عادة ما نسمع أن المستويات الأمنية الإسرائيلية قدمت توصياتها بشأن قضية أو وضع ما إلى المستوى السياسي أو لرئيس الحكومة أو للمجلس الوزاري المصغر- الـ"كابينيت"، لكن ما مدى التزام المستويات السياسية الإسرائيلية بالتوصيات المتخصصة والمهنية وخاصة الأمنية؟ وهل يؤخذ بها أو تهمل حسب المصلحة السياسية الحزبية والانتخابية والائتلافية لصاحب القرار السياسي وبالتالي الأمني في إسرائيل؟
كان يكفي تمرّد نائب واحد ليضع الحكومة الإسرائيلية على "كف عفريت"، وعلى كف نائب واحد آخر ليتقرر حل الكنيست والاتجاه لانتخابات مبكرة، وتحييد كل اعتبارات الكتل المشاركة في الائتلاف الحاكم، التي أبدت تماسكا بقدر كبير، حتى صباح السادس من الشهر الجاري، حينما أعلنت رئيسة الائتلاف عيديت سيلمان، من حزب رئيس الحكومة، "يمينا"، انسحابها من الائتلاف. فمنذ الآن بات الائتلاف يرتكز على 60 نائبا، وهذا حسب القانون لا يؤدي إلى سقوط الحكومة، بل إلى شل عملها أمام الكنيست بقدر كبير. أما الرابح الأكبر من كل هذا فهو شخص بنيامين نتنياهو، أكثر بأضعاف مما سيكسبه حزبه، ما أربك من كانوا يستعدون لخوض المنافسة على رئاسة الليكود.
يبدو أن قلائل انتبهوا إلى أن ما أسمي بـ "اجتماع النقب" الذي عقد في كيبوتس "سديه بوكر"، في صحراء النقب الجنوبيّة، يوم 28 آذار 2022، وحضره وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تزامن مع مرور 20 عاماً على إقرار مبادرة السلام العربية في ختام القمة العربية التي عقدت في بيروت في أواخر آذار 2002، وكذلك مع مرور 15 عاماً على إقرار هذه المبادرة مُجدّداً من طرف الدول العربية في قمة أخرى عقدت في العاصمة السعودية الرياض، في نهاية شهر آذار 2007.
وأولئك الذين انتبهوا إلى هذه المسألة، سواء من العرب أو من الإسرائيليين، فعلوا ذلك كي يخلصوا إلى نتيجة متشابهة فحواها أن "اجتماع النقب" يدلّ بوضوح، من بين أمور أخرى، على أن القادة العرب قد نسوا هذه المبادرة تماماً، ولم يعودوا يلزمون أنفسهم بها، بل ورُبّما باتوا مسلّمين بأنها أصبحت غير قابلة للإحياء أو حتى إعادة الترميم، وكذلك باتوا مسلّمين بأن إسرائيل نجحت في أن تجهضها، وهي التي لم تقبلها بشكل مطلق، ولم ترفضها رفضاً باتاً.
عقب مقتل المستوطن يهودا ديمينتمان في 16 كانون الأول 2021، أقام عدد من المستوطنين بؤرةً استيطانية باسم نفيه يهودا بالقرب من مستوطنة كريات أربع في الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة. كان ديمينتمان يستوطن في مستوطنة شافي شومرون بالقرب من مدينة نابلس، وطالب في المدرسة الدينية المقامة في مستوطنة حومش المخلاة عام 2005. خلال 24 ساعة بعد مقتل يهودا، كانت حركة نحالا الاستيطانية التي نشط فيها المستوطن يهودا، قد باشرت في إحضار منازل متنقلة من أجل إقامة البؤرة الاستيطانية، بادعاء أن الأراضي المستهدفة بالاستيطان هي أراضي دولة.
الصفحة 201 من 914