المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عشية قدوم وزيرة الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس ووزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس في جولة مشتركة إلى الشرق الأوسط، أعلنت إدارة الرئيس بوش عزمها بيع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أسلحة بقيمة 20 مليار دولار تقريباً.

وبغية موازنة هذه الصفقة، أعلنت إدارة بوش اعتزامها زيادة حجم المساعدات العسكرية إلى إسرائيل لتصل إلى ما قيمته نحو 30 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، أي 3 مليار دولار في السنة. وكانت إسرائيل قد حصلت حتى الآن على مساعدات عسكرية (أميركية) بحجم أخذ يزداد سنوياً، وذلك بموجب اتفاقيات موقعة بين البلدين في العام 1996، لتصل في السنة المالية 2008 إلى ما قيمته 4ر2 مليار دولار.

الزيادة التي أعلن عنها هي بنسبة 25% تقريباً. كذلك أعلن عن تمديد المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، والبالغة 3ر1 مليار دولار في السنة، إلى السنوات العشر المقبلة (مبلغ مساو للمبلغ الذي حصلت عليه مصر حتى الآن).

وبموجب ما أعلن من المقرر أن تبيع الإدارة الأميركية للمملكة السعودية ودول الخليج أسلحة بمبالغ مالية كاملة خلافاً للأسلحة التي تبيعها لمصر وإسرائيل بأموال المساعدات. صفقة بيع الأسلحة للسعوديين نضجت في واشنطن منذ بضعة أشهر والشيء الوحيد الذي أعلن عنه هو قنابل من نوع JDAM والقنابل الموجهة GPS، والتي استخدم مثلها سلاح الجو الإسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية. وتعتبر هذه القنابل سلاحاً رخيصاً نسبياً، إذ يمكن أن يصل ثمن مثل هذه القنابل إلى بضعة ملايين من الدولارات.

حتى الآن رفض متحدثون أميركيون إعطاء تفاصيل عن صفقة البيع الآخذة بالتبلور. ولكن يبدو أنها ستكون مخصصة ليس للمملكة السعودية وحسب وإنما أيضاً لباقي دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة وعُمان). مع ذلك ربما كان المبلغ الذي جرى الحديث عنه - 20 مليار دولار- يتعلق بمبيعات أسلحة للمملكة السعودية فقط. وقد ألمح موظفون كباراً في وزارة الدفاع الأميركية إلى أن الحديث يدور فقط عن منظومات دفاع جوية، (منظومات مضادة للصواريخ، منظومات رادارية، طائرات إنذار مسبق) بالإضافة إلى وسائل بحرية.

بالنسبة للسعودية لم تكن الولايات المتحدة في أي وقت مصدراً وحيداً للسلاح. فإلى جانب المعدات (الأميركية) يستخدم سلاح الجو السعودي طائرات طورنيدو البريطانية الصنع، كما أن معظم أسطول سلاح البحرية السعودي من صنع فرنسا. في السنة الأخيرة أبرمت السعودية صفقة ضخمة لشراء 72 طائرة مقاتلة متقدمة من طراز "تايفون" وهي من صنع بريطانيا أيضاً. وتهدف إدارة بوش في شكل أساس من وراء صفقات السلاح الضخمة هذه، إلى تعزيز التزام دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة السعودية، بالإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في المنطقة. فالإدارة الأميركية ترغب في ضمان التأييد السعودي لسياستها في العراق، وسط امتناعها (السعودية) عن دعم المنظمات الإسلامية السنية المتطرفة هناك وفي العالم قاطبة. في المقابل يشكل الدعم العسكري الأميركي لدول الخليج تلويحاً واضحاً لإيران، يؤكد التزام الولايات المتحدة تجاه أمن هذه الدول. ولعل الأصوات النقدية التي علت من طهران في أعقاب إعلان إدارة بوش عن صفقات الأسلحة تؤكد أكثر من أي شيء آخر أن هذه الرسالة فهمت جيداً في إيران.

ثمة سببان آخران يقفان خلف المبادرة الأميركية الأخيرة. الأول مرتبط بمواجهة الولايات المتحدة لتطلعات روسيا المتجددة بلعب دور مؤثر في الشرق الأوسط. وقد لاح دليل على ذلك في الأنباء التي نشرت خلال الأشهر الأخيرة حول صفقات أسلحة روسية إلى سورية و إيران، وحول إمكانية عودة الأسطول الروسي للعمل في البحر الأبيض المتوسط، معتمداً على مينائي طرطوس واللاذقية السوريين. السبب الثاني مرتبط مباشرة بسوق السلاح.. فإدارة بوش تدعم علناً صناعة الأسلحة الأميركية، في مواجهة منافسة شديدة من جانب شركات إنتاج الأسلحة العملاقة الأخرى في العالم. في منطقة الخليج يدور الحديث في شكل أساس عن منافسة في مواجهة بريطانيا وفرنسا، وإلى حد ما روسيا أيضاً. وفي حالة المملكة السعودية ربما كانت الإدارة الأميركية، تأمل في إلغاء صفقة طائرات "تايفون" البريطانية.

انعكاسات الصفقة على إسرائيل

سارع متحدثون إسرائيليون إلى التعقيب على صفقة الأسلحة الأميركية مع المملكة السعودية حتى في الوقت الذي كان الحديث يدور فقط عن قنابل الـ JDAM. وحذر هؤلاء المتحدثون من أن تزويد السعودية بأسلحة دقيقة سيشكل خرقاً للتعهد الأميركي بالمحافظة على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، وتهديداً استراتيجياً لإسرائيل. كما توجه موظفان إسرائيليان كبيران إلى واشنطن من أجل عرض تحفظات إسرائيل أمام الإدارة الأميركية. وكان ثمة حجتان في هذا السياق: الأولى أن المملكة السعودية وإن كانت حالياً لا تهدد إسرائيل، إلا أن النظام الحاكم فيها ليس مستقراً وقد يستبدل بواسطة نظام متطرف يكون مستعداً للعمل ضد إسرائيل، وفي مثل هذه الحالة، سيمنح السلاح الذكي أو الدقيق السعوديين أفضلة جوهرية لن يكون في حوزة إسرائيل ردّ عليها. الحجة الثانية، أن كسر مبدأ المحافظة على التفوق النوعي لإسرائيل سيضر بقدرة الردع الإسرائيلية، والتي تستند فيما تستند، إلى هذا التعهد الأميركي.

لكن من ناحية عملية يبدو أن المخاوف الإسرائيلية من تزويد السعودية بأسلحة حديثة ضُخِّمت هذا على الرغم من أن الأيديولوجية السائدة حالياً في المملكة السعودية تعتبر الأكثر عداء تجاه إسرائيل منذ قيامها. لم يعمل السعوديون في أي وقت ضد إسرائيل بما يتعدى إرسال قوة تمثيل رمزية خلال الحروب الماضية. هناك تهديدات جسيمة موجهة ضد المصالح السعودية المختلفة لكن إسرائيل ليست في عداد هذه التهديدات. فضلاً عن ذلك هناك المصلحة السعودية بالمحافظة على علاقات طيبة مع الغرب وتأمين تدفق النفط، وهذه المصلحة تتطلب الحفاظ على الهدوء في الجبهة الإسرائيلية. من الصعب الافتراض أن نظاماً آخر، مهما كان هذا النظام متطرفاً، لن يقف أمام تلك المصالح ذاتها.

وكانت قد أثيرت في الماضي أيضاً حجج وتحفظات إسرائيلية إزاء صفقات بيع أسلحة (أميركية) إلى المملكة السعودية إلا أن هذه الاعتراضات رفضت بدعوى أن الحديث يدور عن وجود مصلحة خاصة للولايات المتحدة في هذا البلد. هذا الأمر يتكرر في هذه المرة أيضاً. وفي مواجهة إدارة حازمة، لا يمكن لمعارضة إسرائيلية شديدة أكثر من اللازم أن تحقق سوى الغضب في واشنطن ليس إلاّ. فصفقة الأسلحة مع السعودية ينظر لها كمصلحة حيوية عليا للولايات المتحدة. وفي الحالة الراهنة، يبدو أن إسرائيل ورغم الغضب الذي ولدته المعارضة الإسرائيلية، نجحت في تحقيق زيادة في حجم المساعدات العسكرية الأميركية، وذلك إلى حد كبير كتعويض مقابل موافقتها.

___________________

* باحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقال ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات