المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*حزبا العمل والليكود هما الخاسران الأكبران

في انتخابات 2013*

كتب بلال ضـاهر:

بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أول من أمس الأحد، مفاوضات مع عدد من الأحزاب حول تشكيل حكومته الجديدة، في ظل عقبات تضعها الأحزاب المرشحة للمشاركة في هذه الحكومة وتتمثل بمطالب متناقضة كشرط للانضمام للتحالف الجديد.

وأشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن هذه العقبات تتمحور بالأساس حول قضيتين، هما المطلب بالمساواة في تحمل الأعباء، وخاصة فرض التجنيد على الحريديم، أي اليهود المتشددين دينيا، واستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين.

والتقى طاقم المفاوضات الذي شكله نتنياهو، الأحد، مع مندوبين عن أحزاب "يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي" وشاس. والتقى الطاقم، أمس، مع مندوبين عن أحزاب "يهدوت هتوراة" و"الحركة" وكاديما. وقدم كل حزب خلال هذه اللقاءات مطالبه ورؤيته لسياسة الحكومة الجديدة.

وكلّف الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، نتنياهو، مساء السبت الفائت، بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن فازت قائمة "الليكود - بيتنا" التي يتزعمها بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست في الانتخابات العامة التي جرت في 22 كانون الثاني الماضي.

ويطالب حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، وهو حزب جديد خرج من الانتخابات كثاني أكبر حزب وحصل على 19 مقعدا في الكنيست، بالمساواة في تحمل الأعباء، كما يطالب سوية مع حزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وفي المقابل، فإن الحزبين الحريديين، وهما شاس و"يهدوت هتوراة"، يعارضان فرض التجنيد الإلزامي للجيش على الحريديم. وفيما يتعلق بمطلب استئناف المفاوضات، فإن المعارضة الأساسية له تأتي من جانب حزب "البيت اليهودي" الذي يمثل اليمين المتطرف والمستوطنين ويرفض حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

ويسعى نتنياهو إلى تشكيل حكومة موسعة، لكن تصريحات قادة الأحزاب المرشحة للمشاركة في تحالفه الجديد تشير إلى وجود عقبات أمام تنفيذ مهمته هذه. وبعد حصوله على تكليف من الرئيس الإسرائيلي ألقى نتنياهو خطابا حاول من خلاله إرضاء جميع الأحزاب المرشحة للانضمام إلى تحالفه.

وقال نتنياهو إن الغاية الأولى لحكومته الجديدة هي الموضوع الأمني ووقف تطوير البرنامج النووي الإيراني، والغاية الثانية هي استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى استئناف المفاوضات. وعبر نتنياهو عن التزامه بقضية المساواة في تحمل الأعباء لكنه وضع تحفظا بقوله إن حل هذه القضية لن يكون على حساب "الخطوط الحمراء" للجمهور الحريدي. ويطالب حزب شاس في هذا السياق بسن قانون يحل مكان "قانون طال" الذي منح امتيازات وإعفاءات للحريديم في الخدمة العسكرية. وقال عضو الكنيست أرييه درعي، وهو أحد قادة شاس، لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه في حال عدم تنظيم موضوع خدمة الحريديم العسكرية فإن شاس سيبقى في المعارضة.

ويشار إلى أنه يتعين على نتنياهو الانتهاء من مهمة تشكيل الحكومة خلال 28 يوما تنتهي في 2 آذار المقبل، مع إمكانية تمديد هذه الفترة بـ 14 يوما آخر. وفي حال عدم نجاحه في تشكيل حكومة فإن رئيس الدولة سيكلف عضو كنيست آخر بتشكيل حكومة.

حول نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية والسيناريوهات المحتملة بشأن تركيبة الحكومة المقبلة، أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المحاضر في قسم "تاريخ الشعب الإسرائيلي" في جامعة حيفا، البروفسور داني غوطفاين.

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة، وما الذي ميّزها؟

غوطفاين: "إن النتيجة الأبرز هي حدوث ضعف ملحوظ جدا لليمين في إسرائيل. فحزب ’عوتسما ليسرائيل’ لم ينجح في الوصول إلى الكنيست. كما أن النتائج بالنسبة لحزب الليكود من جهة، وبالنسبة لحزب ’يوجد مستقبل’ من الجهة الأخرى، تدل على تزايد قوة أحزاب الوسط. وهذه هي النتيجة الكبرى. وسيكون لهذه النتيجة تأثير على السياسة الخارجية، وثمة احتمال كبير بأن تكون داخل الحكومة المقبلة جهات لديها اهتمام كبير بالاتصالات مع الفلسطينيين، مثل حزب ’يوجد مستقبل’ وحزب ’الحركة’ برئاسة تسيبي ليفني، وربما حزب كاديما أيضا. إضافة إلى ذلك، يتوقع حدوث تغيرات في القضايا الداخلية، وبينها تسوية قضايا متعلقة بالحريديم والجهاز القضائي، ورغم أن هذا الأمر معقد أكثر من السياسة الخارجية، لكن من الواضح أن أمرا ما قد تغير".

(*) لكن ألا يدل تزايد قوة حزب "البيت اليهودي" على ارتفاع نفوذ اليمين المتطرف؟

غوطفاين: "السؤال هنا، برأيي، هو كيف تنظر إلى الأمور. فإذا جمعت قوة حزبي ’البيت اليهودي’ و’الليكود بيتنا’ فإنك ستحصل على كتلة يمينية مؤلفة من 43 عضو كنيست. وفي مقابلهم هناك 27 عضو كنيست من أحزاب ’يوجد مستقبل’ و’الحركة’ وكاديما. وأنا لا أتحدث هنا عن حزبي العمل وميرتس. ولا أحد يقول إنه لا يوجد تمثيل لليمين، ولكن التوازن بين اليمين والوسط - اليسار أصبح مختلفا، وقد أصبح مختلفا بشكل كبير".

(*) أين تضع الحزبين الحريديين شاس و"يهدوت هتوراة" في الخريطة السياسية؟

غوطفاين: "دعني أقول ما يلي: شاس يميل أكثر نحو اليمين، و’يهدوت هتوراة’ يتدخل بشكل أقل في هذه الأمور، وربما يؤيد ميولا يمينية لكن هذا ليس في مركز اهتمامه الآن. وأعتقد أنه تجري حاليا مفاوضات [لتشكيل الحكومة] حول القضايا المحلية والمتعلقة بكل وسط داخل إسرائيل، وهذه القضايا تهم الأحزاب في هذه المرحلة أكثر مما تهمها القضايا الخارجية. وبالتأكيد أنا لا أقول إنه توجد حكومة يسار في إسرائيل الآن، لكن إذا ما قارنت بنية دورة الكنيست الجديدة مع بنية الدورة السابقة، فإنه من الواضح أن الكنيست انتقل من اليمين في اتجاه الوسط. وهذا أمر بارز جدا في نتائج الانتخابات. ونأمل أن يتم التعبير عن ذلك من خلال تركيبة الحكومة، ولكن علينا أن ننتظر نتائج المفاوضات الائتلافية".

(*) وكيف تفسر أن "يوجد مستقبل" خرج من هذه الانتخابات كثاني أكبر حزب في إسرائيل؟ ما هي المجموعات التي صوتت لهذا الحزب؟

غوطفاين: "توجد في إسرائيل مشكلة تتعلق بنسب التصويت [المتدنية]. وفي الانتخابات الأخيرة طرأ ارتفاع على نسبة التصويت. وجمهور ناخبي أحزاب الوسط خرج للتصويت هذه المرة. ولا شك في أن قسما من المصوتين لحزب كاديما في الماضي منح أصواته لحزبي ’يوجد مستقبل’ و’الحركة’. والفرق بين كاديما و’يوجد مستقبل’ هو أن ’يوجد مستقبل’ أكثر وضوحا، كما أنه أكثر وضوحا من ’الحركة’. ولكن الأمر الأهم هنا، هو أنه يوجد دائما حزب وسطي كبير نسبيا في إسرائيل. وملامح ’يوجد مستقبل’ أوضح من ملامح كاديما، الذي كان يمثله نواب يمينيون. فقد كان واضحا لنا ماذا تريد تسيبي ليفني، عندما كانت في كاديما، لكن لم يكن واضحا ماذا يريد نواب آخرون من هذا الحزب".

(*) هل هناك مستقبل لحزب "يوجد مستقبل"، وهل هذا حزب سيبقى في المشهد السياسي الإسرائيلي، أم أنه سيتلاشى مثلما تلاشى كاديما؟

غوطفاين: "ما كنت سأصور الأمر بهذا الشكل. فهناك مكان في إسرائيل لحزب وسطي. الآن، هذا الحزب هو ’يوجد مستقبل’، وفي الماضي كان كاديما الحزب الوسطي. والمسألة ليست اسم الحزب الوسطي وإنما أنه دائما سيكون هناك حزب وسطي وبحجم كاديما أو ’يوجد مستقبل’. وصحيح أن حزبا كهذا لا يستقر ولكن الناخبين هم دائما الناخبون أنفسهم الذين يصوتون لحزب وسطي. ولو أنه طوال السنين الماضية كان حزب يحمل اسم ’حزب الوسط’، بدلا من كل أسماء الأحزاب التي تناوبت على هذه الصفة، لحصلنا على حزب مستقر من حيث قوته وتمثيله في الكنيست".

(*) هل خسر حزب العمل في الانتخابات الأخيرة؟

غوطفاين: "نعم، بالإمكان القول إنه الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات. حزبا العمل والليكود هما الخاسران الأكبران. ولأن الليكود هو الذي سيشكل الحكومة فإن خسارته أقل من العمل. وقد تم تعليق آمال أكبر على حزب العمل في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية. رغم ذلك ينبغي أن نكرر هنا، أنه إذا جمعنا حزبي العمل وميرتس، فإنهما حصلا في هذه الانتخابات على 21 مقعدا في الكنيست، بينما كانا ممثلين في دورة الكنيست السابقة بـ 16 نائبا فقط. وأقول هذا لأنه اليوم لا ينظرون إلى حجم الأحزاب وإنما إلى حجم الكتل الحزبية. ولذلك فإن قوة كتلة أحزاب الوسط - اليسار ارتفعت رغم أنه كانت هناك توقعات بأن تزداد قوتها بشكل أكبر".

(*) لقد دخل نتنياهو إلى هذه الانتخابات، وخرج منها أيضا، من خلال تصريحات بأن هناك تهديدات خارجية تواجهها إسرائيل وأن هناك ضرورة لتشكيل حكومة موسعة. هل سينجح، برأيك، في جمع حزب "يوجد مستقبل" مع الحزبين الحريديين، شاس و"يهدوت هتوراة"، في حكومته المقبلة؟

غوطفاين: "تجري الآن مفاوضات ائتلافية ويصعب معرفة نتيجتها. رغم ذلك، فإن رئيس شاس، ايلي يشاي، ألمح في مقابلة أجرتها معه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، يوم السبت الماضي، إلى أن حزب شاس سيقدم تنازلات من أجل الانضمام إلى الحكومة. ودعني أقول إنه لا يوجد شيء في البنية السياسية من شأنه أن يمنع نجاح نتنياهو في ضم الحريديم و’يوجد مستقبل’ إلى ائتلافه. وربما سيكون هناك ما يمنع ’يهدوت هتوراة’ من الانضمام إلى التحالف. وفي نهاية المطاف، فقد أوصى 82 نائبا أمام الرئيس بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، وهذا يعني أن لديه قاعدة واسعة تمكنه من تشكيل حكومة موسعة. وبالمناسبة، فإنه حتى لو شكل حكومة ضيقة فإنها ستصمد لفترة طويلة أيضا".

(*) في حال انضمام "يوجد مستقبل" أو "الحركة" أو كلا الحزبين معا إلى حكومة نتنياهو، هل يتوقع أن يستجيب نتنياهو إلى مطلبهما باستئناف الاتصالات مع الفلسطينيين، أم أن نتنياهو سيواصل المماطلة والامتناع عن استئناف المفاوضات؟

غوطفاين: "الإجابة هي نعم. وأعتقد أن ليفني ولبيد جديان جدا فيما يتعلق بطلبهما باستئناف المفاوضات. كما أنهما يشركان الرأي العام الإسرائيلي برأيهما في هذا الخصوص بشكل واسع جدا. لكن يوجد جانب آخر وهو أن أبو مازن ينتهج حاليا سياسة تقضي بأن يفعل الفلسطينيون كل شيء عن طريق الأمم المتحدة بشكل أحادي الجانب. أي أنه يوجد احتمال بأن يسعى نتنياهو لاستئناف المفاوضات ولكن السؤال هو ما الذي سيفعله الجانب الفلسطيني. وفي هذه الاثناء يظهر أن سياسة أبو مازن وسياسة نتنياهو عززتا بعضهما البعض برأيي. أبو مازن توجه إلى الأمم المتحدة ونتنياهو رفض هذه الخطوات. هكذا كانت ديناميكية الأمور. وأعتقد أن هذه الديناميكية تغيرت الآن".

(*) لكن المسألة الهامة بالنسبة للفلسطينيين هي الاستيطان. كيف يمكن إجراء مفاوضات في الوقت الذي تكثف فيه حكومة إسرائيل البناء في المستوطنات وتسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية؟

غوطفاين: "نعم، هذا صحيح. لكن هاتين السياستين، الاستيطان والتوجه إلى الأمم المتحدة، لن تؤديا إلى تقدم. والسؤال هو ما هي الاستراتيجية الفلسطينية؟. هل يريدون الحصول على دولة واعتراف هنا وآخر هناك من دون مفاوضات؟ فهذا مسار سيؤدي في نهاية الأمر إلى الانفجار الكبير، لأن إسرائيل لن توافق على قيام دولة فلسطينية من دون اتفاق. ولذلك أقول إنه تغير شيء ما في الجانب الإسرائيلي بعد الانتخابات، وأصبح هناك كتلة مؤلفة من 27 نائبا، في حال انضمام ’يوجد مستقبل’ و’الحركة’ وكاديما إلى الحكومة، وهذه الكتلة مهتمة جدا باستئناف المفاوضات. وإذا استمر الفلسطينيون بالقول إنه إذا لم توقفوا كل أعمال البناء في المستوطنات فلن نستأنف المفاوضات، فإنهم، عمليا، سيساعدون نتنياهو، الذي بات أضعف في ولايته الثانية، على تحييد كتلة الـ 27 نائبا".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات