المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ومع انتهاء أربع سنوات، فإن حكومة نتنياهو تعود طالبة الثقة من الناخب، مع مشهد في الميزانية مقلوب بـ 180 درجة عما كان لدى توليها الحكم

بقلم: ميراف أرلوزوروف (*)

اندلعت الأزمة المالية العالمية بكل قوتها في شهر أيلول من العام 2008، مع انهيار بنك الاستثمارات الأميركي "ليهمان برذرس"، وحتى لحظة الأزمة الرهيبة هذه، أدير الاقتصاد الإسرائيلي بنجاح خارج عن المألوف. فقد نجحت حكومة إيهود أولمرت، مع وزير ماليتها روني بار- أون، في أن تنهي العام 2007، بتوازن في الميزانية العامة، وبدأت العام 2008 مع فائض في الميزانية... نعم مع فائض في الميزانية.

وبطبيعة الحال فقد احترقت كل الأوراق في شهر أيلول 2008، وتحول فائض الميزانية في مطلع العام 2008 إلى عجز صغير بنسبة 2ر2%، وبالتأكيد فإن العجز كان مرضيا على ضوء حالات العجز الضخمة التي ظهرت في ميزانيات دول أخرى في العالم.

وهذه هي التركة التي تلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، التي بدأت ولايتها في شهر نيسان من العام 2009. دولة كان فيها عجز مالي رسمي قليل، ولكنها أدارت ميزانيتها كما لو أن لديها فائضا ماليا.

ومع انتهاء أربع سنوات، فإن حكومة نتنياهو تعود طالبة الثقة من الناخب، مع مشهد في الميزانية مقلوب بـ 180 درجة عما كان لدى توليها الحكم: فحتى نهاية أيلول 2012، أدارت الحكومة الميزانية بعجز بنسبة أكثر من 4%، ويجري الحديث على عجز بلغ ضعفي العجز الذي وضعته الحكومة الحالية لميزانية العام الحالي 2%، وهو العجز الأكبر في العقد الأخير، رغم انه ليس عام أزمة، وفقط في عامي الأزمة الاقتصادية القاسية 2003 و2009 كان العجز أكثر من 4%.

تعالوا نسمي الولد باسمه: بنيامين نتنياهو تسلم دولة مع انضباط باهر في إدارة الميزانية العامة، وأعادها مع غياب انضباط وانفلات في إدارة الميزانية. فالسيد الاقتصادي (نتنياهو) نجح في توجيه الاقتصاد الإسرائيلي إلى الخلف، وبهذا فإن السياسة الاقتصادية المثيرة للانطباع الإيجابي تحولت إلى سياسة ميزانية فاشلة.

بشكل حازم نقول إن هذا هو الفشل الاقتصادي الأكبر لحكومة بنيامين نتنياهو، وبعد أربع سنوات من الحكم، ما من شك في أن مسؤولية الفشل تقع فقط على عاتق الحكومة الحالية.

للنجاح آباء كُثر، ولكن في هذه الحالة فللفشل أيضا آباء كُثر، فقبل كل شيء، علينا أن ننسب فشل إدارة الميزانية لوزارة المالية، التي وقعت في العامين الأخيرين في سلسلة من الأخطاء المهنية الفظة، التي سمحت بأن تظهر الميزانية بهذا الشكل.

وأحد الأخطاء كان تقديرات لا أساس لها، بزيادة مداخيل الضريبة المتوقعة للعام الجاري 2012، ويجري الحديث على خطأ بأكثر من 20 مليار شيكل (3ر5 مليار دولار)، وخطأ آخر، هو بالتأكيد، القرار الذي اتخذته الحكومة في شهر كانون الثاني 2012، فقد صادقت الحكومة على أقسام من تقرير تراختنبرغ (الذي حاول الرد على مطالب حملة الاحتجاجات الشعبية)، مثل تطبيق يوم تعليم طويل وتقديم دعم لروضات أطفال، وصادقت على اتفاقيات رواتب جديدة للأطباء والمعلمين، وقدمت هذه الميزانيات، اضافة إلى زيادة ميزانية وزارة الدفاع بقيمة 5ر3 مليار شيكل (900 مليون دولار)، وكل هذا مقابل اجراء تقليص في الميزانية العامة.

وفي وقت متأخر، اتضح لأحد ما في وزارة المالية أنه أخطأ في الحساب، وعمليا فإن هذه القرارات جاءت على حساب العجز في الميزانية العامة، بمعنى أن وزارة المالية اخطأت مرتين، فقد طرحت تقديرات مبالغا بها للمداخيل، وقللت في تقديراتها من حجم المصاريف.

إلى ذلك، فإن الخطأ المهني الذي ارتكبته وزارة المالية نابع من الخطأ الواضح في السياسة التي اتبعتها الحكومة ذاتها، فإن حكومة نتنياهو تتباهى بنجاح إسرائيل في مواجهة الأزمة المالية، والنجاح يجب ان يكون منسوبا للتركة الرائعة التي تلقتها حكومة نتنياهو من حكومة أولمرت.

وهي تتباهى أيضا بأنها واجهت الأزمة المالية، في الوقت الذي كانت تواجه فيه ضغط حملة الاحتجاجات الشعبية، وأنها اضطرت إلى اتباع سياسة اقتصادية واسعة ومتنوعة، وكان الشعور بأن كل شيء يسير على ما يرام، فنحن على متن الخيل، والأزمة الاقتصادية تسمح بتوسيع الميزانية العامة، ونحن نسمح لأنفسنا أن نوسع الحزام قليلا.

ليس هذا فحسب، بل إن أحدا لم يجر حسابا دقيقا لحجم الأموال التي اضافها نتنياهو خلال هذه السنة لجهاز الأمن، وأكثر مما أقرته الميزانية العامة. فصحيح أنه في كل عام يقرون ميزانية لوزارة الدفاع، ثم يضيفون للوزارة مبالغ معينة بمليارات الشواكل، ولكن في هذا العام، وبسبب الشعور بالرخاء الاقتصادي والشعور بالتهديدات الأمنية، فقد كانت الزيادات لميزانية الأمن كبيرة جدا، وهكذا تحول توسيع الميزانية إلى مغامرة اقتصادية. ونذكر أن بنك إسرائيل أنذر بأن هذا النهج الثابت خاطئ وخطير.

ولصالح رئيس الحكومة ووزارة المالية نقول إنهم يفهمون الآن أنهم أخطأوا، وهذا خطأ يلزم التصحيح. فقد أقدم رئيس الحكومة على اجراء مهم، وهو رفع الضرائب، وبالذات رفع ضريبة المشتريات، في محاولة لتقليص قليل في العجز، وعلينا أن نُثمّن الشجاعة التي أبداها نتنياهو، وهي خطوة ليست شعبية، والأهم أنه اتخذها عشية انتخابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن رفع الضرائب لم يكن كافيا، لذا فإن التقليص الضخم متوقع أن نراه في ميزانية العام 2013، وبسببه تم تقديم موعد الانتخابات، وهناك مؤشرات إلى أن التصحيح الأكبر للخطأ في الطريق.

لا تتوهموا، فإن تصحيح الخطأ سيكون مؤلما جدا، وهو مؤلم على شكل نصف عام من اللجم في الميزانية العامة: فالأشهر الأربعة الأولى من العام المقبل 2013، ستكون أشهر لجم، بسبب تقديم موعد الانتخابات، وإدارة الميزانية في هذه الأشهر على أساس ميزانية العام 2012، والعجز المالي المتفاقم، والذي كما يبدو سيتجاوز نسبة 4%، سيلزم وزارة المالية بإجراء لجم في الصرف في الشهرين الأخيرين من العام الجاري تشرين الثاني، كانون الأول، وهذا اللجم يعني أن وزارة المالية ستبدأ بالتنكيل بباقي الوزارات، وتمنعها من الصرف، في محاولة تهدف إلى لجم العجز المالي المتراكم بالقوة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أيدي وزارة المالية مقيّدة قضائيا، فهناك مصاريف كثيرة: الرواتب والديون والفوائد، واتفاقيات مبرمة، والتي ليس لدى الحكومة مفر من تنفيذها. ولهذا فإن الحكومة ستضطر في النصف الأول من العام المقبل إلى تقليص بنسبة النصف في البنود التي فيها مرونة، وهي بالأساس المشتريات التي لم يتم التوقيع عليها مع القطاع الخاص.

إن كل المقاولين الذين يعملون مع الحكومة، وكل من يبيع معدات وخدمات للحكومة، من شأنهم أن يواجهوا في النصف الأول من العام المقبل انخفاضا حادا في مداخيلهم، وإذا لا يكفي التباطؤ في الاقتصاد، فإن الحكومة ستزيد من وتيرة التباطؤ في النصف الأول من العام المقبل.

ولا بُد من الاعتراف أن فائدة بنك إسرائيل لا تزال 25ر2%، وعلى الأقل فإن لسياسة الفائدة أدوات للتخفيف من الضائقة الاقتصادية المتوقعة.

_____________________________

(*) محللة اقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات