المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.


دورة برلمانية جديدة في مركزها جس نبض مستقبل الائتلاف الحاكم

*هذه الدورة البرلمانية هي الفعلية الأولى منذ 9 أشهر *العمل البرلماني في هذه الدورة سيبدأ بإفساح المجال أمام التعرف على توجهات 48 نائبا جديدا يدخلون الى الكنيست لأول مرة *الجانبان الأبرزان لسلسلة المتغيرات في ولاية الكنيست الجديد هما حزب "يوجد مستقبل" الجديد بكامل نوابه الجدد، وشكل رد فعل "الحريديم" على سياسة الحكومة الجديدة الاقتصادية وتلك المتعلقة بتجنيد أبنائهم في الجيش*

كتب برهوم جرايسي

افتتح الكنيست الإسرائيلي في الأسبوع الماضي دورته الصيفية، التي ستستمر حتى نهاية شهر تموز المقبل، وهي الدورة العادية الأولى، بعد غياب 9 أشهر للعمل البرلماني الفعلي، بفعل قرار حل الكنيست مع افتتاح الدورة الشتوية والتوجه الى انتخابات، واختتام الدورة الشتوية بمنح الثقة للحكومة.

والمسألة المركزية الأبرز في هذه الدورة إقرار الميزانية العامة للعامين الجاري والمقبل، اضافة الى محاولة سن قانون، أو محاولة البدء بتشريع قانون لفرض الخدمة العسكرية الالزامية على الغالبية الساحقة من شبان اليهود المتدينين المتزمتين "الحريديم". وهذان الملفان سيكونان فرصة للتعرف أكثر على طبيعة النواب الجدد والكتل الجديدة، وجس نبض مستقبل الائتلاف، رغم أن كل بداية لولاية حكومة يكون الانضباط الائتلافي فيها أشد مما سيكون لاحقا.

جديد الولاية البرلمانية

جديد هذه الولاية البرلمانية، التي أفرزتها الانتخابات، أنها أتت بـ 48 نائبا جديدا اضافة الى 3 نواب آخرين يعودون بعد غياب الى الكنيست، ولهذا فإن معرفة طبيعة هؤلاء النواب وتوجهاتهم في مختلف القضايا، وليس السياسية فقط، اضافة الى طموحاتهم على المستوى الشخصي، تتطلب وقتا، والأهم ممارسة عمل برلماني في قضايا ساخنة، وهذا ما سيكون في الدورة الجديدة، خلال العمل على إقرار الميزانية العامة، ومن ثم قضية الحريديم، في حال وصلت فعلا الى جدول أعمال الكنيست في الدورة الحالية.

ونستعرض هنا، جوانب من الحالة الجديدة في الكنيست.

"يوجد مستقبل"

الجديد الأبرز في ولاية الكنيست الجديدة، أن 19 نائبا من الجدد، دخلوا الى الكنيست ضمن الحزب الجديد "يوجد مستقبل"، وخلفياتهم السياسية والمهنية متعددة، ورئيسه يائير لبيد الذي أظهر حزبه وكأنه حزب "وسط"، يبدو حاليا أكثر تناغما مع اليمين المتشدد الذي يمثل أكبر قطاع من المستوطنين.

ففي أسبوع واحد تبين أن لبيد اتفق مع رئيس حزب المستوطنين "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، على ملفين خطيرين: الأول، هو مطالبة الحكومة الجديدة بتشديد مقترح الحكومة الذي يُعرف باسم "برافر" ويقضي بمصادرة مئات آلاف الدونمات من الأراضي العربية في صحراء النقب، واقتلاع 30 قرية وتشريد نحو 30 ألف من الفلسطينيين، بحيث يشمل التعديل مصادرة المزيد من الأراضي العربية وتدمير أكثر للقرى العربية التي ترفض السلطات الاعتراف بوجودها على الأرض.

والملف الثاني، هو تحويل ما يسمى بـ "قانون الاستفتاء الشعبي" الذي يهدف الى عرقلة ابرام اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني وسورية، من قانون عادي يقر ويلغى بأغلبية عادية، الى "قانون أساس"، لا يمكن الغاؤه إلا بأغلبية عددية من 80 نائبا، وكل أغلبية تقل عن هذا العدد ستسقط، وهذا يعد موقفا يمينيا في غاية التشدد والتطرف يتبناه من ادعى أنه جاء من "معسكر الوسط".

والقانون يفرض اجراء "استفتاء شعبي" على كل اتفاق تتوصل له الحكومة مع الجانب الفلسطيني أو السوري، يتضمن انسحابا من مناطق فرضت عليها "السيادة الإسرائيلية" وهنا الحديث عن مدينة القدس بما تشمله من توسيع منطقة نفوذ، ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.

يضاف الى هذا، فإن "يوجد مستقبل" نال القسط الأكبر من الأصوات التي كانت محسوبة على جمهور الاحتجاجات الشعبية، حتى أن لبيد ادعى في الحملة الانتخابية، أنه يمثل "الشريحة الوسطى"، ولكن منذ توليه وزارية المالية، كثرت الدلائل على أنه يتبنى سياسة اقتصادية صقرية، كتلك التي تبناها والده يوسيف لبيد حينما كان وزيرا في حكومة اريئيل شارون. ويقول لبيد جهارًا إنه جاء ليساعد الشريحة العليا من الشريحة الوسطى الواسعة، معتبرا اياها أنها هي التي تتحمل العبء الضريبي، وكل الاجراءات والتقليصات المتوقعة، ومهما اختلفت اسماؤها وتبدلت عناوينها، ستبقى تستهدف أساسا الشرائح الفقيرة والضعيفة.

أمام كل هذا المشهد الذي يتضح يوما بعد يوم، نشهد حتى الآن صمتا مطبقا من جميع نواب ووزراء حزب "يوجد مستقبل"، وهذا على الرغم من أن عددا من النواب جاء من خلفيات متعددة، وكان من المفترض أن يعترض بعضهم إما على الخطة الاقتصادية التي يتم بلورتها، أو على بعض التصريحات السياسية، ومسألة التناغم مع حزب المستوطنين المتطرفين.

والسؤال الأهم الذي يُطرح: هل نحن أمام حزب جديد من طراز حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه بالمطلق أفيغدور ليبرمان؟، أم أن المسألة مسألة وقت الى حين يتأقلم النواب الجدد مع مكانهم الجديد، ويبدأون في التعبير أكثر عن مواقفهم التي يحملونها؟.

والفرضية الثانية هي أقوى بكثير من الفرضية الأولى، وهذا ما قد نبدأ في لمسه مع اكتمال مشروع الميزانية، وما يحمله من اجراءات، ومن ثم معالجته في لجان الكنيست والهيئة العامة.

"البيت اليهودي"

يعتبر حزب "البيت اليهودي" واضح المعالم أكثر من غيره، فقد دخل الى الكنيست مع 12 نائبا، من بينهم 9 نواب جدد، ونائب آخر يعود الى الكنيست بعد غياب سنوات. وهذا الحزب، وعلى الرغم من أنه يضم نوابا من خارج المستوطنات، إلا أن أجندته واضحة، وهي ضمان اتباع سياسة يمينية متشددة رفضية للحل، وضمان استمرار تدفق الميزانيات الضخمة على المستوطنات والاستيطان والمستوطنين، هذه الميزانيات التي ارتفع حجمها في السنوات الاربع الماضية بنسبة 38%، رغم ان الميزانية العامة لم ترتفع بأكثر من 10% في نفس الفترة.

لكن في معسكر المستوطنين هناك مجموعات ومعسكرات، تبقى بالنسبة لنا شبيهة، ولكن حساباتها الداخلية فيها الكثير من التناقضات، وهذا ما قد ينعكس أيضا على وحدة الكتلة، كما رأينا هذا مرارا في السنوات الأخيرة.

أضف الى هذا، أن هذه الكتلة تعج بالنواب المتطرفين العنصريين، الذين اعتدنا على أمثالهم يطرحون أشد القوانين عنصرية ومناهضة للديمقراطية، وكالعادة فإنهم سيطرحونها وفي حال قوبل بعضها بمعارضة في الحكومة، فإنهم سيختارون مسارا صداميا معها.

كذلك، وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن هذه الحكومة ستتجه الى مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني، فإن أي خطوة في هذا الاطار نحو الأمام ستواجه بمعارضة شديدة من هذه الكتلة، وبطبيعة الحال من وزراء هذه الكتلة أيضا.

الحريديم

حتى الآن يجلس الحريديم "بهدوء نسبي"، أمام ما يسمعونه من مشاريع حكومية تطال ميزانيات جمهورهم الخاصة، مثل حجم ميزانيات المعاهد الدينية التي يحصلون عليها، ومخصصات طلاب المعاهد الدينية، وهم لا يخدمون في الجيش لأسباب دينية رغم توجهاتهم اليمينية. يضاف الى هذا، أن جمهور الحريديم سيتضرر أيضا من تقليص المخصصات الاجتماعية العامة، وبشكل خاص مخصصات الأولاد، والى جانب كل ذلك، سعي الحكومة الى إقرار قانون لفرض الخدمة العسكرية على الغالبية الساحقة جدا من شبان الحريديم.

