من غير الواضح بعد أي حكومة إسرائيلية يمكن أن تُقام في ضوء النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ24 التي جرت يوم 23 آذار الحالي، وكانت الرابعة خلال أقل من عامين. كما لم يتضح بعد فيما إذا جولة الانتخابات الرابعة هذه هي الأخيرة، أم أنها ستكون كسابقاتها وتؤدي إلى جولة انتخابات خامسة على خلفية الأسباب ذاتها. ولعلّ ما يبدو واضحاً حتى الآن هو أنه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المؤيد لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو والذي يضم الليكود وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً و"الصهيونية الدينية"، وفي الوقت نفسه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المناهض لاستمرار حكمه.
كما يبدو واضحاً أن هناك حزبين فقط لم ينتميا إلى أي معسكر طوال الحملة الانتخابية، وهما "يمينا" برئاسة عضو الكنيست نفتالي بينيت، والقائمة العربية الموحدة برئاسة عضو الكنيست منصور عباس. بناء على ذلك فإن أياً منهما لن ينكث وعوده إذا ما قرر السير مع نتنياهو أو الانضمام إلى خصومه.
للمرة الرابعة خلال عامين تذهب إسرائيل الى انتخابات تشريعية، حيث يأمل المتنافسون أن يتمكنوا هذه المرة من إنجاز ما فشلوا في إنجازه سابقاً. وتتنافس في الانتخابات المقبلة للكنيست 39 قائمة انتخابية، من بينها 14 قائمة يمكن، بحسب الاستطلاعات، أن تتجاوز نسبة الحسم. وعلى خلاف الانتخابات السابقة تجري هذه الانتخابات في ظل تفكك أكبر جسم معارض هو "أزرق أبيض" وتفكك القائمة المشتركة بعد انشقاق تيار الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة العربية الموحدة) بقيادة منصور عباس، وفي ظل عدم وجود قائمة معارضة قوية بل عدة قوائم لا تشكل أي منها حالة معارضة مهددة لوحدها.
وتأتي هذه الانتخابات على خلفية ما صار يُعرف إسرائيلياً بـ "الأزمة السياسية"؛ التي بدأت غداة الانتخابات للكنيست الحادي والعشرين التي جرت في 9 نيسان 2019 بعدما فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف يميني ضيق في إثر رفض أفيغدور ليبرمان الانضمام لحكومته. وتتجلّى في دخول إسرائيل في دوامة انتخابات متكررة
مع الاقتراب من موعد إجراء انتخابات الكنيست الـ24، يوم 23 آذار الحالي، نتملّك أكثر فأكثر دلالات ذهاب إسرائيل إلى أربع جولات انتخابية خلال أقل من عامين، وما دلّت وستدل عليه نتائج هذه الجولات.
ولئن تم، في الجولات الثلاث السابقة، تغليف تلك الدلالات داخل بعض مفاهيم ملتبسة كان من شأنها أن تضبّب العامل الرئيس الواقف وراءها، والذي يُحيل إلى محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو البقاء في سدّة الحكم بما يسعفه في الهروب من محاكمته بشبهة ارتكاب مخالفات فساد، فإنها في هذه الجولة الرابعة غادرت منطقة الالتباس أكثر فأكثر وأمست على نحو أشدّ وضوحاً، وجاءت جائحة كورونا لتؤكد فاعلية العامل المذكور في الحملات الإعلامية المتواترة، بل وحتى في محاولات إنتاج كل المعنى المرتبط بالحياة السياسية والحزبية الإسرائيلية.
لا شك في أن إعلان المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بصورة رسمية، يوم 3 آذار 2021، أنها ستشرع في إجراء تحقيق لتقصي شبهات بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، يضع أساساً مهماً أمام جهات عديدة لرؤية السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين على نحو أكثر انتقاداً. لذلك فإن إسهامه الأبرز قد يتمثّل في كونه يشكل سنداً لمزيد من فضح هذه السياسة وإدانتها في المحافل السياسية والقانونية الدولية.
وباعتراف حتى جهات إسرائيلية، فإن ضباط الجيش الإسرائيلي وجنوده ليسوا وحدهم الذين يجب أن تُقضّ مضاجعهم من هذا التحقيق، بل يُضاف إليهم رؤساء المستوى الحكومي والسياسي الذين وافقوا على الاستيطان في الضفة الغربية، ووزراء الدفاع الذين انشغلوا كثيراً في توسيع المستوطنات في الضفة، وكذلك رؤساء الحركات الداعمة للمستوطنين.
ما زال موضوع عودة حزب العمل الإسرائيلي، منذ انتخاب عضو الكنيست ميراف ميخائيلي رئيسة له، إلى لائحة الأحزاب التي ستنجح وفقاً لاستطلاعات الرأي العام، في تجاوز نسبة الحسم، يحتل حيّزاً بارزاً في تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية للانتخابات العامة التي ستجري يوم 23 آذار الحالي.
وتنشغل هذه التغطية أكثر من أي شيء آخر في جانبين يبدو أنهما ترتبا على ما يوصف بأنه استفاقة حزب العمل من موت كان شبه محقق: الأول، نجاح الحزب في أن يستقطب مصوتين من معسكر ما يسمى الوسط- اليسار، والثاني، ما قد يؤدي إليه هذا الاستقطاب من إضعاف لحظوظ حزبين آخرين من المعسكر نفسه في اجتياز نسبة الحسم، وهما "أزرق أبيض" وميرتس.
تمثل المنطلق الرئيس للمعارضة التي أبدتها جهات إسرائيلية حيال قرار لجنة إدارة "كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل) الذي يقضي رسمياً، لأول مرة، بشراء أراضٍ خاصة من فلسطينيين في الضفة الغربية بهدف توسيع المستوطنات، في فرضية وحيدة مؤداها أن تبعاته قد تكون ذات ضرر بالغ على المستوى الدولي، وفي مقابل الإدارة الأميركية الجديدة، وفي كل ما يتعلق بالعلاقات مع يهود الشتات. وهذا المنطلق يشمل كذلك حركة "السلام الآن"، التي تعارض توسيع المستوطنات القائمة. وينبغي القول إن هذه الحركة شكلت بمثابة "رأس حربة" ضد نشاطات سابقة لهذا الصندوق في أراضي 1967 جرت بطرف التفافية وبما يخالف سياسته العامة التي تنص على وجوب ألا تتجاوز هذه النشاطات "المناطق الخاضعة للحكومة الإسرائيلية" وألا تمتد إلى الأراضي المحتلة منذ 1967.
الصفحة 30 من 49