المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*خطوة باراك "المفاجئة" عززت ثبات حكومة نتنياهو كما عززت حقيقة أن التركيبة البرلمانية الحالية هي أكبر داعم لهذه الحكومة * رغم أن الانشقاق ضرب القوة البرلمانية لحزب "العمل" إلا أنه شكل فرصة للجم تدهور الحزب وتثبيت بقائه على الساحة السياسية * نهوض العمل بحاجة إلى خطاب سياسي واضح وعودة نجوم سياسية سابقة إليه*

*خطوة باراك "المفاجئة" عززت ثبات حكومة نتنياهو كما عززت حقيقة أن التركيبة البرلمانية الحالية هي أكبر داعم لهذه الحكومة * رغم أن الانشقاق ضرب القوة البرلمانية لحزب "العمل" إلا أنه شكل فرصة للجم تدهور الحزب وتثبيت بقائه على الساحة السياسية * نهوض العمل بحاجة إلى خطاب سياسي واضح وعودة نجوم سياسية سابقة إليه*

كتب برهوم جرايسي:

أجمعت الأوساط الإسرائيلية من سياسية وإعلامية وغيرها على أن خطوة انشقاق وزير الدفاع إيهود باراك عن حزب "العمل" الذي ترأسه كانت مفاجئة للجميع، وأنه خطط لهذه الخطوة بعقليته العسكرية كأنه يخطط لعملية عسكرية محضة طغت عليها السرية، ونجح في هذا على الرغم من التغلغل الإعلامي حتى في أصغر زاوية في الحلبة الإسرائيلية.

في المقابل، ومن حيث الجوهر فإن هذا الانشقاق غير المتوقع لم يخل بتوقعات ثبات حكومة بنيامين نتنياهو حتى الموعد القانوني للانتخابات البرلمانية في خريف العام 2013، أو على الأقل، أن حكومة نتنياهو ستكون الأطول عمرا من حكومات السنوات الخمس عشرة الأخيرة، فإن لم تصمد حتى أواخر 2013، فإنها على الأقل ستنهي العام 2012 وهي في سدة الحكم، وذلك لأن فرضية بقاء الحكومة كانت مبنية على التوازنات البرلمانية، وعلى تكتل نواب اليمين المتشدد ألـ 65، الذي لا يوجد أي مؤشر على أي انشقاق سياسي فيه، رغم أن كتلة من أربعة نواب من هذا التكتل، أي كتلة "هئيحود هليئومي" (الاتحاد الوطني) اليمينية المتشددة، بقيت خارج الائتلاف الحكومي، ولكنها تدور في فلكه، ويقال إن نتنياهو يعتقد أن الفرصة سانحة له بعد انشقاق باراك لضم هذه الكتلة، ولكن هذا أمر سابق لأوانه، كما أن الحديث عن أن نتنياهو استأنف محاولاته لشق حزب "كاديما" بزعامة تسيبي ليفني، ورغم أنه أمر غير مستبعد، إلا أنه من السابق لأوانه التكهن بنجاح هذه الخطوة المفترضة.

ويجمع المراقبون، منذ اللحظة الأولى للكشف عن خطوة باراك الانشقاق عن الحزب الذي يتزعمه، على أن هذه الخطوة كفيلة بضمان ثبات حكومة نتنياهو لفترة أطول، فهذا الانشقاق كان على خلفية سياسية كشف فيها باراك أكثر من ذي قبل عن حقيقته السياسية اليمينية الرافضة من حيث الجوهر لآفاق الحل الدائم للصراع.

ففي خطابه أمام الصحافيين لدى الإعلان عن خطوته السياسية بالانشقاق عن حزبه، مرر باراك رسائل سياسية لم يتوقف عندها الإعلام الإسرائيلي، فهو انتقد كثرة المطالبة في حزب "العمل" بالانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو، مدعيا أن هذه المطالبات هي التي تعرقل التقدم بالعملية التفاوضية، وفي نفس الوقت انتقد ما أسماه "انحراف" الحزب نحو "اليسار"، ونحو "مرحلة ما بعد الصهيونية"، موضحا أنه يريد العودة إلى تقاليد حزب "المباي".

و"مباي" هو الاسم الأول لحزب "العمل" اليوم، حينما قاد إسرائيل بشكل منفرد تقريبا على مدى 29 عاما بعد العام 1948، وقاد هذا الحزب جميع الحروب الاحتلالية الإستراتيجية في العقود الثلاثة الأولى.

وحينما ينتقد باراك "انحراف الحزب نحو اليسار" وفق مفاهيمه، ويقول إنه يريد العودة إلى حزب "مباي"، فإن هذا يتضمن رسالة واضحة بقراره الكشف كليا عن حقيقته السياسية، والانتساب علنا إلى معسكر اليمين المتشدد، فحزب "مباي" رفض دائما التسوية والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو صاحب سياسة "اللاءات" وغيرها.

وهذه الأجندة ليست جديدة، بل هي أجندة باراك الحقيقية حينما تسلل إلى حزب "العمل" وبات رئيسا للحزب ورئيسا لحكومته في العام 1999، وحينما سرّع المفاوضات في العام 2000 على المسارين السوري والفلسطيني، كان يهدف إلى تفجيرها بذرائع مختلفة وهذا ما حصل، وهو ما قاد إلى الانفجار الكبير الذي خطط له، ليسلم الحكم بعد ذلك إلى الليكود بزعامة أريئيل شارون.

وحتى في فترة حكومة إيهود أولمرت كان باراك يسرّع تواقيعه على أخطر المشاريع الاستيطانية كي يعرقل المفاوضات، وهو أكثر رئيس حكومة ومن ثم وزير دفاع وقع على مخططات استيطانية في العقد الماضي.

وحتى الآن ليس واضحا أي مستقبل سياسي سيكون لكتلة "عتسماؤوت" (استقلال) التي شكلها باراك، وهل سيحولها إلى حزب يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، أم أنه سيلجأ إلى إطار سياسي قائم، مثل الليكود، أو حتى سيلجأ إلى إطار آخر قد يتبلور لاحقا، مثلا وعلى سبيل الافتراض لا أكثر، حزب يبلوره الزعيم السياسي السابق لحزب "شاس" الأصولي آرييه درعي؟.

لكن السؤال الأبرز في هذه المرحلة ليس مستقبل باراك، وإنما مستقبل حزب "العمل".

آفاق الحراك

في "العمل"

كان الانطباع السائد في أوساط المراقبين والمحللين أن خطوة باراك هذه ستعيد "الأمل" لحزب "العمل" ليستعيد بعضا مما تبقى من قوة حزبية لديه، أو أن يكون فاتحة لمرحلة تجدد، وهذا الانطباع الذي وصل إلى حد مقال هيئة التحرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ينقصه الكثير من المقومات كي يتحقق، ولكن حتى لو تحقق، فإن الحديث لا يجري عن انقلاب، بمستوى الانقلاب الذي حصل في قوة حزب "الليكود" في انتخابات العام 2009، حينما قفز من 12 مقعدا إلى 27 مقعدا.

وأول هذه المقومات، هي مدى وحدة الحزب بعد الانتخابات الداخلية التي ستجري بعد عدة أشهر، ولا يزال من الصعب توقع نتيجتها، خاصة وأن هناك عددا من المرشحين المعلنين، وليس واضحا من الذي سيبقى للمنافسة الحقيقة، ومن ثم في المنافسة الأخيرة، في حال انتقلت الانتخابات للجولة الثانية.

وضمان وحدة الحزب وبقاء جميع المتنافسين فيه سيعزز الاعتقاد أمام الرأي العام المحلي أن الحزب يخط طريقا جديدا، أكثر تراصا من ذي قبل.

إلى ذلك فإن من هذه المقومات أيضا مضمون وجوهر الخطاب الذي سيبثه الحزب بعد خروجه من الحكومة، خاصة وأن خطاب "العمل" تمير في السنوات الـ 12 الأخيرة بكثير من التلعثم السياسي، فهل سيوضح خطابه السياسي في القضية المركزية، وهي قضية حل الصراع، إلى حد يميزه عن حزب "كاديما" الذي اقتطع منه أجزاء واسعا من جمهور ناخبيه، وهو لا يزال يهدد "العمل" بسحب أصوات أخرى منه في الانتخابات المقبلة؟.

ويعاني حزب "العمل" من غياب النجوم السياسية التي من شأنها أن تجذب أصواتا أكثر، خاصة وأنه في العقد الأخير هاجر الكثير من هذه النجوم، وبالذات في السنوات الأخيرة، فحزب "العمل" يعاني من فجوة في الأجيال، بسبب سيطرة الرعيل الأول لفترة طويلة، في حين أن الجيل الشاب الذي تقدم إلى الصفوف الأولى في الحزب لم يصمد كثيرا، وغالبيتهم الساحقة تركت السياسة وانتقلت إلى قطاعات عمل أخرى.

ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستقرر شخصيات كانت بارزة في حياة الحزب ولها موقعها بالعودة إليه، وأولها أوفير بينيس، الذي غادر الكنيست قبل نحو عام، على خلفية بقاء الحزب في حكومة نتنياهو، ولحقت به النائبة يولي تامير لنفس السبب؟، وهل سنرى رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ، الذي يكثر في الحديث عن ضرورة إنشاء إطار سياسي جديد ويحاول فحص فرصه في هذا المجال، يعود إلى صفوف "العمل"؟.

وهناك أسماء أخرى ليست قليلة ومنها الذي غاب كليا عن الحلبة السياسية، ولكن بعودتها قد تزيد الانطباع بأن الحزب بات أكثر في طريق العودة إلى مجده السابق، والى جانبها هناك مجموعة قيادة الثمانينيات وحتى التسعينيات، وهي مجموعة من الوزراء السابقين، الذي غادروا الكتلة البرلمانية ولكنهم واصلوا العمل في هيئات الحزب وجميعهم في سنوات السبعين من عمرهم، ولكن ظهورهم للواجهة من دون عودتهم إلى البرلمان قد يشجع أكثر على دفع الحزب إلى الأمام.

بمعنى أن حزب "العمل" بحاجة أيضا، عدا تنظيم نفسه، إلى أن يعمل على لملمة الهيكلية الحزبية، التي عرفها الشارع الإسرائيلي حتى قبل عقد من الزمن، وكان حزبا يتناوب على السلطة.

يحتاج إلى

دورة أخرى

بطبيعة الحال، فإن حزب "العمل" ليس على أبواب انقلاب حاد، وانقلاب كهذا يحتاج إلى خطوات غير تقليدية، وما يمنع انقلابا كهذا في قوته هو وجود حزب "كاديما" الذي على الرغم من يمينية أعضائه إلا أنه سد الفراغ لدى جمهوره السياسي الوسطي، ومشكلة "العمل" أمام "كاديما" قد تكون أكبر منها أمام "ميرتس" اليساري، أو أمام الليكود اليميني.

غير أن استطلاعات الرأي العام، وتحت تأثير الضجة الإعلامية، لجمت قليلا تدهور الحزب، وللمرة الأولى منذ حوالي 18 شهرا عاد حزب "العمل" ليحصل وفق هذه الاستطلاعات على ما بين 9 إلى 10 مقاعد، بدلا من 6 إلى 8 مقاعد، على الرغم من أن لديه اليوم 13 مقعدا، وإذا قلنا إن هذه استطلاعات متسرعة جرت في أيام ساخنة، ولكنها بالذات لحزب "العمل" تكشف توجها ما لدى أوساط في الشارع الإسرائيلي.

وأكثر من ذلك، فإن تأخر الانتخابات لأكثر من عامين من الآن سيكون لصالح حزب "العمل" بعد سلسلة الضربات التي تلقاها في العقد الأخير، كي يعيد بلورة ذاته في صفوف المعارضة، ويسعى إلى استنهاض قوى وجماهير أبعدت نفسها في السنوات الأخيرة عن العملية الانتخابية، بدافع الإحباط السياسي وغياب عنوان سياسي لها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات