المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فوز هيرتسوغ برئاسة "العمل" يفتح الفرص أمام تحالفات حزبية جديدة

*هيرتسوغ يطيح بيحيموفيتش بفارق كبير والصحافة تستقبله بحرارة *خلال 12 عاما توالى على رئاسة العمل 9 رؤساء وهذا انعكاس لأزمة الحزب *هيرتسوغ يفحص احتمالات ضم "كاديما" ويزيد من فرص تحالفات أكبر *خيبة أمل مصوتي "يوجد مستقبل" من الحزب الذي دعموه قد يعيد لحزب "العمل" مؤيدين فقدهم في الانتخابات الأخيرة*

كتب برهوم جرايسي:

يطرح فوز النائب إسحق هيرتسوغ برئاسة حزب "العمل"، "أكبر" أحزاب المعارضة الإسرائيلية، بعد أن أطاح بانتخابات داخلية للحزب، جرت الأسبوع قبل الماضي، برئيسة الحزب شيلي يحيموفيتش، سلسلة من الأسئلة حول مستقبل الحزب، وما إذا بإمكان هيرتسوغ الذي استقبلته الصحافة "بحرارة"، إعادة بعض من قوة الحزب التي تفرقت في السنوات الأخيرة على عدة أحزاب، تعد ضمن ما يسمى "الوسط" في إسرائيل، خاصة على ضوء عدة استطلاعات تشير إلى خيبة أمل مصوتي "يوجد مستقبل" من الحزب الذي انتخبوه في مطلع العام الجاري، وهو الحزب الذي "امتصّ" كمّاً كبيرا من الأصوات التي كانت في طريقها من حزب "كاديما" المتهاوي إلى حزب "العمل" في تلك الانتخابات.

وفاز هيرتسوغ بنسبة 58% من الأصوات، مقابل 41% ليحيموفيتش، وبلغت نسبة التصويت فيها 53% من أصل 54 ألف منتسب للحزب، غير أن الانتخابات جرت من دون اهتمام ذي شأن في وسائل الإعلام الإسرائيلية، رغم أن الحديث يجري عن أقدم الأحزاب الإسرائيلية، الذي يعد الحزب المؤسس لإسرائيل، إلا أنه في العقدين الأخيرين تلقى سلسلة من الضربات، كانت أقساها في انتخابات 2009، التي عوّض الحزب شيئا يسيرا منها في انتخابات مطلع العام الجاري- 2013، ولكنه مرّة أخرى حلّ حزبا ثالثا بعد أن كان ينافس على الحكم، وله اليوم 15 مقعدا من أصل 120 مقعدا.

إسحق هيرتسوغ

وإسحق هيرتسوغ (53 عاما) هو محام بمهنته، وشريك أول في واحد من أكبر مكاتب المحاماة في إسرائيل، وهو نجل رئيس إسرائيل الأسبق حاييم هيرتسوغ في سنوات الثمانين، وقد ظهر هيرتسوغ الابن على الساحة السياسية، حينما استقدمه رئيس الحكومة في حينه، إيهود باراك، ليكون سكرتيرا لحكومته، في العام 1999، وهناك برز نجمه السياسي، على أنه كان من أكثر المقربين لباراك، ودخل إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات مطلع العام 2003، ثم انتخب وزيرا للبناء والإسكان عن الحزب في حكومة أريئيل شارون الثانية.

كذلك انتخب هيرتسوغ وزيرا عن الحزب في حكومة إيهود أولمرت، وحكومة بنيامين نتنياهو السابقة (جزئيا)، وتولى على التوالي منصبي وزير السياحة ثم الرفاه، وكان داعما لعودة إيهود باراك إلى رئاسة الحزب في صيف العام 2007.

وعلى مر السنين، وخاصة في الانتخابات الداخلية التمهيدية التي جرت في الحزب في الأعوام 2006 و2009 و2013، تبوأ هيرتسوغ في لائحة الحزب البرلمانية على التوالي المكانين الثاني والثالث وعاد في الأخيرة إلى الثاني، وباعتباره شخصية إجماع في صفوف الحزب.

ويتبنى هيرتسوغ الخط السياسي المركزي في الحزب، وعلى الأغلب يتبنى أيضا البرنامج السياسي الذي طرح مجدداً في الانتخابات البرلمانية التي جرت مطلع العام الجاري، وفي جوهره "الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني"، ويدعو إلى تبني حل للصراع على أساس مشروع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ولكن الحزب يرفض حق عودة اللاجئين، إذ أن مشروع كلينتون يدعو لعودة رمزية إلى مناطق 1948.

وفي خطاب الفوز الذي ألقاه بعد صدور النتيجة رسميا، تطرق هيرتسوغ إلى العملية التفاوضية، وانتقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على نهجه في المفاوضات، وقال "فقط خطوات شجاعة نحو السلام مع الفلسطينيين، ستسمح لنا بالتخلص من الضربات الاقتصادية والسياسية، ولدي شك كبير في ما إذا رئيس الحكومة نتنياهو يفهم هذا، أو إذا كان يعمل في هذا الاتجاه".

حزب العمل ومستقبل التغيرات

لم يحظ هيرتسوغ بدعم غالبية زملائه النواب في الانتخابات الداخلية للحزب، فمن أصل 15 نائبا حظي بدعم ثلاثة نواب، وهم إيتان كابل وميراف ميخائيلي وأريئيل مرغليت، بينما حظيت رئيسة الحزب السابقة يحيموفيتش بدعم ثمانية نواب، وبقي اثنان على الحياد، أحدهما من بات "عجوز الحزب" بنيامين بن إليعازر، الذي يحاول المنافسة على منصب رئيس الدولة، في الانتخابات التي ستجري في الكنيست في مطلع الصيف المقبل، قبيل انتهاء ولاية الرئيس الحالي شمعون بيريس.

ومن غير المتوقع أن تشكل الغالبية التي لم تدعمه أية عقبة جدية في طريق هيرتسوغ، في الوقت الذي أعلنت فيه يحيموفيتش أنها لن تفعل ما فعله آخرون ضدها في الحزب لدى انتخابها، حسب تعبيرها، وعلى الأغلب فإن يحيموفيتش تعني ما تقول، فحزب العمل واجه في سنوات الألفين تقلبات متسارعة جدا في قيادة الحزب، وكل رئيس كان ينتخب كان يواجه تكتلا ليس سهلا ضده. ومنذ العام 2001 وحتى الآن، جرى انتخاب تسعة رؤساء للحزب، في اثنتين كان الانتخاب في إطار القيادة التي كلفت شمعون بيريس مرتين رئاسة الحزب لعبور أزمات، وفي مرّة واحدة، في العام 2001، جرت الانتخابات مرتين في غضون أربعة أشهر، بعد تكشف حالة تزوير.

وهذا العدد من الرؤساء للحزب في غضون 12 عاما، يدل على حالة التخبط التي واجهها الحزب، عمليا منذ منتصف سنوات التسعين، بعد اغتيال الرئيس الأسبق للحزب إسحق رابين، وكلفته انهيارا كبيرا في قوته البرلمانية، وبالتالي الشعبية، وهو منذ العام 2009 فقد مكانة "الحزب الثاني" في إسرائيل، التي كاد أن يسترجعها في انتخابات مطلع العام الجاري 2013، إلا أنه بشكل فاجأ الحلبة السياسية كلها، حلّ الحزب في المكان الثالث بعد أن نجح حزب "يوجد مستقبل" الجديد في تجاوزه واقتناص تلك المكانة منه، بحصوله على 19 مقعدا، مقابل 15 لحزب "العمل" من أصل 120 مقعدا.

وكما يبدو فإن انتخاب هيرتسوغ قد يقود إلى تغيير معادلات حزبية قائمة في الحلبة الإسرائيلية، فقد استقبلته وسائل الإعلام الإسرائيلية المركزية بحرارة، في الوقت التي هاجمت فيه وسائل الإعلام ذاتها الرئيسة السابقة يحيموفيتش، معتبرة أن "غطرستها قادتها إلى هذه النتيجة".

ويراهن المراقبون على أن هيرتسوغ، الذي لم يعد في أي يوم من الأيام من قادة الصف الأول في حزبه، قد يكون بإمكانه استعادة بعض من مكانة الحزب السابقة، وخاصة على ضوء سلسلة من المؤشرات التي تدل على خيبة أمل واسعة لدى مصوتي الحزب الجديد "يوجد مستقبل" من هذا الحزب ورئيسه وزير المالية يائير لبيد، إذ أن هذا الحزب كان قد اقتنص كمية لا بأس بها من الأصوات التي كان من المفترض أن تتجه إلى حزب "العمل" في الانتخابات البرلمانية، ليحل "يوجد مستقبل" ثانيا، بعد حزب "الليكود".

وكانت آخر هذه المؤشرات نتائج استطلاع للرأي العام واسع النطاق، نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، دلت على أن 55% من المصوتين لحزب "يوجد مستقبل" ليسوا راضين عن قرارهم في الانتخابات الأخيرة، على ضوء ممارسة الحزب في الكنيست، ففي الوقت الذي تكشف فيه رئيس الحزب لبيد على أنه يتبنى سياسة يمينية على المستويين الاقتصادي والسياسي، وأبعد مما طرحه خلال حملته الانتخابية، أشار الاستطلاع إلى أن غالبية مصوتيه ترفض هذه السياسة، فمثلا قال 80% ممن صوتوا للحزب إنهم يرفضون تقديم امتيازات مالية للمستوطنين، بينما قال 61% إنهم يوافقون عمليا على مشروع بيل كلينتون، الذي يتضمن "تقاسم مدينة القدس" و"عودة محدودة للاجئين"، وهذه مواقف ينص عليها برنامج حزب "العمل"، الذي بات برئاسة هيرتسوغ.

كذلك، فإن المستطلعين من مصوتي "يوجد مستقبل" عبّروا عن خيبة أملهم من السياسة الاقتصادية التي يطبقها يائير لبيد، من خلال قول 80% منهم إن للشرائح الوسطى تأثيرا هزيلا على دوائر صناعة القرار، مقابل 73% أكدوا أن التأثير الأكبر هو لكبار أصحاب رأس المال، و68% اعتبروا أن التأثير أيضا لليهود المتدينين المتزمتين "الحريديم"، و53% قالوا إن التأثير الكبير أيضا للمستوطنين، ما يعني أن لبيد الذي وصل على أكتاف حملة تزعم أنه يمثل الشرائح الوسطى، ترك تلك الشرائح خائبة الأمل، لأنه رغم وصوله إلى منصب وزير المالية، لم يطبق ما وعد به من سياسة اقتصادية.

وفي الأيام التي تلت انتخاب هيرتسوغ، جرى الحديث عن أن الأخير قد يحاول ضم حزب "كاديما" إلى حزب "العمل"، ولـ "كاديما" حاليا نائبان في الكنيست، وهما رئيس الحزب شاؤول موفاز ويسرائيل حسون، وهما قائدان سابقان في الجيش والمخابرات، وخلفياتهما يمينية، إلا أن البرنامج السياسي الذي خطّه موفاز وعرضه في الانتخابات الأخيرة، يعد أكثر "تقدما" نسبيا من برنامج حزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، إذ أن "كاديما" الذي يدعو إلى مرحلة انتقالية في حل الصراع، يقول إن الحل الدائم يجب أن يضمن دولة فلسطينية على نفس المساحة الفلسطينية التي احتلت في العام 1967.

وكما يبدو فإن هيرتسوغ يعي ضرورة إنهاء حالة التشرذم الحاصل في المعسكر السياسي الذي من المفترض أن يشكل منافسة قوية لسياسة اليمين المتطرف، وعلى رأسه حزب "الليكود"، فمعسكر اليمين المتطرف نجح في العامين في الأخيرين في تجميع قوته بشكل ملحوظ، على الرغم من أن نتائج الانتخابات كانت متفاوتة، فقد "أثمر" توحيد القوى الأبرز بين المستوطنين والتيار "الديني الصهيوني" كتلة برلمانية كبيرة، من 12 نائبا وهي كتلة "البيت اليهودي"، بدلا من سبعة في كتلتين في الدورة البرلمانية السابقة، وكان بالإمكان أن يزيد هذا التكتل بمقعدين اضافيين، كانا من نصيب لائحة أشد تطرفا ولكنها لم تتجاوز نسبة الحسم التي اقتربت منها جدا.

كذلك، فإن التحالف الانتخابي بين حزب "الليكود" و"إسرائيل بيتنا"، ورغم أنه أفقد الحزبين مجتمعين 11 مقعدا، إلا أنه ظهر كأكبر كتلة من دون منافس في الكنيست.

وهذا يعني أن هيرتسوغ يخوض تجربة، أو محاولة، لتقليص حجم حالة التشرذم، وأمامه مجال واسع لإقامة تحالف مع "كاديما" حاليا، ومستقبلا هناك "الحركة" وحتى قسم من حزب "يوجد مستقبل"، ولكن كل هذا يبقى في اطار سيناريوهات وفرضيات، ما زال من المبكر جدا بحثها، لأن الأعين تتجه الآن إلى شكل أداء هيرتسوغ السياسي والحزبي، وقدرته على الاستفادة من أخطاء الحكومة وخاصة أخطاء حزب "يوجد مستقبل".

وعلى الرغم من هذا الرهان على هيرتسوغ، إلا أن بعض المراقبين يتوقعون محاولة انضمام حزب "العمل" إلى الحكومة، في حال حصل على بعض المكتسبات الحزبية والسياسية، ولكن مقابل هذا الرهان نذكر أن هيرتسوغ كان من الداعين في مطلع العام 2011 إلى انسحاب الحزب من حكومة نتنياهو السابقة، في حين أن نتنياهو يرأس اليوم حكومة أكثر تطرفا من سابقتها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات