تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 1962

تهدف هذه الورقة إلى تحليل صعود دور حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) وزعيمه أفيغدور ليبرمان في المشهد السياسي الإسرائيلي، ومحاولة فهم توجهاته الحالية من تشكيل الحكومة والتغير الذي طرأ لديه فيما يتعلق بشروطه من دخول الحكومة ذات التوجهات اليمينية، وإفشاله تشكيل حكومة يمين برئاسة بنيامين نتنياهو للمرة الثانية في أعقاب جولتين انتخابيتين عام 2019.

تدعي الورقة أن جنوح ليبرمان إلى رفض الانضمام إلى حكومة يمين مع المتدينين يعود إلى سببين: الأول، تراجع الموضوع الفلسطيني كموضوع مركزي في خطاب اليمين والنابع ربما من الشعور بأن هذا الموضوع قد حُسم لصالح التوجه اليميني، والثاني المكمل للسبب الأول، إعادة تشكيل القواعد الاجتماعية لحزبه الذين يحملون توجهين؛ هما توجه يميني قومي حيال الموضوع الفلسطيني ونحو إلغاء حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتوجه علماني نحو تعزيز فكرة الحرية من الدين.

مقدمة
تعود الأزمة الحالية التي تسبّب بها ليبرمان إلى انتخابات عام 2015، حينها انطلقت حكومة بنيامين نتنياهو من خلال نجاحه في تشكيل ائتلاف حكومي مع حلفائه الطبيعيين كما يسميهم، أي المتدينين المتزمتين وأحزاب اليمين واليمين الديني. وانضمت جميع الأحزاب اليمينية والدينية إلى حكومة نتنياهو منذ البداية ما عدا حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان. واستطاعت الحكومة، التي تكونت من 61 عضواً، أن تصمد لمدة عامين، رغم اعتمادها على أغلبية عادية شكلت بالنسبة لها تحديا كبيرا، واستطاعت الاستمرار في الحكم والقيام بتشريعات قانونية تنسجم مع مشروع اليمين في إسرائيل في طريقه للهيمنة. برهوم جرايسي، الكنيست الـ20: سجلّ القوانين العنصريّة والداعمة للاحتلال والاستيطان. (رام الله: مدار، 2019). وعقب انضمام ليبرمان إلى الحكومة بعد عامين من تشكلها، عيّنه نتنياهو وزيرا للدفاع، الأمر الذي أدى إلى استقالة وزير دفاعه من حزب الليكود موشيه يعلون. وهكذا ارتفع عدد مقاعد الائتلاف إلى 66 مقعدا. حصل حزب ليبرمان في انتخابات 2005 على ستة مقاعد، ولكن بعد انضمام ليبرمان إلى الحكومة انشقت عن الحزب عضو الكنيست أورلي ليفي- أبكسيس، مما أبقى ليبرمان مع خمسة مقاعد، وانشأت ليفي- أبكسيس حزبا باسم "غيشر" وخاضت انتخابات 2019 لكنها لم تستطع عبور نسبة الحسم. وبالرغم من انضمام ليبرمان إلى الحكومة إلا إن خلافات بقيت داخل الائتلاف الحكومي حول مسألتين ساهمتا في النهاية بخروج ليبرمان من الحكومة فيما بعد وتقديم الانتخابات، هما السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، حيث طالب ليبرمان كوزير للدفاع بسياسة أكثر عدوانية تجاه القطاع وأكثر هجومية وشاملة تجاه حركة حماس، بينما استمر نتنياهو بسياسته في الرد العيني على هجمات تقوم بها المقاومة الفلسطينية. أما المسألة الثانية فكانت النقاش حول قانون تجنيد الشبان اليهود المتدينين (الحريديم) للجيش، حيث جاء ليبرمان باقتراح لتجنيدهم بالتنسيق مع الجيش، بينما طالبت الأحزاب الدينية بإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه وصياغة قانون ينسجم مع مطالبها بإعفاء الشبان المتدينين الذين يدرسون في المدارس الدينية، وتحديد كمية المتجندين وجيلهم إلى الحد الذي يتوافق مع تصوراتها، وهو الأمر الذي رفضه ليبرمان، مما أدى إلى انسحابه من الحكومة.

عشية انتخابات نيسان 2019 أعلن ليبرمان انه لن يوصي على رئيس تحالف "أزرق أبيض" بيني غانتس لرئاسة الحكومة، بسبب إخفاقه في الحرب على غزة عام 2014، وبسبب غياب أي تجربة لديه في الحياة السياسية والجماهيرية، وأن الحكومة الوحيدة من ناحيته هي حكومة يمين. داني زكين، "ليبرمان: غانتس رجل جيد، ولكنه فشل في قيادة عملية الجرف الصامد"، موقع غلوبس، 7/3/2019، أنظر الرابط بالعبرية: https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001277183 في هذه الدورة من الانتخابات لم يوضح ليبرمان بشكل مثابر وواضح اشتراطه الانضمام إلى الحكومة بموضوع سنّ قانون التجنيد، وكان تركيزه على السؤال الأمني، لا سيما فيما يتعلق بقضية قطاع غزة. وفي الجولة الثانية من الانتخابات تراجع ليبرمان عن موقفه موضحا أنه مستعد لأن يكون في حكومة وحدة وطنية فقط، تجمع الليكود وتحالف "أزرق أبيض" وحزبه.
جدول (1): نتائج حزب "إسرائيل بيتنا" في انتخابات الكنيست

1999 2003 2006 2009 2013 2015 2019 أ 2019 ب
4 3 11 15 13 6 5 8

صعود ليبرمان في الحلبة السياسية

شكل ليبرمان حزب "إسرائيل بيتنا" عشية انتخابات عام 1999، بعد أن خرج من صفوف الليكود، والذي لعب فيه دورا مركزيا نحو تسييد نتنياهو في الحزب، فقد كان الذراع الضاربة سياسيا داخل الحزب لصالح نتنياهو. وشكل ليبرمان حزبه مكملا لتجربة الأحزاب القطاعية في السياسة الإسرائيلية، بعد أن مثل الروس في الكنيست حزب "يسرائيل بعليا" برئاسة نتان شيرانسكي.

وقد حمل حزب ليبرمان عدة توجهات وأهمها ضم مناطق المثلث للدولة الفلسطينية (عندما كان الخطاب الديمغرافي مهيمنا حينها في مشاريع التسوية)، محاربة الأحزاب الدينية، وتغيير نظام الحكم في إسرائيل، وفي النهاية تعزيز مصالح الروس في إسرائيل الذين شكلوا قوة سياسية واجتماعية جديدة في المجتمع الإسرائيلي. ومنذ عام 1999 والحزب يخوض الانتخابات بشكل منفرد (عدا انتخابات 2013 والتي خاضها بتحالف مع الليكود وسرعان ما انفك التحالف بينهما)، ووصلت ذروة قوة ليبرمان في انتخابات 2009، فقد حصل على 15 مقعدا بسبب رفعه لشعار "لا حقوق بدون واجبات"، وكان موجها بالأساس ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل.

في انتخابات 2013 تحالف ليبرمان مع نتنياهو وشكلوا قائمة "ليكود بيتنا". تمت مفاوضات الحلف بسرية تامة، وتم الإعلان عنه بشكل مفاجئ، وكان يهدف نتنياهو من التحالف إلى بناء حزب كبير في الخارطة السياسية الإسرائيلية يحصل على أكثر من 40 مقعدا، ويعيد إلى الأذهان الأحزاب الكبيرة التاريخية، وذلك لضمان تشكيله لحكومة مستقرة لا يكون فيها تابعا للأحزاب الصغيرة والمتوسطة، علاوة على ذلك كان يهدف إلى ضمان بقاء ليبرمان وحزبه في ائتلاف حكومته القادمة، فهو قادر على أن يشكل حالة توازن بين معسكر الأحزاب المعارضة لنتنياهو وبين الليكود وحلفائه في الحكومة. أما ليبرمان الذي بدأ حياته السياسية في حزب الليكود، وأنشأ بعدها حزبا قطاعيا يعتمد على قواعد اجتماعية روسية، فيطمح لأن يكون وريث نتنياهو، رئيسا للحكومة وزعيماً لليمين في المستقبل، بعد انتهاء عهد نتنياهو، فكان التحالف، بالنسبة له، فرصة ليكون زعيم الليكود المستقبلي ومرشحه لرئاسة الحكومة.