والاعتقاد السائد، حتى الآن، أن كتلتي الحريديم، "شاس" التي لها 11 مقعدا، وتمثل اليهود الشرقيين، و"يهدوت هتوراه" التي لها 7 مقاعد وتمثل الأشكناز الغربيين، لا تزالان تراهنان على الموقف النهائي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بأن يعمل على تخفيف حدة كل هذه الاجراءات، التي يعتبرونها موجهة ضدهم.

وحقيقة أن هذه القضية هي القضية الابرز في هذه الدورة البرلمانية الصيفية، وحتى في الولاية البرلمانية ككل، لأن الأمر أبعد من مسألتي الميزانيات والتجنيد، ويتعلق اساسا بشكل تعامل المؤسسة الحاكمة مع هذا الجمهور المتنامي بوتيرة عالية جدا، أكثر من 3% سنويا، وحتى الآن بات يشكل نحو 12% من اجمالي السكان ونحو 15% من اليهود.

وفي حال رأى قادة الحريديم وحزباهم في الكنيست أن الإجراءات التي ستقرّها الحكومة ومن بعدها الكنيست مرفوضة وتهدد نسيج مجتمعاتهم، فإنهم سينطلقون الى معركة ميدانية ليست سهلة، كما علمت التجارب الكثيرة، ولن يرتكزوا على وزنهم البرلماني الذي بات في صفوف المعارضة.


الكتل الأخرى

الى جانب هذا، هناك عدة أمور يجدر مراقبتها، ومنها مسألة استمرار التحالف في اطار كتلة واحدة، بين حزبي "الليكود" و"إسرائيل بيتنا"، فحتى الآن يبدو أن هناك انسجاما، ولكن الاعتقاد السائد أن هذا يعود الى كون زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، الذي يتولى حاليا رئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ينتظر انتهاء محاكمته بتهمة فساد، وسيحدد مصيره على ضوء قرار المحكمة.

ففي حال تبرئته، وهي فرضية لم تعد ضعيفة، على ضوء سلسلة من المؤشرات، ومنها أن الشاهد المركزي "نسي" إفادته أمام الشرطة، رغم أنه حوكم وعوقب على نفس القضية، فإن ليبرمان سيعود الى الحكومة متوليا حقيبة الخارجية، وسيعمل على أن يكون القرار مرحلة انطلاقة جديدة له، وهناك سيتنبه الى أن شركاء الحكومة الجديد وخاصة الوزيرين يائير لبيد ونفتالي بينيت، قد احتلا دوره ومكانته التي كانت في حكومة نتنياهو السابقة، وسيسعى الى استرجاعها.

أما في حال إدانة ليبرمان مع وصمة عار، ما يعني عدم قدرته على العودة الى العمل السياسي في السنوات اللاحقة، فإن كل الفرضيات مفتوحة أمام حزبه، ومن ابرزها احتمال البدء بمسار الاضمحلال.

الى ذلك هناك حاجة لمراقبة مدى تأقلم وزيرة العدل تسيبي ليفني مع الائتلاف القائم، ومدى انسجام أعضاء كتلتها معها وفي ما بينهم.

كذلك، فإن حزب "العمل" الذي عاد الى الكنيست مع 15 نائبا، بدلا من 8 نواب بفعل الانقسام في الدورة السابقة، فإن من بين نوابه 9 نواب جدد، ونائب عاشر انتقل من حزب "كاديما"، ومسألة انسجام ووحدة الكتلة ستكون حاسمة لأكبر كتلة معارضة.


جس النبض

كانت المداولات البرلمانية حول الميزانية العامة على مر السنين فرصة لفتح كل الملفات العالقة، إن كان على مستوى المواجهة بين المعارضة والائتلاف، وإن على مستوى مركبات ونواب الائتلاف أنفسهم، ولهذا فإن إجمال المداولات وخطابات النواب، وخاصة أعضاء الائتلاف منهم، سيكون بمثابة جس نبض لمستقبل الائتلاف، ومدى صموده وتماسكه، خاصة وأن تمرير الميزانية لعامين سيعني إبعاد الضغوط المباشرة على الحكومة على مدى عام ونصف العام، الى حين يبدأ الكنيست في الانشغال بميزانية العام 2015.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات