تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 812
  • برهوم جرايسي

سجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، حدثا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأميركية، وفي العلاقة بين الحكم الأميركي ويهود الولايات المتحدة، بعد ان اتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بأنهم جهلة ولا يعرفون مصلحة إسرائيل، وسط صمت مطبق من بنيامين نتنياهو؛ إلا أن المنظمات الصهيونية، وحتى اليمينية منها، انتقدت تصريحات ترامب، التي هي انعكاس لحجم الشرخ الذي أحدثه نتنياهو مع الحزب الديمقراطي في السنوات الأخيرة.

وقد رد ترامب على الانتقادات التي تعرض لها بسبب هجومه على اليهود الأميركيين الذين يدلون بأصواتهم لصالح الحزب الديمقراطي، وزاد عليها في تصريحات أطلقها في منتصف الأسبوع الماضي، بأن قال إن أي تصويت لصالح مرشح ديمقراطي هو تصويت ضد إسرائيل. وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض، أن تصويت اليهود  للحزب الديمقراطي "يعني إما افتقاد تام للمعرفة أو عدم ولاء كبير".

وأثار هذا الاتهام غضب مرشحين رئاسيين ديمقراطيين ومنظمات أميركية يهودية. وقال منتقدون إن تصريحات ترامب عكست أفكارا نمطية معادية للسامية، تتهم اليهود الأميركيين بازدواجية الولاء للولايات المتحدة وإسرائيل.

وقد سبقت هذا سلسلة تصريحات أطلقها ترامب ضد النائبتين في الكونغرس الأميركي، من الحزب الديمقراطي، رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية، وإلهان عمر، من أصول صومالية. كما ورد في تقارير صحافية، أن ترامب حض وشجع بنيامين نتنياهو على منع دخول النائبتين الى البلاد، إذ كانتا تنويان زيارة الضفة المحتلة.
وقد لاقت تصريحات ترامب غضبا واسع النطاق في الحزب الديمقراطي، وخاصة من المرشح جو بايدن، والمرشح الأميركي اليهودي بيني ساندرس. إلا أن التصريحات الأشد جاءت من منظمات أميركية يهودية.

وحسب تقرير صحيفة "هآرتس"، فقد اتهمت المنظمات اليهودية، والسياسيون الأميركيون، ترامب بنشر رسائل معادية للسامية، وطالبوه بالاعتذار عن البيان الذي لم يقله أي رئيس من قبل.

وقالت حركة (جي ستريت)، وهي جماعة ضغط يهودية أميركية ليبرالية سلامية، في بيان "من الخطر والعار أن يهاجم الرئيس ترامب الأغلبية العظمى من الطائفة اليهودية الأميركية ويصفها بالغباء و‘الخيانة‘".

وقالت اللجنة الأميركية اليهودية، "إيباك" إن تعليقات الرئيس "مثيرة للانقسام بشكل صادم". وطلبت إيباك من ترامب التوقف عن استخدام الجالية اليهودية لأغراض سياسية.

وجاء في البيان "يكفي يا سيادة الرئيس، لليهود الأميركيين، مثلهم مثل جميع مواطني الولايات المتحدة، وجهات نظر سياسية متنوعة. بيانكم عن الولاء والمعرفة على أساس تفضيل الحزب هو بيان ضار وغير محترم وغير مرغوب فيه".

وقال جوناثان غرينبلات، المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، المنظمة اليهودية الأكبر في مكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة، إن "مزاعم الخيانة كانت موجهة ضد اليهود منذ قرون. لقد حان الوقت للتوقف عن استخدام اليهود ككرة قدم سياسية".

وقال رئيس لجنة الشؤون العامة اليهودية ديفيد بيرنشتاين إن ترامب "يجب أن يعتذر على الفور."

وأعرب بيرنشتاين عن أمله في أن ينتقد المشرعون الجمهوريون تصريحات الرئيس، وليس فقط الديمقراطيين.

غير أن اللجنة اليهودية الجمهورية وقفت إلى جانب ترامب.

وقالت اللجنة "إن الرئيس ترامب على حق. أن تدافع عن حزب يحمي ويشجع أشخاصا يكرهونك بسبب دينك، فهذا يظهر قدرا كبيرا من خيانة النفس".

الشرخ مع الحزب الديمقراطي

على مر عشرات السنين، حافظت المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، على مسافة بُعد واحد، من الحزبين الأميركيين المتناوبين على السلطة؛ ورغم هذا، فقد برزت فوارق هامشية، بين علاقة حزب العمل الإسرائيلي، حينما يكون في الحكم، بالحزب الديمقراطي، وعلاقة الليكود، خاصة برئاسة بنيامين نتنياهو، بالحزب الجمهوري.

ولأول مرّة في تاريخ إسرائيل، عمل نتنياهو بشكل مكشوف ضد الحزب الديمقراطي في السنوات السبع الأخيرة، وكانت الأولى في انتخابات 2012، حينما دعم نتنياهو، وأصدقاؤه من حيتان المال، المرشح الجمهوري ضد الرئيس باراك أوباما، الذي ترشح لولاية ثانية وانتصر.

وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة لتصرف نتنياهو، إلا أن الأخير اختار حملة الانتخابات الإسرائيلية في شهر آذار 2015، ليلقي في الكونغرس الأميركي خطابا، دون تنسيق مع أوباما، وإنما بالتنسيق مع الحزب الجمهوري، حرّض فيه على الاتفاق النووي العالمي مع إيران، ودعا الأعضاء للتصويت ضد الاتفاق، بخلاف موقف أوباما.

واستمر هذا النهج في الانتخابات الرئاسية الأميركية في خريف العام 2016، التي فاجأت العالم بفوز دونالد ترامب بالرئاسة، ليشرع ترامب بسياسة انصهار كلي بنهج اليمين الاستيطاني الصهيوني، الذي يتغلغل في أروقة البيت الأبيض. ونرى أن من يقرر بشؤون الشرق الأوسط وما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هم الثلاثية الصهيونية الاستيطانية: جاريد كوشنير، نسيب ترامب، والمستشار جيسون غرينبلات، وديفيد فريدمان، السفير لدى إسرائيل.

وقاد هذا النهج إلى قطع كل أشكال المساعدة للسلطة الفلسطينية، وشن حرب على وكالة غوث اللاجئين الفلسطينية الأونروا، بهدف إفلاسها. ثم جاء الاعتراف بديمومة احتلال القدس، ونقل السفارة الأميركية اليها، وتبع ذلك إعلان ترامب عن مصادقة الولايات المتحدة على ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة الى ما تسمى "السيادة الإسرائيلية". وبموازاة كل هذا، تحاك في أروقة البيت الأبيض خطة لتصفية القضية الفلسطينية، تحت تسمية "صفقة القرن".

وعلى مدى السنوات السبع الأخيرة، ظهرت سلسلة من التقارير الإسرائيلية، وأخرى صادرة عن منظمات صهيونية أميركية، تحذر حكومة إسرائيل من خرق الوضع القائم في العلاقة مع الحزبين الأميركيين الأكبرين، المتناوبين على السلطة. كما تحذّر من أن إسرائيل ستدفع ثمنا سياسيا، في حال عاد الديمقراطي إلى الحكم الأميركي.

إلا أن نتنياهو يرفض كل هذه التوجهات، وحتى أنه لم يستوعب، كما يبدو، البحث الذي أجراه معهد "بيو" الأميركي، الذي تعتمد عليه المعاهد اليهودية والصهيونية، وتبين منه، أن 79% من الأميركان اليهود، صوتوا في الانتخابات التشريعية النصفية في مطلع تشرين الثاني 2018، للحزب الديمقراطي، بمعنى ضد ترامب والحزب الجمهوري، رغم كل سياسات نتنياهو.

وأكثر من هذا، فإن نسبة 79% هي نسبة غير مسبوقة، لأنه على مر السنين، فإن نسبة اليهود الذين يصوتون للحزب الديمقراطي تتراوح ما بين 67% الى 70%. وهذا ما يمكن تفسيره بانغماس اليهود بشعبهم الأميركي، دون علاقة بالصهيونية ومشروعها إسرائيل. وهذا يعزز سلسلة أبحاث سابقة تؤكد على أن 50% من اليهود الأميركان لا علاقة لهم بالمؤسسات اليهودية، والدينية اليهودية والصهيونية، وأن هذه النسبة ترتفع لدى الأجيال الشابة.

محللون إسرائيليون ينتقدون

يقول المحلل حيمي شاليف، في مقال له في صحيفة "هآرتس" في الأسبوع الماضي: لقد أثبت ترامب أنه يضغط على إسرائيل لإبعاد الحزب الديمقراطي عن اليهود، والمانحين منهم لهذا الحزب. ويحاول ترامب تسميم العلاقة بين اليهود والحزب الذي يجسد قيمهم ويقف إلى جانب إسرائيل، حيث ما زال الجمهوريون يعاملونها كعقبة أمام التواصل مع دول الخليج النفطية.

ويقول المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم بارنياع، في مقال له نشر يوم الجمعة الماضي 23 آب، إنه "منذ أجيال واليهود الأميركيون يجتهدون ليثبتوا لجيرانهم بأن ولاءهم واحد للولايات المتحدة. وحتى عندما يتجهون لنجدة اليهود في بلدان أخرى، في إسرائيل مثلا، يفعلون هذا انطلاقا من الرغبة بالإحسان لدولتهم الواحدة. لا يوجد لديهم ولاء مزدوج، إلى أن جاء ترامب. وقال ترامب في الأسبوع الماضي، إن "اليهود الذي يصوتون للحزب الديمقراطي هم إما جهلة او غير موالين". غير موالين لمن؟ سارع أعضاء كونغرس يهود يتساءلون. مسألة الولاء حساسة جدا لديهم".

واعتبر بارنياع تصريحات ترامب الأخيرة بأنها لا سامية، وقال: كإسرائيليين علينا أن نفهم أنه من الصعب أن تستوي لزمن طويل آراء لاسامية مع تأييد متحمس لإسرائيل. في النهاية هذا سيتفجر. علينا أن نفهم أيضا أن ترامب ليس أعظم أصدقاء إسرائيل. صداقته هشة لغاياته الشخصية، لا تعرف الشبع. في اليوم الذي سنحتاجه حقا، في مسألة إيران مثلا، سيختفي. في هذه الأثناء نجح في أن يبعد عنا الحزب الديمقراطي، منتخبيه وناخبيه. عمّق الإسفين بيننا وبين أغلبية الجالية اليهودية، حَمّس ميليشيات نازية جديدة، وغرس عضوتي كونغرس معاديتين في مركز الخطاب الجماهيري. إذا كان هكذا يتصرف عظيم أصدقائنا، فإني أفضل عدوا".

إسرائيل تدفع ثمن الاستقطاب

يوم 21 نيسان الماضي، نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا يحذر من أن تقع إسرائيل في دوامة حالة النزاع المتفاقم بين الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي، وجاء في ذلك التقرير أن حالة "الاستقطاب الأميركي الداخلي المتنامي بدأت أيضا في التراجع عن دعم إسرائيل، والذي ظل لسنوات عديدة قضية توافقية بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء".

ويقول التقرير إنه "خلال رئاسة دونالد ترامب، تكثفت هذه الاتجاهات، جزئياً بسبب أسلوب الرئيس الصريح، وموقفه النقدي تجاه مختلف القطاعات والمؤسسات الأميركية، وتفضيله لأنصاره على حساب الدولة. ليس الخطاب العام والسياسي المزدهر هو الجزء الوحيد من قاعدة المحافظين اليمينيين لترامب. في الواقع، قام الرئيس بتدريب قواعد اللعبة هذه حتى على خصومه العديدين على الجانب الأيسر من الخريطة السياسية".

وجاء في التقرير ذاته، لقد "بدأت عملية الاستقطاب الأميركية- الأميركية المتنامية في التراجع عن دعمها لإسرائيل، والذي كان لسنوات عديدة قضية توافقية، تم قبولها على نطاق واسع من قبل كل من الجمهوريين والديمقراطيين. تدريجيا، يصبح دعم إسرائيل قضية مثيرة للجدل، يتم تحديدها بشكل أساسي مع الحزب الجمهوري".

و"في الواقع، في أعقاب سلسلة من التصريحات المثيرة للمشاكل من قبل أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، جادل الرئيس بأن فوز الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة في عام 2020 يمكن أن "يترك إسرائيل وحدها"، وأنه حدد رحيلًا واسعًا لليهود الديمقراطيين- وهو مصطلح أطلق عليه اسم "Jexodus" في الخطاب الأميركي. من قبل الرئيس للحزب الخصم.

"ومع ذلك، ما زال من السابق لأوانه تقييم ما إذا كانت هذه الظاهرة تسيطر على الواقع: تشير البيانات المستقاة من الدراسات المتعمقة واستطلاعات الرأي العام في العقود الأخيرة إلى أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، التي تشكل حوالي 2% من سكان البلاد، هي أكثر الأقليات تحرراً في البلاد، وتتميز بأكثر من 70% من الدعم للحزب الديمقراطي. ومع ذلك، حتى الآن، لم تكن مسألة دعم إسرائيل أحد الاعتبارات المهمة في تصويت اليهود الأميركيين على مر السنين".

أوساط إسرائيلية، بما فيها الليكود ونتنياهو، تترقب الانتخابات الأميركية الرئاسية والتشريعية التي ستجري في مطلع تشرين الثاني 2020، بمعنى بعد نحو 14 شهرا من الآن. وليس واضحا ما هو مصير ترامب، إذ أنه من غير الممكن الاعتماد فقط على نتائج الانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في مطلع تشرين الثاني من العام الماضي، وتكبّد فيها الحزب الجمهوري خسائر جدية، وهبط إلى أقلية في الكونغرس، مع أغلبية هشة جدا في مجلس الشيوخ "السينات".

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإنه في حال فاز الحزب الديمقراطي، وحتى ولو كان المرشح الفائز جو بايدن، فإن العلاقة مع نتنياهو وحكومته، في حال بقي على كرسيه حتى ذلك التاريخ، ستكون علاقة باردة، وقد تكون فيها تراجعات عن سياسة ترامب، لتعيد الولايات المتحدة لنفسها مكانة في "الوساطة" السياسية، التي شطبتها قيادة منظمة التحرير، بسبب سياسات ترامب وقراراته.

ورغم هذا، فإنه سيكون من المستبعد جدا أن نرى انقلابا في العلاقة مع إسرائيل، لأنها تبقى من ناحية استراتيجية الركيزة الثابتة والأقوى في الشرق الأوسط للمشاريع الأميركية الكبرى في المنطقة.