المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*السياسة الروسية في الشرق الأوسط وصلت إلى مفترق طرق في أعقاب "الربيع العربي"*

بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، زيارة رسمية إلى إسرائيل، في ظل خلافات بين الدولتين حول عدد من القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، أبرزها الموقف من الأزمة السورية والبرنامج النووي الإيراني وعملية السلام المجمدة بين إسرائيل والفلسطينيين. وتنظر إسرائيل إلى روسيا، على أنها لاعب قديم في الشرق الأوسط يسعى إلى إعادة حضوره، بقوة، في المنطقة كدولة عظمى.

وأصدر "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب بحثا، مؤخرا، جاء تحت عنوان "روسيا في الشرق الأوسط - سياسة تحت الامتحان" أعده الدبلوماسي الإسرائيلي السابق تسفي ماغين.

وقد عمل ماغين لسنوات طويلة في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي وزارة الخارجية. وكان سفيرا لإسرائيل في أوكرانيا بين السنوات 1992 - 1997، وسفيرا في موسكو في العامين 1998 و1999. وترأس بين الأعوام 1999 - 2006 منظمة "نَتيف"، وهي بمثابة جهاز استخبارات يعمل في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وغايته دفع اليهود هناك إلى الهجرة إلى إسرائيل.

وترأس ماغين بين السنوات 2006 - 2009 معهد الدراسات الأوروبية - الآسيوية في المركز المتعدد المجالات في مدينة هرتسيليا. وهو اليوم باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي".

وأشار ماغين في بحثه إلى أسباب وعوامل عديدة مجتمعة جعلت الشرق الأوسط منطقة هامة بالنسبة لروسيا، الآن، والاتحاد السوفياتي، في الماضي. وكتب أن العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل مرّت بتحولات وتقلبات، ورغم أن الاتحاد السوفياتي كان من أوائل وأهم الدول التي اعترفت بإسرائيل لدى قيامها في العام 1948 "إلا أنه بعد ذلك وقف إلى جانب أعداء إسرائيل". وأضاف أنه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أوقفت روسيا ضلوعها في الشرق الأوسط، لكنها استأنفت ذلك بعد عشر سنوات بعد أن أصبح بوتين رئيسا لها.

ورأى ماغين أن سياسة روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، في الشرق الأوسط كانت وما زالت نتيجة للمنافسة بينها وبين الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. وتنبع أهمية الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا من موارد هذه المنطقة وحقيقة أن دولا فيه هي زبون مركزي للصادرات الأمنية الروسية. وأشار ماغين إلى أن أحد أسباب ضلوع روسيا وحضورها بقوة في الشرق الأوسط، في العقد الأخير، هو كبح تمدد الإسلام الراديكالي إلى أراضيها. وقد أدت هذه الأسباب إلى زيادة التأثير الروسي في المنطقة من أجل رفع مكانتها الدولية.

ولفت الباحث الإسرائيلي إلى أن روسيا أقامت تحالفات مع دول في المنطقة تشكل أساسا لمكانتها فيها، في إطار منافستها مع الولايات المتحدة، ولذلك "تحولت روسيا إلى حارسة النظام الإيراني الذي يسعى إلى استكمال تطوير البرنامج النووي، وللنظام السوري الذي يواجه ثورة داخلية".

وخلقت أحداث "الربيع العربي" في الشرق الأوسط، منذ مطلع العام الماضي، واقعا إقليميا جديدا له انعكاسات معقدة على الشرق الأوسط والحلبة الدولية. وأشار ماغين إلى أنه نتيجة لـ "الربيع العربي"، وبعد سنوات من التواجد الروسي في المنطقة، وتحقيق إنجازات كبيرة فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول المنطقة، وصلت السياسة الروسية إلى مفترق طرق.

فقد فوجئت روسيا، كغيرها من الدول الكبرى، من التحولات في الدول العربية "التي أدت إلى فقدان مكاسب هامة". وعلى أثر ذلك اضطرت روسيا إلى بذل جهود كبيرة في البحث عن مصادر تأثير وعلاقات جديدة ومتجددة. وكانت هذه العملية مرتبطة باحتكاكات مع دول في الشرق الأوسط ومع خصوم في الساحة الدولية.

ورأى ماغين أنه "على ضوء نشوء واقع جديد، تظهر مؤشرات إلى حدوث تغيرات حقيقية في سياسة روسيا الشرق أوسطية. وبين هذه المؤشرات تزايد الوزن الذي تنسبه لإسرائيل، انطلاقا من أن توثيق التعاون مع إسرائيل سيساهم في دفع المصالح الروسية في المنطقة".

نسخ سياسات سوفياتية

حددت الحكومة الروسية، في بداية القرن الواحد والعشرين، الغايات الاستراتيجية الروسية الحالية بهدف منحها مكانة دولة عظمى عالمية. واستندت هذه الغايات إلى ظروف قاهرة سياسية وأمنية واقتصادية تواجهها روسيا في هذه الفترة، وأن أي طريق أخرى ستؤدي إلى إضعافها وربما إلى تفككها أيضا. وتمت بلورة هذا المفهوم لدى انتخاب بوتين رئيسا، الذي عمل على تغيير المفهوم الذين وضعه سلفه، بوريس يلتسين، الذي سعى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى جعل روسيا دولة على الطراز الديمقراطي - الغربي.

وأدت استراتيجية يلتسين، في العقد الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى أن يسود في روسيا نظام اجتماعي - اقتصادي غير مستقر، وأضعف مكانتها الدولية. وعمليا، لم تنجح روسيا في تعبئة الفراغ الذي تركه الاتحاد السوفياتي خلفه في الحلبة الدولية، وتم إقصاء روسيا عن مركز الحلبة الدولية.

وأكد ماغين أنه طرأ تغيير جوهري على السياسة الخارجية الروسية، خلال ولايتي بوتين الرئاسيتين الأوليين، بين السنوات 2000 - 2008، وولاية خلفه، ديمتري ميدفيديف، بين السنوات 2008 - 2012. وتم توجيه سياسة بوتين وميدفيديف من أجل إعادة مجد روسيا كدولة عظمى والاضطلاع بدور مؤثر في بلورة النظام العالمي. وبفضل هذه السياسة غيرت روسيا صورتها. ورغم أن جهودها من أجل الوصول إلى مكانة حاسمة لم تحقق بعد النتائج المرجوة، لكن لم يعد بالإمكان تجاهل روسيا كلاعب دولي هام.

ومن أجل دفع مكانتها الدولية، بلورت روسيا سياسة خارجية نشطة، وصفها ماغين بأنها "تتميز بتوجه أخلاقي مزدوج إلى القضايا الدولية المختلفة، واستخدام التضليل في إدارة علاقاتها الخارجية. وتستند هذه السياسة إلى استغلال أوضاع انعدام الاستقرار في أماكن مختلفة في العالم. وهي تناور بين اللاعبين المحليين بواسطة مبدأ ’فرق تسد’، وبواسطة الاحتكاك مع المنافسين العالميين، وتقوم خلال ذلك باستفزاز وتحد غير مدعومين في غالب الأحيان بقدرات فعلية، في محاولة لإبعادهم عن جبهات عدة. وأدركت روسيا كيفية استغلال أدوات وأفضليات نسبية متوفرة لديها، مثل ترسانتها النووية، المساوية لتلك الأميركية، وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وكونها شريكة في ’الرباعية الدولية’ وقدرتها المثبتة على المبادرة وإدارة النزاعات، من أجل طرح نفسها كلاعب هام. ولم يتم تطوير هذه السياسة من عدم، وإنما تم نسخها من الممارسات السوفياتية". فقد استخدم الرئيس السوفياتي، نيكيتا خروتشوف، مثل هذه السياسة ضد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وخلال أزمة الصواريخ في كوبا.

ويعتبر الشرق الأوسط أحد أهم المناطق التي تسعى روسيا إلى تقوية مكانتها فيها، إذ تنظر روسيا إلى هذه المنطقة على أنها ذات أهمية جيو - سياسية وتلتقي فيها مصالح إقليمية وعالمية، ولذلك فإنها منطقة منافسة دولية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. وتجعل هذه المعطيات الشرق الأوسط مركزا يكمن فيه تهديد للأمن القومي الروسي.

تراجع مكانة

الولايات المتحدة

وأشار ماغين إلى أن روسيا نجحت في السنوات الأخيرة في دفع جزء من غاياتها في الشرق الأوسط، وذلك بفضل ملاءمة سياستها مع الواقع المتغير في المنطقة وممارسة قواعد لعبة تتمثل في المناورة بين المعسكرات. لكن بطبيعة الحال، فإن المصالح الروسية في الشرق الأوسط تصطدم بمصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتشكل مصدرا لاحتكاك محتمل مع الصين.

وأضاف ماغين أنه حتى موعد حدوث التقلبات التي أحدثها "الربيع العربي"، استندت الاستراتيجية الروسية في المنطقة إلى تقدير مفاده أن مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أخذت تضعف. كما أن الطريق المسدودة التي وصلت إليها العملية السياسية الإسرائيلية - العربية عموما والإسرائيلية - الفلسطينية خصوصا، تعتبر في موسكو أنها أحد المؤشرات التي تعبر عن هذا التوجه. وهذا التقييم تمت ترجمته إلى مجهود روسي متزايد من أجل إقصاء الولايات المتحدة عن المنطقة على أمل احتلال مكانتها كلاعب قيادي.

وتابع ماغين أن تطبيق هذا المفهوم جعل روسيا تركز على تطوير علاقاتها مع اللاعبين المختلفين، وأحيانا المتنافسين والمتخاصمين، في الشرق الأوسط. وأعطى الباحث مثالا على ذلك من خلال "إقامة روسيا علاقات وثيقة مع المعسكر الراديكالي في المنطقة (أي إيران وسورية وحزب الله)، الذي أصبح شريكا أساسيا في دفع السياسة المعادية للغرب، في موازاة انضمامها النشط إلى الحراك السياسي في المنطقة واندماجها في هيئات دولية مختلفة تسعى إلى دفع عملية سياسية بين إسرائيل وجاراتها. كذلك عملت روسيا على تعميق ضلوعها الأمني في المنطقة، الذي تم التعبير عنه بإقامة قواعد عسكرية في سورية وتصدير أسلحة لكل من يطلب الحصول عليها".

معضلة "الربيع العربي"

ودور إسرائيل

لكن ماغين اعتبر أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط وصلت إلى مفترق طرق في أعقاب "الربيع العربي". وكتب أن "قيادتها تنظر إلى التغييرات السريعة الجارية في المنطقة بقلق وبمشاعر مختلطة. وتكمن المعضلة الروسية في الاختيار بين إمكانيات متعددة وتحمل جميعها معاني سلبية بالنسبة لها، وذلك رغم أن قسما من واضعي السياسة الخارجية في روسيا يؤمن بأن احتمال بناء علاقات إيجابية مع الأنظمة الجديدة في الشرق الأوسط قائم وأن من شأن ذلك أن يحسن مكانة روسيا في المنطقة. وفي المقابل، يخشى آخرون من سيطرة الإسلام الراديكالي على الشرق الأوسط، ومن تحول روسيا نفسها إلى الهدف المستقبلي للقوة الإسلامية الصاعدة ومن انتقال العملية الثورية إلى أراضيها".

ورأى الباحث أنه "من الناحية الفعلية، وحسب الواقع كما يتطور، فإن روسيا فقدت مواقعها الهامة في المنطقة. فقد وجدت نفسها عالقة في المعسكر الشيعي، من خلال خوضها صراعا متواصلا صارما في دفاعها عن المحور الإيراني - السوري الآيل للانهيار، بينما يقف أمامها المعسكر السني المتعزز، والمدعوم برؤيتها من جانب الغرب، وهو واقع من شأنه أن يقصيها عن المنطقة".

وفي غضون ذلك يتصدر احتمال شن هجوم عسكري أميركي أو إسرائيلي ضد إيران الأجندة الوطنية الروسية. وأشار ماغين إلى أنه "بين الأمور التي يجري تداولها إمكانية استغلال هجوم ضد إيران من أجل أن تبادر روسيا إلى القيام بخطوات عسكرية في منطقة القوقاز، من أجل تحقيق مصالح استراتيجية خاصة بها. ويدور في روسيا سجال مشحون حول هذا الموضوع، إذ سيكون له تبعات بعيدة الأمد في حال تطبيقه".

وأضاف ماغين أنه في إطار الرد على هذه التحديات "تعمل روسيا بشكل حثيث من أجل البحث عن حلول، بينها القيام بخطوات هدفها إقامة كتلة دول داعمة لها في الشرق الأوسط، وتشكل بديلا للعلاقات التي انهارت ولاستثمار الجهد في توسيع دورها في العملية السياسية في المنطقة. وليس واضحا ما إذا كان في نية وقدرة روسيا تحمل مسؤولية قيادة العملية السياسية أو أنها ستكتفي ربما بالضلوع فيها وهو ما تعتبر أنه بحد ذاته إنجاز سياسي. وفي هذا السياق تولي روسيا لإسرائيل دورا هاما، سواء كشريكة للعملية السياسية، أو كشريك محتمل في دفع غايات روسية مستقبلية في المنطقة. وذلك، وفقا للرؤية الروسية، استنادا إلى تلاقي مصالح إسرائيلية - روسية محتملة وإلى قواسم روحانية مشتركة".

ووفقا لماغين فإنه "تم البحث في روسيا مؤخرا في إمكانية تغيير سياستها الشرق الأوسطية برمتها، والتي تشمل فكرة التقرب من إسرائيل أيضا، وبضمن ذلك على ما يبدو، تشكيل خطة عامة سياسية مشتركة. وتكمن وراء هذا التوجه مصالح سياسية واقتصادية، خاصة في مجال الغاز. وفي هذا السياق يجري الحديث عن إمكانية للمبادرة إلى محور سياسي يضم إلى جانب إسرائيل كلا من اليونان وقبرص، وهي حقيقة ستسمح لروسيا في حال تطبيقها، بأن تحسن بشكل كبير مكانتها الإقليمية على ضوء التحديات الناشئة".

وأشار ماغين إلى أن روسيا تواجه أزمة داخلية يبدو أنها تلزمها بإجراء تغييرات اقتصادية وسياسية عاجلة. فقد هددت موجة الاحتجاجات السياسية - الاجتماعية، التي ثارت في العام 2011 ورافقت إعادة انتخاب بوتين رئيسا، أركان النظام الروسي. ورأى ماغين أنه "على الرغم من أن السيطرة على الأحداث ووقف الانجراف الداخلي لن يتحققا من دون تحسين العلاقات مع الغرب، فإنه من أجل تحسين مكانتها الدولية لا تنوي روسيا التنازل عن المنافسة مع الغرب. ولذلك يتوقع في المستقبل المنظور على الأقل، أن تستمر وحتى تتصاعد المنافسة بين الدول العظمى، التي سيتم التعبير عنها في الشرق الأوسط".

وأكد ماغين أنه "بالنسبة لإسرائيل، فإن مصلحتها تكمن في حدوث تغيير في السياسة الروسية، وخاصة في المواضيع المتعلقة بالمساعدات الروسية لأعدائها. وفي هذا السياق يُطرح السؤال بشأن الثمن الذي يتعين على إسرائيل أن تدفعه على المستوى السياسي، وخصوصا فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وعلى المستوى الأمني، وخاصة في الحلبة الفلسطينية، من أجل الحفاظ على علاقات سليمة، وجيدة إذا أمكن، مع روسيا. وستقول الأيام المقبلة ما إذا كان بالإمكان إقامة علاقات صداقة قريبة بين روسيا وإسرائيل، اللتين لديهما مصالح مبدئية وقواسم ثقافية مشتركة، أم أن روسيا ستستمر في التعامل مع إسرائيل كوسيلة لتحقيق غايات إقليمية. وفي جميع الأحوال وفي هذه الفترة على الأقل، يبدو أن توسيع التعاون بين روسيا وإسرائيل، ومن خلال دمج روسيا بدور سياسي، أهم مما كان في الماضي، ومطلوب أن يتم هذا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وسيشكل أساسا مريحا ولائقا أيضا من أجل تحسين العلاقات بين الجانبين، وسيساهم أيضا في حدوث تغييرات إيجابية بالنسبة لإسرائيل في توازن القوى الإقليمي".

المصطلحات المستخدمة:

مركز, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات