إلى 794 دولارا، وعائلة من نفرين 1217، ومن ثلاثة أنفار 1684، ومن أربعة أنفار 2033، ومن خمسة أنفار 2372، ومن ستة أنفار 2700، ومن سبعة أنفار 3019، ومن ثمانية أنفار 3305، ومن تسعة أنفار 3559 دولارا.

وارتفع خط الفقر بما بين 10% إلى 16% عن خط الفقر (بالشيكل) الذي كان قائما في العام 2011، وقد يكون وراء هذا الارتفاع في أسعار البيوت، علما أن هذه المبالغ لا يمكنها أن تعيل أي من كل هذه العائلات، خاصة إذا ما كانت العائلة مدانة بقروض اسكانية أو ايجارات بيوت.

كذلك، يأخذ المختصون بالقضايا الاقتصادية الاجتماعية بالحسبان الشريحة التي تقف على حافة الفقر، إذ يكفي أن تكون العائلة لديها بضع دولارات قليلة جدا زيادة عن خط الفقر لتخرج حسابيا من دائرة الفقر، فمثلا يقول تقرير الفقر ذاته إن المخصصات الاجتماعية التي تدفع للعائلات والأفراد، رفعت 36% من الفقراء إلى ما فوق خط الفقر، ولكن هذه الشريحة تبقى فقيرة ومهددة في كل لحظة بالسقوط مرّة أخرى إلى ما دون خط الفقر.

وعلى الرغم من أن الفقر قد تراجع بنسبة متفاوتة، وكلها طفيفة لدى غالبية الشرائح، إلا أنها ارتفعت بالأساس بين المسنين، من قرابة 19% في العام 2011 إلى 22% في العام 2012، ويعزو مسؤولون في مؤسسة الضمان استفحال الفقر بين المسنين إلى أن عملية رفع مداخيل عائلات المسنين التي بدأت في بدايات حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2009، قد توقفت في العام 2012 بفعل القرارات الحكومية.

ويستدل من التقرير أن الفقر ارتفع بين العائلات التي فيها عامل واحد على الأقل، وتقول استنتاجات تقرير مؤسسة الضمان إن مؤشرات الفقر المستقبلية تدل على استمرار ارتفاع نسبة العائلات الفقيرة، التي فيها عامل واحد على الأقل.

ويقول التقرير إنه منذ العام 1999 وحتى العام 2012، تضاعفت نسبة العائلات الفقيرة التي فيها عاملان أو أكثر، ففي العام 1999 كان 5ر2% من هذه العائلات تعيش تحت خط الفقر، أما اليوم فالنسبة ارتفعت إلى 5%، ويضيف التقرير أن عدد العائلات التي فيها عاملان وأكثر وتعيش تحت خط الفقر ارتفع في العام 2012 بنسبة 7ر8%.

كذلك يقول التقرير إن عدد الأفراد الفقراء الذين يعيشون ضمن عائلات فيها عاملان واكثر ارتفعت من العام 1999 وحتى العام 2012، بنسبة 250%، أي من 2% إلى 7%.

وهذا انعكاس واضح لتدني مستويات الرواتب الفعلية، فقبل ثلاثة أسابيع أصدر قسم الأبحاث في بنك إسرائيل المركزي بحثاً يقول إن معدل الرواتب الفعلي في السوق يعادل 70% من معدل الرواتب المعلن، في حين تقول سلسلة من التقارير إن نحو 50% من العاملين في إسرائيل يتقاضون من 60% من معدل الرواتب وما دون، وأن نحو 33% من العاملين يتقاضون الحد الأدنى من الرواتب وما دون.

الفقر بين العرب

على الرغم من أن الفقر تراجع في العام الماضي ولأول مرّة بين العرب في إسرائيل، إلا أن الفجوة بقيت كبيرة جدا بين العرب واليهود، فنسبة الفقر على مستوى الأفراد بين اليهود هي في حدود 6ر15%، بينما بين العرب ترتفع إلى 5ر50%، أما بين الأطفال فإن نسبة الفقر العامة هي في حدود 34%، وبين أطفال اليهود وحدهم نحو 5ر21%، لترتفع بين الأطفال العرب إلى 5ر59% مقابل 66% في العام 2011.

لكن في حال تم فصل اليهود المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يعيشون حياة تقشفية اختيارية ويرفضون الانخراط كليا في سوق العمل، عن سائر اليهود فإن نسبة الفقر بين اليهود تنخفض إلى ما دون 11%، والحال نفسها بين الأطفال اليهود، إذ أن نسبة الفقر بين الأطفال اليهود من دون الحريديم تنخفض هي أيضا إلى 11%، حيث أن معدلات الفقر بين "الحريديم" قريبة من المعدلات بين العرب، رغم اختلاف الظروف.

كذلك يتأكد في هذا التقرير أيضا أن الفقر بين العرب يبقى أشد وأكثر عمقا، إذ يقول التقرير إن المخصصات الاجتماعية، على مختلف أشكالها، انتشلت 5ر45% من الفقراء اليهود من تحت خط الفقر، بينما المخصصات ذاتها، انتشلت 5ر8% فقط من الفقراء العرب.

وهذا الأمر هو انعكاس مباشر لسياسة التمييز، وسياسة التضييق على كافة مناحي الحياة على المواطنين العرب، فهم محرومون من فرص العمل، وتتراوح نسبة البطالة بينهم ما بين 23% إلى 25%، في الوقت الذي فيه نسبة البطالة العامة في إسرائيل 3ر6%، وبين اليهود وحدهم أقل من 5ر4%، وفي منطقة تل أبيب الكبرى في حدود 2%.

كذلك فإن المواطنين العرب محرومون من الموارد وميزانيات التطوير، ولذا فإن بلداتهم تعيش في مستويات فقر عالية جدا، وهي تحتل الغالبية الساحقة جدا من البلدات التي يتم تدريجها في أدنى ثلاث درجات من أصل 10 درجات السلّم الاقتصادي الاجتماعي.

ويقول خبراء اقتصاد إنه في الوقت الذي فيه معدل الناتج العام للفرد في إسرائيل نحو 30 ألف دولار، فإن المعدل بالنسبة للفرد العربي ما بين 5ر8 ألف إلى 5ر9 ألف دولار، بينما يرتفع الناتج بالمعدل للفرد اليهود إلى نحو 34 ألف دولار.

تحذير من المستقبل

وكانت مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية قد حذرت في تقرير منفرد لها قبل نحو شهر من أن دائرة الفقر وظاهرة اللا مساواة اتسعتا بوتيرة عالية جدا في العقد الأخير، ووصلتا إلى مستوى عال جدا، إن كان بمقارنة مع الماضي، أو بمقارنة مع الوضع العالمي اليوم، خاصة المقارنة مع الدول المتطورة، ويضاف إلى هذا أن الفقر زاد عمقا، وكل هذا بات يشكل مشكلة استراتيجية في المجتمع الإسرائيلي، ما يستوجب العمل على تقليص دائرة الفقر إلى المستويات العالمية.

ويقول التقرير إن الهيئات الدولية والدول المتطورة تضع سقفا للفقر، وتطمح إلى أن يكون الفقر لديها ما دون هذا السقف، وقد وضعت سياسات واستراتيجيات لتحقيق هذا الهدف، تحت عنوان مكافحة الفقر. ويدعو التقرير إسرائيل إلى أن تتصرف بالمثل، وتعمل بشكل خاص في المرحلة الأولى على تقليص الفقر أولا بين الأولاد ومن هم في سن الشيخوخة، ومن أجل تسهيل المهمة فعلى حكومة إسرائيل أن تضع حاليا أهدافا وسطية، قبل وضع أهداف للوصول إلى المستويات العالمية.

ويقترح التقرير أن تضع الحكومة في المرحلة الأولى خطة تقليص الفقر بين الأولاد خلال عشر سنوات إلى نسبة 8ر19%، بدلا من نحو 33% اليوم، وهذا على الرغم من أن معدل الفقر اليوم بين الأولاد في الدول المتطورة الأعضاء في منظمة التعاون OECD، هو 6ر12%.

وكان وزير الرفاه الاجتماعي الإسرائيلي قد شكّل في الأسابيع الأخيرة لجنة خبراء لفحص جوانب الفقر، ووضع خطة لمكافحته، ويرأس اللجنة الخبير إيلي الألوف، الذي قال في مؤتمر عقد في الكنيست لمكافحة الفقر، إنه يعمل مع 45 خبيرا بتطوع، على أن يقدموا تقريرهم حول أشكال الحد من ظاهرة الفقر حتى منتصف شهر آذار المقبل.

وقال الألوف إنه اشترط للقيام بالمهمة بأن يحصل على تعهد من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقضي بأن يتم تبني التقرير الذي ستعده اللجنة، وأنه التقى نتنياهو فعلا وحصل منه على هذا التعهد. وأشار الألوف إلى أن دولا كثيرة تضع ضمن أهدافها الاقتصادية تقليص ظاهرة الفقر بنسب محددة سنويا، ويتم وضع الآليات التي من شأنها تقليص ظاهرة الفقر.

وقال الألوف إن فرنسا مثلا تقدم تخفيضا ملموسا في ضريبة المسطّحات (الأرنونا) وأيضا في أسعار الكهرباء للعائلات الفقيرة، بينما في إسرائيل تقريبا لا يوجد أمر كهذا، وهذه مصاريف تشكل عبئا كبيرا على العائلات الفقيرة.

وأضاف الألوف أن اللجنة ستضع توصيات بتقليص عدد الفقراء ليس بالنسبة المئوية بل بالأعداد، لأن تخفيض النسب لا يعني دائما انخفاضا في أعداد الفقراء، وإسرائيل بحاجة إلى تقليص عدد الفقراء بالذات.

يذكر أن حكومة إيهود أولمرت (2006- 2009) كانت قد وضعت أهدافا لتقليص دائرة الفقر في سنوات شهد فيها الاقتصاد الإسرائيلي أعلى نسب النمو الاقتصادي، إلا أن هذه الأهداف لم تتحقق، بل إن الفقر كان يسجل أحيانا ارتفاعات يتراجع عنها قليلا، ثم يعاود الارتفاع مجددا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات