المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تبنى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية (الكابنيت)، في جلسة خاصة عقدها صباح أمس الاثنين، توصية المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، التوجه إلى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية بطلب إجراء بحث إضافي، مجدد، في مسألة احتجاز جثامين شهداء فلسطينيين "لغرض المساومة في المفاوضات"، مؤكدا إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة احتجاز تلك الجثامين ومهددا بالمبادرة إلى تشريع قانون جديد يتيح لها ذلك، رسميا وقانونيا، من خلال تجاوز قرار المحكمة العليا الأخير الذي منع الحكومة من مواصلة احتجاز الجثامين.

وأكد الوزراء أعضاء المجلس الوزاري المصغر، أمس، أن "جثامين المخربين لن تُعاد" وأن "المبادئ الواردة في رأي أغلبية قضاة المحكمة العليا غير مقبولة"! وقرر "الكابنيت"، في ختام جلسته، التقدم إلى المحكمة العليا بطلب لمناقشة الموضوع مرة أخرى، في إطار "بحث إضافي"، والامتناع في هذه المرحلة عن طرح مشروع قانوني حكومي خاص لهذا الغرض "ريثما تُصدر المحكمة العليا جوابها بشأن طلب البحث الإضافي". 

وفور انتهاء جلسة "الكابنيت"، نشر زعيم حزب "البيت اليهودي"، وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، تغريدة على حسابه الخاص على موقع "تويتر"، قال فيه: "انتهيت للتوّ من قراءة صفحات قرار القاضي دانتسيغر (يورام دانتسيغر، قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية) الـ 60 التي يُصادر من خلالها صلاحية الحكومة في احتجاز جثامين لأغراض المساومة، وذلك بذريعة حقوق المخربين"! وأضاف: "إنه قرار مثير للخجل. لا داعي للتباكي والتبرّم، بل علينا ـ حكومة إسرائيل ـ وضع حد لمنحى استيلاء المحكمة العليا على صلاحيات الحكومة. سنقدّم، هذا الأسبوع، مسودة مشروع قانون أساس: التشريع"، وهو قانون الأساس الذي يسعى إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية وإخضاعها لمشيئة الحكومة السياسية.

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أصدرت، يوم الخميس الماضي، قرار حكمها الذي يؤكد أنه "لا يجوز لدولة إسرائيل احتجاز جثامين المخربين، لأن ليس ثمة قانون عيني وصريح يتيح لها ذلك"! وجاء في قرار المحكمة العليا، الذي صدر بتأييد قاضيين (يورام دانتسيغر وجورج قرّا) ومعارضة القاضي الثالث (نيل هندل)، أنه "إذا كانت دولة إسرائيل معنية بذلك، فبوسعها سنّ قانون خاص لهذا الغرض ينسجم مع المعايير القضائية التي تحددها نصوص القانون الإسرائيلي وأحكام القانون الدولي". في المقابل، رأى القاضي هندل أن "القانون الحالي يمنح الحكومة صلاحية الاحتفاظ بالجثامين"!

وأمهلت المحكمة الحكومة الإسرائيلية فترة ستة أشهر لسنّ قانون جديد كهذا، مشددة على أنه "إذا لم يتم ذلك، خلال الفترة المحددة، فعندئذ ينبغي إعادة الجثامين إلى العائلات" (الفلسطينية).

وجاء قرار المحكمة العليا في ختام النظر في طلب التماس تقدمت به إليها عائلات فلسطينية تحتجز السلطات الإسرائيلية جثامين أبنائها الذين سقطوا خلال تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وذلك في أعقاب قرار سابق اتخذه المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي، في مطلع شهر كانون الثاني من العام الجاري، قضى بـ"عدم إعادة جثامين مخربين من حماس يسقطون خلال تنفيذ عمليات" وبـ "دفن هذه الجثامين في موقع يُعدّ لهذا الغرض خصيصا"!

في تلك الجلسة، بحث "الكابنيت" طرق "استعادة المواطنَين الإسرائيليين المحتجَزَين في غزة، أبراهام مانغيستو وهشام السيد، وكذلك جثتي الجنديين أورون شاؤول وهدار غولدين" اللذين اعتبرتهما إسرائيل، رسميا، "مفقودَين"، إثر سقوطهما خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة ("الجرف الصامد")، في تموز ـ آب 2014. وجاء قراره المذكور، في نهايتها، في "محاولة للضغط على عائلات المخربين، للضغط بالتالي على حماس لإعادة المواطنَين والجثتين".

وطبقا لسياسة الحكومة الإسرائيلية هذه، تم دفن سبعة جثامين لفلسطينيين في "مقبرة شهداء العدو" في مستوطنة "عميعاد" في الجليل، بينما لا يزال جثمانان آخران محتجَزين لدى الشرطة الإسرائيلي ولم يصدر "أمر دفن" لهما بعد.

وكان خلاف قد ظهر في جلسة "الكابنيت" السابقة (في كانون الثاني) بين موقفيّ وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، وممثل الجيش الإسرائيلي، الجنرال نيتسان ألون، رئيس قسم العمليات. فبينما عارض الأول إعادة الجثامين بدعوى أن سياسة احتجاز الجثامين "ستعزز قوة الردع الإسرائيلية حيال فلسطينيين ينوون تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية" و"ستؤدي إلى تقليص عدد هذه العمليات"، قال الجنرال ألون إن "الجيش يؤيد إعادة الجثامين إلى العائلات".

في التماسها إلى المحكمة الإسرائيلية، قالت العائلات الفلسطينية إن احتجاز جثامين أبنائها "تمسّ بحق الشهداء وعائلاتهم الدستوري وتشكل عقابا جماعيا يتعارض مع أحكام القانون الدولي". وأضافت إنه في حال اللجوء إلى مثل هذا الإجراء (احتجاز الجثامين) "ينبغي أن يكون ثمة نص قانوني صريح يخوّل الحكومة مثل هذه الصلاحية، وهو ما لا يحققه النص القانوني الحالي".

قاضيا الأغلبية في قرار المحكمة العليا الأخير (من يوم الخميس الماضي) أكدا أن القانون الذي تستند إليه الحكومة في سلوكها الحالي (احتجاز الجثامين) ـ الأمر رقم 133 من "أنظمة الطوارئ" الانتدابية ـ لا يخوّل الحكومة صلاحية احتجاز الجثامين "ودفنها في قبور مؤقتة، في انتظار إجراء مفاوضات حول التبادل، خلافا لدفنها في قبور دائمة".

أما قاضي الأقلية، نيل هندل، فرأى أن النص القانوني القائم حاليا يخول الحكومة احتجاز الجثامين ودفنها "في قبور مؤقتة"، نظرا لأن دولة إسرائيل "موجودة في حالة طوارئ، بكل ما في الكلمة من معنى، وحتى من الناحية القانونية أيضا، منذ يوم تأسيسها وحتى اليوم".

وفي تعقيبه على قرار المحكمة العليا الأخير، أعتبره رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، "قرارا إشكاليا جدا"، وأعلن أنه سيسارع إلى عقد جلسة خاصة وعاجلة للمجلس الوزاري المصغر (عقدت أمس) "من أجل إيجاد حلول قانونية للضغط على حماس"، لأنه "ممنوع إعطاء حماس جوائز مجانية".

أما وزيرة العدل، أييلت شاكيد، فأعلنت، فور صدور قرار المحكمة العليا، أنها ستبادر إلى طرح "مشروع قانون حكومي يسمح باحتجاز جثامين مخربين لأغراض المساومة والمفاوضات". وهو الموقف نفسه الذي أعلنه وزير الدفاع، ليبرمان، أيضا.

من جهتها، اعتبرت صحيفة "هآرتس"، في افتتاحيتها حول الموضوع (الأحد)، أن قرار المحكمة العليا الأخير "يثير الغضب" لأنه "يتشبث بالجانب القانوني الجاف، إذ يقول إن احتجاز الجثامين غير ممكن لعدم توفر نص قانوني يتيح ذلك، وليس لأن الاحتجاز هو تصرف غير أخلاقي"، خصوصا وأن قضاة المحكمة "يدركون جيدا أن الحكومة الحالية لا تتورع عن تشريع أي قانون غير أخلاقي، بالتذرع بوجود مخاطر أمنية محدقة بالدولة، بعضها حقيقي وبعضها الآخر وهمي".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات