المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ردود فعل وانتقادات من اليمين واليسار * المشكلة: لاتوجد ميزانية لاستيعاب المهاجرين! * "هآرتس": <<قرار تعسفي وعديم المسؤولية>> * "معريف": <<عنصرية بيضاء>> وراء معارضة تهجير يهود الفلاشا الى اسرائيل * يشاي يعمل على جعل الأثيوبيين السود "حلالا" (كوشير) وتحويلهم الي يهود، فبهذه الطريقة يمكن زيادة عدد اليهود لمجابهة <<الخطر الديمغرافي العربي>>!

أثار قرار الحكومة الاسرائيلية من يوم 16 شباط إعطاء الضوء الاخضر لهجرة حوالى عشرين الفا من الاثيوبيين اليهود معظمهم من "الفالاشموره" الى اسرائيل ردود فعل وانتقادات متفاوتة في الوسطين السياسي والإعلامي.


ويتعلق قرار الحكومة الاسرائيلية بترحيل 17 الف من افراد مجموعة الفالاشموره (الاثيوبيون اليهود الذين اجبروا على اعتناق المسيحية في القرن الماضي)، وثلاثة آلاف آخرين من الاثيوبيين اليهود (الفالاشا) المنتشرين في قرى متفرقة داخل اثيوبيا الى اسرائيل.

وجاءت موافقة الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على هذه المسألة إثر اقتراح قدمه وزير الداخلية ايلي يشائي. وتقرر تشكيل لجنة وزارية برئاسة يشاي قريبا لوضع قرار الحكومة موضع التنفيذ".

وقالت المصادر الاسرائيلية إن موفدين من وزارة الداخلية الاسرائيلية وممثلين عن الحاخامية سيتوجهون قريبا الى اثيوبيا من اجل الاعداد لرحيل هؤلاء المهاجرين الى اسرائيل.

ويشار الى أن حوالي ثلاثة آلاف من المهاجرين من اثيوبيا تظاهروا في 12 كانون الثاني الماضي أمام مقر رئاسة الوزراء الاسرائيلية في القدس الغربية، لتسمح اسرائيل لاقاربهم بالانضمام اليهم، رغم التشكيك بديانتهم اليهودية. وينتمي معظم هؤلاء الاقارب الى الفالاشمورا ويقيمون في اديس ابابا وفي ولاية غوندار (شمال غرب). وهم يؤكدون ان "حق العودة" الذي يسمح لكل يهودي بالعالم بالاستقرار في اسرائيل يطبق عليهم.

وعبر وزير الداخلي الاسرائيلي ايلي يشاي عن ارتياحه البالغ اثر مصادقة الحكومة الاسرائيلية بالاجماع على هجرة الاثيوبين اليهود. وقال يشاي: <<انا مسرور بانتهاء هذا الموضوع. الان سنباشر العمل بصورة حثيثة من اجل تهجيرهم. ان الحاحية جلبهم الى البلاد كبيرة جدا>>. وينوي "يشاي" في حال بقائه في منصبه الوزاري التوجه الى اثيوبيا ليشرف بنفسه على هجرة ابناء "الفالاشمورا "الذين سيتم احضارهم الى اسرائيل تدريجيا وليس دفعة واحدة.

وكانت مسألة هجرة ابناء الفالاشمورا الى اسرائيل قد شغلت طوال العقد الماضي صانعي القرارات في اسرائيل. وفي الوقت الذي كان يدور فيه جدل حول مسآلة تهجير هؤلاء، قرر وزير الداخلية ايلي يشاي بالتشاور مع الزعيم الروحي لحركته الحاخام عوباديا يوسف، فحص وتحري مسألة يهودية ابناء الفالاشمورا، حيث اوفد الى اثيوبيا بعثة ضمت نائبه دافيد ازولاي، والحاخام الشرقي لمدينة تل ابيب شلومو عمار، لتفحص الامر. وبعد فحص طويل قرر اعضاء البعثة ان الفالاشمورا هم من اصول يهودية، وان هؤلاء الذين يتركز معظمهم في معسكرات في "اديس ابابا" و "غوندار" <<يواجهون خطر الموت جراء ظروف حياتهم الصعبة>>.

وتقدر محافل وزارة الداخلية الاسرائيلية بأن يرتفع عدد ابناء الفالاشمورا خلال السنة المقبلة، ليزيد عن عددهم الثابت حتى الان (21) ألفا.

وفي ضوء النتائج التي توصلت اليها البعثة بدأ وزير الداخلية يشاي بالعمل من اجل تهجير الفالاشمورا وقام باكثر من محاولة لدفع الحكومة باتجاه اتخاذ قرار بتهجيرهم، الا ان محاولاته اصطدمت بمعارضته العديد من الوزراء وفي مقدمتهم وزير الاسكان ناتان شرانسكي.

وقالت مصادر في وزارة الاسكان ان تهجير الفالاشمورا عملية لا لزوم لها، من شأنها ان تثقل على خزينة الدولة وعلى الحكومة.

وصرح ايلي يشاي قائلا: <<عملية تهجيرهم ستبدأ حسب تقديري في غضون الاسابيع القليلة المقبلة>>.

واضاف <<ان كلمة "حملة" او "عملية" ربما تردع او تثير حفيظة جهات عديدة وخاصة السلطات الاثيوبية، ولذلك فأن تهجيرهم سيتم تدريجيا وفي اطار مجموعات صغيرة وليس دفعة واحدة>>. وقال يشاي ردا على سؤال: <<حسب تحرياتنا غالبية الفالا شمورا يهود اجبروا على اعتناق المسيحية، اما غير اليهود فسوف يخضعوا الى عملية تهويد ليعودوا الى احضان الديانة اليهودية>>.

وتقدر مصادر وزارة الداخلية بأن تستغرق عملية تهجير الفالاشمورا، والتي اطلق عليها اسم "عملية يوسف" تقديرا للحاخام عوباديا يوسف، مابين سنة الى سنتين.

لكن هذه العملية وقبل ان تشق طريقها الى حيز التنفيذ تثير من الان معارضة وتحفظات واسعة وتطرح العديد من الاسئلة الصعبة، احدها على سبيل المثال ما الذي سيحدث اذا لم يتول ايلي يشاي مجددا حقيبة الداخلية في الحكومة المقبلة؟!

مشكلة اخرى وهي اشد واعقد تنبع من الازمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها اسرائيل منذ فترة طويلة، والتي اضطرت الحكومة الى اجراء تقليصات كبيرة في الميزانية العامة، علما ان تهجير الفالاشمورا الى اسرائيل سيكلف خزينة الدولة مليارات الشواقل التي لا وجود لها في الميزانية العامة للعام الحالي 2003. فمن الذي سيمول اذا هذه الحملة؟!

الى ذلك هناك جهات عديدة في حكومة شارون تتساءل فيما اذا كانت حكومة اثيوبيا مهيئة او مستعدة للقبول بعملية اقرتها حكومة اسرائيل من جانب واحد.

وانتقدت مصادر في وزارة الاستيعاب الاسرائيلية من جهتها قرار الحكومة وقالت ان الدولة غير مهيأة او مستعدة لمثل هذه العملية واضافت: <<العملية لا تتلخص في قرار حكومي وحسب. فعملية تهجير الاف الفالاشمورا قد تكون لها انعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة اذا لم تتخذ الحكومة الاستعدادات اللازمة بما في ذلك تخصيص الميزانيات الضرورية>>.

كذلك اعربت محافل في وزارة العمل و الرفاه الاجتماعي عن تخوفها من عملية الهجرة الوشيكة هذه لا سيما وان الحديث يدور حول فئة شديدة العوز من المهاجرين المرتقب قدومهم، والذين سيعتمدون بدرجة كبيرة على مخصصات الاعانة الاجتماعية .

* "هآرتس": <<قرار عديم المسؤولية>>

وتحت عنوان "قرار عديم المسؤولية" كتبت صحيفة "هآرتس" (19 شباط) افتتاحية انتقدت فيها قرار حكومة شارون وقالت:

<<القرار الذي اتخذته الحكومة هذا الأسبوع بتهجير 20،000 شخص من مجموعة "الفلاشموره" من اثيوبيا الى اسرائيل، هو قرار تعسفي وعديم المسؤولية، في آن. فهو تعسفي لأن ابناء "الفلاشموره" لا يستحقون الهجرة الى اسرائيل بموجب "قانون العودة"، وقد تم تهجير جزء منهم الى اسرائيل في السنوات الأخيرة بقرارات إدارية اتخذتها حكومة اسرائيل (بموجب قانون الدخول). وهو عديم المسؤولية لأن التكلفة المباشرة لإحضار هؤلاء تقدر بملياري شيكل - سيتم، على الأغلب، اقتطاعها من ميزانيات اجتماعية ضرورية في هذه الفترة العصيبة التي يعيشها الأقتصاد الأسرائيلي.

منذ البدء بتهجير يهود أثيوبيا في الثمانينات، بموجب "قانون العودة"، تنتهج الحكومات الأسرائيلية تمييزًا واضحا بين هؤلاء اليهود، الذين حافظوا على مقومات يهودية واضحة، وبين أبناء "الفلاشموره" الذين واصل جزء كبير منهم التمسك، إراديًا، بالديانة المسيحية. هذا التمييز استند ايضا على "الفتوى" الدينية التي اصدرها الحاخام عوبديا يوسف، وكان وزراء حركة "شاس" متعصبين في الدفاع عن هذه السياسة.

مقابل ذلك، نجح وزراء الحكومة والموظفون الكبار، الذين تولوا المسؤولية عن موضوع الهجرة، في صد الضغوطات الهائلة والمتواصلة التي مورست عليهم من داخل اسرائيل ومن خارجها بمحاصرة ذلك التمييز، ومن ثم تفتيته نهائيا. نشطاء بين يهود أمريكا ممن ناضلوا لتهجير يهود اثيوبيا الى اسرائيل، حولوا حماسهم الصادق باتجاه العمل لتهجير ابناء "الفلاشموره" دون ان يأخذوا بالإعتبار، كما ينبغي، مصلحة اسرائيل ولا حتى مصلحة الناس الذين باعوا منازلهم وحقولهم وتجمعوا في أديس أبابا، وجلسوا هناك ينتظرون سنوات في ظروف قاسية من الفقر والزحام حتى تتكرم اسرائيل باستقبالهم.

النشطاء الأمريكيون شجعوهم على تجاهل السياسة المعلنة من جانب اسرائيل. وقد ثبت الآن انهم صدقوا. فالسياسة المعتمدة و "الفتوى" التي صدرت، كأنهما لم تكونا. بين أصحاب الشأن، الى جانب النشطاء المحليين والأجانب، سدنة كثيرون يخدمون في أجهزة "التوبة الى اليهودية"، التي تضمن دخلا مادياً دائمًا، وكذلك مجموعات من المُسرنمين الباحثين دون توقف عن قبائل غريبة لتهجيرها الى البلاد، من اجل تعزيز التفوق الديموغرافي اليهودي الآخذ بالتناقص في اسرائيل.

قرار الحكومة هو قرار غير مسؤول أيضا لأنه لا يمكن فتح أبواب إسرائيل أمام "الفلاشموره" وتحديد الرقم 20،000 حصة كحد أعلى ونهائي. ذلك ان أية حصة يتم اقرارها سيتضح ان لا معنى لها وسيستمر ضغط الهجرة حتى تضطر اسرائيل الى وقف التيار - وكل هذا دون ان يكون لديها أي تسويغ اداري او ديني مقنع.

وزير الداخلية في الحكومة الجديدة، ممثل "شاس" أو سواه، سيضطر بشكل أو بآخر الى اخفاء القرار المتسرع الذي اتخذته الحكومة هذا الأسبوع، والعودة الى التعامل مع ابناء "الفلاشموره" وفق قواعد وأنظمة الهجرة نفسها التي تسري على كل من هو ليس يهوديا ويطلب التوطن في اسرائيل. هكذا سيضمن بقاء عدد "الفلاشموره" المستوعَبين في اسرائيل معتدلا نسبيًا، كما كان في السنوات الأخيرة.>>

* "معريف": <<عنصرية بيضاء..>>

وكتبت الدكتورة إستير هرتسوغ رئيسة قسم العلوم الاجتماعية في كلية بيت بيرل في نفس القضية في صحيفة "معاريف" (19 شباط) مشيرة الى <<العنصرية اليهودية البيضاء التي رافقت عملية التهجير>>.

وقالت ان تبريرات الوزير شرانسكي والنائب يوري ايدلشطاين ومعارضتهما لتهجير يهود الفلاشا هي ان هذا القرار قد يؤدي الى تدفق طلبات الهجرة الى إسرائيل من جانب يهود الفلاشا. ونقلت هرتسوغ أقوال شرانسكي بعد المصادقة على قرار التهجير بأنه "لا يريد أن يجد نفسه أمام نصف مليون آخرين ممن يريدون الهجرة الى إسرائيل"، وقال شرانسكي أيضا: <<يسود في اثيوبيا وضع صعب من الجوع والامراض وقد يحاول العديد منهم القفز على هذه العجلة والهجرة الى إسرائيل>>. وعقبت هرتسوغ على هذه التصريحات بالقول: <<شرانسكي بنى نفسه على تأييد آلاف المهاجرين من روسيا الذين لا يربطهم أي شيء من روابط العرق اليهودي النقي، وهو الان يهتم بنقاء العنصر اليهودي الإسرائيلي>>.

ان الأمر الذي يقلق بال شرانسكي وايدلشطاين - تكتب هرتسوغ - ليس طهارة العنصر اليهودي بل <<طهارة العنصر الأبيض>>. حديثه عن الجوع والامراض هناك يبرز مواقفه العنصرية. وهو بذلك يشجع الإسرائيليين على التحفظ من هؤلاء>>.

ودوافع إيلي يشاي تكتب هرتسوغ: << يشاي يعرف جيدا ما يفعل. مشكلة طهارة العنصر بالنسبة له هي يهودية قومية. وبالنسبة له فان التهديد على الشعب الإسرائيلي هو من جانب العنصر العربي، ومن هذا المنطلق فهو يعمل على جعل الأثيوبيين السود "حلالا" (كوشير) وتحويلهم الي يهود، لأنه هكذا يمكن زيادة عدد الامة اليهودية ازاء الخطر الديمغرافي العربي. والسر المعروف ان حل المشكلة يمكن عن طريق الهجرة الخارجية وليس الداخلية بواسطة زيادة نسبة التكاثر>>.

وتقول هرتسوغ أيضا ان الوزير يشاي يحاول كوزير للداخلية ترسيخ السياسة القومية العنصرية عن طريق <<ملاحقة العرب في مجال البناء والبنى التحتية، هذه السياسة التي تهدف الى ختق كل امكانية تطور قد تساهم في رفاهية العرب. يشاي، على سبيل المثال، يقف وراء سياسة هدم عشرات البيوت العربية>>.

وفي نهاية مقالها تكتب هرتسوغ ان سياسة ايلي يشاي العنصرية انتجت <<حزب العنصر الأبيض>> الذي يقوده يوسف لبيد.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, حق العودة, تهويد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات