يعرف كل صحافي مبتدئ، وكل دارس للصحافة في سنته الأولى، أن مهمة الصحافي تتلخص في نقل الخبر، وليس التدخل في توجيه الأحداث على الأرض، والقيام بأدوار ووظائف الآخرين من عناصر الشرطة ورجال الإسعاف والإطفاء وعمال المحميّات الطبيعية وغيرهم، لكن هذه الحقيقة البديهية البسيطة تلاشت خلف حملات الإشادة بالمصوّر موشي بن عمي، الذي يعمل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها الإلكتروني، لقيامه بمطاردة الفلسطيني إسماعيل نمر (44 عاما) وإطلاق النار عليه و"تحييده" في إثر قيام الأخير بعملية طعن سائق حافلة إسرائيلي قرب مفترق راموت بتاريخ 19/7/2022.
بدأت ترتسم شيئا فشيئا أبرز المعالم المتوقعة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي ستجري في مطلع تشرين الثاني المقبل، حتى في فترة إعداد القوائم الانتخابية، التي ستنتهي مع تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية في منتصف شهر أيلول المقبل. ففي حين رأينا في الجولات الانتخابية الأربع السابقة في السنوات الثلاث الأخيرة، سعيا لضمان تمثيل برلماني للحركة المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة قانونيا، فإن هذه الحركة ("قوة يهودية") تظهر في حملة الانتخابات الجارية كمن تريد فرض سيطرتها على الشريك، وفي الوقت نفسه سنشهد منافسة شديدة بين ثلاث قوائم، إذا لم تكن أربع، بضمنها الليكود، على معاقل اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا، ومعه التيار الديني الصهيوني.
لدى التفاتة سريعة إلى وجهة النظر الإسرائيلية حيال زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط والتي شملت إسرائيل، ومدينة القدس الشرقية، ومدينة بيت لحم التي عقد فيها لقاءً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمملكة العربية السعودية التي شارك خلالها في "قمة جدّة" بحضور زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست وكل من مصر والأردن والعراق، ليس من العسير ملاحظة أن النتيجة الأهم، بالنسبة إليها، تمثلّت في توقيعه "إعلان القدس" للشراكة الاستراتيجية، سويةً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد.
بعيداً عن العناوين السياسية الإسرائيلية الصاخبة، يدور جدلٌ ضيّق النطاق من ناحية ممارسيه والمهتمّين به على حد سواء، مع أنه يتعلّق بأكثر حجارة الزاوية أساسيةً في بنية الحقوق والحريّات المتعلّقة بالتعبير والتفكير. إذ ألغى مسرحٌ مستقل في بئر السبع، قبل أسابيع قليلة، عرض مسرحية لأنها تضم شهادات لجنديّات إسرائيليّات خدمن سابقاً في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ شهادات كنّ أدلين بها إلى منظمة "لنكسر الصمت" التي تجمع وتنشر شهادات لجنود يصفون تجربتهم العسكرية في جيش الاحتلال بكل ما فيها من اعتداءات على الفلسطينيين وحقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم.
الصفحة 194 من 922