انطلق الزعيمان من قراءة مبسطة لجدوى هذا التحالف، واعتقدا أن الائتلاف بينهما (سمي: "الليكود بيتنا") سيحقق، على الأقل، حصيلة المقاعد التي حصلا عليها في الانتخابات السابقة (27+15=42). وتعهد ليبرمان بأن الائتلاف الجديد سوف يحصل على أربعين مقعدا على الأقل. وبيّنت النتائج إخفاق تحالف "الليكود بيتنا"، وتوقع كل من نتنياهو وليبرمان أن يحصل تحالفهما على أربعين مقعدا على الأقل. ينير يغنا، "ليبرمان: الاستطلاعات لا تعكس الواقع، سنحصل على أربعين مقعدا"، هآرتس، 19/1/2013. إلا أن النتائج جاءت بأقل حتى من نتائج الاستطلاعات، التي توقعت حصول التحالف على 35 مقعدا. وحصل التحالف على 31 مقعدا، ونسبة 23.3%. بينما حصل الحزبان معا في انتخابات 2009 على 42 مقعدا، ونسبة 33% من الأصوات، وذلك عندما خاضا الانتخابات كلا على حدة، بمعنى أنهما خسرا ربع مقاعدهما في الانتخابات. وتوقع نتنياهو وليبرمان أن تحالفهما سوف يؤدي إلى تكاتف قواعدهما الاجتماعية، علاوة على أنه سيجذب قواعد جديدة من اليمين، إلا أن التحالف أبعد الكثير من قواعدهما التقليدية، بسبب تحالفهما.

يحظى حزب ليبرمان بدعم اليهود الروس بالأساس، فهو حزب قطاعي، حيث أن 75% ممن صوتوا للحزب في انتخابات 2009 كانوا من اليهود الروس. وحقق الحزب منذ تأسيسه عام 1999 نجاحات انتخابية وصلت ذروتها في عام 2009 بحصوله على 15 مقعدا. وظهر زعيمه أفيغدور ليبرمان كزعيم اليمين القادم. وتتميز قواعد الحزب بعلمانية معادية للدين، حيث خاض الحزب صراعات مع الأحزاب الدينية على قضايا الدين والدولة. كما أنها تتبنى مواقف يمينية متطرفة من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومن مكانة الفلسطينيين داخل إسرائيل. تمار هوروفيتس، "ازدياد القوة السياسية لمهاجري الاتحاد السوفييتي السابق في إسرائيل: من مواطنة سلبية إلى مواطنة فاعلة"، في: موشيه ليسك وإليعازر ليشم (محرران)، من روسيا إلى إسرائيل: هوية وثقافة في حالة انتقال، (تل أبيب: هكيبوتس همئوحاد، 2001)، ص:100-123. وتبيّن نتائج الانتخابات، في المدن ذات الأغلبية الروسية، أن الروس امتنعوا عن التصويت في انتخابات 2013، فقد تراجعت نسبة التصويت لدى الروس بـ10%، مع العلم أن القوة الانتخابية للقطاع الروسي تصل إلى عشرين مقعدا، أليكس تانتسر، "الروس المنسيون"، هآرتس، 26/2/2013، ص: 15. حيث أن التحالف بين قواعد الحزب العلمانية المعادية للدين، وبين قواعد محافظة ومتدينة في الليكود، أدى إلى عزوف الكثير من الروس عن التصويت للتحالف الجديد، وخاصة بعد صعود النخبة الجديدة في الليكود، ومنها الكثير من المتدينين أو المحافظين.

وتشير المعطيات إلى أن الروس ينتمون إلى الطبقة الوسطى الدنيا في المجتمع الإسرائيلي، ومع ذلك فلم تعمل حكومات اليمين على دعمهم، بل زادت الأعباء الاقتصادية عليهم. المصدر السابق. كما أن التحالف مع الليكود أفقد الحزب هويته القطاعية كحزب للمهاجرين الروس الذين يصل عددهم إلى مليون روسي، لهم احتياجاتهم الخاصة في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. فلورا دافيدوفيتش، معطيات ديمغرافية حول السكان في إسرائيل: عرض لأبحاث، (القدس: مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست، 2011)، ص:8.

في انتخابات 2015 تراجع حزب "إسرائيل بيتنا" إلى 6 مقاعد، ويعود ذلك إلى قضايا الفساد المالي والسياسي التي تورطت بها شخصيات من الحزب كشفتها الشرطة ثلاثة أشهر قبل الانتخابات، وإلى الانطباع الذي تركه ليبرمان أمام ناخبيه بأنه غير قادر على تنفيذ وعوده الكثيرة التي يطلقها قبل كل انتخابات، مثل الإطاحة بحكم حماس في قطاع غزة، ونقل مواطنين فلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية، وغيرهما من الوعود التي لم ينفذ أيا منها. كما أن الصوت الروسي في هذه الانتخابات انتقل قسم كبير منه إلى الليكود الذي يعطي تمثيلا ملائما لليهود الروس على قائمته، وهو ما كشفته نتائج الانتخابات في مناطق ذات طابع روسي.

صوت اليهود الروس في غالبيتهم لليمين الإسرائيلي، ففي بحث أولي أجري على أنماط التصويت في 42 صندوق اقتراع في 18 مدينة وبلدة تمثل الانتشار الروسي في إسرائيل، تبين أن حوالي 42% من الروس صوتوا لحزب ليبرمان، بينما صوت 30% لليكود كان فيه تمثيل لائق لليهود الروس، وحصل "المعسكر الصهيوني" على أقل من 7% من الأصوات. وتشير هذه المعطيات إلى أن الروس صوتوا للحزب الروسي، كما أن غالبيتهم الكبيرة صوتت لمعسكر اليمين. وتشكل أصوات الروس بالنسبة لحزب "إسرائيل بيتنا" المخزون الانتخابي المركزي للحزب، فهي تؤلف حسب نتائج دورات الانتخابات السابقة حوالي 75% من الأصوات التي يحصل عليها الحزب. وفي انتخابات 2015 تراجع الحزب إلى ستة مقاعد، بعد أن حصل في انتخابات 2013 ضمن تحالف مع الليكود على 13 مقعدا، وفي انتخابات 1999 حصل على 15 مقعداً، وهي أعلى نسبة تمثيل برلماني حصل عليها الحزب منذ دخوله السياسة الإسرائيلية عام 1999. وفي الدورتين الانتخابيتين 2013-2015، حدث تحولان في السلوك الانتخابي لدى الناخبين الروس، فمن جهة هناك تراجع في نسبة التصويت في هذا القطاع، تصل إلى أقل من المعدل العام في الدولة، وهناك انتقال شريحة من الناخبين من "إسرائيل بيتنا" إلى الليكود، الذي يعطي تمثيلا للروس في قائمته الانتخابية. وساهم هذان التحولان في تراجع قوة "إسرائيل بيتنا" في دورتين من الدورات الاخيرة (بما في ذلك انتخابات نيسان 2019).

خاتمة
بينت نتائج الدورات السابقة أن ليبرمان وحزبه يشهدان تراجعا كبيرا في التمثيل البرلماني، وقد أضاء ذلك الضوء الأحمر لليبرمان، والذي اعتبر أن ابتعاده عن سؤال الدين والدولة أفقده الكثير من قواعده الانتخابية، حيث ظهر أنه جزء طبيعي من كتلة يمين دينية نجحت في السنوات الأخيرة في تعزيز هيمنة الأحزاب الدينية على المشهد السياسي العام في إسرائيل. كانت النتيجة التي توصل لها ليبرمان أن استعادة دوره السياسي وقوته السياسية تكون من خلال العودة إلى الخطاب المعادي للأحزاب الدينية، لا سيما بعد تراجع الموضوع الفلسطيني.

ويمكن القول إن غياب الموضوع الفلسطيني دفع ليبرمان لأول مرة إلى طرح قضية العلاقة بين الدين والدولة في صلب دعايته الانتخابية متحديا حكم كتلة اليمين الإسرائيلي، فلم يكن لليبرمان أن يملك الجرأة على تهديد حكم اليمين أو منع تشكيل حكومة يمينية لو أن الموضوع الفلسطيني كان موضوعاً مركزياً في الخطاب الإسرائيلي والدعاية الانتخابية، فهو يشارك اليمين طروحاته حول الموضوع الفلسطيني، ولكنه يختلف عنه في مسألة الدين والدولة. قبل ذلك، كان الفلسطينيون بمثابة الشغل الشاغل لليبرمان في حملاته الدعائية وخطابه السياسي، مرة بفكرة ضم المثلث إلى الدولة الفلسطينية (عام 1999)، ومرة بفكرة الولاء للدولة اليهودية (عام 2003)، ومرة بفكرة إعدام الأسرى الفلسطينيين (2015). وكانت الحملة الأخيرة هي الحملة الانتخابية الأولى التي يغيب فيها الموضوع الفلسطيني عن خطاب ليبرمان ودعايته.