المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*استطلاعات الرأي تمنح حزب "العمل" 6 مقاعد * تهديدات الحزب بالانسحاب من الحكومة بسبب فشل المفاوضات لا قيمة لها وانتقاله إلى المعارضة لن ينقذه من ورطته*

*استطلاعات الرأي تمنح حزب "العمل" 6 مقاعد * تهديدات الحزب بالانسحاب من الحكومة بسبب فشل المفاوضات لا قيمة لها وانتقاله إلى المعارضة لن ينقذه من ورطته*

ما كشف عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، بشأن نهج وزير الدفاع وزعيم حزب "العمل" الحالي إيهود باراك، لم يكن مفاجئا لأحد، بل جاء تأكيدا لكل ما كان ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أكثر من ثلاث سنوات على لسان "مصادر" متنوعة، ولكن ما نجحت هذه التصريحات في كشفه هو مدى الأزمة الشخصية التي يواجهها باراك في داخل الحزب، فحلفاء الأمس ابتعدوا عنه بعد أن استوعبوا عمق أزمة حزبهم المتهاوي، إذ لم يقف إلى جانبه سوى المدير العام للحزب، الذي استحضره باراك وأسند له وظيفة براتب دسم.

وكان أولمرت قد كشف في الأسابيع القليلة الماضية، في مذكراته، أن باراك كان لحوحا عليه في مطلع العام 2006 إذ أراد الانضمام إلى حزب "كاديما"، الذي أسسه رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، في أواخر العام 2005، وقبل أن يسقط في غيبوبة ما زال غارقا فيها حتى الآن. ويصف أولمرت حالة باراك كمن استجداه كثيرا للانضمام إلى "كاديما"، إذ إنه كان في ذلك الحين خارج صفوف حزب "العمل" أو كان نشاطه مجمدا.

ويؤكد أولمرت في مذكراته ما كان يشاع في وسائل الإعلام الإسرائيلية في نهاية العام 2006، بأن باراك كان يتآمر على من كان رئيسا لحزب "العمل" ووزيرا للدفاع عمير بيرتس، في أعقاب "إخفاقات الحرب على لبنان"، إذ إنه سعى لدى أولمرت كي يطيح بيرتس من منصبه، ويعينه بدلا منه.

ويقول أولمرت: توجه إليّ باراك قبل تعيينه مرات كثيرة بطلبات وإلحاحات كي أقيل عمير بيرتس وأعينه بدلا منه، وزعم أن بيرتس لا يلائم المنصب وأن تعيينه بدلا منه سيعطي الحكومة شيئا من الثقة بها.

ويضيف أولمرت: كنت مندهشا جدا من إظهار عدم الإخلاص هذا، وسألت بدافع الفضول عددا من كبار مسؤولي حزب باراك عن رأيهم في الاقتراح الذي يعرضه، وقد أكد جميع الوزراء، بمن فيهم مؤيدو باراك في الحزب، أنهم سيستقيلون من الحكومة في حال جرت الإطاحة ببيرتس قبل انتخابات رئاسة حزب "العمل". ويقول أولمرت إن باراك لم يهدأ ولم يقبل بالتفسير، بل واصل مساعيه لتنفيذ مخططه. بمعنى آخر فإن أولمرت عرض باراك كشخص يعمل ضد حزبه من أجل منصبه هو، وهذا عزز أكثر الانطباع العام عنه في الشارع الإسرائيلي بأنه شخص غير صادق بشكل خاص، ولربما أن ما خفف عنه في هذا المشهد بالذات هو أن الشهادة هذه المرّة تأتي من شخص يجلس في قفص الاتهام في سلسلة قضايا فساد، وهو أيضا لا يحظى بشعبية في الشارع الإسرائيلي، ففي استطلاع نشر في مطلع الأسبوع الجاري، قال 26% من المستطلعين إنهم يثقون بما قاله أولمرت عن باراك، مقابل 23% ناصروا باراك.

لكن المشهد الملفت للنظر هو أن أحدا من قادة "العمل"، وبشكل خاص أولئك الذين كانوا يوما محسوبين على معسكر باراك، وحتى من كانوا العراب لعودته إلى رئاسة الحزب، لم ينبس ببنت شفة مدافعا عنه فقد ملأوا أفواههم بالماء، وتركوا باراك يواجه أولمرت وحده، رغم أنه اتبع خط الاستخفاف بما يقوله أولمرت، في حين أن الأخير وفي عرضه مذكراته تحدى بأن كل ما يكتبه موثق، وبالإمكان الاطلاع على الوثائق.

ولم يتوقف المشهد عند حالة الصمت، فقد خرج نائب وزير الدفاع، متان فلنائي، الذي يعتبر الشخص الأقرب يوميا وعمليا لإيهود باراك، ليقول لوسائل الإعلام إنه ما من مفر أمام حزب "العمل" إلا خوض الانتخابات المقبلة ضمن قائمة "كاديما".

وبعد يوم أو يومين أبرزت وسائل الإعلام صورا للوزيرين شالوم سمحون وإسحاق هرتسوغ، اللذين ربطتهما علاقات مميزة على مدى سنوات بباراك، وهما يجريان محادثة مع أولمرت في حفل عام، وقد طغى على المحادثة ضحك وابتسامات، وكان هذا بعد أيام قليلة جدا من نشر أولمرت مقاطع من مذكراته.

والى جانب هذا، كانت وسائل الإعلام تتساءل: أين سمحون وأين هرتسوغ، وأين الوزير بنيامين بن اليعازر، وأين النائبة شيلي يحيموفيتش، وأين رئيس الهستدروت عوفر عيني، الذين كانوا الحلقة الأقوى التي مهدت وحققت فوز باراك على رئيس الحزب السابق عمير بيرتس.

الانهيار متواصل

لا يلمس أحد في الحلبة السياسية وجود حزب "العمل" فيها، فالمؤسسات ربما تجتمع مرة واحدة في العام بحضور الثلث وأقل، واستطلاعات الرأي تشير تباعا إلى انهيار متواصل في شعبية الحزب وفرصه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكان آخر هذه الاستطلاعات ما نشرته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مساء الأحد الأخير، وظهر فيه أنه في أي انتخابات مقبلة فإن حزب "العمل" سيحصل على ستة مقاعد من أصل 13 مقعدا له اليوم، بمعنى أنه سيتدهور من حضيض إلى حضيض.

ولأن الاستطلاع لم يعرض كل الأحزاب بل اقتصر على "كاديما" الذي سيتصدر بثلاثين مقعدا والليكود- 27 مقعدا و"إسرائيل بيتنا"- 14 مقعدا، فإن حصول "العمل" على 6 مقاعد قد يجعله في المرتبة الثامنة بين الكتل البرلمانية، إذا أخذنا بعين الاعتبار حزب "شاس" وتكتل المستوطنين في حال توحدت أحزابهم، ولربما حتى أن تتساوى مقاعد "العمل" بمقاعد "ميرتس".

والاعتقاد هو أن قادة حزب "العمل" استوعبوا ورطتهم الآن أكثر من ذي قبل، فمرور 18 شهرا على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يعني وفق معدل عمر الدورات البرلمانية في العقد الأخير، أننا قطعنا "نصف عمر الدورة الحالية"، على الرغم من أنه لا يوجد أي مؤشر للتوجه إلى انتخابات مبكرة، والتقديرات ما زالت تؤكد أن هذه الدورة البرلمانية قد تكون الأولى منذ العام 1988 التي ستكمل سنواتها القانونية.

وهذا يعني أن قادة "العمل" بدأوا يعدون العدة ويحسبون ألف حساب للانتخابات المقبلة، وكما يبدو فإن الحزب أجرى هو أيضا استطلاعات رأي عرف فيها وضعيته، وما يعزز هذا الاستنتاج هو ما قالته محللة الشؤون الحزبية في القناة الثانية رينا متسليح، لدى عرضها الاستطلاع، بأن باراك اتصل بالوزراء وقال لهم إنه في حال حصلت قفزة في المفاوضات المباشرة، فإن هذا سيعزز مكانة الحزب، بمعنى أن باراك عرف مسبقا بنتائج الاستطلاع وسعى إلى تهدئة زملائه.

نشير هنا إلى أنه على مر السنين لم يكن إثبات واحد، لا بالانتخابات ولا بالاستطلاعات، يشير إلى أن الرأي العام في إسرائيل يربط حزب "العمل" بالعملية التفاوضية، أو أنه يعتبره المنقذ والقادر على التوصل إلى حل، وهذا لأن التجربة معه، خاصة تلك التي كانت برئاسة باراك ذاته، تؤكد أنه غير قادر على شيء في هذا المجال.

إن فوز "العمل" بستة مقاعد يعني أن أكثر من نصف أعضاء الكنيست والوزراء الحاليين من الحزب لن يكونوا في الدورة المقبلة، وهذا من شأنه أن يؤجج الأزمة أكثر، ولهذا يُطرح السؤال بينهم إلى أي سنتجه؟.

ومن السابق لأوانه طرح فرضيات المستقبل، ولكن بنتائج استطلاع كهذا فإن حزب "كاديما" ذاته، المقبل على منافسة حامية جدا على رئاسة الحزب، سيسأل حزب "العمل" ما الذي ستقدمه لنا في الانتخابات المقبلة، فإذا كانت استطلاعات الرأي "تبشر" بحصولك على 6 مقاعد، وأنا من دونك سأحصل على 30 مقعدا، فكيف سأدمج كل مقاعدك في اللائحة الأمامية؟. كذلك، فإن استمرار بقاء باراك على رأس الحزب لن يشجع أحدا على التحالف معه، وهذا بالفعل سيؤجج حالة القلق في الحزب.

كل الخيارات مؤلمة

نسمع كثيرا عن تهديدات وزراء في حزب "العمل"، بأنه إذا لم يحصل تقدم في المفاوضات فإنهم سيوصون حزبهم بالانسحاب من الحكومة، والسؤال متى؟ هل وضعوا جدولا زمنيا؟ الجواب كلا، وهل يمكن أن يضعوا جدولا زمنيا يضغط حكومتهم؟ الجواب المنطقي هو كلا، لأن الشارع لن يقبل هذا، كذلك فإن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في الظروف المحلية والإقليمية والعالمية، لن يبادر للإعلان عن وقف المفاوضات، فهو أصلا ليس بحاجة لإعلان كهذا.

بمعنى آخر، فإنه حتى لو ضاق الحزب ذرعا من المماطلة في المفاوضات بعد عدة أشهر، فإنه لا يستطيع اتهام حكومته بالمماطلة أو بأنها السبب في تعطيل المفاوضات، فالشارع الإسرائيلي يرى باتهامات كهذه إضعافا لحكومته على الساحة الدولية وفي المفاوضات.

ولذا فإن تهديدات حزب "العمل" بالانسحاب تبقى حاليا تهديدات فضفاضة لا قيمة لها، وكان من الممكن أن تكون ذات وزن لو أنها صدرت عن حزب كبير قادر على تسلم السلطة بعد أي انتخابات مقبلة، أي كما فعل حزب "العمل" ذاته في العام 1990، حين انسحب من حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة إسحاق شمير، ومهّد للعودة إلى الحكم في ربيع العام 1992، ولكن هذه الحالة باتت في خانة "كان يا ما كان".

من جهة أخرى، لنفترض أن حزب "العمل" تجرأ وقرر الانسحاب من حكومة نتنياهو، وجلس في مقاعد المعارضة، فهناك أيضا سيكون حزب ظل، بعد حزب المعارضة الأكبر "كاديما"، الذي يغلب الاعتقاد أنه في حال انسحاب "العمل" لن يسارع هو أيضا للانضمام إلى حكومة نتنياهو، مستفيدا من دروس حزب "العمل" الذي ذوبته مشاركاته في حكومات الليكود المتعاقبة منذ العام 2001، وخلالها حكومة "كاديما"، بمعنى أنه حتى في مقاعد المعارضة فإن حزب "العمل" لن ينجح في تحقيق قفزة ما، أو أن يعيد بعضا من شعبيته.

وهل هناك خيار؟

الخيار الوحيد أمام حزب "العمل" قد يكون فقط بعد الانتخابات المقبلة، وبعد أن يتلقى الضربة القاصمة الأخرى، ففي حال صدقت توقعات سلسلة استطلاعات الرأي التي تصدر تباعا منذ 18 شهرا، فإن الحزب سيتلقى الضربة القاصمة التي ستقرّبه من خط النهاية السياسية.

وكافتراض نقول إنه في نتيجة كهذه يكون من صوت لحزب "العمل" هم مصوتون تقليديون للحزب، أو شريحة لا تزال تؤمن بطريق الحزب، التي باتت ضبابية إلى أقصى الحدود، ولكن هذا الكم من الأصوات بالإمكان اعتباره نواة صلبة، صوتت للحزب في أحلك الظروف.

ومن هنا يستطيع من تبقى في الحزب العمل على حله وبناء إطار جديد بين أوساط اليسار الصهيوني، مثل حركة "ميرتس"، التي قد تستفيد قليلا من تراجع حزب "العمل"، ويجري بناء معسكر يسار صهيوني جديد قد يساهم في استنهاض مجموعات هامدة وحتى خامدة ممن كانت تؤمن باليسار الصهيوني ودفعها الإحباط للوقوف جانبا، إلى درجة الإحجام عن المشاركة في التصويت، فليس صدفة أن نسبة التصويت في منطقة تل أبيب الكبرى هي من أقل النسب في إسرائيل.

وهذا يبقى مجرد افتراض وسيناريو واحد من سلسلة سيناريوهات، فحزب "العمل" لم يعد مهما على الساحة السياسية، وهو مجرد "حكاية" في الحلبة السياسية، وإذا كان ثمة سؤال هام حوله حتى الانتخابات المقبلة، فهو: من سيستفيد من تراجع قوته؟ والجواب لدى كثيرين هو: "كاديما" و"ميرتس".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات