المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مراقب الدولة الإسرائيلية يضطر مرغما إلى إعلان نيته نشر "تقرير مصروفات بيوت رئيس الحكومة"!

"مصادر عليمة بما يجري في مكتب مراقب الدولة" ـ كما وصفتها بعض وسائل الإعلام ـ تقول إن "المراقب شابيرا يتصرف بتلكؤ وبقفازات من حرير في هذه الحالة، كما في الحالات الأخرى التي تخص رئيس الحكومة نتنياهو"! والمراقبون يعزون ذلك إلى المساعي الكبيرة التي بذلها نتنياهو ومقربوه من أجل تعيين شابيرا في هذا المنصب!!

تتداخل الفضائح وتتشابك مما يتكشف، يوما بعد يوم، عن "الحياة الخاصة" لرئيس حكومة إسرائيل الحالي ومرشح حزب "الليكود"، وأحزاب اليمين عامة، لتولي هذا المنصب بعد الانتخابات الوشيكة للكنيست الإسرائيلي، المقرر إجراؤها في شهر آذار القريب، بنيامين نتنياهو، وأفراد عائلته، وخاصة زوجته سارة، مما يشكل دوسا فظا ليس فقط للأصول والقواعد المرعية في حياة رؤساء الدول "الخاصة" وسلوكياتهم، بل قد يشكل أيضا انتهاكا صارخا للقوانين المعمول بها، سواء كانت قوانين العمل والتشغيل أو القوانين التي تبتغي المحافظة على "الإدارة السليمة" وتحظر استغلال المنصب، بما يوفره من سلطة وصلاحيات وامتيازات، للأغراض والمنافع الشخصية وفي مقدمة ذلك حظر استغلال "الموارد والأموال العامة" للمنفعة الشخصية، خارج نطاق ما يبيحه القانون.

ومن بين هذه الفضائح، التي يستعر أوارها الآن بالذات عشية الانتخابات وعلى خلفيتها، فضيحة تخشى أوساط واسعة في إسرائيل، أكاديمية وحقوقية وغيرها، أن يكون قد وقع في شباكها أيضا، في التغطية والتستر ومحاولات التكتم عليها، مسؤولون من الصف الأول في الأذرع الرسمية التي تُعرف، اصطلاحا، بـ "سلطات تطبيق القانون والمحافظة على سلامة الإدارة"، وخاصة مراقب الدولة الحالي، يوسف شابيرا، والمستشار القانوني الحالي للحكومة، يهودا فاينشتاين.

وتتعلق هذه القضية بما أصبح يُعرف، إعلاميا جماهيريا، باسم "مصروفات بيوت رئيس الحكومة"، علماً بأن الحديث يدور عن مصروفات باهظة جدا، ومبالغ فيها بشكل استثنائي، في المقر الرسمي لرئيس الحكومة الإسرائيلية، في شارع "بلفور" في القدس، وكذلك في منزليه الخاصين، أحدهما في شارع "غزة" في القدس وثانيهما (فيللا) في مدينة قيسارية. وكان آخر ما تطور في هذه القضية "تقديرات" نُسبت، في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى "مصادر رفيعة في الشرطة" تفيد بأن "الشرطة ستضطر، على ما يبدو، إلى فحص نتائج تقرير مراقب الدولة" في هذا الشأن.

وجاء نشر هذه التقديرات في أعقاب "جلسة تشاورية" خاصة، هي الأولى من نوعها، عقدها المستشار القانوني للحكومة، فاينشتاين، الأسبوع الماضي، بمشاركة عدد من قادة الشرطة، للبحث في قضية "مصروفات بيوت رئيس الحكومة" وقضية "الزجاجات الفارغة" التي درجت زوجة رئيس الحكومة، سارة نتنياهو، على دسّ أثمانها في جيبها الخاص. ويبدو أن بعض المعنيين في قيادة الشرطة تعمدوا تسريب هذه "التقديرات"، على الرغم مما أوضحه فاينشتاين خلال الجلسة ـ طبقا للتقارير الإعلامية ـ بأنه "لا ينوي، في هذه المرحلة، تحويل الموضوع إلى الشرطة لغرض التحقيق فيه"، مع استدراكه بأنه "لا ينفي احتمال تغيّر هذا الموقف مستقبلا"!

والواضح أن فاينشتاين اضطر إلى إبداء تحرك ما في هذه القضايا حيال الضجة الإعلامية الواسعة التي أثارتها، ولا تزال تتفاعل يوميا، وعلى خلفية الكشف عن قرار مراقب الدولة، شابيرا، عدم نشر تقريره حول "مصروفات بيوت رئيس الحكومة" الآن بل تأجيل النشر إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو القرار الذي كشفت النقاب عنه صحيفة "هآرتس" في نهاية الشهر الأخير. وفي أعقاب هذا الكشف، سارع مراقب الدولة إلى إصدار بيان رسمي قال فيه إنه سينشر هذا التقرير في السابع عشر من شباط الجاري، أي قبل شهر من موعد الانتخابات للكنيست. وحاول مراقب الدولة رمي الكرة في ملعب المستشار القانوني للحكومة، فاينشتاين، حين ادعى، في بيانه، أنه "أبلغ المستشار بهذا القرار لدى تسليمه المواد التي تم جمعها حول الموضوع المتعلق بمصروفات بيوت رئيس الحكومة، والذي يثير شكوكا بانتهاك المعايير السليمة، إلى حدّ الشك بارتكاب مخالفات جنائية"!

وأوضحت مصادر مطلعة في مكتب مراقب الدولة أن التقرير الذي سينشر في 17 شباط الجاري، طبقا للبيان، لن يشمل قضية "الزجاجات الفارغة" وقضية "الأثاث في حديقة منزل رئيس الحكومة"، اللتين تم تحويلهما إلى معالجة المستشار القانوني للحكومة، بعدما أعلن المراقب أن "السيدة نتنياهو ليست طرفا خاضعا للرقابة"، وهو ما يوحي بأن النية تتجه نحو تأجيل نشر أي تقرير حول هاتين القضيتين، كما حصل في الماضي بشأن قضية "بيبي تورز" التي حوّلها المراقب إلى المستشار القانوني وقام الأخير بإغلاق ملفّها بعد نحو ثلاث سنوات!

محامي نتنياهو يتدخل لدى المراقب مباشرة!!

صحيفة "هآرتس"، التي كشفت (يوم 30 كانون الثاني) عن قرار مراقب الدولة تأجيل نشر تقرير "مصروفات بيوت رئيس الحكومة"، كشفت في إطار ذلك، أيضا، عن شبكة الخيوط التي أدت إلى هذا القرار، وفي مركزها تدخل محامي عائلة نتنياهو، المحامي دافيد شيمرون، شخصيا، لدى المراقب ومطالبته بعدم نشر التقرير الآن، على الرغم من كونه ناجزا وجاهزا للنشر منذ بضعة أسابيع، وإنما تأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات "خشية المس بصورة رئيس الحكومة"!!

كما كشفت "هآرتس"، أيضا، أن شيمرون طالب المراقب شابيرا بتأجيل نشر تقرير آخر - يجري العمل على إعداده في مكتب المراقب منذ بضع سنوات ـ يتعلق بسفرات عديدة إلى خارج البلاد أجراها الزوجان بنيامين وسارة نتنياهو على نفقة بعض أصحاب رؤوس الأموال وبعض الجمعيات إبان إشغال نتنياهو منصب وزير المالية في حكومة أريئيل شارون، وهي ما تشكل جزءا من قضية "بيبي تورز".

والمعروف أن المحامي شيمرون يمثل عائلة نتنياهو منذ سنوات عديدة وهو المسؤول المباشر، شخصيا، عن معالجة كل ما يتعلق بتقارير المراقبة (مراقب الدولة) الخاصة بنتنياهو. وقد اعترف شيمرون، رسميا، بأنه توجه إلى مراقب الدولة، شخصيا، بشأن تقرير الأخير حول "مصروفات بيوت رئيس الحكومة"، وذلك في مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية الثانية في إسرائيل (مساء الأحد، الأول من شباط). فحين توجه الصحافي رفيف دروكر (الذي كشف عن قضية "بيبي تورز") إلى شيمرون، خلال المقابلة، قائلا: "يبدو أن مراقب الدولة يستجيب دائما لتوجهاتكم وطلباتكم... ماذا كان دورك في طرح ترشيحه لهذا المنصب وكم مرة التقيتـَه، سوية مع طاقمه، بشأن تقاريره منذ تسلمه منصبه"؟؟ اعترف شيمرون بأنه التقى مراقب الدولة السابق، ميخا لندنشتراوس، والحالي، يوسف شابيرا، عدة مرات..."ثلاث أو أربع مرات، وغالبا بحضور أشخاص آخرين"، نافيا أن يكون في الأمر "ما يخالف الأصول والأعراف"!

ومن جهته، لم ينف مكتب مراقب الدولة توجه المحامي شيمرون إليه بغية تأجيل نشر التقرير، لكنه ادعى بأن "المراقب لم يعِده (شيمرون) بشيء"!

ونقلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "مصادر عليمة بما يجري في مكتب مراقب الدولة" ـ كما وصفتها ـ قولها بأن "شابيرا يتصرف بتلكؤ وبقفازات من حرير في هذه الحالة، كما في الحالات الأخرى التي تخص رئيس الحكومة نتنياهو"!

يشار هنا إلى أن نتنياهو كان الداعم الأساس لتعيين يوسف شابيرا (قاضي المحكمة المركزية في القدس، سابقا) في منصب مراقب الدولة خلفا لميخا لندنشتراوس، بل وأجرى له "لقاء قبول" في مقره الرسمي في القدس قبل تجنيد نواب كتلة "الليكود" في الكنيست لتأييد انتخابه أمام منافسه، قاضي المحكمة العليا السابق، إليعازر ريفلين. كما بذل اثنان من المحامين المقربين جدا لنتنياهو، هما دافيد شيمرون ويحيئيل غوطمان، مساعي وجهودا كبيرة جدا لضمان انتخاب شابيرا لهذا المنصب. وبعد انتخابه وتسلمه المنصب، مباشرة، قام شابيرا بتعيين نجل المحامي غوطمان، متان، مساعدا كبيرا للمدير العام لمكتب مراقب الدولة، حتى أصبح يُعتبر اليوم "الرجل الأقوى والأكثر تأثيرا في دائرة مراقب الدولة"!! ويربط المراقبون والمحللون بين شبكة العلاقات والمصالح هذه وبين مسلك مراقب الدولة وأدائه في كل ما يتعلق برئيس الحكومة، نتنياهو، وآخرها الآن "تقرير المصروفات" هذا.

وفي الرد على هذه التطورات، أصدر مكتب رئيس الحكومة بيانا اتهم فيه جهات لم يسمّها بأنها "تشن حملة إعلامية منظمة ترمي إلى تخويف مراقب الدولة والمستشار القانوني للحكومة بغية إسقاط حكومة الليكود برئاسة نتنياهو"!! وأضاف البيان: "لن نسمح لهذه الحملة السياسية بحرف أنظار الجمهور عن القضية المركزية التي يواجهها ـ مَن الذي سيحمي أمن إسرائيل"!!

أما مكتب مراقب الدولة، فقد قال من جانبه إن "المراقب لا ينزل إلى الساحة السياسية ـ الحزبية وليس طرفا فيها... عمل المراقب ونشر تقاريره يجريان بانتظام دونما علاقة بالقضايا السياسية، بما فيها الانتخابات. تقرير المراقب حول مصروفات بيوت رئيس الحكومة أصبح جاهزا وسيقرر المراقب موعد نشره في الأيام القريبة القادمة"!

مصروفات باهظة جدا وغير معقولة!

يعالج تقرير "مصروفات بيوت رئيس الحكومة" مسألة المصروفات الكبيرة جدا وغير المبررة في بيوت رئيس الحكومة، المقر الرسمي في القدس والفيللا الخاصة في قيسارية، بما يشكل استغلالا للمال العام لأغراض شخصية وهدرا لأموال المواطنين على حياة البذخ والتبذير التي يعيشها رئيس الحكومة وعائلته. ومن بين ذلك، آلاف الشواكل على وجبات في المطاعم، عشرات آلاف الشواكل على "مشروبات خفيفة ونبيذ" (أكثر من 43 ألف شيكل)، عشرات آلاف الشواكل على باقات الزهور (أكثر من 96 ألف شيكل!!)، آلاف الشواكل على الشموع المعطرة، آلاف الشواكل على تصفيف الشعر والأحذية وغيرها، عشرات آلاف الشواكل (أكثر من 91 ألف شيكل) على خدمات صيانة وتنظيف في فيللا العائلة في قيسارية خلال العام 2012، علاوة على مبالغ باهظة أخرى تم رصدها لإدخال كماليات عديدة مختلفة في بيوت رئيس الحكومة المذكورة.

وفي الإجمال، كانت الدولة قد رصدت لعائلة نتنياهو "ميزانية صيانة" رسمية بمبلغ إجمالي مقدراه 2ر2 مليون شيكل في العام 2012، غير أن الميزانية التي تم صرفها بالفعل بلغت 3ر3 مليون شيكل، أي بزيادة نسبتها 50%!!




المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات