المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الجدل الساخن بين الأحزاب العربية يتجاوز إطار الصحافة المحلية وينتقل إلى الشارع: صحفي نصراوي يشكو "التجمع" في الشرطة، ورئيس تحرير يحمل على تلفزيون "المستقبل" ونشرة انتخابية تعدد مواقف بشارة "الاسرائيلية"...

مع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية في آخر الشهر، يسخن الجدل بين الأحزاب العربية، وبين المتعاطفين مع كل حزب، على صفحات الجرائد، وفي النشرات الانتخابية وفي الراديوهات العربية المحلية، وأبرزها راديو "الشاطئ"، الذي يبث من مدينة حيفا.

ولعل ابرز مظاهر هذه "السخونة"، ما أقدم عليه الصحافي نبيل عودة (جريدة "الاهالي") عندما قدّم شكوى في شرطة مدينة الناصرة، جاء فيها أن نشطاء من حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يرئسه عضو الكنيست عزمي بشارة، هددوه بالقتل، بعد ان نشر في مطلع الأسبوع المنصرم، مقالاً في صحيفة "الأهالي" الصادرة في الناصرة، انتقد من خلاله ما وصفه بـ "نفاق بشارة"، الذي أعرب أمام لجنة الانتخابات المركزية، خلال بحث قضية منعه من المشاركة في الانتخابات، عن مواقف "أكثر إسرائيلية ً ورِقـّة"، من الشعارات التي يُسمعها أمام جمهور مؤيديه.

وأضاف عودة في المقال أن مواقف بشارة أمام لجنة الانتخابات المركزية وأمام المحكمة العليا الإسرائيلية "تثبت أن الشعارات القومية التي يستعملها بشارة هي شعارات كاذبة، وكانت للاستهلاك وخداع الشعب ليكسب التأييد بالمغاورة والبهلوانيات الخطيرة". وجاء أيضًا في المقال الذي نشره عودة "أنه خلافًا للتعابير التي استعملها بشارة في العالم العربي وأمام مؤيديه، والتي أظهر نفسه من خلالها وكأنه صلاح الدين أو على الأقل جمال عبد الناصر، اعترف بشارة في المحكمة العليا بأن إسرائيل هي تجسيد لحق تقرير مصير الشعب اليهودي". واتهم عودة رئيسَ "التجمع" أيضًا بأنه "رغم الانطباع الذي يحاول خلقه، فقد أدى بشارة اليمين لدولة إسرائيل ولقوانينها، وقال في المحكمة العليا إنه لا يعارض الطابع اليهودي للدولة".

وقال د. جمال زحالقة، المرشح في المكان الثاني في قائمة "التجمع" إن القضية بأكملها مناورة انتخابية، وإن جميع مقالات عودة تثبت بأنه يتحاسب مع "التجمع الوطني الديمقراطي" ويستعمل أية وسيلة من أجل ذلك". وأضاف زحالقة أنه لا أحد في "التجمع الوطني الديمقراطي" هدد حياة عودة، "لأننا لم نلتفت بجدية إلى مقالاته".

وفي نهاية الأسبوع المنصرم، توضحت الترميزات التي يطلقها قادة الأحزاب، وصارت "بالعربي وعلى المكشوف".

د. أحمد الطيبي، المرشح الثالث في قائمة "الجبهة – التغيير"، وفي لقاء مع "الصنارة" (الجمعة، 17 كانون الثاني) قال: "الحقيقة ان الشارع العربي وقف مندهشا امام السلوك الذاتي والنرجسية السياسية التي طفت في الاسابيع الاخيرة. ليس فقط هم الغوا وجود الاحزاب العربية، وانما التركيز على "الانا" بشكل سيء احيانا ومرضي احيانا اخرى. وعندما نظمنا، كتحالف "الجبهة والعربية للتغيير"، مظاهرة شارك فيها الآلاف في الناصرة، كان الشعار الرئيسي فيها ضد شطب احمد الطيبي وعزمي بشارة و "التجمع"، بينما في اليوم ذاته أقام "التجمع" مهرجانا في قاعة ابو ماهر في الناصرة، واتسعت بقدرة قادر الى 4 الاف، لم يأتوا على ذكر اي شطب سوى شطب نائبهم. ثم جاءت المقابلة في تلفزيون "المستقبل"، وهناك قام عزمي بشارة بتغييب كل الاحزاب العربية، وعاد الى اسلوب القرص والغمز الصبياني. كذلك، تصرف "التجمع" داخل المحكمة العليا في الاسبوع الماضي، اذ غادروا القاعة عندما بدأت الجلسة بخصوصي، في الوقت الذي كنا، انا وعدد كبير من قادة الجبهة والعربية للتغيير، حاضرين في جلسة المحكمة بخصوص بشارة لاعطائه الدعم والتضامن بكل اشكاله".

واستمرارًا في تقد "التجمع" قال الطيبي: "..ولكن هناك من غيّر موقفه في لجنة الانتخابات، فيما يتعلق "بوجود شعب يهودي" و"حق تقرير المصير" و "ومعارضة الطابع اليهودي لدولة اسرائيل"، و "ولد ونشأ من قلب التجربة الاسرائيلية". فكيف تغير الوضع على هذا النحو؟ ونحن نفضل ان يكون النقاش فعلا فكريا، لان هذا هو الملعب الذي يجب ان يراقبه الجمهور. هناك جمل قيلت في لجنة الانتخابات ويقال عكسها في الفضائيات. القيادة تقاس في الازمات وليس في الفضائيات. والمثقف هو من يلتزم بالحقيقة دائما، حتى لو اضطر الى دفع ثمنها، ومن لديه فعلا حقائق وثوابت يتصرف فقط على اساسها وعلى ضوئها".

* حملة على تلفزيون "المستقبل"

في جريدة "الصنارة" نفسها كتب لطفي مشعور، محرر الجريدة، تقريظات على "التجمع" بالأساس، تمحورت في محورين: المحور الأول هو التعجب من التدخل الأمريكي لمنع شطب "التجمع" والنواب العرب، لأول مرة في تاريخ العلاقات بين إسرائيل وأمريكا؛ والمحور الثاني هو حول اللقاء التلفزيوني الذي أجرته محطة "المستقبل" اللبنانية مع بشارة (أجراه الزميل الصحفي أسعد تلحمي، مراسل المحطة وجريدة "الحياة" اللبنانية في اسرائيل).

فيما يلي بعض الاقتباسات من افتتاحية مشعور:

"...ولكن، ان يقوم وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، بنفسه، مباشرة، على ملأ الشاشات وفي بيان خاص بالتوجه الى لجنة الانتخابات والمحاكم في اسرائيل، فيما يتعلق بمنع مشاركة قائمة عربية "التجمّع"، وايضا مرشحين عربا، فهذا امر مدهش (....) اقول "مدهش" و "غير مسبوق" رغم ان الامر في الواقع ليس مدهشا وليس غير مسبوق. فالادارة الاميركية، باذرعها كلها، وبضمنها وكالة المخابرات المركزية، تصرف المليارات من الدولارات، عن طريق الجمعيات، لتجنيد من يخدم مصالحها (....) اذن، كيف نفسر ان وزير خارجيته معني بقوائم عربية، وبتصويت عربي مكثف للكنيست، اذا كان الأمر(؟) يمسّ بفرص شارون؟ معقول؟! وكيف تصرف اميركا، عبر قنواتها واذرعها وقوانينها، الملايين لتشجيع مشاركة الناخبين العرب؟! وبالمناسبة فقد فعلوا ذلك في انتخابات سابقة، وبالملايين طبعا. ومعروفة الجمعية ومعروفة الأطراف والشخصيات التي شاركت فيها! أم انها مؤامرة؟ ولصالح شارون بالذات (....) نعم، وبغض النظر عن العمل "الصحفي"، العمل الصحفي الذي تقوم به فضائية "المستقبل" رغم تجنّدها لقضايا شعبنا، ورغم وجود أناس كثيرين فيها نحترمهم ونحبهم، كما يفعلون بالنسبة إلينا، إلا انه يفرض أموراً وقضايا، ومن ثم تساؤلات تصب كلّها في خانة الدهشة والإستهجان. ونبدأ - نعود ونؤكد أن مأخذنا ليس فيما يتعلق بموقف "المستقبل" من قضايانا الحقيقية، العامة. فهم مقدّرون ومشكورون عليه. ولكن "المستقبل" حوّلت نفسها الى لسان حال شخص واحد وقائمة واحدة عندنا.. وقد يستحق هذا الشخص وهذه القائمة كل الدعم، و"المستقبل" ليست أول من دعمتهما، ولا أكثر في الحقيقة، إذا كنا نتحدث عن القضية المبدئية. ثم "هذا حقّها". ولكن، أليس هنالك آخرون؟ هل هناك سبب للمسّ بهؤلاء الأخوة؟! ثم، متى بدأت قضيتنا بشخص واحد أو بأمور شخصية لفلان، وليتنا نستطيع أن نضيف "علاّن"..!".

في الاقتباسات أعلاه عودة دائمة ومنهجية من طرف مشعور في التهجم على د. بشارة وحزبه، بعد علاقة متميزة ليست ببعيدة.

لكن ابرز منتقدي بشارة الان هي "الجبهة – التغيير"، ففي النشرة الانتخابية الأخيرة التي أصدرتها "الجبهة والعربية للتغيير" نقرأ استعراضا على مساحة صفحتين كاملتين، لكلمة بشارة المطولة أمام لجنة الانتخابات. محررو النشرة اختاروا بعض الاقتباسات لبشارة، بشكل إنتقائي، ودون الربط مع السياق الكلي، وأبرزوها على أنها إدانة نهائية لبشارة وتراجعه أمام لجنة الانتخابات عن مواقفه. فيما يلي بعض هذه الاقتباسات، وتصنيفها بحسب منطق النشرة وجهة "الادانة":

* الأسرلة: "سيدي الرئيس، اعضاء اللجنة المحترمين، حركة التجمع قامت من داخل النقاش على المواطنة، حركة التجمع لم تستورد من من دولة أجنبية. حركة التجمع قامت من داخل الكينونة الاسرائيلية، من قلب الكينونة الاسرائيلية تماما، حين توحدت عدة تيارات لاقامتها."

* الاعتراف بحق تقرير المصير لليهود: "انا اعترف بحق هذه الاغلبية بتقرير المصير في الدولة... بالمناسبة اسألوني اذا كنت اعترف بحق تقرير المصير لاسرائيل أم انني اعترف بها كتحصيل حاصل، مثلما يوجد عرب اقامت اسرائيل سلاما معهم ولا يعترفون بحقها في تقرير المصير، بل يعترفون بها كتحصيل حاصل داخل اتفاق تسوية سلمية. كلا. انا لا اعترف باسرائيل كتحصيل حاصل في اطار اتفاق سلام، بل انني اعترف بحق تقرير المصير."

* التناقضات في خطاب بشارة: "هل قال احد انه يتوجب عليّ حل كل تناقضات العالم قبل ان ادخل هذا البيت (الكنيست)؟ ان احل التناقض بين يهودية الدولة ودمقراطيتها؟ اذا وجد تناقض كهذا فبالامكان العيش معه. هذا هو الامتحان. هل طلبت في كنيست اسرائيل مرة واحدة والى الابد حل هذا التناقض والقول ان اسرائيل لا يجب ان تكون يهودية؟ هل اقترحت مرة قانونا كهذا؟ هل وهّمت مصوتيّ او الجمهور اليهودي او العربي في دولة اسرائيل انه بالامكان جعل دولة اسرائيل دولة كل مواطنيها والغاء يهوديتها بعمل تشريعي واحد او بالف عمل تشريعي؟"

* يهودية الدولة: "كتبوا ان التجمع يعمل من أجل الغاء الطابع اليهودي لدولة اسرائيل، الدولة نفسها كدولة يهودية وليس كدولة عربية يهودية... لا يوجد أساس، سيدي الرئيس، لهذا الامر. لا يوجد أساس (....) نحن نقول ان دولة اسرائيل هي دولة فيها اغلبية يهودية، دولة تجسد حقها في تقرير المصير."

وهناك نزاعات أخرى. عضو الكنيست هاشم محاميد رئيس "التحالف الوطني التقدمي" استفاض في لقاء مع "كل العرب" نهاية الأسبوع، حول حيثيات خلافه ونزاعه مع الحركة الاسلامية، ومع سلمان أبي أحمد، المرشح الثالث، وعبد المالك دهامشة، المرشح الأول. كما تطرق محاميد إلى قصة يرويها للمرة الأولى. ففي العام 1998، عند انشقاقه عن "الجبهة"، كان متفقًا مع رامز جرايسي وأديب أبو رحمون وغيرهم من "جبهة الناصرة" على الانسحاب معًا وتشكيل حركة جديدة، ولكنهم لم يفعلوا ذلك وخرج لوحده في النهاية...

باختصار، الأجواء ساخنة، ساخنة جدًا، وقد تؤدي في حالة تأزمها إلى إزدياد عدد الذين لن يخرجوا للتصويت من العرب، بسبب ممارسات الأحزاب المختلفة. لذلك تبدو الهدنة في هذه الأيام في مصلحة الجميع، بالضرورة...

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, جمال زحالقة, دولة اسرائيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات