المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صراع داخل معهد ديني يهودي يقسّم التيار الحريدي الليتواني

عراك عنيف وقنابل دخانية وقنابل غاز مسيل للدموع- هذا هو المشهد المسيطر على المعهد الديني اليهودي "ييشيفاة بونيفيج"، في مدينة بني براك في وسط إسرائيل، في سياق الصراع على الهيمنة على هذه "الييشيفاه" التي تعتبر واحدة من أهم المعاهد الدينية التابعة للتيار الحريدي الليتواني.

ويدور هذا الصراع العنيف بين من يلقبون بـ "الكارهين"، الذين يؤيدون مدير "الييشيفاه" الحاخام إليعازر كهانمان، و"المخربين"، الذين يؤيدون رئيس "الييشيفاه" الحاخام شموئيل ماركوفيتش، حول غرفة في المعهد. ويتوقع أن تعلن الشرطة قريبا أي معسكر من المعسكرين، "الكارهين" أو "المخربين"، سيحصل على الغرفة، لكن ليس مؤكدا أن تهدأ الأجواء في إثر ذلك.

وقالت صحيفة "معاريف" في تقرير نشرته قبل أسبوعين، إن الصراع في هذه "الييشيفاه" يعصف بالوسط الحريدي كله. وحصل كل واحد من معسكري "الكارهين" والمخربين" على لقبه من المعسكر الآخر وعلى مدار السنين الماضية. وبدأ هذا الصراع بين حاخامي المعسكرين في أعقاب وفاة زعيم التيار الليتواني، الحاخام إليعازر مناحيم شاخ، حول السيطرة على "ييشيفاة بونيفيج". وإلى جانب الصراع بين الحاخامين كهانمان وماركوفيتش، فإنه تربطهما علاقة مصاهرة.

وتطورت صراعات شديدة حول شؤون مختلفة بين المعسكرين، خلال السنين الماضية، ووصلت أحيانا إلى حد استخدام العنف وتدخل الشرطة للفصل بين أنصار المعسكرين. وتصاعد الصراع جراء تعيين أعضاء في طاقم "الييشيفاه" من كلا المعسكرين، لكن كل معسكر حاول الوصول إلى وضع يسيطر فيه أنصاره على أماكن أكثر ووظائف أرفع.

وكانت لجنة تحكيم مؤلفة من حاخامين برئاسة الحاخام حاييم تسيمبليست، قد أقرت في الماضي أن المسؤول عن أملاك "الييشيفاه" هو نجل كهانمان، إليعازر، وأن تكون هناك إدارة مشتركة "للييشيفاه" مؤلفة من حاخامين من كلا المعسكرين. لكن قرار التحكيم لم ينفذ بكامله على أثر خلافات بين المعسكرين حول التفسير الفعلي لقرار التحكيم.

وكانت المحكمة المركزية في تل أبيب قد أقرت قرار التحكيم بحضور طرف واحد، في العام 2005، لكن بعد عام واحد ألغت المحكمة العليا قرار المحكمة المركزية وأعادته إليها للنظر فيه مجددا. وقدم كهانمان التماسا إلى المحكمة المركزية في تل أبيب قبل شهور، وطالب من خلاله بحل لجنة التحكيم بادعاء أن أعضاءها تآمروا مع خصمه ماركوفيتش، لكن المحكمة رفضت الالتماس. وعلى أثر ذلك التمس كهانمان إلى المحكمة العليا.

ويدعم كهانمان الحاخامان نيسيم كارليتس وحاييم كينييفسكي، وهما من كبار الحاخامين الحريديم. بينما يدعم ماركوفيتش الحاخام شموئيل أويرباخ، ودعمه الحاخام يوسف شالوم إلياشيف حتى وفاته مؤخرا وكان زعيم التيار الليتواني.

عراك في بيت

رئيس "الييشيفاه"

ونشب الخلاف الأخير بين المعسكرين قبل حوالي الشهر، وذلك بعد فترة من الهدوء لم يستخدم العنف خلالها. فقد هاجمت مجموعة من "الكارهين" الحاخام ماركوفيتش عندما كان يسير في الشارع، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة بين طلاب "الييشيفاه" البالغ عددهم نحو 1500 طالب.

وقال ماركوفيتش إنه تم طرحه أرضا بهدف إهانته. وقرر مؤيدوه الرد على ذلك، وتوجه قسم منهم إلى بيت الحاخام غرشون إدلشتاين، الذي يعرّفه مؤيدوه على أنه رئيس "الييشيفاه". وقال مؤيدو ماركوفيتش إنهم أرادوا تقديم شكوى، لكن بعد وصولهم إلى بيت إدلشتاين حدثت مشادة سرعان ما تدهورت إلى عراك عنيف وتم كسر باب بيت إدلشتاين.

واتهم معسكر "الكارهين" أنصار معسكر "المخربين" باستخدام العنف وأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء. وقال أحد مؤيدي معسكر "الكارهين"، الذي يدعم كهانمان، إنه "لم يمس أحد حاخامهم، ومن الجائز أن أحدا ما دفع طالبا في الييشيفاه باتجاه الحاخام [ماركوفيتش] لكنه بالتأكيد لم يسقط على الأرض، ولم أنجح حتى الآن في التأكد من الرواية. وكرد فعل هم جاؤوا وكسروا باب رئيس الييشيفاه وقاموا بأعمال شغب في بيته".

لكن القصة لم تنتهِ هنا وتطورت لتصبح أكثر عنفا. فقد أشعل موقع جديد في الييشيفاه مواجهة جسدية عنيفة بين المعسكرين. وهذا الموقع عبارة عن غرفة كان يسكنها في الماضي أحد الحاخامين المعروف بانتمائه إلى معسكر "الكارهين". ووفقا لادعاء معسكر "المخربين" فإن هذه الغرفة لم تستخدم خلال الفترة الماضية، وتحولت إلى مخزن يستخدمه "المخربون".

وقال أحد مؤيدي معسكر "المخربين" لـ "معاريف" إنه "في إحدى الأمسيات جاء عدد من أعضاء الكارهين إلى الغرفة واقتحموها. ودخل إليها عدد من شباننا سوية معهم من أجل التأكد من أنه لن تتطور حالة فوضى هناك. لكن بعد دقائق جاء فتوات مأجورون وطردونا من المكان بصورة عنيفة وكسروا أغراضا". وأضاف أن الفتوات رشوا الغاز المسيل للدموع وألقوا قنابل دخانية بهدف تفريق مؤيدي "المخربين".

وادعى مؤيدو المعسكر الآخر، "الكارهين"، أنه بما أن الغرفة تعود لهم، كونها تعود لأحد الحاخامين الذين ينتمون لمعسكر "الكارهين"، فإنه يحق لهم استخدامها. وأضافوا أنه مع اقتراب عيد رأس السنة العبرية، الذي صادف قبل أسبوعين، يوجد نقص في الأسرة بسبب مجيء طلاب جدد. ولذلك فإن "الكارهين" أرادوا استخدام الغرفة ليسكن فيها الشبان الجدد. لكن معسكر "المخربين" رفض هذه الادعاءات، وادعى بدوره أن الغرفة عبارة عن "جيب" بين المباني التي يسكن فيها أفراده، وأن لا أحد استخدم الغرفة في السنوات الأخيرة.

وفي أعقاب هذه الأحداث اعتقلت الشرطة عددا من الشبان من مؤيدي كلا المعسكرين بهدف التحقيق معهم. وقالت مصادر في "الييشيفاه" إنه يتوقع أن تحسم الشرطة في هوية المعسكر الذي بإمكانه استخدام الغرفة المختلف عليها. وقال أحد مؤيدي "المخربين" إنه "يتوقع أن يسود الهدوء حتى صدور قرار الشرطة، لكن بعد صدور القرار ستعود الفوضى. وبالنسبة لنا، فإن الكارهين لن يدخلوا إلى الغرفة ولن يغيروا الوضع القائم".

صراع يمزق

التيار الليتواني

أشارت "معاريف" إلى أن تاريخ الصراعات داخل "ييشيفاة بوفينيج" يعكر الأجواء فيها منذ سنوات كثيرة. وقال "يعقوب" وهو أحد الطلاب في "الييشيفاه" إن الصراع الحالي يمزق التيار الحريدي الليتواني، مشددا على أنه "تكاد لا تجد اليوم أي حاخام ليتواني كبير لا يتماثل مع أحد المعسكرين. وكل واحد مؤمن بصدق أحد الجانبين والجميع يشاركون في الصراع".

وأضاف "يعقوب" أن الوضع في "الييشيفاه" وصل إلى حد أن الشبان من كلا المعسكرين لا يتحدثون مع بعضهم. وتابع أنه "في حالات كثيرة يتحدث صديقان، ينتمي كل واحد منهما إلى أحد المعسكرين، مع بعضهما سرا كي لا تتم مشاهدتهما معا. ونحن ندرس في المؤسسة نفسها، لكن مؤيدي المعسكرين يسكنون في مناطق منفصلة، ونتناول الطعام حول طاولات منفصلة ولكل جانب يوجد رئيس للييشيفاه. والجميع يعرف أن توجد مناطق تابعة للمخربين ومناطق تابعة للكارهين".

وقالت الصحيفة إن مصدرا في "الييشيفاه" أكد أن جهات إجرامية شاركت في ما يحدث في "ييشيفاة بونيفيج"، وبضمنها عائلة ألبيرون، التي تتزعم إحدى المنظمات الإجرامية الكبرى في إسرائيل. وأضاف المصدر أن عمير مولنر، الذي يتزعم منظمة إجرامية كبيرة، ضالع في الصراع داخل "الييشيفاه"، وأنه في أحد أيام الغفران في السنوات الأخيرة حصل على مكان محترم في "الييشيفاه" خلال الصلاة.

المصطلحات المستخدمة:

بني براك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات