المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يرسم السياسيون ووسائل الإعلام في إسرائيل صورة عامة تظهر أن الرئيس السوري بشار الأسد سيسقط وأن النظام ربما سيبقى. وكُشف النقاب، الأسبوع الماضي، عن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يرفض اتخاذ موقف واضح يدين النظام السوري. كذلك فإن الخطاب الإسرائيلي شبه الرسمي، ووسائل الإعلام، نددا بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدين سورية، ويهاجمان الموقف والأداء الروسي فيما يتعلق بالأزمة في سورية. وفيما يلي استعراض لثلاثة مقالات بأقلام شخصيات إسرائيلية بارزة تحلل الحراك الدولي على ضوء الأزمة السورية.

وتناول مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، قبل عشرة أيام، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، البروفسور شلومو أفينيري، وهو أستاذ العلوم السياسية وباحث متخصص في الاتحاد السوفياتي، موضوع الفيتو الروسي والصيني وأسبابه وظروفه الإستراتيجية. وأوضح أن "معارضة مشروع القرار بشأن القمع العنيف في سورية مرتبط بحقيقة أن روسيا والصين، رغم اختلاف نظاميهما، هما دولتان استبداديتان ولديهما مشاكل ليست صغيرة مع أقليات قومية وعرقية. فقد خاضت روسيا، وما زالت تخوض، حربا وحشية ضد محاولات الشيشان الحصول على استقلال. وتفوق وحشية قمع تمرد الشيشان وحشية الأسد بأضعاف، وقد حصل [الرئيس الروسي السابق ورئيس الحكومة الحالي] فلاديمير بوتين على مجده لدى الرأي العام الروسي عندما منع انفصال الشيشان، ومنع تدحرج حجارة الدومينو في الفسيفساء العرقي المعقد في القفقاز [أي مطالبة شعوب أخرى بالاستقلال عن روسيا]. والصين تواصل قمع التيبيت والأويغوريين، وهما مجموعتان عرقيتان يوجد لكل واحدة منهما قاعدة إقليمية صلبة".

ورأى أنه باستخدام الفيتو فإن "روسيا والصين تدافعان عن أراضيهما من احتمال التفكك بسبب حق تقرير المصير لأقليات قومية. لذلك فإن كلتيهما تخشيان من المنزلق الأملس الذي ستكون بدايته التدخل في الشؤون السورية ونهايته في شؤونهما. وحقيقة هي أن المجتمع الدولي لم يتطرق حتى الآن للموضوع الشيشاني، وباستثناء عدة تصريحات عبثية لم يتعامل مع موضوع التيبيت أيضا. وفي كلتا الحالتين تم اعتبار هاتين القضيتين على أنهما شأنان داخليان للدولتين، تماما مثلما لم يتدخل الغرب أبدا في القمع الوحشي ضد الأكراد من جانب جميع حكومات تركيا في الماضي والحاضر".

وأشار إلى أنه "توجد لدى روسيا مصلحة واضحة في سورية، ولا شك في أنها لا تشعر بالراحة بالمكانة الجديدة كمساعدة لنظام الأسد الدموي. وهذا هو السبب لزيارة وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، المتسرعة إلى دمشق. فالزيارة غايتها خلق، ولو ظاهريا، محاولة روسية لكبح الأسد. ومنذ صعود بوتين إلى الحكم، تحاول روسيا أن تعيد إلى نفسها جزءا من المكانة التي كانت لديها في الشرق الأوسط إبان الفترة السوفياتية. وبقيت سورية الأسد الحصن الوحيد لها في المنطقة، الذي يشمل شيئا يشبه قاعدة بحرية للأسطول الروسي في اللاذقية. ومن هذه الناحية فإن السياسة الخارجية الروسية هي استمرار مباشر للسياسة السوفياتية".

واعتبر أفينيري أن "الإحباط من عنف [فيتو] روسيا والصين، اللتين كان الغرب مستعدا للتنازل لهما في صيغة مشروع القرار، من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل تحالف بين الدول الغربية وجامعة الدول العربية، لدفع خطوات أشد من تلك التي كانت محتملة في إطار الأمم المتحدة، حيث تعين أخذ موقفي روسيا والصين بالحسبان... وقد حدث أمر مشابه في الماضي: شلل الأمم المتحدة عندما تفككت يوغوسلافيا دفع في نهاية المطاف الولايات المتحدة والناتو [حلف شمال الأطلسي] إلى عملية عسكرية ضد الصرب، من أجل منع المجازر في البوسنة وبعد ذلك في كوسوفو. وليس مستبعدا حدوث أمر مشابه في الحالة السورية أيضا".

وختم أفينيري مقاله بأن "الأزمة السورية أدت إلى توتر بين الولايات المتحدة وروسيا في فترة بدا فيها أن كلتا الدولتين العظميين تحاولان سد الفجوات الناجمة عن فترة ولاية الرئيس [الأميركي السابق] جورج بوش. وحقيقة أن الدول العربية والولايات المتحدة موجودتان الآن في المعسكر نفسه، لأول مرة منذ عشرات السنين، تدل على أن ثمة أهمية عالمية، وليست إقليمية فقط، للتحولات في العالم العربي".

توافق أميركي - روسي

من جانبه، رأى رئيس الموساد الأسبق، إفرايم هليفي، في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الأربعاء الماضي، أن حل الأزمة السورية يكمن في توافق أميركي - روسي وبلورة مصلحة مشتركة فيما بينهما.

وأشار هليفي بداية إلى تقديره أن "المعركة التي يخوضها العلويون من أجل استمرار حكمهم في سورية وعلى مجرد بقائهم [ما زالت] بعيدة عن الحسم. وآمال الكثيرين من قادة إسرائيل بأن بشار الأسد سيسقط خلال أسابيع بفعل ضغوط الأغلبية السنية التي تنزف دما، والرأي العام الدولي والعقوبات الاقتصادية التي يمارسها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة على دمشق، آخذة بالتبدد".

وحذر من أن "الأسد كان محقا عندما قال إن تزعزع بلاده بشكل عميق سيحدث زلزالا عالميا، وسيشعرون به أبعد بكثير من حدود الشرق الأوسط. والصراع في سورية متعدد المستويات. وفي أساسه المواجهة بين الأقلية العلوية القريبة من الشيعة (7%) والأغلبية السنية، التي تشكل قرابة 75% من السكان. ويوجد في المستوى الذي فوقه الصراع الإقليمي بين السنة والشيعة حول الهيمنة على الشرق الأوسط، فيما تقف على رأس السنة مصر والسعودية، ومقابلهما إيران والتجمعات الشيعية في العراق ودول الخليج (وعلى رأسها البحرين) وشرق السعودية".

وأضاف أنه "في المستوى العلوي للحرب هناك الصراع بين الغرب وبين روسيا والصين حول التأثير والسيطرة على مناطق حيوية في الشرق الأوسط وأحواض البحر المتوسط، بينما بينهما دول هامة مثل الهند". واعتبر أن هناك صراعات أيديولوجية حول القيم أيضا، مثل الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية، وأن هذه القيم محل "تفسيرات متناقضة". وأنه "لن يتم التوصل إلى حل من دون ترتيب المستوى العلوي".

ورأى هليفي أن "إسرائيل موجودة على ما يبدو في عين العاصفة... ففي جميع الصراعات يسطع نجم إيران، ومصير تطلعاتها البعيدة الأمد، تجاهنا أيضا، سيحسم بقدر غير قليل وفقا للطريقة التي سينتهي فيها الصراع على دمشق. وسورية تحولت إلى عقب أخيل بالنسبة لطهران. وإذا انتهت الدراما بسقوط الأسد وصعود نظام سيتقيأ الوجود الإيراني المتعاظم من الدولة، فإنه سيتغير توازن القوى في المنطقة، وسيتعرض نظام آيات الله لضربة قوية، إلى درجة أن يضطر ربما إلى التخلي عن البرنامج النووي من أجل ضمان بقائه".

وأضاف: "إذا حُسمت المعركة بحيث يبقى الأسد، بدعم روسيا والصين وإيران، فإن علينا توقع تجدد الصراع بين الكتل، الذي عشناه طوال الخمسين سنة الأخيرة للقرن العشرين، وإلى جانبه إنجاز إيراني هام. وعمليا فإن إيران ستقف على طول حدودنا الشمالية، وربما يُضاف إصبع إيراني إلى السوري على زر فوهات إطلاق الصواريخ التي تحمل رؤوسا حربية كيماوية، وتغطي أجزاء واسعة من مساحة إسرائيل. وإسرائيل ليس بمقدورها المخاطرة بوضع كهذا".

وأشار هليفي إلى أن "الأزمة لن تنتهي بالطريقة التي ترغب بها الدول السنية في المنطقة وبضمنها تركيا، والدول الغربية، من دون إرضاء المصالح الروسية والصينية. ففي العقد الأخير لحق بالروس إخفاقان إستراتيجيان في المنطقة، جراء إسقاط زبونين مركزيين - صدام حسين ومعمر القذافي. ولن تسمح موسكو لنفسها بإخفاق آخر، والأزمة السورية هي بمثابة فرصة سانحة لها لإصلاح الضرر، ولو بشكل جزئي. والموقف الحالي، الداعم للأسد، يسمح لروسيا والصين أن تجسدا للغرب أنه لا يستطيع إنهاء الأزمة من دون التعاون معهما".

وربط هليفي بين مصالح روسيا والصين والغرب ومصالح إسرائيل بأن "كل ما قيل أعلاه يلامس موضوعا مركزيا موجودا على أجندة إسرائيل الإستراتيجية. فلقد انضمت روسيا والصين إلى الولايات المتحدة خمس مرات في التصويت على عقوبات ضد إيران. ولدى كليهما اهتمام حقيقي لمنع طهران من تهديد العالم بسلاح نووي. لكن إزالة هذا التهديد ممكن ليس فقط من خلال خطوة عسكرية أو فرض عقوبات قاتلة، تهدد الاستقرار الاقتصادي الدولي الواهن. وثمة خيار ثالث، وهو تسوية مستقبل سورية من دون حضور إيراني، وهي خطوة تنزل ضربة قوية على طهران".

وخلص هليفي إلى أن "على الولايات المتحدة وروسيا أن تبلورا مصلحة مشتركة، سيخدم تطبيقها كلتيهما. واشنطن مضطرة لأن تدفع ثمنا لموسكو (استمرار تعلق دمشق أمنيا بها)، والأخيرة مضطرة لأن تدفع ثمنا للأميركيين على شكل سقوط الأسد. وعندها سيزول التهديد الإيراني، وسيربح العالم كله".

"سورية أولا".. وحل

جزئي مع الفلسطينيين

اقترح رئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع الفلسطينيين في العامين 1999 - 2000 والباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب ورئيسه السابق، الدكتور عوديد عيران، أنه في ظل الظروف الراهنة يتعين على إسرائيل أن تعيد التفكير في خيار "سورية أولا" وإجراء اتصالات مع المعارضة السورية حول اتفاق سلام تبرمه الدولتان في المستقبل.

ورأى عيران في مقال نشره في "هآرتس"، في 9 شباط الحالي، أن "الظروف تتغير وجدير أن يعاد البحث في خيار ’سورية أولا’. فعلى ضوء الإصرار المثير للإعجاب الذي تبديه المعارضة هناك، يبدو أن ثمة احتمالا معقولا لهزيمة نظام بشار الأسد. ويكمن في انقلاب دمشق احتمال لتغيّر إستراتيجي عميق وإيجابي بالنسبة لإسرائيل. ونظام يستند إلى الأغلبية السنية، وربما أيضا على أقليات قد تكون مؤيدة لإسرائيل (أكراد ومسيحيين ودروز)، سيبعد نفسه عن إيران وحزب الله".

وتابع أن "حكومة تركيا تمنح المعارضة السورية قاعدة، والإدارة الأميركية وحكومات في أوروبا وجدت أيضا الطريق للحوار مع القيادة السورية المنفية ومع قادة داخل سورية من أجل التخطيط ’لليوم التالي’ [بعد سقوط النظام الحالي]". ودعا عيران حكومة إسرائيل إلى "محاولة إقامة علاقات مع المعارضة السورية والتحدث عن تسوية الصراع. وثمن اتفاق كهذا معروف، فالنظام الذي سيحل مكان الأسد أيضا لن يقبل بثمن أقل" في إشارة إلى انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.

واعتبر عيران أنه "إذا أدت المحادثات الاستكشافية في نهاية المطاف إلى اتفاق مع النظام السوري الجديد، فإن من شأنه أن يصعّب تحقيق حل كامل مع الفلسطينيين. رغم ذلك، فإن اتفاقا مع سورية لن يمنع اتفاقا جزئيا مع الفلسطينيين قبل الحل الكامل. وبإمكان إسرائيل والفلسطينيين الاتفاق على سلسلة خطوات، تشمل نقل السيطرة على جزء من المنطقة ’ج’ [الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بموجب اتفاق أوسلو] من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية. وبالإمكان إرساء اتفاق كهذا في إطار قانوني يحل مكان اتفاقيات أوسلو ويستند إلى اعتراف مشترك بحل الدولتين للشعبين ووديعتين: الوديعة الإسرائيلية هي استعداد للتوقيع على اتفاق كامل خلال فترة زمنية محددة، أي التعهد بأن الحديث لا يدور على اتفاق نهائي؛ والوديعة الفلسطينية هي التعبير عن استعداد فلسطيني للاعتراف بإسرائيل على أنها دولة القومية اليهودية. ويتم الاعتراف عندما تُطبق مطالبهما بواسطة اتفاق، وبذلك يتفق كلا الجانبين على نهاية الصراع".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات