تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

كما كان متوقعاً بدأ حزب الليكود، ورئيسه بنيامين نتنياهو، بممارسة الضغوط على قائمتين من اليمين الاستيطاني المتطرف، لتنسحبا من المنافسة الانتخابية، إذ أن مجموع ما ستحصل عليه القائمتان، كلاً على حدة، من شأنه أن "يحرق" ما يعادل 4 مقاعد برلمانية، ولربما أكثر. وهما قائمة "زهوت" (هوية) برئاسة المتطرف موشيه فيغلين، وقائمة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، والتي شطبت المحكمة العليا اثنين من مرشحيها البارزين مؤخراً.

والهدف الأساس لنتنياهو هو أن يحقق أغلبية 61 مقعدا لحزبه وشركائه، من دون حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان. وبحسب استطلاعات الرأي، تبدو هذه المهمة أقرب للمستحيل، طالما أن حزب ليبرمان يحصل في استطلاعات الرأي على ما بين 9 إلى 11 مقعدا.

وفي حسابات نتنياهو، فإن خروج القائمتين من المنافسة قد يؤدي الى صب قسم من أصواتها لمصلحة قوائم اليمين الاستيطاني، خاصة الليكود وتحالف "يامينا". ولكن الأهم في هذه النقطة، هو أنه كلما كان عدد الأصوات "المحروقة"، بمعنى أصوات القوائم التي لا تعبر نسبة الحسم، أقل فإن عدد الأصوات التي يحتاجها المقعد الواحد ستزيد، وبموجب القانون الإسرائيلي الخاص بتوزيع المقاعد والأصوات الفائضة، فإن هذا يصب في صالح الكتل الكبيرة، والكتل المتعاقدة في ما بينها باتفاقيات فائض أصوات. وهذا يعني من ناحية الليكود وحلفائه أن انسحاب هاتين القائمتين قد يقرّب نتنياهو إلى الهدف الذي يسعى له: 61 مقعدا من دون ليبرمان.

في انتخابات نيسان الماضي تم حرق ما يزيد عن 8% من الأصوات، 95% منها هي من اليمين الاستيطاني، إذ إن مجموع ما احترق من أصوات زاد عن 341 ألف صوت؛ منها أكثر من 138 ألف صوت لتحالف "اليمين الجديد"، الذي بات حاليا برئاسة أييلت شاكيد، و118 ألف صوت لقائمة "زهوت" برئاسة موشيه فيغلين، وقرابة 75 ألف صوت لقائمة النائبة السابقة أورلي ليفي أبكسيس، التي تحالفت مع حزب العمل. وهذا ساهم في إعادة توزيع الأصوات وأضاف مقاعد لقائمتي الليكود و"أزرق أبيض" وغيرهما.

بقيت أسابيع ثلاثة حتى يوم الانتخابات المقبلة، وهي تُعد فترة زمنية "طويلة" للمقايضات، لأن انسحاب القائمتين أو واحدة منهما على الأقل، لن يكون من دون اتفاقيات، أهمها تلك البعيدة عن الأعين، وغير المكتوبة، وقد يكون من الصعب كشفها مستقبلا، خاصة إذا كانت متعلقة بالأموال، لغرض تسديد نفقات القائمتين على الحملة الانتخابية. ولذا من الصعب معرفة المشهد الأخير منذ الآن.

ولكن من ناحية أخرى، فإن قائمة "عوتسما يهوديت" المنبثقة عن حركة "كاخ" المحظورة في العديد من دول العالم، بينها الولايات المتحدة الأميركية، لها مصلحة بالبقاء في المنافسة، حتى ولو بثمن حرق أصوات لليمين الاستيطاني، لأنها بحاجة لإثبات حضورها على الساحة، فهي تقدّر قوتها بما يعادل مقعدين برلمانيين.

وتستند "عوتسما يهوديت" في هذا التقدير لانتخابات 2013، حينما خاضت الانتخابات بقائمة مستقلة، وحصلت على 2%، وانتخابات 2015، حينما خاضت الانتخابات بتحالف مع المنشق عن حزب شاس إيلي يشاي، وحصلت القائمة على نسبة تلامس 3%. وحاجتها لإثبات حضورها هي كي يتم أخذها بالحسبان في أي انتخابات مقبلة قد تجري قبل إتمام السنوات الأربع القريبة. وفي كل الأحوال، فإن احتمال انسحاب "عوتسما يهوديت" يبقى قائما، وإذا تم يجب البحث عن المقابل، لأنه قد يكون سياسيا أيضا مع هذه الحركة، التي شطبت المحكمة العليا اثنين من مرشحيها وقبل انتخابات نيسان الماضي تم شطب ترشيح آخر. وكان نتنياهو قد ضغط كثيرا على تحالف أحزاب المستوطنين، الذي أخذ لنفسه اسم "يامينا"، كي يضم حركة "عوتسما يهوديت"، إلا أن هذه الأخيرة طالبت بمقعدين مضمونين وهو ما منع إقامة التحالف.

المحكمة العليا تشطب مرشحين

للمرّة الثالثة في تاريخ المحكمة العليا الإسرائيلية يتم شطب مرشحين لأتباع حركة "كاخ". فقد أقرت المحكمة العليا في مطلع الأسبوع شطب ترشيح باروخ مرزل وبنتسي غوبشتاين من قائمة "عوتسما يهوديت". بينما أبقت المحكمة على ترشيح زعيم الحركة حاليا، إيتمار بن غفير، كما أبقت على تشريح القائمة ذاتها، متجاهلة عن أي حركة انبثقت. وفي حين كان هناك إجماع قضاة على شطب ترشيح غوبشتاين بسبب تصريحاته العنصرية الشرسة، فإن القرار بشأن مرزل اتخذ بأغلبية القضاة، ومعارضة القاضي سولبرغ، وهو مستوطن.

وكانت المحكمة العليا قد شطبت قبل انتخابات نيسان الماضي ترشيح ميخائيل بن آري من ذات الحركة. في حين أن المحكمة العليا كانت قد منعت مؤسس حركة "كاخ" مئير كهانا من الترشح ثانية للكنيست في العام 1984، بعد أن دخل الكنيست لدورة واحدة، 1981- 1984، وكان يشهد مقاطعة من كل أعضاء الكنيست في حينه، بمن فيهم نواب الليكود.

واعتراض سولبرغ على شطب ترشيح مرزل من جهة، وموافقة المحكمة بإجماع قضاتها على ترشح كل قائمة "عوتسما يهوديت" من جهة أخرى، هما مؤشر إلى مستقبل المحكمة العليا، التي بات فيها ممثلو اليمين الاستيطاني أقرب الى أغلبية القضاة الـ 15، من بينهم ثلاثة مستوطنين. و6 من هؤلاء القضاة تم تعيينهم في الولاية البرلمانية الـ 20، بدفع من وزيرة العدل أييلت شاكيد وحزب الليكود.

وانتقد الخبير الحقوقي البارز البروفسور مردخاي كريمنيتسر، في مقال له في صحيفة "هآرتس"، قرار المحكمة العليا إجازة قائمة "عوتسما يهوديت". وكتب تحت عنوان "قرار العليا لن ينجح في منع العنصرية من رفع رأسها"، أنه "علينا عدم خداع أنفسنا. إن الرفض الواجب للكهانيين (نسبة إلى مئير كهانا) والعنصريين يمنح المواطنين المتعقلين ظروفا جيدة. ولكن ذلك بحد ذاته ليس علاجا فعالا لظاهرة العنصرية". وقال إن قرار المحكمة العليا منع الأكثر فظاظة من الترشح وليس كل العنصريين.

وأضاف كريمنيتسر "إن رفض الطرف الأكثر فظاظة للعنصرية لا يمكنه مواجهة التغيير الكبير الذي بدأ في السياسة وفي المجتمع الإسرائيليين، منذ وقوف جبهة سياسية واحدة ضد كهانا وحتى تحويل عوتسما يهوديت الى قائمة مشروعة، ليس فقط قانونياً بل وأيضاً سياسياً واجتماعياً".

وتابع "طالما أن القوى السياسية المسيطرة تؤيد التمييز ضد العرب في الاستيطان وفي السكن وتشكك دائما بشرعية السياسة العربية وتقف من وراء قانون أساس: القومية فإن العنصرية سترفع رأسها. وطالما أن نظام التعيين موجود في أيدي من لا تهمه القيم الديمقراطية والليبرالية فإن العنصرية ستتعزز. وطالما أن المجتمع الإسرائيلي يتمسك بالرواية الكاذبة التي تقول إن جميع الفلسطينيين هم أعداء رئيسيون وأبديون للدولة وللأكثرية اليهودية فلا يوجد له علاج".