المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: وديع أبونصارقرر حزب "ميرتس" وحركة "شاحر" (التي يتزعمها عضو الكنيست الأسبق يوسي بيلين)، في اجتماعين منفصلين لمجلسيهما عقدا مطلع الاسبوع الجاري (الاحد 16/3) توحيد جهودهما ضمن إطار يساري جديد سيسمى على الأرجح: "الحزب الاشتراكي الديمقراطي". ويأتي هذا القرار بالرغم من معارضة البعض في ميرتس للتحالف مع حركة بيلين، مدعين بأنها حركة تمثل نفرًا قليلاً جدًا من الإسرائيليين وبأن هذا التحالف يجب أن يبحث فقط بعد بحث عميق لأسباب تراجع ميرتس في الانتخابات العامة الأخيرة للكنيست الإسرائيلي من عشرة إلى ستة مقاعد فقط.

ويعول مؤيدو هذا التحالف على احتمال حدوث انشقاق في المستقبل القريب داخل حزب العمل، بالأساس إثر معاودة احتدام الصراع بين معسكر زعيم الحزب الأسبق بنيامين بن إليعيزر والزعيم الحالي عمرام متسناع، حيث خسر الأخير التصويت في الأسبوع الماضي لصالح التصور الذي قدمه معسكر بن إليعيزر حول الموقف الذي على حزب العمل تبنيه إزاء العلاقات مع الفلسطينيين.

ويعتقد البعض بأن متسناع قد يقود انشقاقا في حال تواصلت هزائمه لصالح معسكر بن إليعيزر في الأشهر القليلة القادمة. وقد جاء تصريح متسناع عن عدم ممانعته ترتيب جولة جديدة من الانتخابات لزعامة حزب العمل خلال أربعة أشهر ليزيد من تفاؤل مؤسسي التحالف اليساري الجديد الذين اعتبروا مثل هذه الانتخابات فرصة للحسم لصالح معسكر بن إليعيزر، مما قد يساهم في إقناع متسناع وعدد آخر من قياديي حزب العمل بترك الحزب والانضمام للتحالف الجديد.

كما يعتقد أنصار التحالف الجديد أن متسناع قادر على تجنيد ستة أعضاء كنيست آخرين من حزب العمل للانضمام للتحالف اليساري، مما قد يجعل هذا التحالف القوة الأساسية المناوئة لحزب الليكود في الكنيست الإسرائيلي. (الجدير بالذكر أن الحاجة إلى ما لا يقل عن سبعة أعضاء كنيست للانسحاب من حزب العمل يعود إلى التعديل في القانون المتعلق بالانفصال داخل الاحزاب القائمة. بحيث ينص هذا التعديل بأن الانفصال عن حزب قائم يعني إما إعادة المقعد للحزب أو تجنيد ما لايقل عن ثلث أعضاء الكنيست للحزب المعني عند الانفصال عنه).

لكن بالرغم من تفاؤل هؤلاء إلا أننا أمام العديد من المتغيرات التي من شأنها أن تؤثر سلبًا أو إيجاباً على حظوظ هذا التحالف بتشكيل حزب قوي في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وتعد الأبعاد المحتملة للأزمة العراقية على صعيد العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية من جهة والانتخابات البلدية التي ستجري خلال أشهر قليلة في إسرائيل من جهة اخرى، من أهم العوامل التي من شأنها التأثير على حجم هذا التحالف وحظوظه المستقبلية.

على الصعيد الأول، فإن أحدًا لا يستطيع تجاهل الأبعاد المحتملة للتطورات التي قد تحصل خلال الأيام القليلة المقبلة على الجبهة العراقية، بالذات بكل ما يتعلق بالتطورات الخاصة بالحملة العسكرية التي تنوي الولايات المتحدة قيادتها ضد النظام العراقي. حيث هنالك احتمالان رئيسيان لتأثير هذه التطورات على العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية وعلى إسرائيل ومن ثم على ميزان القوى بين الحركة والأحزاب السياسية الفاعلة داخل المجتمع الإسرائيلي. فإذا نجح الاحتمال الذي يتحدث عن أهمية مواصلة الحملة الأمريكية ضد أنظمة أخرى دون الاكتفاء بتقويض أركان النظام العراقي، فإن هذا الاحتمال سيؤثر سلباً على العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، دافعًا إياها إلى المزيد من التأزم ومن ثم إلى المزيد من إضعاف التيار اليساري في إسرائيل.

أما في حال قادت الولايات المتحدة المنطقة نحو تطورات سياسية شبيهة بمؤتمر مدريد الذي انعقد في العام 1991 بعد بضعة أشهر من الحرب التي قادتها ضد العراق في بداية العام ذاته، فإن هذا الأمر قد يساهم بعض الشيء في تقوية التيار اليساري في إسرائيل الذي قد يتحامى بالغطاء الأمريكي ضد التيار اليميني الحاكم، مع الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية اليوم أكثر ميلا لليمين الإسرائيلي مما كانت عليه الإدارة في العام 1991.

عامل آخر لا يقل أهمية من حيث التأثير المحتمل على اليسار الإسرائيلي خاصة وعلى الخريطة الحزبية الإسرائيلية عامة هو الانتخابات البلدية المقبلة والتي ستبدأ في كل من حيفا والقدس وأور عكيفا بسبب انتخاب رؤساء بلدياتها للكنيست وبسبب القانون الذي يمنع أعضاء الكنيست من مزاولة أية مهنة أخرى، وهي انتخابات استثنائية من المقرر أن تجري في الثالث من حزيران المقبل، إضافة إلى الانتخابات البلدية العامة المتوقع أن تجري في الثامن والعشرين من تشرين أول القادم. وقد بدأت جميع الأحزاب الإسرائيلية استعداداتها لخوض هذه الانتخابات، غير أن أحزاب اليسار بشكل عام وحزب العمل بشكل خاص معنية بتحقيق أكبر إنجازات ممكنة في هذه الانتخابات إثر هزيمتها في الانتخابات العامة الماضية ورغبة منها بالاستعداد بأفضل ما يمكن للانتخابات العامة المقبلة التي يتوقعها الكثيرون خلال العامين المقبلين.

إن قدرة اليسار الإسرائيلي عامة والتحالف اليساري الجديد وحزب العمل على التحضير الجيد لهذه الانتخابات وخوضها بنجاح قد يساعد هذا التيار على تعزيز مكانته على المستوى القطري، أما فشله في هذه الانتخابات، بالأساس في المدن الكبرى، فقد يؤدي إلى احتدام الصراعات الداخلية فيه وربما زيادة ضعفه وتشتته.

غير أن التحدي الأساسي أمام اليسار الإسرائيلي لا يكمن في التشكيلات الحزبية داخله بقدر ما يكمن في قدرته على استعادة زمام المبادرة وتحديث نفسه لمعاودة استقطاب مؤيدين له في صفوف اليهود الإسرائيليين. فبدون النجاح بطرح تصور سياسي واضح المعالم من جهة ووضع استراتيجية تسويقية لاستقطاب مثل هؤلاء المؤيدين، فسيبقى هذا التيار في المعارضة مدة طويلة من الزمن.

17 آذار 2003

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات