المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية: لإسرائيل مصلحة في استقرار مصر وتنفيذ التزاماتها الدولية

كتب بلال ضاهر:

تتابع إسرائيل بقلق الاضطرابات الحادثة في مصر، خاصة في أعقاب فض الجيش لاعتصامات مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي. وأحد أبرز الأدلة على هذا القلق هو مطالبة رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وزراءه بعد التحدث حول الأزمة في مصر. كذلك تحدثت تقارير عن إسرائيل تسعى لدى الإدارة الأميركية من أجل عدم اتخاذ خطوات ضد مصر، مثل وقف المساعدات.

وقال مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، خلال ولاية حكومة إسحق رابين في النصف الأول من سنوات التسعين، والمحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفيسور شلومو افينيري، لـ"المشهد الإسرائيلي" إن "ما يحدث في مصر يدل على الصعوبة الكامنة في الانتقال، بشكل كامل، من نظام دكتاتوري، مثلما كان نظام [الرئيس المخلوع حسني] مبارك، إلى نظام ديمقراطي في مجتمع مدني وضعيف نوعا ما. وقد أثبت الواقع في مصر، خلال الشهور الأخيرة، أن الجهتين الأقوى هما الإخوان المسلمون والجيش. والإخوان المسلمون قاموا بنشاط هادئ على مدار عشرات السنين وأقاموا قواعد لهم وشبكات اجتماعية وسعوا إلى تقريب الجمهور من مبادئهم، وعملوا على توفير احتياجات للمواطنين لم توفرها الدولة. من الجهة الأخرى هناك الجيش، وهو ليس مجرد جيش وحسب. فمن جهة هو مرتبط بالهوية التاريخية المصرية، ومن الجهة الأخرى لديه وزنا كبيرا وحضورا في الواقع الاقتصادي المصري. واحتمال حدوث تطور ديمقراطي وتعددية حزبية وليبرالية في واقع كهذا لم يكن كبيرا. والصدام الأخير يثبت أن الاختيار في مصر لم يكن بين الدكتاتورية والديمقراطية، وإنما بين سيطرة حزب، وهو الإخوان المسلمون الذين يتمتعون بتأييد واسع، ويريدون في نهاية الأمر أن يفرضوا رؤيتهم الإسلامية على جميع المصريين، وبين الجيش الذي يتمتع بشعبية كبيرة للغاية وليس منتخبا بصورة ديمقراطية".

(*) "المشهد الإسرائيلي": الولايات المتحدة والغرب عموما، وعلى ما يبدو إسرائيل أيضا، من خلال وسائل إعلامها على الأقل، وجهت انتقادات شديدة ضد الإجراءات والخطوات التي نفذها الجيش والحكم المؤقت الجديد في مصر. كيف تقرأ الموقف الغربي؟

أفينيري: "يصعب معرفة الموقف الإسرائيلي حيال التطورات الأخيرة في مصر، لأنه لم تصدر عن المسؤولين فيها تصريحات سياسية هامة. لكن في ما يتعلق بموقف الولايات المتحدة فإنه توجد هنا مشكلة صعبة جدا. فمن جهة، لا يمكنها أن تؤيد ما يبدو أنه انقلاب عسكري. وما قاله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بأن هذا لم يكن انقلابا هو أمر غير صحيح. ما حدث فيمصر [عندما تم عزل الرئيس محمد مرسي] هو انقلاب عسكري. ومن الجهة الأخرى، فإن الولايات المتحدة ليست متحمسة لسيطرة الإخوان المسلمين، بسبب سعيهم إلى فرض أيديولوجية الإخوان المسلمين على مصر كلها، وأيضا على ضوء حقيقة أن الإخوان المسلمين معادون للغرب وأميركا. وكل ما كانت ستفعله الولايات المتحدة في هذا الخصوص لن يبدو جيدا، وهذا يدل على أن القرارات في المنطقة هي بأيدي الجهات المحلية، والولايات المتحدة، رغم قوتها وعظمتها، لا يمكنها إحداث تغييرات كبيرة".

(*) كان واضح بالنسبة للنخب العلمانية خاصة، والعربية عامة، منذ انتخاب مرسي رئيسا، أن حكم الإخوان المسلمين لن يطول أكثر من موعد الانتخابات المقبلة في حال تم إجراؤها. لكن بعد مرور سنة على انتخابه تم عزله، لأن الإخوان اعتقدوا أنه بوجودهم في الحكم فإن بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاؤون. لماذا تعتقد الكثير من النخب في الغرب أنه بإمكان الإخوان المسلمين أن يؤسسوا حكما ديمقراطيا؟

أفينيري: "جزء من هذا الاعتقاد نابع من عدم فهم للوضع المعقد في الشرق الأوسط. وعندما حاولت الولايات المتحدة فرض نظام ديمقراطي في العراق، فإنها لم تقرأ الخريطة السياسية بشكل صحيح، وخاصة فيما يتعلق بتوازن القوى بين الأقلية السنية والأغلبية الشيعية التي عانت إبان حكم صدام حسين، والولايات المتحدة لم تفهم هذه التعقيدات. من الجهة الثانية، يوجد في الغرب، وبالإمكان تفهّم ذلك، مفهوم بأن الديمقراطية تعني إجراء انتخابات، وإنه إذا جرت انتخابات فإن هذا يعني أنه توجد ديمقراطية، وإذا فاز حزب ما في انتخابات نزيهة نوعا ما، وهذا ما حدث في مصر، فإن الديمقراطية انتصرت في هذه الحالة. وهذا أمر بسيط وواضح جدا، لكنه يتجاهل الواقع ويتجاهل أيديولوجية الإخوان المسلمين، كما أنه يتجاهل قدرة الغرب على التأثير، في نهاية المطاف. والواقع الاجتماعي والاقتصادي المعقد في مصر، وهو مختلف عن الوضع في سوريا، هو الذي سيحدد الواقع الذي سيكون في مصر في المستقبل".

(*) هل تعتقد أنه سيحدث صداما بين الغرب ومصر على غرار الوضع في سوريا؟

أفينيري: "يصعب معرفة ذلك. والوضع في مصر يتغير من يوم لآخر. وإذا استمر العنف مثلما حدث في الأيام الماضية، فإن الغرب سيحاول التحفظ من تطورات كهذه، كما فعل حتى الآن، من الحكم العسكري والحكومة التي شكلها. من جهة ثانية، فإن ثمة احتمال لهدوء الأوضاع في مصروبالإمكان الإشارة في سياق كهذا إلى أمرين حدثا أخيرا. الأمر الأول هو خطاب [وزير الدفاع المصري وقائد القوات المسلحة عبد الفتاح] السيسي أمام ضباط [أول من أمس]، وقد كان هذا خطاب شديد اللهجة، لكنه قال للإخوان المسلمين، أيضا، أنه يوجد في مصر مكان للجميع شريطة ألا يحاولوا فرض رأيهم على الأمة كلها. وربما هذه محاولة للمصالحة، ولكنها تضمنت رسالة واضحة للغاية. والأمر الثاني ويتعلق بإعلان الإخوان عن إلغاء عدد من المظاهرات التي دعوا إليها، وأعتقد أن الأميركيين والأوروبيين سيتقبلون الواقع الجديد. وهذا الأمر سيحتم على الجنرالات في مصر السماح بإجراء انتخابات، ربما لن تكون حرة ومفتوحة بالكامل، ولكن ستكون هناك عملية ليبرالية ويتم وضع دستور جديد، يأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي يوجد فيه حركة إسلامية قوية في مصر".

(*) كيف تنظر إسرائيل إلى الأوضاع في مصر؟

أفينيري: "المصلحة الإسرائيلية واضحة جدا، فهي معنية بالاستقرار في مصر، وهي معنية بوجود حكومة مصرية قادرة على إدارة أمور الدولة وعلى تنفيذ التزاماتها الدولية. وبالطبع فإنه في حال تولى الحكم في مصر حزب إسلامي متطرف ومعادي لإسرائيل فإن إسرائيل لن تكون مرتاحة من وضع كهذا. ورغم ذلك فإن إسرائيل أدركت، خلال العام الأخير [من حكم الإخوان] أن عليها أن تتعامل مع الواقع في مصر. وأعتقد أن الأمر الأساسي بالنسبة لإسرائيل هو وجود استقرار في مصر، وهذا يشمل الواقع الموجود في سيناء، وهو أمر لا يمكن تجاهله".

(*) وسائل الإعلام الإسرائيلية أفادت مؤخرا بأن إسرائيل تتحسب من صدام بين الولايات المتحدة ومصر. مم تتخوف؟

أفينيري: "لا أعرف من أين جاء هذا النبأ، وأعتقد أنه لن يحدث صداما كهذا. وأعتقد أن هذا من نوع الأمور غير الجدية. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستوقف مساعدتها العسكرية لمصر. ويبدو لي أن الأوضاع في مصر تسير باتجاه التهدئة. وفي حال حدوث ذلك فإن هذا انجاز كبير لمصر، وللولايات المتحدة أيضا، وسيكون هذا انجاز لصالح الاستقرار في الشرق الأوسط. ولا يبدو لي أن مصر ستبادر إلى إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وحقيقة هي أن هذا لم يحدث خلال حكم الإخوان أيضا. وهم أدركوا أن هذه مصلحة قومية مصرية".

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, مدير عام وزارة, انقلاب

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات