المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إندلعت في الأيام الأخيرة معركة لم يسبق لها مثيل في ضراوتها، بين الجيش الاسرائيلي وبين وزارة المالية. <<الجيش يهزأ من القانون. الجيش يتصرف وكأنه جيش يملك دولة. الوضع أسوأ من ‘جمهوريات الموز’. الدولة كلها ستنهار في النهاية بسببه>>. هذا جزء فقط من الاتهامات الصعبة والجارفة التي قالها مؤخرًا كبار وزارة المالية، لرئيس الحكومة الاسرائيلية، أريئيل شارون، وأوردتها صحيفة "معريف" في عنوانها الرئيسي (20 شباط).

إندلعت في الأيام الأخيرة معركة لم يسبق لها مثيل في ضراوتها، بين الجيش الاسرائيلي وبين وزارة المالية. <<الجيش يهزأ من القانون. الجيش يتصرف وكأنه جيش يملك دولة. الوضع أسوأ من ‘جمهوريات الموز’. الدولة كلها ستنهار في النهاية بسببه>>. هذا جزء فقط من الاتهامات الصعبة والجارفة التي قالها مؤخرًا كبار وزارة المالية، لرئيس الحكومة الاسرائيلية، أريئيل شارون، وأوردتها صحيفة "معريف" في عنوانها الرئيسي (20 شباط).
وقالت: <<في الجهاز الأمني لا يلتزمون الصمت أيضًا. "الموجود في خطر وجودي هو الجيش الاسرائيلي بالذات، وكل ذلك بسبب تصرف وزارة المالية"، يدّعون هناك. "موظفو المالية لا يفهمون الواقع. من الوقاحة أن يثيروا هذا الموضوع قبل الحرب في العراق بلحظة. هم لا يفهمون أننا في حرب ضد الارهاب، ونستعد للحرب في العراق ويجب أن نكون جاهزين أيضًا لحروب على الجبهات الأخرى. إذا ما حصل فشل أمني أودى بحياة مواطنين، فلن يكون بوسعنا القول إننا لم نملك الميزانيات>>.

* على ماذا يتقاتلون؟

الحرب بين المالية الاسرائيلية والجيش، بموجب تقرير "معريف"، تدور حول الكثير من النقود. الكثير جدًا. خمسة مليارات شيكل على الأقل. وعمّاذا يدور الحديث؟ في المالية يقولون إن ميزانية الأمن للعام 2003، التي صادقت عليها الكنيست في كانون الأول الماضي، تصل إلى 42 مليار شيكل. لكن الجيش يصرف منذ بداية السنة مبالغ ستصل في الحسبة السنوية إلى 47 مليار شيكل. ويبدو أن الجيش لم يسمع عن الركود العميق وعن البطالة الصعبة في المرافق، يقولون في المالية. أحدهم في الجيش قرر ببساطة أن الدولة ستغطي العجز، وستضيف المليارات المطلوبة لميزانية الأمن.

الفارق الكبير والذي يبلغ خمسة مليارات، يُضاف إلى النقص الهائل القائم في ميزانية الدولة أصلاً، والذي يتراوح بين عشرة إلى خمسة عشرة مليار شيكل، وذلك في أعقاب الانخفاض الكبير في المداخيل الضريبية. هذا الأمر يجعل كبار المالية يستشيطون غضبًا. <<الجيش الاسرائيلي ببساطة يهزأ من القانون ومن قرارات الكنيست>>، قال كبار المالية في الأيام الأخيرة، أمام رئيس الحكومة شارون. <<الوضع خطير إلى درجة أن تصرّف الجيش قد يؤدي إلى إنهيار المرافق الاقتصادية>>. إلى هذه الدرجة.

في الجهاز الأمني يعرفون من أين تؤكل الكتف. <<المالية هي التي تؤدي إلى إنهيار أمن دولة إسرائيل>>، يقولون هناك. <<الميزانية التي قررتها المالية هي غير ممكنة أبدًا. ليس لدينا ما يكفي من المال لنشاطات الجيش الجارية. الدولة تريد جدارًا فاصلاً، تريد من الجيش الاسرائيلي أن يحميها من التهديد العراقي، أن يحارب الارهاب في كل جبهة ممكنة، لكنهم يخنقون لنا الميزانية>>.

* هكذا بدأ كل شيء

تعود جذور هذا الصراع إلى شهر حزيران السنة الماضية. في الجهاز الأمني الاسرائيلي توقعوا زيادات على ميزانية 2003 نتيجة للانتفاضة المستمرة، والحرب الوشيكة في العراق والحاجة إلى بناء الجدار الفاصل. لكن رئيس الحكومة، أريئيل شارون، قرر عندها أن يقبل موقف المالية بالذات، وأن يقلّص عدة مليارات من ميزانية الأمن. في نهاية الجدال صودق على ميزانية الأمن والتي بلغت 42 مليار شيكل، مقابل أكثر من 43 مليارًا حصل عليها الجهاز الأمني فعليًا، في العام 2002.

وأدّعِي في الجهاز الأمني أن الحديث يدور عمليًا عن تقليصات بقيمة ستة مليارات شيكل، فيما لو أخذ في الحسبان تأمين المدفوعات التي كان من المفترض أن يحصلوا عليها هذه السنة في أعقاب مصاريف تمت في السنة الماضية، وإلغاء الربط التضخمي. في وزارة الأمن وافقوا على تقليصات بقيمة مليار شيكل فقط، مع أن هذا التقليص هو مؤلم في نظرهم. من أجل ذلك، أعدّوا هناك ميزانية من 47 مليار شيكل. <<بأقل من ذلك لا يمكننا ببساطة أن نعمل>>، ادعوا في الجهاز الأمني.

* رسالة فايسغلاس

وقد وصلت إدعاءات الجيش الاسرائيلي إلى رئيس الحكومة شارون. في الثاني عشر من كانون الأول 2002، بعد مصادقة شارون النهائية على التقليصات في وزراة الأمن، كتب رئيس مكتبه المحامي دوف فايسغلاس رسالةً أوضح فيها موقف رئيسه. وكقضائي متمرس اهتم فايسغلاس بأن يقرأ كل طرف في الرسالة ما رغب في سماعه، مع بعض الزيادة أو النقصان.

<<رئيس الحكومة أمر الجهاز الأمني بالاستعداد لميزانية 2003 وتنفيذ كل التقليصات>>، كتب فايسغلاس في الرسالة التي كشفت عنها "معريف" (20 شباط) بدقة لأول مرة. ومع ذلك، ومن أجل مراضاة رجال الجهاز الأمني سارع إلى القول إن <<الجهاز الأمني مطالب بالامتناع في هذه المرحلة عن المسّ بتركيبة قوات الجيش الاسرائيلي، بأهليّة سلاح الجو، بتجنيد الاحتياط وبفصل عاملين في الجهاز الأمني... ميزانية الأمن ستُجلب إلى نقاش مجدد في الحكومة خلال الربع الأول من سنة 2003>>.

في الجهاز الأمني يرون في هذه الرسالة إذنًا بالعمل بحسب الميزانية التي توفرت لديهم، في الربع الأول في السنة الماضية، أي ميزانية بقيمة 47 مليار شيكل. في وزارة المالية يتميزون غيظاً. <<من الواضح، بحسب رسالة فايسغلاس، أن التقليصات سارية، لكن وزارة الأمن تتجاهل ذلك ببساطة>>، يدّعون هناك.

* يتبادلون الضربات

<<هذا الوضع هو غير مسبوق في تاريخ الدولة>>، يقولون في المالية. <<هذه فضيحة. كان بامكان الجيش أن يلغي مشاريعَ مستقبلية غير مستعجلة، في ضوء الوضع الاقتصادي الصعب اليوم. في الجيش الاسرائيلي لا يفهمون الضائقة الاقتصادية الفظيعة، ولا الانهيار في جباية الضرائب، ويستمرون في العيش في بوتقة>>.

في الجهاز الأمني الاسرائيلي يدّعون، مقابل ذلك، أن هناك شعورًا صعبًا في الجيش الاسرائيلي، حول وضع طوارئ إقتصادي حقيقي. إلغاء السفرات إلى خارج البلاد وتجميد شراء سيارات أصبحا سارييْ المفعول. وبحسب شهادات من الميدان، فإن التقليصات في وحدات الجيش أدت حتى إلى تقليل الوجبات الغذائية المرسلة إلى الوحدات في الجبهات الداخلية. في معسكرات المتدربين الجدد هناك حتى نقص في الخبز. وفي سلاح البحرية يروون عن سفن لم تخرج إلى التدريبات بسبب النقص في السولار. وقد جُمدت كل تدريبات جنود الاحتياط على مدار سنة 2003.

<<هذا ببساطة غير كافٍ>>، يردّون في المالية. <<لو فهموا في الجيش خطورة الوضع حقًا، لكنا رأينا الضباط الكبار يسافرون إلى خارج البلاد في قسم السائحين، وليس في قسم الأعمال، ولكنّا رأيناهم يجمّدون الإفرازات لمعاشات التقاعد التي تكلف ملايين الشيكلات في كل سنة>>.

* الجميع في إنتظار المعجزة

"معريف": <<خطورة المعارك بين المالية والجيش تجعل الكثيرين يقدّرون أن بمقدور معجزة فقط حل هذا المأزق. إلى ما قبل عدة أسابيع، تخيلوا في الجهاز الأمني إمكانية الحصول على مليار دولار بفضل صفقة مع دولة أجنبية، لم تتم في النهاية.>>

كل الآمال الآن معلقة على الولايات المتحدة، على أمل أن يستجيب الأمريكيون، بعد الحرب في العراق، لطلب إسرائيل لمعونة كبيرة جدًا. في المالية الاسرائيلية لا يعتقدون أن هذا سيحصل حقًا. في الجيش يقولون إنه <<ليس أمامنا مفر. نحن بحاجة إلى المزيد من النقود>>.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات