المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كما كان متوقعًا، رفضت المحكمة المركزية في تل ابيب الاثنين طلب تمديد إعتقال الناشطة اليسارية، طالي فحيمة، حتى نهاية الاجراءات القضائية ضدها. وقال قاضي المحكمة إن التهم الموجهة ضد طالي فحيمة لا تشكل خطورة تبرر إستمرارية الإعتقال، وتم نقل طالي فحيمة للاعتقال المنزلي بضمانة مالية تقدر بعشرات آلاف الشواقل.

اعتقلت فحيمة في التاسع من آب واخضعت للتحقيق المكثف معها، وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تتمكن من جمع أدلة تربطها بالتهم المنسوبة إليها، إلا أنها استمرت في اعتقالها إداريًا في سجن "نفيه ترتسا" للنساء مستمرة في الوقت نفسه في تعذيبها بصورة قاسية للغاية.

القضية!

قضية الناشطة اليسارية طالي فحيمة (التي لم يعرف أحد عن يساريتها من قبل) التي احتجزت على يد "الشاباك" قبل خمسة أشهر ونصف الشهر وسجنت إداريًا تطرح الكثير من الاسئلة في كل ما يتعلق بتعامل جهاز الأمن العام "الشاباك" الاسرائيلي مع المتهمين. فقد أثبت هذا الجهاز أن الاتهامات التي ينسبها للمتهمين"الأمنيين" تبتعد عن الواقع. وإذا نزحنا بالاضواء إلى الماضي القريب سنجد أن قضية الشيخ رائد صلاح وزملائه من الحركة الاسلامية تعتبر خير دليل على هذا، فقد نُسبت إلى صلاح مئات التهم الأمنية الخطيرة، لكن المدعي العام والدفاع توصلا الى إتفاق بينهما يسجن بموجبه الشيخ رائد 46 شهرًا فقط (ما تبقى له ستة اشهر)، ولو حوكم صلاح عن كل التهم الموجهة إليه لقضى كل حياته داخل الزنزانة.

وهذا ما يتوقعه أيضًا الكثير من المعلقين القضائيين في قضية الناشطة اليسارية طالي فحيمة، وعلى ما يبدو ستكون القضية الثانية في هذا العام التي من الممكن أن يتمخض الجبل فيها ويلد فأرًا.

البداية واضحة، فقد قدمّت النيابة العامة الاسرائيلية لائحة إتهام ضد طالي فحيمة تبتعد عن الإتهامات التي نسبت إليها، ولم يمنع هذا صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي من نشر تقرير موسع حول قضية طالي فحيمة تحت عنوان "عدوة الشعب"، على الرغم من أن "يديعوت احرونوت" على علم ويقين بأن لائحة الاتهام المقدمة ضد طالي فحيمة تبتعد هي أيضًا عن هذه الاتهامات الخطيرة، فلم يحكم القضاء بعد بأن فحيمة هي "عدوة الشعب".

إستعرضت "يديعوت أحرونوت" مراحل التحقيق المختلفة التي مرّت بها فحيمة، وإشتمل التقريرعلى إقتباسات من التحقيق معها. فقد تعرضت لمعاملة سيئة وتذكير بطفولتها الصعبة وتعذيب وعدم إتصال مع العالم الخارجي. وقد منعها المحققون من مشاهدة أو التحدث مع أحد خلال فترة التحقيق، وتعرضت فحيمة إلى ضغوطات للإعتراف، وقد لاحقها المحققون على أتفه الاسباب وإستنتجوا إستنتاجات غريبة.

لا تخفي "يديعوت أحرونوت" من بين السطور أن قضية طالي فحيمة قضية معقدة ومن الصعب أن تقود محققي "الشاباك" إلى الخيارالذي يبتغونه والتوصل إلى أدلة قاطعة يستطيعون من خلالها تأكيد التهم بالبراهين الحقيقية ضدها. ولكّن محققي "الشاباك" حتى الآن لا زالوا ينتظرون إعترافات من فحيمة بأنها "خانت دولة إسرائيل"، ولكن صحيح حتى هذه اللحظة لم تعترف طالي.

بماذا إتهمت طالي فحيمة!

يدعي المحققون وعلى ذمة "يديعوت أحرونوت" أن طالي فحيمة خططّت لأن تكون "المخربة اليهودية الاولى"، وقد أمر وزير الدفاع، شاؤول موفاز، بسجنها إدارياً لفترة أربعة شهور، أمر يندر حدوثه إلا في حالة كان هذا الشخص يشكل خطرًا فوريًا على الدولة.

جلست فحيمة ساعات طويلة جدًا مع محققي الشرطة والشاباك، وقد ذكرت الصحيفة أن المحققين حققوا مع طالي فحيمة ساعات طويلة، فقد كان التحقيق يبدأ في ساعات الظهيرة وينتهي في ساعات ما بعد منتصف الليل.

لم يرحم المحققون طالي فحيمة لا بل على العكس تمامًا، شتموها وكبلّوا يديها ووصفوها بالارهابية وطلبوا منها أن تعود لتكون "يهودية طيبة". ولكن بعد أربعة اشهر من الاعتقال الاداري وكشف الحقائق تبين حسب "يديعوت احرونوت" أن هذا الإعتقال وهذا السجن ما هو إلا تضخيم كان جهاز الامن العام "الشاباك" مسؤولاً عنه، وقد إستعرضت "يديعوت أحرونوت" لائحة الإتهام التي لا تشتمل إلا على خروقات تبتعد عن أن تكون خطيرة.

إتهمت فحيمة بالدخول الى منطقة أمنية محظورة وإلى منطقة جنين تحديدًا ومن دون أي تصريح. إستعملت فحيمة الرشاش (طراز إم 16) التابع لزكريا زبيدي، قائد شهداء الاقصى في جنين وأعلنت عن أنها ستكون درعًا بشرياً تحميه (زكريا زبيدي) من الاسرائيليين. إتهمت فحيمة أيضًا بأنها قامت بترجمة نصوص عبرية إلى زكريا زبيدي وأصدقائه من "التنظيم". هذه النصوص عبارة عن 60 كلمة إحتوت على وصف لأربعة مطلوبين ووصف لخارطة تقود إليهم. ولم يتبق للنيابة العامة إلا أن تدعي أن هذه الترجمة التي قامت بها طالي فحيمة ساعدت زكريا زبيدي وأعضاء تنظيمه على الفرار من جيش الدفاع الاسرائيلي. وجاء في "يديعوت احرونوت" أن بند الترجمة هو البند الأقوى في لائحة الاتهام ويشكل الموضوع كله، فقد بنى المحققون عليه إتهامًا خطيرًا وهو :"مساعدة العدو في ساعة الحرب".

وقال القاضي في مستهل قراره يوم الاثنين فيما يخص هذا البند: "لو كانت فحيمة هي التي عثرت على المواد التي فقدها الجيش الاسرائيلي، وقامت بترجمتها وبتسليمها لكتائب شهداء الأقصى، لكن ذلك كافيًا لتوفير ذريعة لتمديد اعتقالها، لكن ما شكل خطرًا على أمن الدولة هو حقيقة فقدان الجيش للمواد التي تتهم فحيمة بترجمتها، ولذلك لا وجود هنا لما يثبت بأنها تشكل خطرًا على الجمهور ولا وجود لما يبرر تمديد اعتقالها".

يقول غيدي فايتس ويوفال كارني (كاتبا التقرير) من خلال "يديعوت أحرونوت" عن قضية طالي فحيمة: "لقد تحولت طالي فحيمة غير المنتمية ولا لاي تيار سياسي إلى رمز لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق تعريفه بأنه خائن والخروج ضده".

هذا بالفعل ما قام به المحققون ولكن من دون فائدة. طالي فحيمة لم تفعل ما توقعه المحققون منها وظلّت مصممة على آرائها التي سجنت معها، وقد عملت طالي فحيمة طوال التحقيق بعكس ما توقعه المحققون الامر الذي جعلها في خانة سوداء، وولدت هذه مشادات بينها وبين محققيها، حسب "يديعوت أحرونوت".

الناشطة اليسارية غير المنتمية لليسار!

إعتقد محققو "الشاباك" أن الامور لا تسير على ما يرام مع طالي فحيمة، فهم مؤمنون بأنه لو كانت لطالي فحيمة آراء يسارية متزمتة وتمّ تحديدها على يد "الشاباك" لكن الامر أسهل، لكن القضية هي أن طالي فحيمة غير منتمية ولا لاي تيار سياسي يساري. اليوم، الحركات اليسارية، تضم طالي فحيمة ولكن هل كانت هذه الحركات على علم بتحركات طالي فحيمة؟ الاجابة لا، لأن طالي فحيمة لم تكن معنية ولا بأي جهة.

ولدت طالي فحيمة في كريات جات في جنوب البلاد، عمرها اليوم 28 عامًا، تربت في ظروف عائلية صعبة للغاية، والدها طلّق والدتها عندما كانت طفلة وتربت مع والدتها طيلة حياتها. تعلمت الابتدائية في "كريات جات" ونتيجة للاوضاع الاقتصادية التي حلّت بالعائلة التي تنتمي إليها قررت والدتها ان تدخلها الى مدرسة داخلية تدعى "هداسيم"، وتعلمت من بعدها في مدارس متدينة. وعلى الرغم من التربية الدينية التي تلقتها فحيمة إلا أنها أصرّت وبإرادتها على التجنّد في صفوف الجيش الاسرائيلي. تحرّرت من هناك وقررت من بعدها أن تترك "كريات جات" وأن تستقر في مدينة تل ابيب.

كانت الآراء السياسية لطالي فحيمة يمينية، فقد صوتّت لشارون في الانتخابات الاخيرة وقد أكدت طالي فحيمة للمحققين في غرف التحقيق أنها دعمت شارون لأنها تعرف أنه "رجل حرب".

عملت طالي فحيمة كسكرتيرة في مكتب للمحاماة، وعندما كانت تعود إلى البيت كانت تقضي اوقاتًا كثيرة إلى جانب الحاسوب في البيت.

تعرفت طالي فحيمة (حسب "يديعوت أحرونوت") على الكثير من الاصدقاء العرب أثناء دخولها الانترنت، وقد حافظت على إتصال مع البعض من الشبان العرب الذين يسكنون لبنان والسعودية، وقد قالت طالي فحيمة من خلال التحقيق إنها بدأت تفهم القضية بجانبيها:"عندما بدأت التحدث إلى الاصدقاء العرب عبر الإنترنت، بدأت فهم الحقيقة كما هي، تعرفت على الكثير من الشبّان الفلسطينيين وفهمت أن هؤلاء يعانون جراء الاحتلال الذي تقوم به إسرائيل ضدهم". وأضافت فحيمة لمحققيها: "لقد تعرفت على وجه دولة إسرائيل الحقيقي".

طالي فحيمة في شهداء الاقصى!

بدأت القضية حسب "يديعوت احرونوت" عندما قابل الصحفي العربي علي واكد، من موقع "واينت"، زكريا زبيدي، قائد شهداء الاقصى في جنين، وسأله عن مواقف عديدة شرح زبيدي من خلالها أنه يطمح كثيرًا بالجيرة الحسنة. هذه الاقوال التي قرأتها طالي فحيمة عبر الإنترنت جعلت شخصية زكريا زبيدي مهمة بالنسبة لها. إتصلت طالي فحيمة بالصحفي علي واكد وطلبت منه أن يوصلها بزكريا زبيدي.

إتصل علي بزكريا ورحّب الأخير بالفكرة وتحدث في نفس اليوم ساعات طويلة على الهاتف مع طالي فحيمة. هذا ما جاء عن التعارف بين الاثنين.

طلبت طالي فحيمة من زكريا زبيدي في العام 2004 أن تأتي لزيارته، والاخير رحب أيضًا بالفكرة. وصلت فحيمة إلى الحاجز، إنتظرتها هناك سيارة أجرة نقلتها الى بيت عم زكريا زبيدي. وهناك كان اللقاء.

بطبيعة الحال سأل المحققون طالي فحيمة كيف استقبلت هناك. الاجابة كانت انها تعرضت الى الكثير من الصعوبات لأن كثيرين ظنّوا أنها عميلة لإسرائيل.

فحيمة قالت للذين إستقبلوها في جنين "إن الايام ستثبت لكم أنني لست متعاونة أبدًا"، وعلى حد قولها "هناك من قبل كلامها وهناك من لم يصدقها". وقالت فحيمة ان زكريا زبيدي ساعدها كثيرًا في هذا الشأن وقال إن "الشاباك الاسرائيلي" لا يرسل نساءً.

طالي فحيمة لن تعود ثانية إلى السجن!

في حديث لـ "المشهد الاسرائيلي" أكدت محامية الدفاع عن طالي فحيمة، سمدار بن نتان، أن التهم الموجهة إليها تبتعد كثيرًا عن الواقع: "ما قامت به طالي فحيمة لا يعود بالمخاطر على دولة إسرائيل كما يدعي "الشاباك" وأجهزة الامن العام".

(*) سؤال: كيف تعامل قاضي المحكمة مع بند "مساعدة العدو أثناء الحرب" وقضية الترجمة وإستعمال السلاح؟

- القاضي قال إن هذه البند لا يشكل خطرًا وإعتبر أن هذه المساعدة كانت في سياق الحد الأدنى لمساعدة العدو. طالي فحيمة لم تنقل هذه المستندات وترجمتها لا بل هي كانت موجودة هناك وترجمت. أما بالنسبة لإستعمال السلاح فهذه قضية أخرى، وأنا أعتبرها نكتة لأنها تناولت السلاح وإستعملته لدقائق أو ثوانٍ وليس أكثر.

(*) هذه ليست القضية الاولى التي يستعمل "الشاباك" من خلالها وسائل تنكيل ضد المعتقلين، ماذا فعلت أنت في هذا الشأن فيما يتعلق بطالي؟

- نعم هذه ليست المرة الاولى وعلى أجهزة "الشاباك" ألا تربط ما تعتقد بأنه صحيح بالمجريات الحقيقية، هم يعيثون في هذه القضايا من دون الاخذ بعين الإعتبار الكثير من المعايير والاعتبارات. أنا آمل أن لا تعود هذه الحالات على نفسها، وآمل أن يكون الجهاز القضائي مانعًا لهذه الحالات.

(*) هل قدمتم شكاوى فيما يتعلق بقضية التعذيب أو التنكيل أثناء التحقيق؟

- عندما يتواجد متهم في قفص الشاباك مع أربعة محققين فما الذي من الممكن فعله؟ كان هناك تنكيل، فطالي فحيمة تعرضت للكثير من الكلام القاسي وغير ذلك، ونحن بدورنا قدمنا شكاوى عديدة في هذا الصدد وآمل أن يأخذ القضاء مجراه.

(*) ماذا تتوقعين ان تكون فترة حكم فحيمة؟

- أنا أعتقد أن طالي سجنت قرابة الستة أشهر، وقد إعترفت بالتهم الموجهة إليها من قبل الشاباك في كل ما يتعلق بالدخول الى منطقة محظورة وما شابه التي لا تشكل خطرًا على الدولة. أنا اؤمن أن الفترة التي قضتها في السجن هي تتمة للحكم. وأنا اعتقد أن طالي فحيمة لن تعود للسجن أبدًا.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات