المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1126

* العربة المتلئة
مائة وعشرون سنة ثقافة اسرائيلية

تحرير: يسرئيل بارطال

دار النشر ماغنس والجامعة العبرية في القدس

288 صفحة، القدس الغربية 2002

"السلة الممتلئة" يضم مجموعة من الدراسات العبرية التي تعرض الثقافة الاسرائيلية المعاصرة كإنتاج تاريخي وثقافي غنيّ وحيّ ومتحرك، يعكس تجربة ملئية بالتناقضات، وهو نتاج اللقاء بين مجموعات المهاجرين اليهود خلال قرن ونصف من الزمان، تمت صياغته بشكله الحالي وسط ايديولوجية صلبة وراسخة، وعفوية غير اعتيادية.

لا ينحصر اهتمام هذا الكتاب كما يوحي عنوانه بدراسة النتاجات الثقافية الابداعية العبرية فحسب، بل يغوص في تحليل المجالات والمستويات التي لامستها الثقافة العبرية بمجملها على كل الصعد تقريبا: الكتاب المقدس، الجيش، الدولة، الادب، الغناء العبري، "الحسيدوت"، البيوت وأشكال اسطحها في المستوطنات الاولى، وما تشكل من ظواهر ثقافية كانت مقرونة بنشوء مجتمع جديد في فلسطين، تعود جذوره "الحديثة" الى اواسط القرن التاسع عشر - الى ما قبل حوالي 120 عاما، عندما بدأت "الهجرة الاولى" الى فلسطين بوصول مجموعة من اليهود الرومان الى منطقتي الجاعونة عند منحدرات جبال صفد، وزمّرين الى الجنوب من جبل الكرمل.

على امتداد هذه الفترة نشأت ثقافات عديدة هنا، تجعل من الصعب لأي كان الحديث عن ثقافة عبرية واحدة متجانسة، او التسليم بأن ما نشأ هنا له جذور تاريخية وحضارية واحدة، كون اسرائيل دولة هجرات، وهي تقدم يوميا البراهيم على فشل مشروع "دمج الشتات" فيها بالطريقة المثلى المتخيَّلَة.

في ذلك ما يفسر المواقف المختلفة لليهود انفسهم من ثقافتهم، فجماعات "الحريديم" ترى ان ثقافة اسرائيل الجديدة فارغة وغير ذات وزن حقيقي. وهي تشبّه المجتمع الاسرائيلي الذي يقوم بانتاجها والحفاظ عليها بالعربة الفارغة، التي يجب عليها ان تخلي الطريق لعربة الاورثوذوكسية المشحونة بالتوراة والوصايا الدينية. وهناك وجهات نظر انتقادية ترى ان اليهود في فلسطين لم يقيموا في البلاد اكثر من واقع مختّلّق، وخدعة اخترعها السياسيون في خيالاتهم، رافضين التسليم بوجود سلطة تتحكم بمجموعات الاقلية المغبونة وتقول انها اقامت هنا "دولة وثقافة متجانسة". وهم يعزون كل ما حدث الى محاولات الناشطين الصهيونيين شطب الثقافة الأصلية لدى قطاعات بأكملها في المجتمع اليهودي، واقامة مؤسسات محافظة وقامعة كل هدفها تخليد البدعة الثقافية.

يقسم بارطال كتابه الى ثلاثة ابواب رئيسية، يتناول الاول فيها قضايا المجتمع والسياسة والثقافة، ويفحص انماط الاستهلاك الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في "الدولة التي في الطريق"، ويتوقف عند التربية العبرية باعتبارها "هندسة ثقافية واجتماعية، ودور اللغة العبرية في بناء الثقافة، والصراع بين الثقافات السياسية لدى مجموعات المهاجرين ذات الاصول المختلفة. في هذا الباب ايضا يكتب مردخاي بار اون عن الجيش والتربية والثقافة في بداية "عهد الدولة"، بين السنوات 1949 – 1967.

ولعل اهم دراسات هذا الباب ما كتبته الباحثة في الصهيونية بروفيسور انيتا شبيرا عن "بن غوريون والتوراة: خلق الرواية التاريخية"، وفيه تقول ان مؤسس الدولة اليهودية ينتمي الى جيل من القياديين الذين اقاموا قصة حب غير منتهية مع التاريخ: تشرتشل، ديغول، لينين وستالين، الذين لم يكتفوا بتأثيراتهم الحاسمة المباشرة على سيرورة التاريخ في زمانهم، بل سعوا ايضا الى صياغة الوعي التاريخي لدى ابناء شعبهم، وصورة الواقع من الماضي القريب والبعيد. وتقول شابيرا إن بن غوريون لم يزعم التصدي لكتابة تاريخ منتظم، فجميع كتاباته لم تكن سوى تجميع لخطابات ومقالات ومذكرات ويوميات. مع ذلك فقد بذل جهودا كبيرة في محاولة صياغة الوعي التاريخي لدولة اسرائيل الحديثة العهد في تلك الايام.

ويتناول الباب الثاني في الكتاب قضايا الادب والمسرح والسينما،. ويكتب افنير هولتسمن عن خمسة هقود من الادب الاسرائيلي، وتناول بَسمت ايفن زوهر نشوء ادب الاطفال العبري كجزء من عملية خلق ثقافة عبرية في فلسطين بين السنوات 1880-1960، في حين يبحث ارئيل هيرشفيلد في مكانة الله في الشعر العبري في الجيل الاخير، وتكتب نوريت غيرتس عن الادب العبري ازاء الناجين من الكارثة.

الباب الثالث مخصص للفنون وبضمنها الفن المعماري والموسيقى والرقص، وفيه بحث هام ليوسي بن ارتسي عن "الطبيعة والهوية: السقف الاسرائيلي على مر الاجيال"، وآخر حول "الهويات الاثنية المعمارية في بناء اورشليم خارج الاسوار". هذان البحثان يحكيان قصة "البيت الاسرائيلي" منذ بدايات الاستيطان اليهودي في البلاد، ويجدان اسباب التحولات المتلاحقة في اشكال البيوت الخارجية وأسطحها باعادتها الى جذورها التاريخية، ويوضحان كيف ان التحولات في شكل البيوت اليهودية استهدفت كل الوقت اظهار خاصيتها على خلفية الطبيعة العربية الفلسطينية المحلية. وفي ذلك يجمل يوسي بن ارتسي "الحكاية كلها" بالقول: "اسطح البيوت اليهودية في البلاد، كما هو الحال في بقية مناطق العالم، ليست مجرد اداة وظيفية عابرة في صياغة الطبيعة الثقافية، بل اداة لخلق هوية ثقافية واجتماعية واقتصادية متميزة".

المصطلحات المستخدمة:

الحسيدوت, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات