مع استطالة الحرب الروسية على أوكرانيا، ونتائجها القاسية على الأرض، لم يعد الموقف الإسرائيلي الرمادي والمتردد، مقنعا لأي من طرفي الحرب الرئيسين، ولا لحلفائهما وبخاصة للحلف الدولي الواسع الذي تقوده الولايات المتحدة ضد روسيا، حيث تواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حشد مزيد من الحلفاء، وتستعد لفرض سلسلة جديدة من العقوبات ضد روسيا. وسط هذه الأجواء المتوترة والمشحونة جدا، جاءت أزمة العلاقات الروسية- الإسرائيلية والتي كان أبرزها حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لقناة تلفزيونية إيطالية والتي ألمح فيها إلى وجود جذور يهودية للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر ما أثار عاصفة لم تهدأ بعد من التنديد في إسرائيل، ودعا كثيرا من وسائل الإعلام العالمية إلى النبش في الخلفيات التاريخية لحديث لافروف.
أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا بتاريخ 4 أيار 2022 قراراً يتيح للجيش الإسرائيلي إخلاء مسافر يطا من سكانها على اعتبار أن المنطقة هي منطقة تدريب عسكرية يسيطر عليها الجيش ولا يحق للفلسطينيين "الاعتداء عليها" من خلال "الاستيطان" الدائم فيها. يأتي هذا القرار النهائي في صيغته، ردا على التماسين قدمهما 108 فلسطينيين من سكان مسافر يطا، ومثلهم في المحكمة كل من محمد موسى شحادة أبو عرام (أحد سكان المسافر) بالإضافة إلى جمعية حقوق المواطن في إسرائيل.
افتتح الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين من هذا الأسبوع دورته الصيفية، التي من المفترض أن تستمر 12 أسبوعا، ولا أحد يستطيع التكهن بالمطلق ما إذا كانت أزمة الائتلاف الذي فقد الأغلبية المطلقة ستتعمق، مما يقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة تجري هذا العام، أم أن تركيبة المعارضة المليئة بالتعقيدات ستنقذ هذه الحكومة، لتجعلها تجتاز الدورة، وتؤجل الانتخابات إلى ما بعد العام الجاري، ليأمل الائتلاف بحصول متغيرات تعيد الأغلبية له لتستمر حكومته، ما يعني أن الحالة السياسية الإسرائيلية، حاليا، تقف أمام سيناريوهات عدة.
يبدو أن قيام المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، ولا سيما خلال زيارته التي أجراها الأسبوع الماضي إلى مدينة بوتشا في ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، بتصنيف أوكرانيا بأنها "مسرح جريمة"، وقوله في تصريحات صحافية إن المحكمة الجنائية الدولية لديها "أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها في أوكرانيا"، حرّر من عقالها مخاوف إسرائيلية كانت مكتومة في ضوء قرار المحكمة هذا، الصادر في شباط 2021، والذي نصّ على أن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967 (الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة) وتشملها، ومعنى هذا أن المدعي العام للمحكمة مُخوّل صلاحية فتح وإجراء تحقيقات جنائية في جرائم الحرب التي تُتَّهم إسرائيل باقترافها في هذه الأراضي. وفي حينه تميّزت ردة الفعل الفلسطينية بالترحيب الكبير بهذا القرار واعتباره قراراً تاريخياً، في حين أن ردة الفعل من جانب إسرائيل والولايات المتحدة اتسمت بالغضب العارم إلى حدّ الجنون حيال هذا القرار، والتشديد على رفضه ومحاولة الطعن في صدقيته ومشروعيته، بل الطعن في صدقية المحكمة الدولية بالمجمل وشنّ هجوم كاسح عليها ورميها بأقذع الأوصاف، إلى درجة وصف قرارها الأخير هذا بأنه "مُعادٍ للسامية"!
الصفحة 198 من 914